7- وفاته
لقد شاءَ ألقدر أن يكون
في وفاته صورة تحكي
حياته، ففي صباح يوم
الأحد الواقع في
13صفر1401هـ الموافق
21كانون الأوّل 1980،
غادر الشيخ حسين معتوق
الغبيري إلى الجنوب في
زيارة معتادة.
وفي ليلة الاثنين كان
يتصدّر اجتماعاً في بلدة
القصيبة، وكانت الأحاديث
والإرشادات تفيض منه على
الجالسين بحيث بدا في
حالته العاديّة من النشاط
والأريحيّة اللذَيْن لم
يفقدهما في أواخر عمره،
ويقول الحاجّ أبو أديب
الصايغ، وهو كان من
الحاضرين في هذه السهرة،
إنّ الشيخ حسين معتوق في
هذه الليلة تحدّث عن عدّة
مواضيع, وكان قد خصَّص
جزءاً كبيراً عن ذكر
الموت, ثمّ قال بعض
الأشعار، ثمّ تحدّث بأنّه
سيذهب صباح اليوم التالي
إلى بيروت، وأنّه يشعر
بأنّ هذه السهرة لا بدّ
أن تطول أكثر...وفي منتصف
الليل توجّه الشيخ حسين
معتوق إلى بلدة صير
الغربيّة مع الحاجّ عليّ
صايغ في سيّارته، وفي
الطريق طلب الشيخ من
الحاجّ عليّ صايغ أن يمرّ
عليه صباحاً من أجل
الذهاب إلى بيروت باكراً؛
لأنّ لديه مواعيد مهمَّة،
وأصرّ على المبيت منفرداً
في بيته في البلدة.
وفي صباح يوم الاثنين
حضرَ السائق وأهالي
البلدة إلى باب المنزل
بعدما استبطأوا خروجه،
وطفقوا يطرقون الباب،
ولكن طَرقاتِهم ظلَّت
تشقّ جدار الصمت بغير
جواب: إنّها المرّة
الأولى التي يَُطرق فيها
بابه ولا يفتحه بنفسه، إذ
لم يجعل في حياته كلّها
فاصلاً بين غرفته والناس.
وحين طال المكث على
الباب، وساور الشكّ
النفوس، أقدم أهالي
البلدة على فتح الباب
ودخول غرفة الشيخ، فعثروا
عليه نائماً نومته
الأبدية على أرض الغرفة..
وإذ ذاك، فقد غلبت الدهشة
وعَظُمت الصدمة: مات
الشيخ حسين معتوق، مات
وحيداً كما عاش في حياته
الخاصة، مات في أوجِ
عطائه وجهاده، بعد ثمانية
وستّين عاماً كانت حافلة
بالكفاح والصبر والبذل
والجهاد.
وفي صباح يوم الأربعاء 24
كانون الأوّل 1980، دُفن
الشيخ حسين معتوق في
الفسحة التابعة لحسينيّة
البلدة..
