قد ذكرنا في أول موضوع
فقرة القصيدة، أننا لا
نشجع على إرباك الطالب
بطلبنا منه أن يحفظ عدة
أطوار ويجيدها، ولهذا فان
طور الدرج وطور المثكل لا
بدّ منهما لكل خطيب؛ وأما
طور (التخميس) فيحتاج
الخطيب إليه، في إنشاد
القصيدة والنعي أثناء
المجلس في فقرة المصيبة.
فلم يبق عندنا إلا طورا (الحديّ)
و (القزويني)، والأهم هنا
هو الأول...
هيكل القراءة
الحسينية
ومع استمرار الخطيب في
مسيرته الخطابية، سيتعرف
على أطوار أخرى، قد ينسجم
مع بعضها دون الآخر،
فنراه بعد مدة قد اختص
ببعض الأطوار. ولكن لا بد
من التركيز هنا، انه لا
بد من إجادة المرحلة
الأولى والثانية؛ أي طوري
(الدرج والمثكل) على كل
حال.
وقد يكتفي المجلس بإنشاد
القصيدة الرثائية الفصحى
فقط، خاصة اذا كانت
أبياتها تفي بالمطلب
وتشبع الحاجة... ولكن
الأمور تختلف من بيئة
حسينية لأخرى ومن عرف
منبري لثانٍ.
حيث تجد بعض الاعراف
المنبرية في بعض مناطق
العزاء الحسيني، انه لا
بد من ان يأتي الخطيب بعد
قراءة القصيدة وبالأطوار
المذكورة آنفاً، أن يأتي
بأبيات نعي باللهجة
العامية العراقية
أو الخليجية كما مرّت
الإشارة إلى ذلك...
فنجد بعض الخطباء يختار
أبياتاً من النعي من
النصّاريات، او يختار بيت
(ابوذية) أو أكثر، وقد
يكون هذا أكثر ملائمة مع
القصيدة، التي كان الناس
يتجاوبون فيها مع الخطيب
في طور المثكل أو الحدي،
فإذا جاء بعدهما ببيت (ابوذية)
يقرأه بطريقة الأنين
والحنين أيضاً، فسيكون
منسجماً مع قراءة القصيدة
الرثائية.
إلا أن واقع الخطابة
الحسينية الحالي، قد برّز
قصائد الطريقة البحرانية
أو الفائزية، كأفضل خيار
لقصائد اللهجة العاميّة
الذي يتلى بعد القصيدة
الفصحى، ببداهة أن
الطريقة التي يتم بها
إنشاد القصيدة الخليجية،
التي تنتهي في كل مقطع
بتجاوب من الجمهور بانين
وحنين، وهنا يأتي
الانسجام واضحاً والتناسق
جلياً بين الأنين في
القصيدة مع الأنين في
النعي.
وقد لا يكتفي بعض الخطباء
بقراءة القصيدة ثم النعي
بالطريقة الخليجية بل
يتبعهما بأبيات من
الأبوذية العراقية فتكتمل
الصورة... وتجد هذه
الطريقة نجاحاً لافتاً في
مجالس الخليج وبشكل واضح.
أما في المجالس التي تقل
فيها ظاهرة تجاوب الجمهور
مع القصيدة بالأنين، مثل
أغلب مجالس العراق ولبنان،
فالأفضل للخطيب أن يختار
ما يجده منسجماً مع قدرة
أوتاره الصوتية، بحيث لا
تسبب له طريقة القراءة
شدّاً لها أو أضراراً بها،
خاصة في مواسم عاشوراء
وصفر.
