يتألّف المجلس الحسينيّ من ستّة أركان وهي:
1- المقدّمة- 2- القصيدة-
3- الموضوع- 4- الربط أو
ما يسمى "بالگوريز"- 5-
المصيبة مع أبيات الختام-
6- الدّعاء.
الركن الأوّل-
المقدّمة
لا بدّّ للخطيب الحسينيّّ
أن يبدأ مجلسه بتقديم
مقدّمة، مسبوقة بالتسمية،
لأنّ كلّ عملٍ لم يبتدأ
بالبسملة فهو أبتر.
والمقدّمة على نوعين:
مختصرة، وطويلة، ويمكن
للخطيب أن يستعمل كلّ
منهما حسب ما يمليه عليه
المقام. فالمختصرة مثلاً:
أن يبدأ بالقول بعد
التسمية والحمد والتسليم
فيقول: "صلّى الله عليكَ
يا رسول الله، وعلى آلك
المظلومين، صلّى الله
عليكَ يا أبا عبد الله،
صلّى الله عليك وعلى
الشهداء بين يديك، يا
ليتنا كنّا معكم سيّدي
فنفوز فوزاً عظيماً".
أمّا المقدّمة المطوّلة:
كأن تضيف في مطاوي
المقدّمة فقرات إضافيّة
مقتبسة من النصوص،
كالجملة المقتبسة من
الزيارة الجامعة: "فاز من
تمسّك بكم وأمن من لجأ
إليكم".
أو كالجملة المقتبسة من
كلام أمير المؤمنين عليه
السلام في حقّ الإمام
الحسين عليه السلام: "عبرة
كلّ مؤمنٍ ومؤمنة".
أو الجملة المقتبسة من
إحدى الزيارات الحسينيّة:
"وعلى الأرواح التي حلّت
بفِنائك وأناخت برحلك".
ومن الخطأ فنيّاً أن
نغيّر الجملة المقتبسة من
كلامهم عليهم السلام إلى
جملة نصوغها بأنفسنا، إذ
أنّ المقتبسة أوقع في
النفس لأنّها أبلغ، كمن
يبدّل: "يا ليتنا كنّا
معكم" بقول: "يا ليتنا
نسير على دربكم" إذ أنّ
الأولى كلام المعصوم،
ويترتّب عليه ثواب كما
ورد في بعض المضامين،
بينما الثانية فمهما بلغت
فصاحتنا بها فإنّها لن
تعطي نفس الرونق.
وينبغي أن تكون المقدّمة
مناسبة لصاحب الذكرى فيجب
أن توجد فقرة خاصّة به،
مع الحفاظ على جوّ
المقدّمة العامّ، مثلاً
إن قلت "صلّى الله عليك
يا رسول الله" فإن كانت
المناسبة استشهاد الإمام
علي عليه السلام تقول:
وعلى ابن عمّك أمير
المؤمنين وسيّد المظلومين،
وكذا إذا كانت المناسبة
عن السيّدة الزهراء عليها
السلام، أو الإمام الحسن
عليه السلام فتذكر صاحب
المصيبة، وفي كلّ الأحوال
يكون محور المقدّمة ذكر
الإمام الحسين عليه
السلام وأصحابه.
الركن الثاني-
القصيدة
لا بدّّ أن تكون قراءة
القصيدة بنفس الصوت
الهادئ والرزين، مع مسحة
حزنٍ إضافيّة. والقصيدة
لا يمكن تحديد أبياتها
بشكلٍ ثابت، لأنّ المقام
هو الذي يفرض عليك عدد
الأبيات. فربّما احتاج
المجلس إلى ثمانية أبيات
وربّما احتاج إلى عشرين
بيتاً وربّما أكثر، ولا
يوجد رقماً ثابتاً لعدد
الأبيات بل هناك شريحة من
الخطباء ينتمون إلى منهج
المرحوم الشيخ الوائلي في
الخطابة الحسينيّة لا
يقرأون القصيدة أبداً في
أغلب مجالسهم أو يقتصرون
على ثلاثة أبيات منها،
وهذا المنهج يلقى رواجاً
في كثير من الأوساط
المثقّفة ولكن المتعارف
عند أغلب من يقرأ القصيدة
حدّاً وسطيّاً هو ثلاثة
عشر بيتاً أو يزيد بيتاً
أو ينقص بيتاً تقريباً.
