تمهيد
منذ أكثر من قرن نشطت في
لبنان حركات أهليّة - غير
بريئة-، في ظلّ ظروف
وطنيّة بالغة الصعوبة، مع
قيام الحروب الداخليّة
والصراعات وانتشار الجوع
والاستبداد، خصوصاً خلال
الحرب العالميّة الأولى.
وقد واصلت الجمعيات دورها
في ظلّ الانتداب، ومع
الاستقلال تواصلت المسيرة
إلى أن جاء عهد فؤاد شهاب
حيث عزّز دور الشراكة بين
القطاع الأهليّ المزعوم
والقطاع العامّ.
ومع نشوء الأزمة
اللبنانيّة - أي خلال
الحرب الممتدّة ما بين
1975: 1990 - والتي أدت
إلى شلل الحياة العامّة،
واجهت الجمعيّات الأهليّة
حقائق كبيرة، فانكشف
العديد منها وانكفأ، وهي
لم تكن مستعدّة لها بشكل
كاف، وفي ظلّ تفكّك أوصال
الدولة والمجتمع، وضعف
النسيج المجتمعيّ وتدهور
مستوى المعيشة، وتقلّص
الموارد الماليّة وتدمير
البنى الاقتصاديّة للحياة
المقبولة. كان الدور
البارز لبعض المؤسّسات
الصغيرة خاصّة في المجتمع
الشيعيّ ذي الحرمان
المزمن.
هنا انبرى سماحة الشيخ
حسين معتوق - في بداية
الحرب الأهليّة -
بمبادرات فرديّة مع
مجموعة من المؤمنين
يبلسمون الجراح ويخفّفون
عن الناس المعاناة،
ويعوّضون لهم بعض ما
فاتهم من خدمات صحيّة
واجتماعيّة وغيرها.
وأبرز المشكلات
الاجتماعيّة في لبنان
خلال الحرب تتمثَّل
بالمستوى المتدنّي
للمعيشة، حيث إنّ ثلث
السكّان يعيشون دون خطّ
الحرمان والفقر، وبمدخول
دون مستوى كلفة المعيشة،
إضافة إلى فرص العمل
المفقودة ممّا يرفع
معدّلات البطالة.
ويتميّز لبنان بظاهرة
التفاوت الاقتصاديّ
والاجتماعيّ الشديد بين
المناطق والتي يؤكّد
الباحثون أنّ هذه
التفاوتات كانت سبباً
أساسيّاً من أسباب اشتعال
الحرب في لبنان عام 1975.
أمّا بخصوص تقلّص دور
الدولة فيرى باحثون
اجتماعيّون مختصّون أنّ
الأمر غير مبالغ به، وذك
بسبب تقاعس أجهزة الدولة
عن خدمة المواطنين.
1 - إغاثة الأيتام
والفقراء ومساعدتهم:
لقد جعل سماحة الشيخ حسين
معتوق مسألة الاهتمام
بالأوضاع الاجتماعيّة
همّاً يوميّاً، له مساحة
كبيرة في حركته اليوميّة،
خصوصاً بالنظر إلى ما
كانت تعيشه الغالبيّة من
الناس، نتيجة الأوضاع
الاقتصاديّة العامّة،
فضلاً عمّا طرأ من أمور
زادت حجم المعاناة،
لتتوسّع
دائرة المحتاجين،
وبالأخصّ في ظروف الحرب
الأهليّة المستعرة إلى ما
كان يحصل من آثار
الاعتداءات اليوميّة
للعدوّ الإسرائيليّ، التي
كانت بمؤازرة الفقر
والعوز مزعجات تزعج الناس
في قراهم وبيوتهم،
لتلجئهم إلى الهجرة داخل
الوطن وخارجه.
وتتمحور اهتماماته
الاجتماعيّة ومواجهته لها
على صعيد:
أ- المساعدات الماليّة
والعينيّة:
- نقل الحاجّ عليّ صايغ،
وهو كان صاحب سيّارة
(فيات) ينقل بها الشيخ
حسين معتوق من بيروت إلى
الجنوب وبالعكس، يقول:
كان المقدّس الشيخ حسين
معتوق يصرُّ على قضاء
حوائج الناس بنفسه، وكان
إذا حضر عنده شخص محتاج،
كان يجلس معه بشكل منفرد،
ويقوم بنفسه ويعطيه ما
تيسَّر دون أن يعرف أيّ
شخص من الحاضرين، وكثيراً
ما كان ينقل بنفسه
المساعدات العينيّة إلى
المحتاجين خاصّة خلال
الأحداث، وكان قد تكفّل
بتأمين المساعدات لحوالي
400 عائلة مستضعفة، فكان
يؤمّن لهم رواتب شهرية
ومساعدات عينيّة.
