ما ذكرناه في مسألة كتابة
موضوع محاضرة المنبر
الحسيني كان يتعلق
بالموضوعات العامة طوال
السنة، أما مجالس عاشوراء
فإن لها خصوصية،
ولموضوعاتها خصوصية في
المنبر الحسيني، فلا بد
لخطيب المنبر الحسيني
المبتدئ أن يهيئ نفسه
لمجالس الأيام العشر
الأول من شهر المحرم.
ولعلها تكون تجربته
الأولى في هذا العالم.
يجب أن تقسم الأيام
العشرة الأولى بهذا
التقسيم الذي جرت عليه
تقاليد المجالس الحسينية..
الليلة الأولى من
المحرم
تكون الموضوعات فيها حول
أهمية المآتم أو المجالس
الحسينية.
حيث يذكر مثلاً جهود
الأئمة عليهم السلام وكيف
خططوا وكيف سعوا وكيف
حثوا شيعتهم على إقامة
المآتم وفوائد هذه المآتم
والمسؤولية في ذكرى
الإمام الحسين عليه
السلام وكيف يمكن أن تحيى
هذه المجالس؟
فالليلة الأولى عادة تكون
موضوعاتها في أهمية مجالس
العزاء وكيف تأسست
وانتشرت، ويمكن الاستفادة
في هذا المجال من عدة
مؤلفات لعل من أبرزها
كتاب (ثورة الحسين في
الوجدان الشعبي)
للشيخ محمد مهدي شمس
الدين وهو كتاب نافع جداً.
الليلة الثانية من
المُحرّم
في خروج الإمام الحسين
عليه السلام من المدينة،
إذ لا بد أن تكون المصيبة
في نهاية المجلس في كيفية
خروج الإمام الحسين عليه
السلام من المدينة. وما
رافق ذلك من أحزان وآلام.
يمكن أن يذكر الخطيب في
هذه الليلة موضوع الهجرة
حيث يبحث موضوع هجرة
النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ولماذا هاجر؟ وما
تعرض له المسلمون الأوائل
من التعذيب؟ هجرة
المسلمين إلى الحبشة هجرة
المسلمين إلى المدينة ..
ثم نصل إلى خروج الإمام
الحسين عليه السلام من
مدينة جدّه المصطفى وينهي
مجلسه بالمقارنة بين
الهجرتين أو ما يناسب ذلك...
كما يمكن أن يذكر في هذه
الليلة، كيف وصل خبر موت
معاوية إلى المدينة وماذا
عمل والي المدينة الوليد
بن عتبة ابن أبي معيط،
وكيف استدعى الإمام
الحسين عليه السلام وطلب
منه البيعة، ورفضه لها،
وقال كلمته المشهورة:
"أيها الأمير إنّا أهل
بيت النبوة وموضع الرسالة
ومختلف الملائكة بنا فتح
الله وبنا يختم، ويزيد
رجل فاسق فاجر معلن
بالفسق وشارب الخمر وقاتل
النفس المحترمة ومثلي لا
يبايع مثله" ويختم
هذا المجلس بذكر وقوف
الإمام الحسين عليه
السلام على قبر جده رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم، أو على قبر أخيه
الحسن أو على قبر أمه
الزهراء عليها السلام
أيضاً ويوجد نعي ومصيبة
بكل هذه الموارد في كتب
الشعر من قريضٍ وشعبي،
وهذا شيء يعود اختياره
إلى الخطيب وهو يختار ما
يراه مناسباً لمجلسه.
أو يمكن أن يذكر في مصيبة
هذه الليلة خروج الإمام
الحسين عليه السلام وبقاء
طفلته العليلة (فاطمة
العليلة) إذن في هذه
الليلة الثانية ينصبّ
الموضوع على خروج الإمام
الحسين عليه السلام من
المدينة وأيضاً المصيبة
تكون مناسبة لحادثة خروج
الحسين من المدينة.
وبالمناسبة، فإن على
الخطيب الحسيني أن يولي
مسألة تحليل واقعة كربلاء،
والأبحاث المتنوعة عن
أسبابها ونتائجها وعوامل
خلودها وظروفها، وبما
اهتمت به الدراسات
والأبحاث التي تناولت
ثورة الحسين عليه السلام
ونهضته، وينبغي على خطيب
المنبر الحسيني، أن يولي
مسألة حفظ النصوص أهمية
كبرى وخاصة نصوص خطب
ومقالات الإمام الحسين
عليه السلام، وأبرز
شخصيات واقعة كربلاء وهذه
المسألة مما يميّز خطيب
المنبر الحسيني عن أي
متحدث أو محاضر آخر، الذي
قد يكتفي بذكر المعنى
بينما لا يغتفر لخطيب
المنبر الحسيني أن يذكر
المعنى، دون أن يحفظ
النّص بالدقة، وكلما حفظ
نصوصاً أكثر ارتفاع شأن
خطابته أكثر.
الليلة الثالثة من
المحرم
وموضوعها ينتهي بخروج
الإمام الحسين عليه
السلام من مكَّة والأحداث
التي جرت في مكة. ماذا
صنع الإمام الحسين عليه
السلام في مكة؟
وآخر المحاضرة يتم الحديث
عن كيفية خروج الإمام
الحسين من مكة، وبكاء
أخيه محمد بن الحنفية، أو
بكاء عبد الله ابن العباس،
وما قال الإمام الحسين
عليه السلام عند خروجه من
مكة "شاء الله أن
يراني قتيلاً وشاء الله
أن يراهن سبايا" أو
خطاب الإمام الحسين عليه
السلام حينما خرج من مكة
"خُط الموت على ولد
آدم مخط القلادة على جيد
الفتاة وما أولهني إلى
أسلافي اشتياق يعقوب إلى
يوسف كأني بأوصالي تقطعها
عسلان الفلوات بين كربلاء
ونينوى بين النواويس
وكربلاء" ونؤكد مرة
أخرى أن من الضروري، أن
يتميز قارئ العزاء عن
بقية المحاضرين بحفظ نصوص
السيرة وبشكل مميز جداً.
