الدرس الأول: مراحل تطور المنبر الحسيني

قبل الدخول في موضوع فقرات المنبر الحسيني، والتوقف عند كل واحدة منها وبيان خصائصها ومواصفاتها، ولأجل وضع الطالب وعموم القرّاء على التطور الذي رافق المنبر الحسيني تاريخياً، فسنتوقف في درسنا هذا عند مراحل هذا التطور. وعموماً فيمكن لنا أن نقول: أن هناك نوعين من المآتم التي أقيمت على الحسين عليه السلام.


النوع الأول: المآتم العرضية

التي لم تكن قد أقيمت عن قصد مسبق وإنما صاحبت واقعة كربلاء وأيام السبي (من اليوم الحادي عشر من المحرم إلى عودة ركب السبايا إلى المدينة المنورة)، فقد أقيمت في كربلاء والكوفة وفي الطريق من الكوفة إلى الشام وفي الشام وفي كربلاء يوم الأربعين وحينما وصل ركب السبايا إلى المدينة.

هذه المآتم لم يُهيأ لها سابقاً، وإنما هيأتها وأعدتها طبيعة المأساة، طبيعة الجانب العاطفي في واقعة كربلاء الذي كان يجذب الناس ويفجر فيهم هذه الطاقة العاطفية الوهّاجة على شكل بكاء واستجابة طبيعية للحدث المؤلم. فقد ذكرت أمّهات المصادر التاريخية هذه المآتم، ويمكن مراجعة: تاريخ الطبري، تاريخ ابن الأثير، الأيام الطوال للدينوري وغيرها...


10


النوع الثاني: المآتم الهادفة

ونحن نريد أن نبحث عن جذور المنبر الحسيني الهادف، الذي أقيم عن تخطيط، أي كانت له دعوة مسبقة وتخطيط مسبق. إن هذا النوع من المآتم الذي نطلق عليه مصطلح (المآتم الهادفة) هو الذي سيكون مدار بحثنا.

أي سندرس تلك المجالس الحسينية التي بدأت بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام واهتم الأئمة عليهم السلام بإقامتها والدعوة إليها.

إذ يمكننا القول؛ أن الأئمة عليهم السلام أكدوا على خطين متوازيين في عملهم مع الأمة.

أولاً: خط البناء الفكري والعقائدي والفقهي (بيان أطروحة الإسلام الحقيقية).

ثانياً: خط الإذكاء العاطفي (التأكيد على إحياء واقعة كربلاء)

هذان الخطان المتوازيان واضحان في أعمال ونشاطات كل الأئمة عليهم السلام حيث أكدوا على البناء والتربية والإعداد وتثقيف الأمة. كما أكدواعليه السلام على الجانب العاطفي عبر واقعة كربلاء، لأن الفكرة إذا كانت مجرد فكرة بعيدة عن العاطفة فإن بالإمكان أن تُهزم أو تتحول إلى شيء فيه قسوة، لا يتفاعل القلب معه. إن وجود العاطفة الصادقة مع الفكرة الأصيلة يعني إحاطتها بوقاية ورعاية. كما يمكن القول كذلك أن العاطفة، إذا تجردت عن الفكرة فإنه يمكن لها أن تنحرف وتضيع. إذاً فكما تقوم العاطفة برعاية الفكرة واحتضانها، فإن وجود الفكرة الهادفة يعني توجيه العاطفة نحو الاتجاه الصحيح.


11


إن للعاطفة ذات البعد الفكري والعقيدي دور وأيّ دور في ظروف غياب الثقافة أو الاغتراب والابتعاد عن عطاء العلم والفكر.. فقد ذكرت بعض المصادر التاريخية أنه قد مرت ببلاد الهند سنين وأجيال لم يكن هناك حضور للحوزات العلمية أو العلماء، والشيء الوحيد الذي كان موجوداً هناك، والذي كان يربط الناس بالتشيع وبخط أهل البيتعليه السلام، كانت مسيرة تنطلق يوم عاشوراء. إذ كانت هذه المسيرة الحسينية السنوية هي التي تربط الناس بهذه المدرسة المعطاء، وهكذا يبرز دور العاطفة التي تختزن مفهوماً فكرياً، في الحفاظ على هوية الأمة ومعالم شخصيتها. ثم عادت إلى قيادة الفكر والعلم بعد زوال تلك الحقبة وعودة العلماء وبروز الحوزات العلمية من جديد.