الركن الثالث-
الموضوع
ويمكن تقسيمه إلى قسمين:
الأوّل: مجرّد سرد
السيرة، والأفضل أن يصاحب
هذا السرد شيءٌ من
التعليق تارة، والشرح
أخرى، لتتمّ الفائدة
للمستمعين.
وهذا القسم يناسب
المبتدئين، كما ويناسب
غيرهم أيضاً إذا كان
المجلس مختصراً، ولا مجال
فيه لطرح موضوع مفصّل، أو
خطبة وافية.
الثاني: تختلف
موضوعاته باختلاف الظروف
والمناسبات، فتارة يفرض
المقام عليك أن يكون
المجلس مجلس بركة فيكتفي
الخطيب بذكر بعض المناقب
ومصائب سيّد الشهداء عليه
السلام لأنّ الهدف من
إقامة مجلس البركة
التبرّك بذكر فضائل أهل
البيت عليهم السلام
وعندها لا يحتاج الخطيب
إلى البحث العلميّ.
وأخرى يكون المجلس
للمعرفة، فيبسط الخطيب
الشرح عندئذٍ، فيعالج
فكرةً ما ليصل من خلالها
إلى غايته الفضلى وهدفه
المنشود. وحتى يكون
الموضوع ناجحاً لا بدّّ
أن يتوفر فيه خمسة شروط:
1- الفكرة الهادفة، 2-
جمع المعلومات والموادّ
المطلوبة التي يتألّف
منها الموضوع، 3- صياغة
المعلومات وسبكها بطريقة
منظّمة، 4- ضبط وحفظ
المعلومات المنسّقة عن
ظهر قلب، 5- التدرّب
عليها ثمّ القائها.
وأبرز ميزات الخطبة
الحسينيّّة أن تُصدَّر
بنصّ يُفتتح به الموضوع
سواء كان آية قرآنيّة أو
حديثاً شريفاً أو مقطوعة
شعريّة. ويقرأ بترجيع ومدّ
على نسق قراءة المقدّمة.
الركن الرابع-
النُقلة- الربط
لقد مرَّ فيما مضى
التعريف بالگوريز بشكل
إجماليّ، ونعود للحديث
عنه لأنّه بمثابة الجسر
الذي يعبر عليه الخطيب
فينتقل من المحاضرة أو
الموعظة إلى المصيبة،
وينقل معه أحاسيس
المستمعين بشكل انسيابيّ
بعد أن كانت احساسات
المستمعين في غير ضفّة
الأحزان، وبهذه النقلة
يتحوّلون إلى ضفّة
الأحزان.
خصائص الربط (الگوريز)
يمتاز الربط بعدّة
خصائص
أ- أن يكون الربط مؤثّراً
يستطيع أن يحوّل الأحاسيس
إلى الحزن، وكلّما استبطن
هذا التأثير كلّما كانت
المصيبة أنجح وأشجى، وإذا
كان الربط عادياً لا
يستطيع أن ينهض بالأحاسيس
إلى ضفّة الأحزان،
فسيّدخل الخطيب على
المصيبة وليس فيها حرارة
بل ستقع باردةً على
المستمع، وبالتالي لن
تؤدي دورها في عمليّة
الإبكاء، ممّا يسبّب فشلاً
للخطيب، حتى ولو كان ذا
صوت رخيم وحزين، لأنّ هدف
الخطيب من ذكر المصيبة
استدرار الدّمعة.
ب- ينبغي على الخطيب
الناجح أن يهتم بتحضير
فقرة الگوريز تحضيراً
جيّداً، وهذا يستلزم منه
إلماماً بواقعة الطفّ
بحيث يستطيع أن يستحضر
فصولها، وعندها يسهل عليه
الانتقال إلى واقعة الطفّ
ليدخل من أي باب شاء، كما
ويستلزم منه مطالعات في
كتب الأخبار والتاريخ
والمقاتل، لانتقاء
الكلمات والأخبار،
والأشعار المناسبة لهذه
النُقلة الفنيّة، وفي هذا
المجال
يمكن الاعتماد على خبرات
الخطباء بالاكثار من
الاستماع إليهم.
ج- الهدف من الربط أو
النقلة أو الگوريز هو
تهيئة الجمهور للبكاء،
وهذه النقلة ضروريّة
عندما يكون الموضوع أو
الموعظة من غير سنخ
المصيبة، أمّا لو كانت
المحاضرة هي سرد تاريخيّ
كقصّة مسلم ابن عقيل، فإنّ
الأحداث المتسلّسلة
ستكفيه المؤونة، وتوصله
تلقائيّاً إلى المصيبة،
وهنا ينبغي على الخطيب،
أن يعتمد في تحضير
الجمهور للبكاء على رنّة
صوته التي يجب أن تمتاز
بعدّة أمور:
1- الغصّة التي تحدث عند
التأثر.
