خطبة
حول:
الثورة الحسينيّة امتداد
للدعوة المحمّديّة1
فيا أيّها الوترُ
في الخالدين
ويا عظةَ
الطامحينَ
العِظامِ
تعاليتَ من مُفزع
للخطوب
تلوذُ الدهورُ
فمِنْ سُجَّدٍ
شممتُ ثراكَ
فهبَّ النسيمُ
وعفَّرتُ خدّي
بحيث استراح
تمثلتُ يومك في
خاطري
وماذا أروعُ من
أن يكون
وأن تتقي دون ما
ترتأي
وان تطعمَ الموتَ
خيرَ البنين
وخيرَ بني الأمِّ
من هاشمٍ
|
فذًّا إلى الآن
لم يشفعِ
للَّاهين عن
غدِهم قُنَّعِ
وبورك قبرُك من
مفزعِ
على جانبيهِ ومن
رُكَّعِ
نسيمُ الكرامةِ
من بلقعِ
خدٌّ تفرّى ولم
يضرعِ
وردّدتُ صوتك في
مسمعي
لحمُك وقفاً على
المبضعِ
ضميرك بالأسل
الشرَّعِ
من الأكهلين إلى
الرضَّعِ
وخيرَ بني الأبِ
من تُبَّعِ2 |
الإمام الحسين عليه
السلام معجزة الأجيال،
الإمام الحسين عليه
السلام معجزة محمّد صلى
الله عليه واله، الإمام
الحسين عليه السلام معجزة
القرآن، الإمام الحسين
عليه السلام معجزة الدين،
ولك أن تقول إنّ معجزة
الدين هي القرآن، ولكن
أقول لكم ثقوا أنّه لولا
الحسين، لم يكن هناك
قرآن، ولا سمعت ذكراً
لمحمّد، ولا ذكراً للدين،
بل ولا ذكراً لله في
الأرض.
يحقّ لنا بهذه المناسبة
أن نفتخر، وأن نعتزّ
بالإنتماء والولاء للحسين
عليه السلام. يحقّ لنا أن
نرفع رؤوسنا عالياً، لا
أن ننتظر بهذه المناسبة،
الإقتصار على البكاء
والنحيب. فإن البكاء
المجّرد الذي لا يدفع إلى
العمل، ولا يتفجّر ثورة
على الظلم والظالمين،
الإمام الحسين عليه
السلام نفسه يبرأ منه.
أيّها الإخوة، قد
تستغربون أن يكون هذا
اليوم جديراً بالإعتزاز
والتقدير والفرح، بهذا
الإنتماء، حتى ولو كان
هناك بكاء، ولا عجب لأن
من البكاء ما يكون فيه
العزّ والفخر للباكي، حيث
يبكي على مثل الحسين عليه
السلام ؛ ذلك لأنّ
الإنسان، قد يبكي عندما
يتعرّف على الحقّ، كما
قصّ الله تعالى من أمر
بعض أهل الكتاب، حيث قال
عزّ من قائل
﴿وَإِذَا
سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ
إِلَى الرَّسُولِ تَرَى
أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ
مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا
عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ﴾3.
أيّها الإخوة، إنّ موقف
الحسين عليه السلام أعاد
للإسلام عزّته وكرامته
وأعاد لمحمّد صلى الله
عليه واله وجوده. ولا شكّ
بأنّ النبيّ صلى الله
عليه واله قد عبّر عن
ذلك
أحسن تعبير، عندما قال(حسين
منّي وأنا من حسين، أحب
الله من أحبّ حسيناً).
النبيّ صلى الله عليه
واله أعدّ الإمام الحسين
عليه السلام لرسالة
مستقبلة، تشابه رسالته
الحاضرة، عندما أطلق هذه
الكلمة، ومعنى هذه الكلمة
أنّ الحسين عليه السلام
يتمثّل بوجوده وجود جدّه،
بمعنى أنّ للحسين وجودين:
وجوداّ قائماً في ذاته،
ووجوداً قائماً في النبيّ
محمّد صلى الله عليه
واله. كما أنّ للنبي
وجودين: الوجود الأوّل
وجوده في ذاته، والثاني
وجوده بسبطه الحسين عليه
السلام.