ما قيل فيه بعد وفاته في
ذكرى الأسبوع:
- الشيخ حسين زين الدين:
لَبِستْ عليك حدادَها
الأيامُ
فعليكَ منّا
يا حسينُ سلامُ
جُرحُ الشريعةِ فيكَ غيرُ
مضمّدٍ
جَزَعاً وجرحُ
الفضلِ لا يلتام
- الأستاذ حسن معتوق نجل
الفقيد الراحل:
حاولتُ نظمَ الرثا
فاستعصتِ الكَلِمُ وهل
لأهل النُهى بعدَ الحسينِ
فمُ؟
ما كنتُ أَحَسبُ يجري في
الرثا قلمي ما حيلتي قد
جرى في ذلك القلم
- آية الله السيد محمد
حسين فضل الله قدس سره:
من الأشخاص الذين نفتقدهم
في حياتنا مَن تشعر أنّك
تريد أن تنطلق من اسمه
لتهرب إلى شيءٍ آخر، ولكن
هناك من الأشخاص من يفرض
عليك اسمه أن تعيش في عمق
ذاته وفي حياته وفي
منطلقاته؛ لأنّ حياته
تتحرّك في الاتجاه الكبير
من حياة الناس، وفي
المنطلق الكبير من رسالات
الله، من هؤلاء الأشخاص
فقيدنا الكبير - المقدّس
الشيخ حسين معتوق- الذي
نشعر حين افتقدناه,بأنّ
هناك فراغاً كبيراً في
حياتنا العلميّة وحياتنا
العمليّة، لأنه يمثّل ذلك
الجيل من علماء الأمّة
الذي لم يحاول عندما
تحرّك في إطار العلم، أن
يأخذ من العلم كلمة هنا
يحفظها, وكلمة هناك
يحفظها, وحُكماً يستظهره،
وإنما كان يريد أن ينطلق
بالعلم من أجل أن تستمرّ
المسيرة، مسيرة العلماء
التي بدأها علماء أهل
البيت من أجل أن يكون لنا
في كلّ عصر مجتهدون، ومن
أجل أن يكونَ لنا في كلّ
عصر علماءُ يعيشون الوعي
للشريعة من خلال علمهم
الذي يتعمقّ في فهم
الشريعة. إنّه من قلةٍ من
العلماء عرفوا أنّ معنى
أن يقف الإنسان في موقع
المسؤوليّة العلميّة
الفقهيّة, أن يعيشّ
الإسلامَ فكراً مُمتدّاً
متعمّقاً كما يعيشه حياةً
وممارسة وسلوكاً؛ لأنّ
الإنسان الذي
يَعي
الإسلام علماً يستطيع أن
يقف أمام أحكام الله,
موقف الإنسان الذي يملك
وضوح الرؤية، ويعرف كيف
يبتدئ حكم الله, وكيف
يتحرّك وإلى أين ينتهي.
إنّه من هؤلاء الذين
امتدّت بهم مسيرة علمائنا
في جبل عامل, وعلمائنا في
العراق وعلمائنا في
إيران، حتّى استطاعوا أن
يغنوا الفقه الإسلاميّ
باجتهادهم، وأصبح الفقه
الإسلاميّ الإماميّ
بوساطة علومهم وجهدهم
وثقافتهم يمثّل قمةً في
العلوم كلّها.
من خلال الاجتهاد يقف
الكثيرون من المشرّعين في
العالم ليقولوا إنّ الفقه
الإسلاميّ يمكن أن يشكّل
أساساً وقاعدة للتشريع في
العالم كلّه.
سار الفقيد في هذا الجوّ
وعاش هناك في النجف، عاش
مع العلماء الكبار على أن
يختزن من علومهم الكثير,
وعلى أن ينطلق من خلال
هذا العلم الغزير من
جديد.. لهذا نحن نشعر
بالفراغ الكبير؛ لأنّنا
نشعر أنّ هذه المسيرة
بدأت تقلّ ولا أريد أن
أٌقول إنّها بدأت تنعدم..
من خلال ذلك نشعر بعمق
وسعة هذا الفراغ.
ثمّ تنطلق معه وأنت تعيش
معه في حياته.. تنطلق معه
لتشعر بالخُلُق الطيّب
الذي يحتويك حتى لو كنت
تختلف معه أو يختلف معك،
كان يتّسع بخُلُقه لمن
يتَّفقون معه في الرأي,
ويتّسع لمن لا يتّفقون
معه. وعندما يتّسع
بخُلُقه لمن لا يوافقونه
في الرأي,لا يتنازل على
أساس مجاملة.
الكثيرون منّا ربّما
تدفعهم أخلاقهم إلى أن
يجاملوك على حساب مبادئهم
وقِيَمهم ومواقفهم. لكنّه
كان يفتح لك صدره، وكان
يوحي لك عندما يفتح لك
صدره بكلّ محبّة وبكلّ
رحابة صدر.. كان يوحي لك
بأنّ الخُلُق الذي يرتكز
على أساس العلاقات
الاجتماعيّة شيء, وأنّ
المواقف المبدئيّة شيء
آخر، وليس معنى أن تحمل
خُلُقاً عظيماً أن تتنازل
مع الذين تختلف معهم في
الرأي، بل أن تعرّفهم أنّ
اختلاف الرأي لا يمكن أن
يشكلّ أساساً لعداوة أو
خصومة أو خلاف شخصيّ.