2- التحزّن: إذا أراد أن
يظهر التأثّر، فما عليه
إلّا أن يتحزّن فيفعل فعل
الحزين.
3- التوقّف عند المقطع
الفاصل بين المصيبة وما
انتهى إليه من سرد السيرة،
بحيث لا يكون الصوت
نمطيّاً على وتيرة واحدة،
بل لا بدّ من التغيّير
في رنّة الصوت، وحتى في
تقاسيم الوجه، والتباطؤ
في الالقاء، وبهذا يكون
المستمع استعدّ في مشاعره،
وعند ذلك يبدأ قراءة
المصيبة بصوت حزين مع مدّ
وترجيع.
وهذا التغيّير الصوتيّ
يجب على الخطيب أن يعتمده
مع نهاية الخطبة، عند
التحوّل إلى المصيبة على
كلّ حال، ومهما كان موضوع
الخطبة،
سواء كان الموضوع من سنخ
المصيبة أم لا.
د- يمكن استعمال النقلة
أثناء المصيبة، عندما
تكون المصيبة لأحد
الأئمّة عليهم السلام،
وتريد أن تنتقل منها إلى
مصيبة الإمام الحسين عليه
السلام، فينبغي عندئذٍ
الوصول إلى نقطة تفتح لك
باباً إلى مصيبته صلوات
الله وسلامه عليه لذكر ما
هو أفجع وأشجى.
وهذا يحدث في حالتين:
الأوّلى: عندما
يحدث تشابه في المصيبتين،
كما لو ذكرت مصيبة الإمام
الجواد عليه السلام، (بأنّه
بقي جسده في داره ثلاثة
أيّام لم يدفن) وهنا
تنتقل إلى الإمام الحسين
عليه السلام، (بأنّه بقي
على رمضاء كربلا ثلاثة
أيّام) فالتشابه موجود.
الثانية: عندما
تكون الحالة معاكسة كما
لو ذكرت مصيبة الإمام
الهادي عليه السلام،
وعندما تصل إلى أنّهم (رفعوا
جنازته على الأكفّ
باحترام وتقدير)، فهنا
تنتقل إلى الإمام الحسين
عليه السلام بأنّه (ما
غسّلوه، ولا لفّوه في كفنٍ،
وظلّ مطروحاً على التراب).
ملاحظة: إذا لم يكن
لديك صورة مماثلة، أو
معاكسة من واقعة الطفّ،
فعليك أن تجيد المدخل إلى
المصيبة، بحيث تنتقل إلى
السيرة الحسينيّة من
خلال الشعر أو صورة قريبة
ممّا انتهيت إليه.
إليك أربعة نماذج لذلك:
1- إذا كان الحديث عن
الكرم والسخاء يستشهد
بالشعر الذي قاله الإمام
الحسين عليه السلام:
إذا جادت الدنيا عليك
فجُد بها
على الخلق طُرّاً قبل أن
تَتَفَلَّت
فلا الجودُ يُفنيها إذا
هي أقبلَتْ ولا البخلُ يُبقيها إذا هي
وَلَّتِ
أو يذكر كرم سيّد الشهداء
عليه السلام وسخاءه
وهباته وصِلاته، وأنّ
داره كانت تستقبل الضيوف
وذوي الحاجات أيّام
تواجده في المدينة
المنوّرة، ولكنّها أُغلقت
وأُوحشت بعد رحيله
واستشهاده.