إن هناك أمثلة في تاريخنا، بل وفي عصرنا الحديث، عن محاولات قد هُيأت لها ظروف وتخطيطات مسبقة من أجل القضاء على الفكرة وإبادتها، ولكن ومع مجيء يوم عاشوراء وإذا بالفكرة تعود إلى عقيدة الأمة، فتسترجع هويتها وترتبط برموزها وتتجذر في انتمائها..

إن الإنشاد العاطفي له أثر كبير في ربط الإنسان بالفكرة، وكذلك فإن الفكرة مهمة جداً بالنسبة للعاطفة، لأن العاطفة بدون فكرة، قد تجعل لكل إنسان أسلوباً يترجم عاطفته من خلاله، وقد تكون بعض الأساليب لا تناسب مع أساس الفكرة وأبعاد العقيدة.

فهنا تتدخل الفكرة للحفاظ على كيفية إعطاء العاطفة لأبعادها وتوجيهها.

وهكذا فقد بدأت بيوت الأئمة عليهم السلام باستقبال الشعراء ثم


12


المنشدين، وأخذ الشيعة يفدون على تلك البيوت أو يسهمون في هذه المجالس.وذلك استجابة لحثّ الأئمة عليهم السلام وتأكيدهم على إقامة هذه المآتم، في تعليمات وتوجيهات حفلت بها كتب الحديث التي أجمع العلماء على تواترها وصدقها. وشهدت هذه المآتم - الهادفة- مراحل عدة في تطوّرها حتى وصلت إلى المستوى الذي نعيشه في أيامنا هذه.

ويمكن أن نُجمل المراحل التي مر بها المنبر الحسيني في تطوّره بما يلي:


1- مرحلة التأسيس

أي عمل الأئمة المعصومين عليهم السلام في الحث والتأسيس والتأكيد على مجالس الحسين عليه السلام واستمرت هذه المرحلة إلى نهاية الغيبة الصغرى(أي منذ سنة 61هـ لحدود سنة 330هـ).


2- مرحلة بروز الدول الشيعية

حيث جاء البويهيون إلى بغداد ونزلت مظاهر العزاء إلى الشوارع واعتبر يوم عاشوراء يوم تعطيل رسمي وذلك في سنة 352 هجرية أيام معز الدولة البويهي. فقد كان المنبر الحسيني محصوراً في البيوت وفي الأحياء الشيعية المغلقة، ولكن مع مجيء البويهيين وسيطرتهم على بغداد، فقد برزت تلك المجالس ومواكب العزاء، وبشكل رسمي وواضح.

وهذا ما ذكره جميع الذين كتبوا في تأريخ بغداد في تلك المرحلة وقد اختلط الأمر إذ تصوّر بعض الكتّاب والمؤلفين أن المجالس أنشأها البويهيون ولم ينشأها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.


13


إن المجالس الحسينية كانت موجودة قبل وصول بني بويه إلى بغداد بزمن بعيد، و لكنها كانت مخفية وتقام بصورة خاصة وضيقة، لأن الأمويين أولاً ثم العباسيين بعد ذلك لم يكونوا ليسمحوا بانتشار هذه المجالس التي يخشونها بما تتضمنه من إدانة لقتلة الحسين عليه السلام وظالمي أهل البيتعليه السلام.

فإذاً لقد شهدت بعض المناطق الإسلامية اتجاهاً لافتاً لإقامة مجالس العزاء وبشكل رسمي وقوي ببروز الدول الشيعية، فقد برزت مجالس العزاء الحسينية قبل بغداد في مدينة حلب لمّا سيطر الحمدانيون على حلب ومناطق واسعة أخرى وراحوا يحيون أيام عاشوراء بالشعر والرثاء وذلك في عام 333 هجرية، وفي قصائد أبي فراس الحمداني إشارة إلى بعض تلك المآتم.

