أهميّة الصوت الجميل
روى الكلينيّ في الكافيّ
عن النبيّ الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم أنّه
قال:
"إنّ من أجمل الجمال:
الشعر الحسن، ونغمة الصوت
الحسن"1.
وروى الحرّ العامليّ في
الوسائل عن النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم أنّه
قال: "حسّنوا القرآن
بأصواتكم، فإنّ الصوت
الحسن يزيد القرآن حسناً"2.
وروى صاحب مستطرفات
السرائر عن معاوية بن
عمار قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام "الرجل
لا يرى أنّه صنع شيئاً في
الدعاء والقراءة حتى يرفع
صوته؟ فقال عليه السلام:
لا بأس، إنّ علي بن
الحسين عليه السلام كان
أحسن الناس صوتاً بالقرآن،
وكان إذا قام من الليل
وقرأ رفع صوته فيمرّ به
مارّ الطريق من السقّائين
وغيرهم فيقومون (فيقفون)
فيستمعون إلى قراءته"3.
إنّ هذه الأحاديث
والروايات الشريفة تدلّنا
على أنّ الصوت الحسن
والجميل يجمّل التلاوة
والقراءة، سواء كان دعاءً،
أو قرآناً، أو شعراً،
وهذا أمر وجدانيّ يدركه
المرء بأحساسيه ووجدانه،
فيزيد الصوت الحسن في
التأثير، كما وأنّ الصوت
الخشن ينفر منه الطبع،
لأنّ الأسماع بطبعها تمج
الرنّة المزعجة.
وينقل آية الله مطهري
عليه الرحمة في الملحمة
الحسينيّة قصّة عن
الشاعر الإيرانيّ المشهور
سعديّ، أنّه قال: "كان
هناك مؤذّن في إحدى المدن
يتميّز بنشاز صوته
وبشاعته، ومرّت الأيّام
عليه، وإذا بيهوديّ قد
أقبل إليه يوماً وقال له:
هل تقبل منّي هذه الهديّة
البسيطة؟ فقال له: ولماذا؟
قال له اليهودي: لأنّك قد
خدمتني خدمة كبيرة، فسأله
المؤذّن: وما هي الخدمة؟
فأنا لم أخدمك بشيء، فقال
اليهودي: إنّ لي بنتاً
كانت قد بدأت منذ مدّة
تميل إلى اعتناق الدّين
الإسلاميّ ولكنّها منذ أن
بدأتْ تسمع صوت آذانك
عادت إلى رشدها وبدأت
تشمئزّ من الإسلام، وأنا
الآن بدوري فرح لأنّك
ساهمت بعودة ابنتي إلى
دينها، فجئت لك بهذه
الهديّة! وهذا شيء يؤلم
في الواقع"4.
فالخطيب الحسينيّ لا بدّ أن يحوز على صوتٍ إن لم
يكن جميلاً فعلى الأقل
يكون مقبولاً، ليساعده
على أداء المهمّة، لأنّ
من أبرز الأمور التي
ميّزت الخطابة الحسينيّّة
عن غيرها تضمّنها لجزء
واسع من الأداء الصوتيّ.
ولذا يقول الشيخ المظفّر
في كتابه المنطق: "حُسن
الصوت وحسن الإلقاء
والتمكّن من التصرّف
بنبرات الصوت وتغييره حسب
الحاجة من أهمّ ما يتميز
به الخطيب الناجح، وذلك
في أصله موهبة ربانيّة
يختصّ بها بعض البشر من
غير كسب، غير أنّها تقوى
وتنمو بالتمرين والتعلّم
كجميع المواهب الشخصيّة،
وليس هناك قواعد عامّة
مدوّنة يمكن بها ضبط
تغييرات الصوت ونبراته
حسب الحاجة، وإنّما معرفة
ذلك يتبع نباهة الخطيب في
اختياره للتغيّرات
الصوتيّة المناسبة التي
يجدها بالتجربة والتمرين
مؤثّرة في المستمعين؛
ولأجل هذا يظهر لنا كيف
يفشل بعض الخطباء، لأنّه
يحاول المسكين تقليد خطيب
ناجح في لهجته والقائه
فيبدو نابياً سخيفاً، إذ
يظهر بمظهر المتصنّع
الفاشل، والسرّ أنّ هذا
أمرٌ يدرك بالغريزة
والتجربة قبل أن يدرك
بالتقليد للغير"5.
تأثير الصوت
إنّ للأصوات أثراً كبيراً
في حسن وقع الكلام أو
قبحه، وليس المرجع في ذلك
جمالها وقبحها. ولكن
عمقها وركوزها وقدرتها
على تصوير المعاني وجودة
نقل الخواطر، فإنّ
الألفاظ والأصوات تشترك
في الدلالة على المعاني
النفسيّة، فألفاظ التألّم
والحزن والغمّ مثلاً إذا
سمعتها
مجرّدة ما أثارت في نفسك
شيئاً، أمّا إذا سمعتها
من متألّم، واشترك صوت
متأثّر بالآلام مع اللفظ،
أثارت في نفسك خواطر
الأسى ومواضع الحزن،
وأحسسّت بالألم العميق،
تتفاعل فيه مع من حكى لك
آلام نفسه في نغمات صوته.
وليعلم الخطيب أنّه لا
شيء كالصوت يعطي الألفاظ
قوّة حياةٍ، فإذا كان
الصوت ضعيفاً فعلاجه
بتقوية الرئتين بالصياح
كما فعل (ديموستين) فقد
كان ضعيف الصوت فلمّا
أراد أن يصبح خطيباً راض
نفسه، فصعد على الجبال
الوعرة ووقف قرب ساحل
البحر، محاولاً أن يكون
صوته أعلى من صخب أمواج
البحر. وقد كان له ما
أراد بتلك المحاولات.