2- إذا كان الحديث عن
الشهادة فيمكنه أن يستشهد
بقول الإمام الحسين عليه
السلام:
فإنْ تَكُنِ الدنيا تُعدُّ
نَفيسةً
فدارُ ثواب الله أعلى
وأنبلُ
وإن تكن الأبدان للموت
أُنشئتْ
فَقَتلُ امرئٍ بالسيف في
الله أفضلُ
وإن تكن الأموال للتَرِك
جمعها
فما بالُ مَتروكٍ به المرءُ
يَبخل
وإن تكن الأرزاق قَسْماً
مُقَدّراً
فَقِلّةُ حِرصِ المرءِ في
الكسبِ أجمل
3- إذا كان الحديث عن
وفاء النساء لأزواجهنّ
يستطيع أن يذكر وفاء
الرباب لزوجها الإمام
الحسين عليه السلام وما
قالته في رثائه، كقولها:
إنّ الذي كان نوراً
يُستضاءُ به
بكربلاء قتيلٌ غيرُ مدفونِ
سبطَ النبيّ جزاك الله
صالحةً
عنّا وجُنّبتَ خُسرانَ
الموازينِ
قد كُنتَ لي جَبَلاً صعباً
ألوذُ به وكنتَ
تَصحبُنا بالرحمِ والدِين
مَن لليتامى ومَن
للسائلين ومَن يُغني
ويأوي إليه كلُّ مسكين
واللهِ لا أبتغي صهراً
بصهرِكُمُ حتّى
أُغيّبَ بين الرمل والطين
أو قولها عندما أَخَذَتِ
الرأسَ الشريف ووضعتهُ في
حجرها وقبّلته وقالت:
واحسيناً فلا نَسيتُ
حسينا أَقْصَدَتْهُ
أسنّةُ الأعداءِ
غادروهُ بكربلاء قتيلاً
لا سقى اللهُ جانبي
كربلاء
4- إذا كان الموضوع عن
مصائب الدنيا وغدر الزمان
يمكنه أن يستشهد بقول
السيّد محسن الأمين رحمه
الله:
لا تأمَنِ الأيّامَ يوماً
بعدما
غَدَرَتْ
بعترة أحمد المختار
فَجَعَتْ حسيناً بابنه
مَن أشبه المختارَ في خُلُقٍ
وفي أطوار
أو قول عليّ بن حمّاد
العبديّ:
لا تأمَنِ الدهرَ إنّ
الدهرَ ذو غِيَرٍ وذو لسانينِ في الدنيا
ووجهينِ
أخنى على عترة الهادي
فشتَّتَهُم
فما ترى جامعاً منهم لشخصين
بعضٌ بطيبةَ مدفونٌ
وبعضهُمُ
بكربلاء وبعضٌ بالغريين...
وإليك هذا النموذج
التطبيقيّ للصورة
المعاكسة:
إذا كنت تتحدّث عن معركة
صفيّن مثلاً: "فلمّا اصطفّ
الطرفان" أمر أمير
المؤمنين عليّ عليه
السلام أن يصافّوهم ولا
يبدؤهم ولا يرموهم بسهم،
ولا يضربونهم، ولا
يطعنونهم برمح، حتى جاء
عبد الله بن بديل بن
ورقاء من الميمنة بأخ له
قد قتله جيش الشام، وجاء
قوم من الميسرة برجل قد
رمي بسهم فقتل.
فقال الإمام عليّ عليه
السلام: اللَّهمَّ
اشهد.
وتواتر عليه الرمي فقال
عمّار بن ياسر: ماذا
تنتظر يا أمير المؤمنين؟
فقام أمير المؤمنين عليّ
عليه السلام فقال:
"أيّها الناس:
إذا هزمتموهم فلا تجهزوا
على جريح، ولا تقتلوا
أسيراً، ولا تتّبعوا
مولّياً، ولا تهتكوا ستراً،
ولا تمثّلوا بقتيل، ولا
تقربوا من أموالهم إلّا
ما تجدونه في عسكرهم من
سلاح أو كراع"1.
ولقد يعزّ عليك يا أمير
المؤمنين بما فعل القوم
الظالمون يوم عاشوراء من
تسابقهم على نهب بيوت آل
الرسول، وقرّة عين
الزهراء البتول، يسلبونهنّ
وينتزعون الملاحف عن
ظهورهنّ ثمّ يضرمون النار
في خيامهنّ، فخرجن حواسر
معولات. ثمّ تدخل المصيبة
بطريقة النعي.
الركن الخامس-
المصيبة
تتكوّن المصيبة من
ثلاثة عناصر:
العنصر الأوّل:
اختيار المقاطع الحزينة
من السيرة
وهذه المقاطع قد تكون
نصّاً عن المعصوم، وهو
أفضل ما يمكن ذكره أثناء
المصيبة، لأنّه أوثق في
النفس، وقد تكون نصوصاً
تاريخيّة، وهنا يأتي دور
الخطيب فيعتمد طريقة
الاختزال، بحيث لا يذكر
إلّا المؤثّر من المقطع،
لأنّ النصّ التاريخيّ في
بعض الأحيان يحمل في
طيّاته مقاطعاً غير
مؤثّرة قد تذهب بحرارة
المجلس، فعليه أن يختار
منها المؤثّر فقط، بشرط
أن يحافظ على تسلّسل
الأحداث والترابط بين
فقرات النصّ، بحيث لا
يتغيّر المضمون.