إن المآتم التي بدأت تظهر بشكل بسيط في أيام الإمام زين العابدينعليه السلام من ثم توسعت شيئاً فشيئاً مع اتساع رقعة الولاء لأهل البيتعليه السلام طوال فترة المعصومين عليهم السلام واستمرت هذه المجالس ولكن ليس كظاهرة تحظى بتسجيل المصادر التاريخية وتوثيقها. ولكنها شهدت تطوراً كبيراً ونوعيّاً ببروز الدول الشيعية. وقبل أن تبرز هذه الدول الشيعية، كانت هناك تجمعات في بيوت الأئمة عليهم السلام أو بيوت الشخصيات الشيعية البارزة. وقد برزت هذه المآتم بشكل واضح عند قبر الإمام الحسين عليه السلام، والتي تطورت وتعاظمت حتى قام المتوكل العباسي بإخافة الزائرين والمقيمين في كربلاء، بل وصل به الأمر إلى هدم قبر الحسين عليه السلام.


14


إن تجاوب الأمة مع المجالس لم ينقطع، إلا أنها كانت مخفية ثم برزت أيام هذه الدول؛ ومن جهة أخرى؛ فقد برزت المآتم في مصر، حيث أقيمت وبشكل كبير عند دخول الفاطميين إلى القاهرة، التي أسسها جوهر الصقلي أحد قوّاد الفاطميين وأسس فيها الجامع الأزهر نسبة للسيدة الزهراءعليه السلام وذلك عام 362 هجرية.

وتحولت أيام عاشوراء في القاهرة إلى أيام عزاء. وكانت المآتم في مصر مرتبة أكثر من مثيلاتها في بغداد، لأن القاهرة كانت عاصمة الحكم الفاطمي وهو حكم شيعي، أما بنو بويه فقد كانوا قادة وأمراء ضمن الحكم العباسي القائم آنذاك، لكنهم كانوا قادة أقوياء ففرضوا بعض الأمور، أما في مصر فقد كانت الدولة كلها شيعية. ففي يوم عاشوراء حيث كان يخرج الخليفة وأصحابه حفاة إلى مشهد الإمام الحسين عليه السلام، ثم نزول المنشدين يوم العاشر على شكل مجموعات إلى الشوارع ضمن مراسم معينة، ويمكن مراجعة الخطط وإتحاف الحنفا للمقريزي والنجوم الزاهرة للتغربردي وغيرها من المصادر، لمزيد الاطلاع على الكيفية التي كانت عليها المآتم الحسينية آنذاك.

إذن، فالمرحلة الثانية هي مرحلة بروز الدول الشيعية؛ التي أعطت للمنبر الحسيني بعداً واسعاً وانتشاراً واضحاً. إن وجود السلطة الشيعية أعطى المنبر الحسينيعليه السلام إمتداداً كبيراً وسمع به من لم يسمعه، وعاشه من لم يعشه، ورآه من لم يره سابقاً.


15


المرحلة الثالثة

مرحلة الركود العام الذي عاشه المجتمع الإسلامي حيث ضعفت همةُ المسلمين ووهنت كلمتهم. ويمكن أن يؤرخ لهذه من سقوط بغداد أيام هولاكو، أو بعدها بسنين.

فقد أُصيب المنبر الحسيني بما أصيب به بقية المجتمع المسلم ومؤسساته، حيث سيطرت فيه نوازع الزهد السلبي، وترك الحياة واتهامها أنها خانت أهل البيتعليه السلام، في حين نجد عند حديثنا عن مرحلة التأسيس كيف كان الشعراء الذين يفدون على أئمة أهل البيت عليهم السلام يحاسبون بني أمية ويشجبون مواقف الظالمين، وكذلك أيام الدول الشيعية نوعاً ما، لكن بعد ذلك أصبح هناك ركود في عموم المجتمع الإسلامي، حالة خمول وابتعاد عن المسؤوليات، ويمكن لبيت من الشعر توضيح ما آل إليه المنبر في هذه المرحلة:
أترجو الخير من دنيا أهانت           حسين السبط واختارت يزيدا

حيث نجد التأكيد منصبّاً فقط على الجانب المأساوي في واقعة كربلاء، ولعل أفضل وثيقة تحكي ما كانت عليه المآتم الحسينية في تلك المرحلة؛ كتاب المنتخب لفخر الدين الطريحي والمتداول في الأسواق لحد الآن. واستمرت هذه المرحلة إلى بداية عصر النهضة الحديث. تقريباً، مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي قبل قرن تقريباً.