وعندما قال النبيّ صلى
الله عليه واله (حسين
منّي) لا يعني أنّه من
محمّد الشخصيّ، وإنّما
يعني أنّه من محمّد
الرسول. يفسرّه قوله
(وأنا من حسين) لأنّ
الولادة من الجانبين
ولادة روحيّة لا ولادة
جسميّة. ومعناه أنّ
النبيّ صلى الله عليه
واله رأى أنّ في الإمام
الحسين عليه السلام
امتداداً لوجوده
وامتداداً لرسالته.
النبيّ لم يقل حسن منّي
وأنا من حسن، فلو كان
يعني الولادة الجسميّة
لما إختصّ الإمام الحسين
عليه السلام بهذه
الولادة، إنّما أشار
النبيّ، إلى أنّ ثورة
الإمام الحسين عليه
السلام ستعيد للدين
وجوده، وإذا عاد الدين
إلى الوجود، عاد محمّد
إلى الحياة من جديد؛ لأنّ
حياة العظماء بحياة
مبادئهم، لا بحياة
أشخاصهم. ولذا يولد
الإنسان مرّتين: المرّة
الأولى عندما يكتحل بمرآة
الوجود، والولادة الثانية
عندما يزدهر الوجود.
يحقّ لنا أن يهنّئ واحدنا
الآخر بهذه المناسبة،
ولعلّك ت أقول إنّ ذلك
السيّد القزوينيّ - رحمه
الله - أشار إلى هذه
الظاهرة
حيث
قال بهذه المناسبة:
أبا حسنٍ يهنيكَ ما
أصبحوا
بهِ وإن كان للقتلى
تُقامُ المآتمُ
لأورثتهم مجداً وما كان
حبوةً
ولكنّ رسماً في بنيكَ
المكارم
أيّها الإخوان. قضت حكمة
الله سبحانه وتعالى، أن
يخصّ أهل الأرض بفيض من
وحيه. وعائدة هذا الوحي
وفائدته، إنما تخصّ
الإنسان دون سواه، فكانت
الرسالات. وانتهى أمر
الرسالات إلى الإسلام،
وقد خُتمت الرسالات
بالإسلام. ولقد قُدِّر
لرسالة الإسلام أن
تنتظمها حلقة من الإمامة،
يتمثّل دورها بعليّ
وبنيه، فإذاً الإمامة جزء
مكمّل للنبوّة. ولا شكّ
بأنّ هذه الإمامة إنّما
قدّرت وفُرضت من العهد
الأوّل الذي منحته
الرسالة لأبي الأنبياء
إبراهيم عندما قال
﴿إِنِّي
جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِمَامًا4﴾.
هذه الإمامة قد انتظمت
رسالة النبوة منذ العهد
الأوّل، وشهادة الإمام
الحسين عليه السلام جزء
من الرسالة كإمامته.
فالحسين عمدٌ من أعمدة
الرسالة، وشهادته جزء
متمّم للرسالة كإمامته.
ولك أن تقول وكيف ذلك؟.
أقول إنّ الله سبحانه
وتعالى لمّا أمدّ الأرض
برسالات السماء بسخاء،
أراد من أهل الأرض أن
يقدّموا بين يدي الرسالة
الفداء؛ لأنّ الرساليّة
لا تستقرّ، ولا تأخذ
مكانها في الأرض، إلاّ
بتضحية تشابه في العمق،
عظمة الرسالة. ولذلك
ينبغي أن يقدّم
أحبّ خلقه إليه تضحية بين
يدي رسالته لكي تستقرّ
وتدوم.
فإذاً، الحسين عليه
السلام عندما أحبّه
النبيّ، ونفحه بتلك
الكلمة القيّمة، إنّما
يعني أنّ الحسين عليه
السلام هو المدَّخر لأن
يقدّم من التضحيات ما لم
يقدّمه أحد من الأنبياء.
وإذا كان لكلّ نبيّ شهيد،
ولكلّ رسالة ذبيح، فإنّ
معركة كربلا قد قدّمت
للدين أكثر من شهيد واكثر
من ذبيح.
ولذلك لم تعد ثورة الإمام
الحسين عليه السلام ثورة
شخصيّة فرديّة، لكي يقال
انتهى زمانها، ومضى
دورها، لأنّها ارتبطت
بشيء فانٍ، الإنسان إذا
كانت حياته في سبيل ما لا
ينتهي، فستدوم له الحياة.
أمّا إذا كانت حياته في
سبيل ما ينتهي، فلا شكّ
بأن حياته تنتهي بإنتهاء
ما أوقف حياته عليه.