وتلك نقطة نحتاجها في
مسيرتنا الاجتماعيّة، في
خلافاتنا
واتفاقاتنا....تلك هي
نقطة بارزة في حياة
فقيدنا الكبير، وفي هذا
الاتجاه نظلّ نسير مع
حياته لنلتقط عنها الكثير
الكثير ممّا يمكن أن
نتعلّمه، كان يرصد واقعه
من حوله، وكان يرصد
الانحراف في أجوائنا،
الانحراف في العقيدة أو
الانحراف في الخطّ
السياسيّ, أو الانحراف في
الممارسات الاجتماعيّة.
وكان يشعر أنّ عليه أن
يقف موقف الإنسان الذي
يعنّف تارةً ويهاجم,
ويرقّ تارة أخرى. وأنتم
هنا في هذه البلدة
الطيّبة تعرفون أنه وقف
من على هذا المنبر
الوقفات القويّة الصامدة
المنفتحة. كان يشعر من
خلال قناعته أنّ الواجب
يفرض عليه إلاّ يسكت لأنّ
الساكت عن الحقّ شيطان
أخرس. إذا استطاع أن
يتكلّم، وكلٌّ يشعر أنّه
يستطيع أن يتكلّم...
وتكلّم بالكلمات القويّة
وبالكلمات المنفتحة
يقنع
هذا ويحاور ذاك، وكان
يشعر أنّ الكثيرين لا
يرتاحون لتلك الكلمات،
وكان يشعر أنّ الكثيرين
يسجلون مواقف سلبيّة،
ولكن متى كان الرساليّون
يتوقّفون أمام موقف سلبيّ
من إنسان أو أمام معارضة
من إنسان آخر؟ إنّ عليهم
أن يقولوا كلمتهم من موقع
قناعتهم ومن موقع دراستهم
للواقع، وليست المشكلة
بعد ذلك أن يقبل الناس أو
لا يقبلوا،...
... كان يتحرك في حياته،
يتسلّم الحقوق الشرعيّة
باعتباره المعتمد للمرجع
الأعلى للطائفة
الإسلاميّة الشيعيّة آية
الله العظمى السيّد محسن
الحكيم، وكان يشعر أنّ
الحقوق ليست امتيازاً
وليست غنىً وإنّما هي
مسؤولية.. ونحن نعرف أنّه
عاش حياته من موقع العطاء
وأنه كان يستقبل في أوائل
كلّ شهر وفود الأرامل
والأيتام ويمنح لكلٍّ
منهم ما يستطيع أن
يمنحه..
والله اسأل أن يتغمّد
فقيدنا الكبير برحمته
ويسكنه فسيح جنّته
ويلهمنا ويلهم أهله الصبر
والسلوان.
8- ما ورد في تراجم الشيخ
ورد في مستدركات أعيان
الشيعة للسيّد حسن
الأمين1 ما نصُّه:
الشيخ حسين معتوق درس
دراسته الأولى في جبل
عامل ثمّ أتمّها في النجف
الأشرف ,وعاد إلى لبنان
فسكن في (الغبيري) من
ضواحي
بيروت, وبنى فيها مسجداً,
كان يقيم فيه الجمعة
والجماعة, ويعظ الناس
ويرشدهم، وكان وكيلاً
لأحد مراجع النجف.له كتاب
المحاضرات الدينيّة, وله
بعض الأشعار عندما كان
طالباً في النجف.