المرحلة الرابعة

ومع تعاظم الوعي والانفتاح على الجانب الثقافي، وظهور أجهزة


16


الإعلام الحديث والاتصالات، وسرعة طبع الكتب وانتشارها، حيث جاءت المطابع وجهزت الكتب والصحف. وعندما عمَّ الوعي عموم العالم الإسلامي، فقد برزت فترة انتعش فيها المنبر الحسيني كذلك وأمتد الوعي إليه، لأن المنبر الحسيني هو مؤسسة من مؤسسات المجتمع، فإذا عمّ الوعي وازدادت الثقافة في المجتمع نجد المنبر الحسيني مستجيباً لهذا التطوّر، وإذا تخلف المجتمع فإن المنبر الحسيني يضعف ويضمر دوره كذلك وهذا لا يعني استسلام خطيب المنبر الحسيني لحالات التخلّف، بل عليه، أداء رسالته بوعي وهادفية ولكن هناك أموراً واقعية تفرض نفسها على عموم الأمة.

إن المرحلة الرابعة هي المرحلة المعاصرة، حيث برز فيها مجموعة من خطباء المنبر الحسيني من ذوي الكفاءات المميزة؛ من حيث الإحاطة بالأدب والسيرة والتفسير والتاريخ. فأغنوا المنبر الحسيني بالموضوعات والمحاضرات، التي شدّت المجتمع وراح الناس ينهلون من المنبر الحسيني الأفكار والعقائد، والحكم الشرعي، والحس الأدبي، والانفتاح على التأريخ حتى قالوا، إن المجالس مدارس.

لقد شهدت بداية القرن العشرين، ونهاية القرن التاسع عشر الميلاديين ومع التطور الهائل للأوضاع في العالم ومع تنبه المسلمين إلى خطورة هذا التطور، بروز بعض الخطباء الحسينيين الذين أحدثوا نقلة نوعية في المنبر الحسيني ورسالته.

فقد برز الشيخ كاظم السبتي الذي كان أستاذاً كبيراً في الحوزة وخطيباً حسينياً لامعاً وكان يحفظ نهج البلاغة عن ظهر قلب، ففي


17


كل مجلس وبعد أن يقرأ القصيدة يبدأ بمقطوعة من خطب الإمام أمير المؤمنينعليه السلام ثم يشرح ما فيها من مفاهيم وقيم ويؤيد قوله بالشعر والقصص والروايات والأحاديث والآيات، فأصبح المنبر الحسيني عبارة عن حديقة متنوعة ومائدة غنية. وقد أحدث هذا الرجل تأثيراً كبيراً في طرح المنبر الحسيني.

وهو الذي ابتكر أسلوب التخلص الذي يسمى بالانتقال(ويُصطلح عليه باللهجة الشعبية العراقية الخليجية مصطلح الكُريز؛ أي كيفية الانتقال من الموضوع أو المحاضرة إلى كربلاء بأسلوب إنسيابي. وتوفي الشيخ كاظم سبتي رحمه الله عام 1339هـ-1920م. وبرز معه في السنين الأخيرة من عمره الخطيب السيد صالح الحلي، هذا الرجل الذي كان مجتهداً على بعض الأقوال، وكان شاعراً جريئاً ومجاهداً، وكان عنده إحاطة بالأمور الفقهية والأمور التأريخية وبشكل مذهل، إذ كان يطالع الكتب وكان يحاول أن يستخلص من أعماق الكتب شواهد على الموضوع الذي يريد أن يطرحه، وكان يحدث شدّاً غريباً في مجلسه بحيث يستقطب طبقات المجتمع. وينقل الأستاذ جعفر الخليلي في مؤلفه (هكذا عرفتهم) أن السيد صالح الحلي كانت عنده سعة اطلاع ومتابعة مذهلتين للأدب والتاريخ وسنأتي في درسنا القادم إن شاء الله على مثال لما كان عليه هذا الخطيب المتميز والذي توفي رحمه الله عام 1359هـ - 1939م..