أمّا كيفيّة قراءة
المصيبة:
فلا بدّ أن يعتمد الخطيب
فيها على المدّ والترجيع
في تلاوة المصيبة بشكل
نياحة، وأن يقرأها بدون
عجلة، حتى تأخذ أثرها في
المستمع.
العنصر الثاني: الشعر
الفصيح والشعبي
تلاوة الشعر أثناء
المصيبة، تختلف كمّاً
وكيفاً باختلاف الظروف،
فيجب بالدرجة الأولى أن
نختار الشعر الواضح حتى
يتفاعل الجمهور معه، ففي
بعض البلاد كالخليج مثلاً
يأنسون بالإكثار من الشعر
أثناء
المصيبة، خصوصاً الشعبي،
فينبغي على الخطيب أن لا
يكثر من ذكر نصوص السيرة
أثناء المصيبة على حساب
الشعر، ممّا قد يسبّب
الفشل، أمّا في لبنان
فالعكس هو المطلوب، خصوصاً
إذا لم يكن الشعر واضحاً
لبعضهم، ممّا يسبّب برودة
في المجلس. لذا ننصح
الخطيب، أثناء تحضيره
للمصيبة أن يحضّر شرحاً
للأبيات المنوي تلاوتها
بطريقة فنيّة حزينة كأنّه
يقرأ مصيبة.
وأمّا كيفيّة تلاوة الشعر
أثناء المصيبة
فعلى الخطيب أوّلاً: أن
يختار الأطوار التي
تتناسب مع المصيبة،
وثانياً: أن يختار
الأطوار التي يتفاعل معها
الجمهور. ففي بلاد الخليج
مثلاً يتفاعلون مع
الفايزي، أو مع الأطوار
التي فيها الونّة، بينما
في لبنان تفاعلهم مع
الفايزي أقلّ من غيره
كالدرج، والهادي، والحدي،
والركباني.
العنصر الثالث:
المؤثّرات الفنيّة
الخروج عن النصّ أثناء
القراءة- سواء أكان شعراً
أو نثراً- وقراءة بعض
الكلمات المؤثّرة والتي
لها علاقة بمعنى النصّ
المقروء، مما يعطي
الجمهور شحنات إضافيّة،
وبما لا يخرجنا عن جوِّه
العامّ ثمّ العود إلى حيث
كان الخروج.
ويأتي الخطيب بهذا
المؤثّر بعد أن يسمع
أصوات البكاء من الجمهور،
أو يرى في وجوههم التأثّر
والحزن.
والإتيان به في موضعين:
الموضع الأوّل: أثناء
القصيدة
نحو:
رحلوا وما رحلوا أهيل
ودادي
إلّا بحسن تصبّري
وفؤادي
ساروا ولكن خلّفوني بعدهم
حزناً
أصوب الدّمع صوب
عهادي
وسرت بقلبي المستهام
ركابهم
تعلو به جبلاً
وتهبط وادي
ولقد وقفتُ بها وقوفَ
مولّه
ولمهجتي بالوجد
قدحُ زناد
أبكي بها طوراً لفرط
صبابتي
وأصيحُ فيها تارةً
وأنادي
(هنا، يعلّق الخطيب
الحاذق بما يستدرّ دمعة
الجمهور بقوله، لمن أنادي،
وقد رحل الأحبّة، فالدار
من بعدهم موحشة، ألا لا
تزان الدار إلّا بأهلها،
فأسألكِ يا دار أين رحلوا
عنك،..)؟
يا دار أين مضى ذووك؟ أما
لهم
بعد الترحّل عند
يومَ معادِ
(هنا يعلَّق، يا دار، هل
يعودون إليك؟)
يا دار قد ذكّرتني بعراصك
القفرى
عراص بني النبيّ
الهادي
وهنا يجدر بالخطيب أن
يأتي بطور التخميس أو
الركباني بأبيات وداعيّة
مثال:
بالأمس كانوا معي واليوم
قد رحلوا
وخلّفوا في سويد
القلب نيرانا
الموضع الثاني: أثناء
المصيبة
نحو:
لمّا أمر عمر ابن سعد
بحمل النساء على الجمال
يوم الحادي عشر من
المحرّم ولمّا لم يبقى
إلّا السيّدة زينب من بني
هاشم فهنا يعلّق الخطيب
بقوله: أين السادة؟!