من شعره:
أَمِنَ العدلِ أنّهم يوم
بانوا
أيقظوا جفنيَ
القريحَ وناموا؟
ومنه:
هيهاتِ أن يتسلّى القلبُ
بعدكمُ
والبُعدُ يقدحُ
أزنادَ الأسى فيهِ
إنْ مالَ للصبرِ عنكم
لحظةً بعثَتْ
ذكراكُمُ لوعةَ
الأشواقِ توريه
- ويقول عنه الشيخ
إبراهيم سليمان في كتابه
"علماء جبل عامل": "كان
مثالاً للعالِم العامل،
وكان من أجمع أهل صنفه
للكمالات أخلاقاً وعلماً
وفضلاً وتواضعاً وبَذلاً
وإرشاداً، وكان حَسَن
الحفظ،وحَسَن الأخلاق،
يحفظ من الحوادث المؤنسة
والنكات المُضحكة ما لا
تجده عند غيره، لا يكاد
يملّ المرء من معشره إذا
جلس إليه.
وهو من الطبقة الأولى في
المعاصرين، شاعرٌ أريحي
الطبع، لطيفُ المجالس،
ثابتٌ في فتاواه، إنّه
بقيّةٌ من القطع النادرة
الذين قلّ وجود أمثالهم
علماً وتقوى وأمانة
وصدقاً وتديّناً
واستقامة، يمثّل العالم
الديني الكامل أروع تمثيل
في زمن قلّ فيه
الديّانون.
وصفة
اللطف والتواضع وحُسن
الأخلاق من أبرز مميّزاته
وتلك من صفات العالم
الدينيّ حقيقة، التي
يمثّل بها الإمام عليه
السلام والنبيّ صلى الله
عليه واله قبله الذي نطق
التنزيل بوصفه قائلاً
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٍ﴾2.
تُضحِكه النكتة، ويُعجبه
الشعر الجيّد, والمفاكهة
العذبة، كما يُؤنسه البحث
العلمي والجدل الدينيّ
والتحقيق الفقهيّ، ولقد
كانت تدور بيننا مكاتبات
لو صحّ نشرها لكانت من
طرائف الفنّ والأدب
والعلم والشعر.
لقد عاش وسط تيّارات
سياسيّة واجتماعيّة
وعلميّة هنا وفي العراق،
فرأيناه حافظاً لتوازنه،
حَسَن الاختيار، ورأيناه
في فتاواه طوال مدّة
حياته موزوناً شديد
الاحتياط رغم أنّه من أهل
النظر. ولم يخلُ ظرف من
ظروفه التي عاشَها في
بيروت من تيّارات تتطاحن
قيماً فيها، فكان مع ما
يعتقد أنّه الحقّ في
ضميره، واسع الصدر للخصوم
فلا يجابههم بقسوة، ولا
يعارضهم بحِدّة، وتَغلب
عليه الابتسامة التي
يُنهي بها النزاع، وكأنّ
شيئاً لم يكن..
قامت مجلّة العرفان
بدراسة حول سماحته وشعره،
حيث وجدنا النص الآتي:
"سماحة الشيخ حسين معتوق
وُلد سنة 1320هـ في بلدة
العبّاسية من جبل عامل.
بدأ دراسته في كتّاب
البلدة عند الشيخ إبراهيم
ياسين، ثمّ في مدرسة بلدة
طيردبّا القريبة من قريته
عند
الشيخ
عبد الله دهيني. ثمّ درس
العلوم التي تعدّه
للدراسة النجفيّة على
الشيخ حسين مغنية، ثمّ
سافر إلى النجف الأشرف
فكان من أساتذته هناك كلّ
من السيّد حسين الحمامي
والسيّد محسن الحكيم".
9- وما قيل فيه في
مناسبات أخرى:
- الشيخ إبراهيم سليمان:
عَلَمٌ أنتَ في سِجِلِّ
الخلودِ
صاعدٌ أنت، مُمعنٌ
في الصعودِ
راسخٌ في عقيدة الحقّ،
ماضٍ
في سماء
الهُدى لأفْقٍ بعيد
صامدٌ في مضارب العلم
والفضلِ
بعد المدى، شديدُ
الصمود
قد بسطتَ الأموالَ بسطاً
جميلاً
في اليتامى، وفي
أيامى الوفود
- الدكتور زهير البيطار:
أيها العلاّمة العَلَم
الشامخ، لقد غبت عنّا
بجسدك، لكنّك بيننا
بضيائك وأثرك، فأنتم
معاشرَ العلماء كالنجوم
الساطعة تُنيرون دروب
الحياة، بل أنتم خيرٌ من
النجوم، فهي آفلة فيحتجب
نورها ولكنّ نوركم باقٍ
بعد الأفول.