نموذج لقصيدةٍ تتلى في
أول المجلس الحسيني:
أرى العمر في صرف الزمان
يبيدُ ويذهب
لكن ما نراه يعودُ
فكن رجلاً أن تُنضَ أثواب
عيشه
رثاثاً
فثوب الفخر منك جديدُ
وإياك أن تشتري الحياة
بذلة
هي الموت
والموت المريحُ وجودُ
وليس فقيداً من يموت
بعزّةٍ
وكل فتى في
الذلّ عاش فقيدُ
حيث تقرأ الأبيات أعلاه
بطور (الدرج) الهادئ
المسترسل، أمّا في البيت
الخامس أدناه، فيبدأ
الخطيب باستخدام طور (المثكل)،
لأن القصيدة تنتقل من
بيان هذه الوصايا
والأفكار العامة، إلى
نصوص واقعة كربلاء
والإمام الحسين عليه
السلام، فيجد الخطيب أن
ذاك مناسب للانتقال إلى
الطور الثاني (المرحلة
الثانية) أي طور
المُثْكِل، حيث يتمّ المدّ
في الإنشاد بالأنين قبل
الأخير من حروف الكلمة
الأخيرة في البيت(وهي
الياء هنا):
لذاك نضى ثوب الحياة ابن
فاطمة
وخاض عباب
الموت وهو وحيد
ولاقى خميساً يملأ الأرض
زحفه
بعزمٍ له
السبع الشداد تميدُ
وليس له من ناصرٍ غير
نيّف
وسبعين ليثاً ما هناك
مزيد
رى لهم عند القراع
تباشراً
كأن لهم يوم الكريهة
عيدُ
وما برحوا عن نصرة الدين
والهدى
إلى أن تفانى جمعهم
وأُبيدوا
وهنا إذا وجد الخطيب، أن
القصيدة قد وفت بالمطلوب،
واكتفى بها الجمهور، فأما
أن ينهيها إذا كان ذلك
ملائماً للأعراف المنبرية
في ذلك المجلس، وإلا أضاف
لها بعض أبيات التخميس
إذا غلب على ظنّه إنها
كانت قليلة، فله أن يقرأ
بعد الأبيات السابقة
التخميس أدناه:
ما بالهم لا يجيبونني أما
سمعوا
ولو رأوني وحيداً ما الذي صنعوا
بل هم سكارى لكاسات الردى
جرعوا
نذر علي لئن عادوا وإن رجعوا
لأزرعن طريق الطف ريحانا
وهنا نلاحظ أن التخميس،
جاء منسجماً مع نهاية
القصيدة وموضوعها الأساسي
وهم أنصار الحسين عليه
السلام وحرقته على فراقهم،
وإن كانت بقافية تختلف عن
أصل القصيدة، وهو أمر
شرحناه سابقاً.
وهنا أيضاً، قد يجد
الخطيب أن القصيدة صارت
تامة، وقد أدتّ المفروض
منها، وقد يجد ان المجلس
ما يزال يحتاج إلى مزيد
من الإشباع، فأما أن يأتي
بتخميس آخر يملأ الحاجة،
أو يزيد
عليه بأبيات من النعي وفي
نفس الموضوع وهو الأنصار...
كأن يقول مثلاً:
وكف ما بينهم والدمع سجاب
يكلهم هاي تاليكم
يالأحباب
يصير أعتب وأنا أدري ما
مش إعتاب وعند الموت كل شي موش
ميسور
أو يضيف عليها أبياتاً من
النعي أو أدبيات أبوذية،
وبما يراه ويقدّره مناسباً
للمجلس ونوعية الجمهور
وطبيعة المناسبة.
ملاحظة هامة
على الطالب أن يديم
الاستماع لأشرطة تسجيل
مجالس كبار الخطباء
ومشاهيرهم، خاصة فيما
يتعلّق بأساليب إنشاد
القصيدة الرثائية، إضافة
إلى استماعه لأستاذه
الخاص في الدرس، واذا وجد
طالب مميز فعليه الاستماع
لزميله كذلك...
حتى تأنس أذنه طريقه
معينة وينسجم ذوقه مع طور
خاص، فيلتزمه ويعيده
ويصقله حتى يأنس به ثم
يبرع في إجادته أخيراً إن
شاء الله.
وإكمالاً للموضوع، نذكر
بعض عناوين اهم الكتب
التي اعتنت بجمع قصائد
الرثاء الحسيني بنوعيه
القريض الفصيح، والشعبي
العاميّ. فمن مصنفات
القصائد الفصحى.
1- الدر النضيد في مراثي
السبط الشهيد، للسيد محسن
الأمين العاملي.
2- رياض المدح والرثاء
للشيخ الدمستاني البحراني.
ويمكن للطالب الاكتفاء
بهذين الكتابين وله أن
يتوسع، إلى غيرهما،
والكتاب الثاني أوسع من
الأول، وتقتنى الطبعة
الجديدة المفهرسة
المبوبّة.
أما كتب النعي الشعبية
فهي اكثر من أن تحصى وتعد...
ولكن أشهرها:
1- النصاريات الكبرى -
للشيخ محمد نصّار
2- الروضة الدكسينة،
للشيخ محمد حسن دكسن
3- منهل الشرع - للسيد
عبد الحسين الشرع.
وفي خصوص الشعر الرثائي
الخليجي (البحراني أو
الفائزي)
ديوان (الفائزيات الكبرى)،
أو ديوان (فوز الفائز)،
للملا ابن فائز البحراني.
الجمرات الوديّة - للملا
عطية الجمري.
وهنا نكون قد انهينا فقرة
القصيدة، والتي قد
رسمناها بشكل خط متقطع
إشارة أنه قد يستغني عنها
كلياً في بعض الأقاليم أو
بعض المجالس كمجالس شهر
رمضان.
|