فالحسين حيث ضحّى في سبيل
الدين، فقد ارتبطت ثورته
بالدين، ولذلك ستبقى
ثورته، وستستمرُّ ثورة في
النفوس على النفوس
لتهذيبها، وثورة على
الظلم لإزالته من الوجود.
ولذلك لن تنتهي أهداف
ثورة الحسين، ما دام في
الكون حقّ وباطل، وما دام
في الكون ظالم ومظلوم،
وما دام في الكون فقير
وغنيّ وطريد، فإنّ ثورة
الإمام الحسين عليه
السلام تبقى قائمة في
النفوس والأفكار والعقول،
ولا ينتهي دورها إلاّ بأن
تختفي هذه الظواهر من
الوجود. ولن تختفي هذه من
الوجود، إلاّ بخروج مهديّ
آل محمّد صلى الله عليه
واله. وحينئذٍ تنتهي، ولا
نقيم عاشوراء بعد ذلك،
لأنّ رسالة الإمام الحسين
عليه السلام تكون قد
حقّقت أهدافها، وحيث
تحقّق ثورة الإمام
الحسين
عليه السلام أهدافها
فحينئذٍ لا يبقى لها محلّ
من الوجود.
ولسوف يبدأ محمّد الأخير
دوره، من حيث انتهى دور
محمّد الأوّل، لأنّه هو
المدّخر لإقامة موازين
الحقّ والعدل، كما نصّت
على ذلك الآية الكريمة
﴿هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّه﴾ِ
5.
وظهور الدين الإسلاميّ
على الأديان كلّها، لن
يكون إلاّ بمهديّ آل
محمّد.
ومن هنا يزول الإستغراب،
عندما نجد في التاريخ أنّ
المهديّ عجل الله فرجه
الشريف يعلن ثورته،
ويجعل شعار ثورته (يا
لثارات جدّي الحسين)؛ ذلك
لأنّ ثورة المهديّ، هي
الفصل الأخير من فصول
ثورة الحسين عليه السلام.
لذلك يعلنها في مكّة،
ويفجّر الثورة من كربلاء،
حيث أُريق دم النبوّة
فيها.
إذاً، ما فائدة إقامة هذه
الذكرى بالنسبة إلينا؟
إنّ فائدتها تعود إلينا
بأن ننظر إلى أنفسنا
كمسلمين، ولا سيّما في
هذا اليوم، حيث آن لنا
ونحن نمرّ بمرحلة من أقسى
مراحل الحياة أن نتّصل
بالحسين اتصالاً
عقائديّاً، لا عاطفيّاً،
بأن نستعيد في أفكارنا
ذكرى عاشوراء، فنأخذ من
معطياتها، وما أكثرها!،
نأخذ الدروس والعبر. وأن
نجنّد من هذه الذكرى
روحاً حسينيّة، تقودنا في
محنة فلسطين، وتخوض بنا
في ساحات معارك الشرف،
التي خاضها الإمام الحسين
عليه السلام وأهل بيته
عليهم السلام وأصحابه.
تخوض بنا في معركتنا
الإسلاميّة اليوم
حيث تعلمون. علينا أن
نجنّد من هذه الذكرى،
روحاً حسينيّة، تدفعنا
إلى العمل من أجل الدين،
ومن أجل الدين وحده، لأنّ
الإمام الحسين عليه
السلام إنّما كان فداءً
لهذا الدين.
ولعلّك تتساءل: أنّه ما
أُنزل الدين، إلاّ لخير
الإنسان وسعادة الإنسان،
وكل ما في الكون هو لخير
الإنسان، ومصلحة الإنسان،
فلماذا يُطلب من الإنسان
أن يضحّي في سبيل الدين؟
إذا كان كلّ شيء في
الوجود لأجل الإنسان،
فلماذا يضحّي الإنسان
بنفسه في سبيل الدين؟
نقول: إنّ الدين إنّما
أُنزل إلى الأرض من أجل
كرامة الإنسان وسعادة
الإنسان، فإذا تعرّض
الدين للخطر، فقد تعرّضت
كرامة الإنسان وسعادته
للخطر، وحينئذٍ يدور
الأمر بين أن يعيش
الإنسان في الحياة بلا
سعادة وكرامة، أو يموت في
سبيل عزّته وكرامته.
والإنسان الذي يحافظ على
خصائص إنسانيّته، يرى أن
الموت خير ألف مرّة مع
العزّ من الحياة مع
الذلّ.