الشيخ محمّد جواد الفقيه:
أنت معجزة في نشأتك,
ومعجزة في رحلتك الطويلة,
ومعجزة في فتح باب الأمل
للبائسين الصابرين إذا
تأمّلوا في سيرتك واحتذوا
خطاك.
-
الدكتور محمّد كاظم مكي:
لقد كنت في حياتك
مؤثّراً, وفي مماتك أكثر
تأثيراً، فالتكلم اليوم
عليك إطلالة على الجنّة
حيث أنت مع الصدّيقين
والأولياء في ظلّ من رحمة
ربّك.
- الدكتور عبد الجليل
عمرو:
الإنسان فكرة وعمل.. يسعى
المرء جاهداً إلى أن يسمو
بفكره كما يسعى إلى أن
يتجلّى ويتكامل بعمله..
وغاية الغايات أن يبدع
بالاثنين معاً، إذاً أجلّ
نعمة يسبغها الخالق على
مخلوق, هي شخصيّة متماسكة
متناغمة ومتجانسة فكراً
وعملاً، هذه النعمة حلّت
على فقيدنا الكبير تغمدّه
الله بواسع رحمته.
- الشيخ عبد الامير
قبلان:
في هذا الحفل جئنا لنودّع
عميد العلماء وكبيرهم
ومرجعهم الشيخ حسين
معتوق، نتجرّأ في غيابه
أن نتكلّم وأمّا في حضوره
فلم يفسح لنا أبداً.. كان
السند والثقة. وأوّل فاتح
من رجال الدين لبيروت
وللضاحية هو الشيخ حسين
معتوق، أوّل من أسّس
وعلّم وجاهد في هذه
المنطقة.. كان يعيش
الزهد، كان يرفض الدنيا
ولا يجامل الدنيا ولا
يتعامل مع أهل الدنيا،
كان أكبر من آمالهم ومن
خدعهم ومن تصوّراتهم..
بذل جهده ليكون في
الغبيري مسجد يليق بهذه
الطائفة.
من
عاشر الشيخ حسين معتوق
يعرفه حقّ معرفته. كان
لنا في المجلس الإسلاميّ
الشيعيّ الأعلى السند
الحقيقيّ، هو الذي أشرف
على تشكيلة الهيئة
الشرعيّة الموجودة
حاليّاً، وكان الإمام
السيّد موسى الصدر يسترشد
بآرائه ويأخذ منها، كان
العين الساهرة، كان
المراقب، وكان المدّبر
وكان الواعظ. أوّل رجل
دين في لبنان طوّر
المجالس الحسينيّة.. نحن
لا نفيه حقه بمهرجان، لا
نفيه حقّه بخطبة مهما كان
وزنها ومهما كان قائلها.
- الشيخ حسن طراد:
... فقيدنا الراحل
المجاهد الكبير، فرد من
هؤلاء الأعلام الذين
حملوا مصباح الهداية
وراية الإصلاح، فقادوا
المجتمع في السبيل
المستقيم والنهج القويم
بالسيرة المستقيمة
والموقف الصريح الثابت،
الذي لم يزل ولم يتزلزل
معه قيد شعرة عن منهج
الحقّ، هذا الحقّ الذي
لزمه وتابعه وكان يصارع
في سبيل الدفاع عنه
والمحافظة عليه اقتداءً
بإمامه أمير المؤمنين
عليه السلام الذي قال:"ما
ترك لي الحقّ من صديق"،
هكذا كانت الصفة البارزة
في حياة فقيدنا الراحل,
الاستقامة في طريق الحقّ,
والمدافعة عن الحقّ,
والدعوة إلى الحقّ, مهما
كلّفت الأمور، رضي الناس
أم سخطوا...
فالمرحوم فقيد الإسلام،
حجّة الإسلام، طرح قشور
الدنيا،
وأخذ
باللباب، وسار على درب
الحقيقة والصواب, حتى نال
الحياة الحقيقيّة
الخالدة..