التحكّم في الصوت
هناك أمران ينبغي
مراعاتهما في التحكّم
بالصوت:
أ- أن يجعل الخطيب صوته
مناسباً لسعة المكان
ولعدد السامعين فلا ينخفض
حتى يصير همساً في آذانهم،
ولا يعلو حتى يكون صياحاً
بل يكون بين هذا وذاك.
ب- وعند الابتداء يبتدأ
بصوت منخفض ثمّ يعلو شيئاً
فشيئاً. فإنّ العلو بعد
الانخفاض سهل ووقعه على
السامعين مقبول.
وإن أراد أن يتحكّم بذلك
فعليه أن يراعي هذين
الأمرين:
أ- أن يتقن أطوار الخطابة
الحسينيّّة المختلفة،
ويستفيد منها بحسب أذواق
الحاضرين، فإنّ لكلّ
جماعة ذوقاً ينبغي
مراعاته والقراءة على
طبقه. فإنّ ذلك ضامن
لامتلاك نفوسهم وعواطفهم.
ب- إنَّ المنبر الحسينيّّ
كما أنّه وسيلة للهداية
والإصلاح، فهو عبرة تمتزج
بالعواطف مع أهل البيت
عليهم السلام تعبيراً عن
الولاء والاخلاص لهم.
ولهذا فإنّ غالبيّة الناس
لا يفرّطون بهذه الدموع،
فيرجّحون غالباً المنبر
الذي فيه ذلك وإن كان
بسيطاً في موضوعه على
المجلس الذي يخلو من ذكر
مصائب أهل البيت عليهم
السلام، وإن كان المتحدّث
يأتي بالجديد والغريب.
إضافة إلى ذلك إنّ الناس
يرجّحون الخطيب الذي
يتمتّع بصوت حسن وأداء
جيّد على الخطيب الذي ليس
لديه حظّ من ذلك؛ لأن
الخطيب مهمّته تقريب
القلوب من صاحب المصاب،
فعلى الخطيب الذي ليس
لديه ما ترغب به الناس أن
لا يقحم نفسه معهم، فإنّ
النتيجة سوف لا تكون
بصالحه، والتجربة شاهد
على ذلك، إلّا إذا علم
توافقهم مع ما عنده.
كيفيّة المدّ
والترجيع
المدّ لغة: هو الجَرّ،
ومنه المدّة للوقت الممتدّ
ومدّ النظر تطويله، وقال
تعالى
﴿ولا تمدّنّ
عينيك﴾6
وامتدّ الشيء انبسط،
والمادّة هي الزيادة
المتصلة.
وفي مصطلحنا: إخراج الصوت
بصورة ممدودة، وتطويله
دون أن يصدر ما يقطع هذا
التطويل.
الترجيع لغة: ترديد
القراءة.
وفي مصطلحنا: الترجيع هو
كناية عن قطع المدّ، بل
قطع التطويل في الصوت
بطريقة تردديّه، ومعنى أن
يقال رجّع صوته أي ردّده
في حلقه.
والترجيع له مصدران:
الأوّل: الحنجرة. الثاني:
الفك الأسفل.
ولا يخفى أنّ جزءً واسعاً
من مساحة جمال الصوت
يعتمد على الترجيع، فمن
ليس لديه سلطة على تحريك
أوتاره بشكل مناسب ولا
يقدر على الترجيع
والترديد فبإمكانه أن
يستخدم الفك الأسفل في
الترجيع، نحو:
آي- واي- يوي- واو- هاو-
هاي- ياي.
فقول أي بشكل مكرّر يحدث
عندنا (ياي ياي ياي).
وقول واي واي واي واي واي
(واى واى واى).
وقول يوي يوي يوي يوي يوي
(يوى يوى يوى).
وقول واو واو واو واو واو
(واو واو واو).
وقول هاو هاو هاو هاو هاو
(واو واو واو).
والأقدر على المدّ
والترجيع بدون نشاز في
اللحن هو الذي يعتمد على
كليهما معاً كلّما اقتضت
الحاجة.
ويمكنك أن تدرّب صوتك عند
كلّ مدّ على الترجيع
التالي: هاو- واي- ياو-
واو- هاو- واو- واي- ياو.
خصائص الصوت
وهي ثلاثة:
أ- القوّة: "شدّة
الصوت".
هي سعة اهتزازات الآلة
الصوتيّة، وهي تتعلّق
بالقوّة التي تطرد الهواء
من الرئتين. كما إنّ قوّة
الصوت الخارج من أوتار
العود مرجعها قوّة ضرب
الأنامل.
ب- النبرة: "درجة الصوت".
وهي في درجة شدّ الأوتار،
أو ما ينجم عنها من تغيّر
في مدى الاهتزاز، وهذا
الشدّ تقوم به عضلات
الحنجرة التي تشدّ، أو
ترخى، والتي قد يصيبها
الشلل كما في بعض الأمراض
العصبيّة فيبح الصوت أو
ينطفئ.
ج- الرنّة: "نوع الصوت".
وهي التي تميّز الأصوات
بعضها عن بعض، لأنّها
تتعلّق بتجويف الفم،
وتختلف في كلّ واحد
باختلاف هذا التجويف، إذ
لا علاقة للرنّة في قوّة
الصوت ونبرته، وقد يصل
الإنسان بالتمرين إلى
تبديل رنّة صوته كما يفعل
المقلّدون في محاكاة
غيرهم من الناس أو محاكاة
أصوات الحيوانات.
|