ليساعدوا عمّتهم زينب أين
الغيارى؟! أين أخوتكِ يا
زينب؟! أين الحسين؟! أين
أبو الفضل العباس؟! أين
عليّ الأكبر؟! يا زينب!
أين سيوف بني هاشم؟!..
وبعد هذا التعليق تصيح
ببعض الأبيات من وحي
المناسبة بما لا يعتبر
خروجاً عن النصّ..
والأبيات على نوعين:
اللغة الشعبيّة نحو:
أنا منين أبو فاضل أجيبه
يطفّي نار دلّالي
ولهيبه
يا بن حامي الحما وليث
الحريبه
أنا ظليت من عكبك
غريبه
يا عباس ترضى تصير اختك
سليبه
أو بالقريض: باستعمال طور
التخميس نحو:
لا والدٌ لي ولا عمٌّ
ألوذ به
ولا أخ لي بقي أرجوه ذو
رحم
أخي ذبيحٌ ورحلي قد أبيح
وبي
ضاق الفسيح وأطفالي بغير
حمي
ملاحظات عدّة حول
المصيبة
1- على الخطيب أن يعتمد
في المصيبة مهما أمكن على
الأخبار
الصحيحة والموثوقة
المذكورة في الكتب
المعتبرة، وأن يتجنّب
الأخبار التي يعلم كذبها.
2- على الخطيب عدم اختلاق
مصائب وحوادث لا أساس لها
بُغية استدرار الدموع،
فإنّ الكذب حرام، والغاية
السامية لا تبرّر الوسيلة
الباطلة، ولا يُطاع الله
من حيث يُعصى.
3- على الخطيب أن يتجنّب
الأخبار التي قد تقلّل من
شأن أهل البيت عليهم
السلام، أو قد تحطّ من
منزلتهم عليهم السلام .
4- يمكن للخطيب أن يستفيد
في المصيبة من الأخبار
المُرسَلة المُثبتة في
بعض كتب المقاتل والتاريخ،
وكذا المسموعات من
الخطباء الثُقات، شريطة
أن لا تخالف الشرع والعقل،
ولا يعلم بكذبها ووضعها،
والأحسن أن ينسبها إلى
راويها، فيقول: روى فلان
أو يُروى، أو ذَكروا، أو
يُذكر، أو قال بعض
الذاكرين أو الخطباء، أو
سمعت بعضهم يقول، أو رأيت
في الكتاب الفلانيّ، أو
ما شابه ذلك، وأن لا
ينسبها إلى المعصوم
مباشرة. قال أمير
المؤمنين عليه السلام:
"إذا حَدَّثتم بحديث
فاسندوه إلى الذي حَدّثكم،
فإن كان حقّاً فلكم، وإن
كان كذباً فعليه"2.
فمن الأخبار المُرسَلَة
المُثّبتة في بعض الكتب
ونَظَمها الشعراء: خبر
زيارة هند لسبايا أهل
البيت عليهم السلام في
خربة الشام. وقصّة أولاد
مسلم، وخروج الرباب عليها
السلام في طلب رضيعها
وكذلك خروج الحوراء عليها
السلام
في طلب طفلة الحسين عليه
السلام ليلة الحادي عشر
من المحرّم.
5- يمكن للخطيب أن يعتمد
في المصيبة على بيان
الحال المستفاد من أجواء
المصيبة والقرائن
الحاليّة، وقد أقرّ
الإسلام هذه الطريقة فقال
تعالى:
﴿وّيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ
مِسْكِيناً وَيَتِيماً
وَأَسِيراً * إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ
اللهِ لاَ نُرِيدُ
مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ
شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ
مِنْ رَبِّنا يَوْماً
عًبُوساً قَمْطَرِيراً﴾3.
فأهل البيت عليهم السلام
عندما أطعموا المسكين
واليتيم والأسير لم
يتكلّموا بشيء من هذا،
ولكنّ القرآن الكريم بيّن
حالهم، وتكلّم عن لسانهم.