إنّ ذكرى الإمام الحسين
عليه السلام تطوّرت مع
الأيام، وسيعيها الجيل
الآتي أكثر مما وعاها جيل
اليوم، وستستمرّ وتستمرّ
حتى لا يكون لغير مبادئها
في الأرض سلطان، علينا أن
نحافظ على هذا الدين الذي
دعانا الحسين عليه السلام
لنصرته، عندما أعلنها
صرخة مدوّية يوم عاشوراء،
حيث طلب الناصر، والحسين
لم يطلب الناصر لتسلّم له
الحياة، الإمام الحسين
عليه السلام ما جاء إلى
كربلاء لتسلّم له الحياة،
وإنّما أراد أن تسلّم
لدين جدّه الحياة.
إنّما أرسلها صرخة مدوّية
عبر الأجيال، ليدعونا إلى
نصرة المبدأ الذي نصره
وضحّى في سبيله، وفداه
بدمه، وتلك الدماء
الزكيّة من أهل بيته
وأصحابه، التي سقى بها
أرض كربلا، والتي لا تزال
طريّة، تهيب بالمسلمين
إلى الحفاظ على الدين،
وإعلاء كلمة الحقّ في
الأرض.
أيّها المؤمنون، أيّها
الإخوة، نحن في هذه
المناسبة أحوج ما نكون
لأن نتفهّم مغزاها
ومؤدّاها. الحسين عليه
السلام جاهد إلى آخر قطرة
من دمه، وفصلوا رأسه عن
جسده، وكأنّه يُراد للرأس
أن يؤدّي دوره منفصلاً عن
الجسد أيضاً. لقد قدَّم
الرأس في الكوفة وفي
الشام، مظاهرة شعبيّة
تلتها ثورة فكريّة.
يحدّثنا زيد بن أرقم
أنّهم حين أدخلوا السبايا
إلى الكوفة (مرّوا بدار
كنت في روشن فيه، فلما
حاذاني الرأس سمعته يتلو
هذه الآية
﴿أَمْ
حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ
الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ
كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا
عَجَبًا﴾6.
فضربت رأسي بالروشن فقلت:
يا بن رسول الله، رأسك
والله أعجب وأعجب). وكذلك
ظهرت له معجزات باهرات،
في الطريق وفي الشام
أيضاً.
وإنّما كان الغرض من هذا
الفصل المقدّر في علم
الله سبحانه وتعالى، أنّه
جاء الرأس إلى الشام،
ليعلم طغاة أهل الشام،
بأنّ تلك المصاحف التي
رُفعت يوم صفين، ما كان
الغرض منها إلاّ أن يُرفع
رأس الحسين عليه السلام.
بعد عشرين عاماً جاء
الرأس ليفهمهم، لأنّهم
لم
يفهموا يومذاك، ولم
يسمعوا كلمة الإمام أمير
المؤمنين بأّنها كلمة حقّ
يراد بها باطل. جاء الرأس
ليفهمهم أنّ الغاية من
حمل تلك المصاحف هي حمل
رأس الحسين عليه السلام.
ولقد أشار إلى هذه
الظاهرة الأزريّ رحمه
الله بقوله:
حملتْ بصفين الكتابَ
رماحُهم
ليكون رأسُكَ بعدها
محمولا
لو لم تَنَلْ أحقادُ حربٍ
منك ما
جرأ الوليدُ فمزّق
التنزيلا
إنها حلقة في سلسلة،
فكذلك لو لم تخرج فاطمة
خلف أمير المؤمنين، تلك
الخطوات من الدار إلى
المسجد، لتنقذ وليّها،
لما خرجت زينب بعد ذلك،
مع الحسين، وبعد الإمام
الحسين عليه السلام من
كربلا إلى الكوفة، ومن
الكوفة إلى الشام، وهكذا
من بلد إلى بلد. أشار
الشاعر إلى هذه الظاهرة
فقال:
قد ورثتْ من أمِّها زينبٌ
كلَّ الذي جرى عليها وصار
وزادت البنتُ على أمّها
من دارها تُهدى إلى شرّ
دار
إذاً حلقات مستمرّة في
سلسلة معركة الحقّ
والباطل، وستبقى ثورة
الإمام الحسين عليه
السلام قائمة وستنتشر
وتنتشر وتتّسع، بمقتضى
الحديث الوارد عن نبيّنا
محمّد صلى الله عليه
واله، حيث إنّ النبيّ
أخبر بما يجري على
الحسين.