ثم جاء بعده الشيخ محمد علي اليعقوبي الذي توفي سنة 1385هـ - 1965 م هذا الرجل كان الحلقة الثالثة في هذه السلسلة الموفقة من


18


الخطباء، ولقد كان مع كل خطيب من هؤلاء الخطباء الثلاثة مجموعة من الخطباء، إن هؤلاء الخطباء الذين برزوا، كانوا يعطون للمنبر الحسيني بعداً تربوياً ثقافياً كبيراً لم يأت به غيرهم، بحيث أن أهل بغداد لم يتركوا الشيخ اليعقوبي عشر سنوات، حيث تعلق الناس بمحاضرات الشيخ اليعقوبي وأبحاثه ولم يرجع إلى النجف الأشرف إلا بعد فتوى شرعية ألزمته العودة وترك بغداد.

لقد قام خطباء المنبر الحسيني بأدوار كبيرة في تثبيت عقائد الناس وتوسيع ثقافتهم وإن هذه المجالس أعطت الأمة عطاءً فكرياً وتربوياً رائعين، لقد تحولت المجالس الحسينية إلى مجالس تهتم برفع مستوى الناس دينياً وعقائدياً وثقافياً، لأن الخطيب كان يتعب نفسه في التحضير -والدراسة والمتابعة، ولم يعد المنبر الحسيني مجرد قصيدة ... أو بكاء على الإمام الحسين عليه السلام، - الذي يبقى عنصراً أساسياً في المنبر - ولكنه توسع وتجذّر ليحظى بأبعاد رائعة متعددة.

ثم جاء الشيخ أحمد الوائلي، الخطيب الحسيني الذي يعتبر معلماً مميزاً لخطباء المنبر الحسيني وصاحب مدرسة خطابية مميزة. لقد برز الشيخ الوائلي أيام المواجهة الحادة بين أفكار الإسلام مع الأفكار الشيوعية والأفكار الغربية الأخرى التي كانت تأخذ من عقول الشباب وعموم المثقفين مأخذاً كبيراً، فجعل منابره منابر وعي ومنابر الدفاع عن الإسلام ومحاكمة الأفكار الواردة.

إن على خطيب المنبر الحسيني أن يطرق الموضوع الذي يحتاجه المجتمع ويتفاعل معه وكلما استطاع الخطيب أن يعيش مع الناس


19


ويطرح على المنبر هموماً يعيشها الناس فإن منبره يكون موفقاً أكثر من غيره.

الشيخ الوائلي أنسى من كان قبله وسيتعب من يأتي بعده، لأنه رجل أديب وشاعر يختار الكلمة وينحتها نحتاً، فكر متألق ونجاح مستمر وقد أصبح الدكتور الوائلي صاحب مدرسة في هذا المجال وحتى يقال الآن عن الخطيب الناجح أنه مثل الشيخ الوائلي.

وقد أكمل الشيخ دراسته الجامعية في النجف ونال الماجستير في جامعة بغداد والدكتوراه في جامعة القاهرة.

ويعد الشيخ الوائلي أول خطيب حائز على دكتوراه واستمر في قراءة مجالس عزاء الحسين عليه السلام ولهذا كان يجذب الناس وعموم المثقفين وطلاب الجامعات إليه. فأصبحت مجالس الشيخ الوائلي تغني الفكر الإسلامي، ولم يكن يؤكد على الجوانب المأساوية إلا قليلاً، يبدأ بآية قرآنية، وفي آخر المجلس يعرّج على بيت أو بيتين من الشعر في الأيام العادية وقد فجع المنبر الحسيني بوفاته رحمه الله في جمادى الأولى 1424هـ، الموافق لتموز 2003.

هذه هي المرحلة المعاصرة التي وصل فيها المنبر الحسيني إلى ما وصل إليه الآن. وتابعنا كيف قد بدأ بمجرد شاعر يفد على الإمام الصادق عليه السلام، ويقرأ قصيدة رثاء، إلى هذا المستوى الذي بلغه هذه الأيام بحيث أصبح الناس تطلب من خطيب المنبر الحسيني، أن يكون حديقة متنوعة من الثقافة والأدب، إضافة إلى إشباع الجانب العاطفي في واقعة الطف.


20