وقد استعمل شعراء الطفّ
هذه الطريقة خصوصاً في
أشعارهم الرثائيّة، قال
السيّد رضا الهنديّ:
حَرَّ قلبي لزينبٍ إذ
رأته تَرِبَ الجسمِ مُثخناً
بالجِراحِ
أخرسَ الخطبُ نُطقَها
فَدَعتهُ بدموعٍ بما تجِنُّ فصاحِ
يا منار الضُلاّل والليل
داجٍ وظِلالَ الرميضِ واليوم
ضاحي
كنتَ لي يومَ كُنتَ كهفاً
منيعاً سَجْسَجَ الظِّلِ خافقَ
الأرواحِ
وقال السيّد حيدر الحليّ:
نَعَم لوت جيدها بالعتب
هاتفةً
بقومها وحشاها مِلؤُه
ضَرَمُ
عجّت بهم مذ على أبرادها
اختلفتْ
أيدي العدوِّ ولكنْ مَن
لها بِهِمُ
نادت ويا بُعدهم عنها
مُعاتبةً
لهم ويا ليتَهم مِن
عَتبها أَمَم
قومي الأُلى عُقدتْ قِدماً
مآزرهُم
على الحميّة ما ضِيموا
ولا اهتُضِموا
عهدي بهم قِصَرُ الأعمارِ
شأنُهُمُ
لا يَهرمون وللهيّابةِ
الهَرَمُ
ما بالُهم لا عَفَتْ عنهم
رسومُهُمُ
قَرّوا وقد حَمَلَتنا
الأيْنُقُ الرُسُم
فيستطيع الخطيب أن يبيّن
حال أهل البيت عليهم
السلام، وأن يتكلَّم عن
لسانهم بشرط أن لا ينسب
الكلام إليهم مباشرةً،
فيقول مثلاً: كأنّي
بالحوراء زينب عليها
السلام تخاطب أخاها بلسان
الحال فتقول:
يا منارَ الضُلاّل والليلُ
داجٍ
وظِلالَ الرَميضِ واليومُ
ضاحي
أو يقول كأنّي بالحوراء
عليها السلام تهتف بقومها
بلسان الحال فتقول:
عجّت بهم مذ على أبرادها
اختلفت
أيدي العدو ولكن مَن لها
بِهِمُ...
أو إنّ الحوراء زينب
عليها السلام خاطبت أخاها
الحسين عليه السلام بلسان
الحال قائلة:
إنسانَ عيني يا حسينُ
أُخيُّ يا أملي
وعِقْدَ جُمانيَ المنضودا
6- لا ينبغي للخطيب أن
يذكر الأرقام التي قد يشمّ
منها رائحة المبالغة
والغلو إلّا إذا كان
معتمداً في ذلك على
الأدلّة المتينة والنصوص
الصريحة فلا يقول مثلاً:
(قتل عليّ الأكبر عشرة
آلاف من الأعداء) نعم
يمكن الإشارة إلى كثرة من
قتله بدون ذكر الأرقام
كأن يقول: (فقتل منهم
مقتلة عظيمة)- أو حتى (سقى
الأرض من دمائهم)، (أو
قلب الميمنة على الميسرة).
يمكن في المصيبة تهويل
القضايا كنايةً عن عُظمها
وشدّتها، كما قال الإمام
أمير المؤمنين عليه
السلام في الخطبة
الشقشقيّة: "أما والله
لقد تقمّصها فلان وإنّه
ليعلم أنّ محلّي منها محلّ
القطب من الرّحا. ينحدر
عنّي السيل، ولا يرقى إليّ
الطير. فسدلتُ دونها ثوباً،
وطويتُ عنها كشحاً، وطفقتُ
أرتئي بين أن أصول بيدٍ
جذّاء، أو أصبر على طخية
عمياء، يهرم فيها الكبير،
ويشيب فيها الصغير، ويكدح
فيها مؤمن حتى يلقى ربّه.
فرأيتُ أنّ الصبر على
هاتا أحجى، فصبرتُ وفي
العين قذىً، وفي الحلق
شجاً، أرى تراثي نهباً"4.
ويقول عليه السلام في
خطبة أُخرى: "فأغضيتُ
على القذى، وجرّعتُ ريقي
على الشجا، وصبرتُ من كظم
الغيظ على أمرّ من العلقم،
وآلم للقلب من وخز (حزّ)
الشفار"5.
وكما قالت الصدّيقة فاطمة
عليها السلام: "أتقولون:
مات محمّد، فخطبٌ جليل
استوسع وهنُه، واستنهر
فتقُه، وانفتق رتقُه،
واظلمّتِ الأرضُ لغيبته،
وكُسفت النجوم لمصيبته،
وأَكْدَتِ الآمال وخشعت
الجبال"6.