يقول التاريخ: كان الإمام
الحسين عليه السلام في
حجر النبيّ صلى الله عليه
واله، وهو طفل، فدخلت
عليه أمُّه فاطمة، فوجدت
النبيّ يبكي
والحسين في حجره، فقالت
له: يا أبه، ما يبكيك؟
قال: يا فاطمة عليها
السلام ، خرج من عندي
جبرئيل آنفاً وأخبرني أنّ
ولدي هذا، يُقتل في أرض
من العراق، يقال لها
كربلا. قالت: يا أبه، ومن
يقتله؟ قال: شرار أمّتي،
وهم مع ذلك يرجون شفاعتي،
لا أنالهم الله شفاعتي
يوم القيامة. ثمّ قالت:
ومتى يكون ذلك؟ قال: في
زمانٍ خالٍ منّي ومنك ومن
أبيه ومن أخيه. قالت:
إذاً فمن يقيم عزاء ولدي؟
قال: أبشري يا فاطمة
عليها السلام ، إنّ الله
سيخلق له شيعة طاهرين
مطهّرين، يقيمون له عزاءه
عاماً بعد عام، وجيلاً
بعد جيل، وسيجهد أعداء
الله في محو ذلك، فلا
يزداد إلاّ سموّاً
وانتشاراً.
وهكذا نرى بأمّ العين،
تصديق حديث النبيّ صلى
الله عليه واله، وهو
الصادق الأمين. هذه
المجالس اتّسعت واتّسعت
وانتشرت. وقلنا ستبقى
ثورة الحسين، تغلي في
النفوس، إلى أن يحقّق
الأمل مهديّ آل محمّد.
أيّها الإخوان، يعزّ عليّ
أنّ الوقت ضيّق ولم يبق
من الوقت ما يتّسع للقول
الذي أرتضيه، أيّها
الإخوان، لا نرخّص دم
الحسين، دم الإمام الحسين
عليه السلام غالٍ، دم
الإمام الحسين عليه
السلام أزكى الدماء. الله
قدّم لدينه أطهر ضحيّة
وأزكى دم في الأرض، ومعاذ
الله أن تكون ضحايا الدين
غير قدسيّة، وغير زكيّة،
إنّ الدين منذ القديم،
قدّم الضحايا الكثيرة،
ولكنّ الضحايا التي
قدّمها سيّد الشهادء، هي
أعظم وأعظم.
ولا شكّ بأنّ الإمام
الحسين عليه السلام قد
ورث هذه التضحية، عن
آبائه. بل في الحقيقة،
حكى تضحية إبراهيم، عندما
امتحنه الله، بأن يبذل
ماله في سبيله فقدّمه،
وبأن يضحّي بنفسه،
فاستعدّ للتضحية، وبأن
يذبح ولده، فاستعدّ
لذبحه، ولكنّ السماء قد
تدخلّت، في ذبح ولده
إسماعيل، فقدّمت له
الفداء. أمّا الحسين، فلم
تتدخّل السماء بذبحه،
حتّى كان بنفسه هو
الفداء. لذلك يخاطبه
الشاعر، ولا عجب فهذه
الثمرة من تلك الشجرة:
الذبيحُ وليلى
في التحمُّلِ هاجَرُ
لأنتَ خليلُ اللهِ حقّاً
ونجلُكَ
أيّها الإخوان، هذا اليوم
هو الأخير، وأسأل الله أن
يعيد علينا هذه الذكرى،
والإسلام قد بلغ العزّة
والمنعة، ببركة الثورة
الإيرانيّة، إن شاء الله،
بقيادة الخمينيّ، نسأل
الله سبحانه وتعالى، أن
ينصره بنصره. ولا شكّ
بأنّ النصر لا يكون إلاّ
من عند الله. ولكنّ الله
يريد منّا قبل أن ينصرنا،
أن ننصره وأن ننصر دينه.
ولذلك أيّها الإخوان،
الإسلام ينتظرنا لنعمل،
والمسؤوليّة تدعونا
لنتقدّم انطلاقاً من واقع
رسالتنا فنعمل بإخلاص،
والحسين لا شكّ بأنه يطلّ
عليكم، من عالم الخلود،
فيطلب منكم الناصر لدينه.
ونصرة الدين نصرة الحسين.