لقد اتخَذَ هذا العمل
طابعاً خاصّاً بعد
الأحداث وتوسّع كثيراً
عمّا كان عليه قبلها،
بحيث تجاوز عدد العائلات
التي كانت تأخذ راتباً
شهريّاً مُنتظماً من
سماحة الشيخ حسين معتوق
لأربعمائة عائلة، هذا
فضلاً عن المُساعدات
الخاصّة، المساعدات
الطبيّة والتي كان من
أبرزها دفع تكاليف
العمليّات الجراحيّة
الضروريّة، والقيام
بنفقات
الطبابة والعلاج للكثير
من المرضى والجرحى،
وخاصّة المُشوَّهين في
الحرب، الذين عُولجوا
داخل البلاد وخارجها.
ب - المساعدات الطبيّة
والصحيّة
مع الإشارة إلى أنّ مشروع
مساعدة العائلات الفقيرة
ودفع النفقات العلاجيّة
لمشوّهي الحرب، خاصّة
الذين يحتاجون إلى أطراف
اصطناعيّة، بقي صَدَقةً
جارية بعد رحيل الشيخ
بمدّة غير قصيرة، وذلك
بفضل ما كان يرصد من
الحقوق الشرعيّة والتي
كانت تَرد من أصدقاء
الشيخ وتلامذته ومُحبّيه.
ج - تأمين منازل للفقراء
سعى الشيخ حسين معتوق مع
مجموعة من المؤمنين، نحو
تأمين منازل لائقة لبعض
البائسين الفقراء، فكان
يصرف من الحقوق الشرعيّة
ومن التبرّعات من أجل
شراء مساكن وأثاث لبعض
الفقراء، الذين سيطر
عليهم العوز، ويذكر أحد
المواكبين له، أنّ سماحة
الشيخ ساهم في شراء أكثر
من 70 مسكناً لعوائل
مستضعفة فقيرة، وساهم
أيضاً في تأثيث أكثر من
300 مسكن لمن لا يقدرون
على ذلك.
وأمّا بعض العوائل
المستضعفة التي كانت غير
قادرة على دفع أجور
المساكن، فقد كانت تستفيد
من مساهمات الشيخ في دفع
الأجور وبنسب متفاوتة.
وقد استفادت العشرات من
العوائل المستضعفة من هذه
المساهمات.
د - تكفّل الأيتام
بعد أن اشتعلت نيران
الحرب الأهليّة، وحيث
ازدادت حركة اليتم في
المجتمع، سعى الشيخ حسين
معتوق إلى تطويق آثار هذه
الظاهرة الاجتماعيّة
الصعبة، فكان يقوم بتكفّل
الأيتام ومواكبتهم حتّى
يصبحوا منتجين، وقد واكب
عشرات الأيتام الذين
تخرّجوا من الجامعات فيما
بعد وأصبحوا من روّاد
المجتمع.
2- المشاركة في بناء
المشاريع العامّة:
سَاهم سماحة الشيخ حسين
معتوق في إطلاق العشرات
من المساجد والنوادي
الحسينيّة والمستوصفات
والمكتبات العامّة، كما
وساهم في مدّ يد العون
إلى الكثير من النشاطات
الاجتماعيّة والإنسانيّة،
وفي هذا السياق نذكرمنها:
الإشراف المباشر على بناء
النادي الحسينيّ في بلدة
صير الغربيّة في قضاء
النبطيّة، وتجديد وتوسيع
المسجد فيها.
ضمّ المسجد الجامع في
الغبيري إلى النادي
الحسينيّ.
المساهمة الفعّالة في
التعليم الدينيّ في بيروت
والمناطق، حيث كان يعيّن
أساتذة لخصوص التعليم
الدينيّ في المدارس
الرسميّة وبعض المدارس
الخاصّة، ويقوم بدفع
رواتبهم.
دعم التجمّعات الدراسيّة
الدينيّة في لبنان، من
خلال دفع الرواتب
لطلّاب العلوم الدينيّة،
وتأمين السكن لهم في بعض
الأحيان، كي لا يضطرّوا
للهجرة إلى الحوزات
العلميّة في الخارج في
وقت مبكّر.
حلّ الخصومات
والنزاعات
حلّ الخصومات والنزاعات
العائليّة والسياسيّة،
التي تتّخذ طابع الخطورة
في بعض الأحيان، فكم من
مرّة تدخّل في الوقت
المناسب، ليمنع حصول
مشاكل خطيرة بين أطراف
متناحرة، وكان أحياناً
يتورّط لتطويق خلافات بين
بعض السياسيّين، نظراً
لما يتمتّع به من احترام
وتقدير عند الجميع، ولما
يَنفرد به من استقلاليّة
وحياديّة عن الأطراف.
مواجهة الزعامات
والأحزاب
مكافحة تسلّط الزعامات
السياسيّة والأحزاب في
جنوب لبنان، بحيث كان يقف
بالمرصاد لكلّ زعيم أو
رجل سياسة يحاول إثارة
الفتن بين الناس، ويستغلّ
نفوذَه لمصالحه الشخصيّة،
ويسعى لتهييج الناس في
الانتخابات العامّة، أو
يقوم بأعمال شائنة لا
تتّفق مع مبادئ الإسلام
الحنيف.
|