وإنه من غير المحبَّذ
عندما يعتلي الخطيب
المنبر، ويقول فيما معناه
أن الحسين قال كذا وخرج
من مكة وقال سوف أقتل وأن
أولادي كذلك يقتلون معي،
بل يجب على الخطيب أن
يحفظ النص، إن حفظ النص
يكسب المجلس قوة، ويجعل
كلام الخطيب مؤثراً في
الناس تأثيراً واضحاً جداً.
يجب على الخطيب قبل غيره
أن يتعامل باهتمام كبير
مع مسألة حفظ النصوص.
ويمكن أن يتطرق الخطيب في
هذه الليلة إلى موضوع
لماذا خرج الإمام الحسين
عليه السلام ومعه نساؤه
لماذا لم يبق الإمام
الحسين في مكة أو في
المدينة؟
أو ماذا صنع الإمام
الحسين في مكة؟
هناك مجالات كثيرة لطرح
مثل هذه الأبحاث
والدراسات، لكن المصيبة
يجب أن تكون في خروج
الإمام الحسين عليه
السلام من مكة.
حيث يمكن أن يقال: اضطر
أن يخرج الإمام الحسين
عليه السلام من مكة حفاظاً
على حرمة البيت الحرام
وقد قال عليه السلام:
"سمعت من أبي أن رجلاً
يقتل في الكعبة تُستحل به
حرمتها ولا أريد أن أكون
ذلك الرجل" وكانت
مكافأة الحسين إرادة الله
وهي تقرر: لأجعلن من قبرك
كعبة لقلوب المؤمنين، ثم
يُعرّج الخطيب على كربلاء
ومقارنته بين كربلاء
وبين مكة ضمن أبيات
القصيدة المشهورة:
لأن قصد الحجاج بيتاً
بمكة
وطافوا ببيت والذبيح
جريحه
فإني بواد الطف أصبحت
محرماً
أطوف بقبر والحسين ذبيحه
وتسألني عن زمزم هاك
أدمعي أو الحجر الملثوم هذا
ضريحه
وبعد ذلك يغوص الخطيب في
المصيبة ويشبعها...
يجب أن نجهد أنفسنا في
تعلم فن الخطابة الحسينية،
يجب أن يكون لدى الخطيب
الأسلوب الفني في الخطابة
مثل حركة بيده وكيف يدير
المجلس، كيف يحرك
الجماهير كيف يجذبها كيف
يستخرج العبرة والدمعة من
عين المستمع. يحتاج إلى
فن وتخصص، بحاجة إلى
متابعة وقراءة مستمرة،
وتراكم خبرات ومتابعة
ميدانية لشيوخ الخطباء،
وأساتذة المنبر!
الليلة الرابعة من
المحرّم
ولا بد أن تختم بوصول
الإمام الحسين عليه
السلام إلى كربلاء، ويمكن
أن يتكلم الخطيب عن
المراحل التي مر بها
الإمام الحسين عليه
السلام من مكة إلى كربلاء
حوالي سبعة عشر مرحلة،
ويتوقف عند المراحل
المهمة التي مرّ بها ركب
الحسين عليه السلام وفي
هذه المجالات تنفعنا كتب
المقتل المختلفة.
مثل مقتل السيد المقرم
ومقتل السيد بحر العلوم،
وهذان المقتلان
هما في غاية الأهمية لكل
خطيب، وقد بينّت فيهما
المراحل التي مرّ بها
الإمام الحسين عليه
السلام عندما خرج من مكة
حتى وصوله كربلاء.
فأول مكان الصفاح وثاني
مكان التنعيم، وهكذا بقية
المراحل والمنازل حتى
كربلاء، مع ذكر المناطق
وماذا حدث فيها.
إذن علينا أن نهتم بكتاب
مقتل الإمام الحسين عليه
السلام للسيد عبد الرزاق
المقرّم، ومقتل الإمام
الحسين عليه السلام (للسيد
محمد تقي بحر العلوم).
ويمكن للخطيب أن يستخرج
من هذين الكتابين عدة
موضوعات، إذن لا بد أن
يقتنيهما الخطيب، وكما
قلنا فإن فيهما بحوث
كثيرة وأفكار مهمة ونافعة،
لكل خطيب حسيني.
بعض الخطباء يقول: أن في
الليالي الأربع الأوائل
لك حرية أكثر في اختيار
الموضوع أو اختيار
المصيبة، لكنني وجدت أن
المآتم الكبرى في مناطق
الخليج وغيرها، تهتم بهذا
الترتيب الذي ذكرناه
وبشكل مهم جداً، فإذا
التزم الخطيب بهذه الدقة
في الليالي الأربع الأولى
من المحرَّم فإنه يكون
مميزاً، في بعض المناطق
يتوارثون المجالس
والأعراف أباً عن جد،
ولهذا لا ينجح فيها إلا
الخطيب الذي استطاعت
التجارب أن تصنع منه
خطيباً مميزاً في طرحه
وأدائه وحفظه ومواضيعه.
هذه الليالي الأربع
الأولى، فيها مجال أن
يغير الخطيب شيئاً ما،
لكن بعد هذه الليالي سوف
تكون محددة جداً لا يوجد
مجال للمناورة. إذ من
الليلة الخامسة سوف
تُحدَّد الليالي بشخصيات
وشهداء كربلاء بشكل محدّد
ودقيق، وهذا ما سنأخذه في
درسنا القادم إن شاء الله.
|