فإنّكم إن فعلتم ذلك،
كنتم جنوداً أمناء للحسين
وللدين، مجنّدين في كتيبة
الدين، وكنتم أنصاراً
مخلصين لثورة الحسين عليه
السلام. وعندئذٍ تكونون
صادقين بقولكم عند سماع
هذه الذكرى يا ليتنا كنّا
معكم.
فيا أيّها المؤمنون،
كونوا مع الإمام الحسين
عليه السلام في الدينا،
لتكونوا معه في الآخرة.
ولبّوا دعوته لتكونوا مع
من لبّى دعوته يوم كربلا،
وقولوها كلمة صادقة مخلصة
(لبّيك داعي الله، إن
كان لم يجبك بدني عند
استغاثتك، ولساني عند
استنصارك، فقد أجابك قلبي
وسمعي وبصري).
ويشير إلى هذه الظاهرة،
ابن أبي الحديد المعتزليّ
حيث يقول:
فواحسرتا أن لم أكن في
أوائلٍ
من القوم يُتلى فضلُهم في
الأواخرِ
فأنصرَ قوماً إن يكن فاتَ
نصرُهم
لدى الروعِ خطاري فما فات
خاطري
الحسين عليه السلام معجزة
الأجيال - قلت لكم في
البداية -، حيّر العقول
بثورته، والذين فهموا
ثورته، واستطاعوا أن
يحلّلوها التحليل اللائق
بمكانتها، وعمقها هم
المستشرقون.
مع كل الأسف، نحن اتّكلنا
على الانتماء الظاهر،
والولاء الظاهر. وما
فتّشنا ببصائرنا، للنظر
إلى جوهر القضيّة، وإن
قضيّة الحسين عليه السلام
تمثّل عظمة الثبات، وعزّة
الإيمان، وجلال التضحية،
إذا نفذنا إلى واقعها.
يريد منّا الإمام الحسين
عليه السلام أن نتحلّى
بهذه الأخلاق، ونتَّصف
بهذه الصفات. ولقد مشى
الشيعة الأوائل على هذا
النهج، واتّخذوا لنفسهم
موقف الحسين عليه السلام،
فوقفوا من كلّ حاكم جائر
ظالم، موقف المعارض،
بعلمائهم وببقيّة الشيعة
من سائر الطبقات. ولا
زالوا يقفون موقف المعارض
لكلّ سلطة جائرة، إلى أن
تعمر الكون الرسالة
الإلهيّة بنهج آل محمّد.
علينا ألاّ نسير في ركاب
الظالمين. الآن كلّ منّا
يستطيع أن يعرف نفسه، هل
هو واقف في صفّ حبيب
وزهير، أم هو في صفّ
الشمر وعمر بن سعد؟ وذلك
بأن يعرض نفسه على الدين:
هل هو سائر في خطّ الدين؟
فإذاً يكون في الحقيقة
كحبيب وزهير، وإذا كان
موقفه يصطدم مع الدين،
فهو من حيث يريد أو لا
يريد، في صفّ عمر بن سعد،
وفي صفّ يزيد.
الحسين ما حارب شخص يزيد،
لم تكن ثورة الإمام
الحسين عليه السلام إلاّ
مظهراً من مظاهر الصراع
بين الحقّ والباطل، وهو
صراع مستمرّ، ولم يكن
صراعاً بين شخصين
يتسابقان إلى عرش، وإنّما
كان صراعاً بين مبدأين
يتنازعان البقاء والخلود.
الإمام الحسين عليه
السلام ما حارب يزيد، بل
وقف في جه الظلم المتمثّل
في يزيد.
وعلينا نحن، شيعته بصورة
خاصّة، أن نقف من الظلم
المتمثّل بأيّ شخص، موقف
الإمام الحسين عليه
السلام منه، لا أن نسبِّح
بحمد الظالمين ونقدّس
لهم.
ما قيمة حضورنا في مجلس
الحسين، والبكاء على
الحسين، ونحن نسير في خطّ
معاكس لخطّ الحسين؟ قلت
لك، الإمام الحسين عليه
السلام يبرأ من البكاء
المجرّد. لا تصدّق ما
تسمعه من بعض القرّاء
عمّن يخرج من عينه مثل
جناح البعوضة
من الدمع... نعم، مثل
جناح البعوضة مع العمل..
هذه الدمعة يجب أن تفجّر
في نفوسنا الثورة على
الظلم والظالمين.
وأسأل الله التوفيق لي
ولكم، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.
|