فعلى هذا الأساس يستطيع
الخطيب أن يقول مثلاً:
أظلَمّت الدنيا يوم
استشهاد الإمام الحسين
عليه السلام، واهتزّت
الأرض، وذابت القلوب
وسالت العيون، فبكاه
العالم العُلويّ والسفليّ،
كما قال السيّد ابن طاووس
عند ذكر وصول خبر استشهاد
مسلم بن عقيل رضوان الله
عليه إلى سيّد الشهداء
عليه السلام وأهل بيته
وأصحابه في زرود: "قال
الراوي: وارتجّ الموضع
بالبكاء والعويل لقتل
مسلم بن عقيل، وسالت
الدموع كلّ مسيل".
وقال السيّد رضا الهنديّ:
أوقف الطَرَف يستريح
قليلاً
فرماه القضا بسهمٍ متاح
فهوى العرش للثرى
وادلهمّت
برماد المصاب منه النواحي
وقال الشيخ محمّد حسين
الغرويّ الأصفهانيّ في
الطفل الرضيع:
من دمه الزاكي رمى نحو
السما فما أجلّ لطفّه وأعظما
لو كانَ لَم يَرمِ به
إليها لساخت الأرضُ بمن عليها
الركن الخامس- أبيات
الختام
أو ما يسمّى (بالتخلّص)
يختتم الخطباء عادة
المصيبة ببيت أو أكثر من
الشعر المناسب للمقام،
فمثلاً إذا كانت المصيبة
تدور حول كلام السيّدة
زينب عليها السلام
مع أخيها الإمام الحسين
عليه السلام يقول الخطيب
حينئذ:
أأُخيّ ما عوّدْتَني مِنكَ
الجَفا فعلامَ تَجفُوني وتجفو
مَن مَعي
أنْعِمْ جواباً يا حسين
أمَا ترى
شمرَ الخَنا بالسوط ألّم
أضلعي
أو ما شابه ذلك من
الأبيات المناسبة.
وإذا كانت مصيبة عليّ
الأكبر عليه السلام يقرأ:
يا كوكباً ما كان أقصر
عمره
وكذا تكون كواكب الأسحار
أو يقرأ عن لسان الإمام
الحسين عليه السلام أو عن
لسان ليلى عليها السلام:
بُنيَّ اقتطعتُك مِن
مُهجتي علامَ قطعتَ جميلَ الوصال
وأمثال ذلك.
وإن كانت مصيبة عبد الله
الرضيع عليه السلام يقول:
لهف نفسي على الرضيع
الظامي فطَمَته السهام قبل
الفطام
وإذا كانت مصيبة العبّاس
عليه السلام يقرأ عن لسان
الإمام الحسين عليه
السلام:
عباسُ كبش كتيبتي وكنانتي
وسَرِيُّ قَومي بل أعزُّ
حُصوني
يا ساعدي في كلّ مُعَتَركٍ
بهِ
أسطّو وسيفَ حِمايتي
بيميني
لِمَنِ اللوا أُعطي وَمَن
هو جامعٌ شَملي وفي ضَنَك الزحام
يَقيني
وهكذا في المصائب الأُخرى
يقرأ الشعر المناسب
للمقام.
والجدير بالذّكر: أنّ
الشطر الثاني من البيت
الأخير الذي يختتم به
الخطيب خطبته يُقرأ عادة
بصوت منخفض، علامة على
الانتهاء من المصيبة
والبعض من الخطباء لا
يأتي أصلاً على ذكر الشطر
الثاني.
الركن السادس -
الدّعاء
وهو الركن الأخير من
المجلس الحسينيّ، وبه
ينهي الخطيب المصيبة، وهو
يشتمل على عدّة فقرات.
الأولى: الابتهال
إلى الله، والدّعاء
لمولانا صاحب الزمان
بالفرج عجل الله تعالى
فرجه الشريف .
الثانية: الدّعاء
للمسلمين ومجاهديهم.
الثالثة: لعموم
الحاضرين، بالمغفرة،
والعافية، وحسن العاقبة.
ويخصّ المؤسّسين
والباذلين أموالهم بدعاء
خاصّ، وإذا كان في المجلس
شخص بارز ومميّز من
العلماء يحسن ذكره بالاسم
في الدّعاء.
الرابعة: إهداء
ثواب الفاتحة إلى أموات
هؤلاء وعموم المؤمنين
وبالخصوص الشهداء.
وإذا كان المجلس معقوداً
عن روح شخص ما، فيحسن ذكر
اسمه عند إهداء ثواب
الفاتحة بعد تخصيصه
بالدّعاء.
|