هذا مضاف إلى ما خلّفه من
آثار, وتركه من خدمات
ومشاريع، وهذه الحسينيّة
إحداها, وهناك المسجد بعض
حسناته,وهناك المسجد في
الغبيري الذي أسّسه
وأقامه حرماً شامخاً,
وتركه مدرسة سيّارة,
ليستفيد المجتمع منها
دروساً في الهداية
والصلاح والإصلاح..ومن
آثاره وأسباب خلوده,
أبناؤه الأخيار الذين
ساروا على منهجه عقيدة
صحيحة, وإيماناً راسخاً,
وسلوكاً معتدلاً,علماً
وأدباً وخلقاً وفضيلة
ونُبلاً وشهامة، تلك
آثارنا تدلّ علينا فسلوا
بعدنا عن الآثار.
- ويروي الشيخ عبد الرسول
حجازي (مواليد 1933):
"بدأت دراستي الدينيّة
عند سماحة العلاّمة
المرحوم الشيخ حبيب آل
إبراهيم، والعلامة
المرحوم الشيخ حسين معتوق
الذي استفدت منه كثيراً،
من علمه ومن أخلاقه، فكان
داعياً لله بعلمه وعمله
مصداقاً للحديث الشريف
(كونوا دعاةً لنا بغير
ألسنتكم)".
- ويروي الشيخ محمّد تقيّ
الفقيه قدس سره في كتابه
"حجر وطين"، حول وضع
الطلاّب اللبنانيّين في
النجف، فيقول:"(وقلّ عدد
العامليّين في النجف حتّى
أصبح نحواً من عشرين
طالباً، وكانوا كلّهم
يحضرون دروس الخارج)،
أحدهم هو، والسيّد
حسين
مكّي، والسيّد هاشم
معروف، والسيّد عبد
الرؤوف فضل الله، والشيخ
حسين معتوق، والشيخ
سليمان سليمان، والشيخ
إبراهيم سليمان، والشيخ
رضا فرحات، والشيخ بشير
حمّود، والشيخ خليل
ياسين، والشيخ زين الدين
شمس الدين، وغيرهم.
ومعظمهم ممّن نال المراتب
العالية في الفضل
والكمال، إلاّ أنّ أكثرهم
ترك النجف في وقت مبكّر،
لحاجة بلادنا إليهم من
جهة، ولاشتداد المحنة
عليهم بسبب الظروف التي
رافقت الحرب العالميّة
الثانية, وما رافقها من
غلاء وفقر، حيث كان
اعتمادهم على الفُتات
الذي كان يصل إليهم من
بلادنا مع انقطاع ذلك
بسبب تلك الحرب. لا سيّما
الشيخ حسين معتوق الذي
قام بجهود كريمة في بيروت
وجبل عامل".
- ويقول الشاعر سمعو عبد
الكريم الدرويش، مواليد
حلب 1922م، الذي اعتنق
التشيّع عام (1968م):"سبب تشيُّعي لآل البيت
أنّي كنت أقرأ كتب
الإماميّة، وقد التقيت
بسماحة العلاّمة المجاهد
الشيخ حسين معتوق من صير
الغربيّة (جنوب لبنان)
بمسجد يقع في حيّ الشيّاح
(الغبيري) حيث سألته ومن
ثَمَّ لازمته فترة طويلة،
وكان مثالاً للعالم
الزاهد القانع، فكان يدعو
لله دون أن يتكلم(كونوا
دعاة لنا بغير ألسنتكم)".
ومن الشواهد التي ما زالت
عالقة بذهن الشاعر، أنّ
سماحة الشيخ عاش الزهد
قولاً وفعلاً، وأنه كان
دائم البسمة، وكان يبادر
إلى
السلام على الصغير
والكبير، وإذا كان
جالساً، يهبّ واقفاً
لاستقبال زائريه،
ويودّعهم إلى باب المنزل
عند مغادرتهم. وكان يصوم
معظم أيّام السنة.
|