سبق لنا أن توقفنا عند
الفقرتين الأولى والثانية،
من فقرات خطبة المنبر
الحسيني؛ وهما فقرتي (المقدمة
والقصيدة). وبقي علينا أن
نكمل بقية الفقرات، فنبدأ
درسنا هذا بالفقرة
الثالثة وهي:
3- المحاضرة
فبعد تلاوة القصيدة يأتي
دور الموضوع، الذي يبدأ
إما بآية قرآنية أو بحديث
للنبي صلى الله عليه آله
وسلم أو حديث لأحد
المعصومين عليهم السلام،
وربما يبدأ ببيت شعر
كعنوان لطرح الموضوع،
الذي يكون محاضرة معدّة
ومهيئة، تتضمن الموضوع
الذي يمكن أن يتطرق إليه
الخطيب الحسيني وفقرة
الموضوع هي التي ستكون
مدار دراستنا وبحثنا في
الدروس المقبلة إن شاء
الله، وبهذه الفقرة
يتمايز الخطباء وتبرز
قدراتهم واستعداداتهم
الثقافية العلمية، وإلا
فالقصيدة واحدة ومصادرها
موجودة، والمقدمة كذلك،
ولا يبقى مجال للتمايز
إلا فقرة الموضوع هذه
وفقرة المصيبة في آخر
المجالس وإن كان على
مستوى آخر.
إن الأساس في قوة الخطيب
كطرح هو هذا الموضوع وهذه
المحاضرة التي يطرحها،
قوة الموضوع الذي يتناوله
وأهميته في الساحة. هل أن
الناس تحتاج إليه؟ هل أن
الأمة تشعر بأنها تسترفد
من هذا الموضوع، بحيث
ينعكس على أخلاقها،
وينعكس على واقعها،
وينعكس على سلوكها أم لا.
إن على كل خطيب أن يبذل
أقصى جهوده حتى تكون له
ثقافة جيدة من جانب وله
قابلية لإذكاء عاطفة
كربلاء من جانب آخر، عنده
دراية ولديه قدرة في
صياغة المحاضرة كما له
قابلية في إستدرار الدمعة
وتأجيج العاطفة.
صحيح، أن الشيء كلما
ازدادت شروطه عزّ وجوده،
كما يقول المناطقة، لكن
بهذا يتميز الخطيب ويبرّز
ويفضّل.
وكما سبق أن بينّا؛ فإن
القصيدة موجودة ومتوفرة
عند الخطباء وقرّاء
العزاء، في دواوين وكتب
معروفةٍ متداولة، ويمكن
لكل واحد أن يقرأها، ولكن
لا يمكن للخطيب الحسيني
أن يكرر الموضوع بحذافيره،
أو ينقله من الآخرين، نعم
يمكن أن يستفيد من طرح
بقية الخطباء.
والله إن قطعتموا يميني
إني أحامي أبداً
عن ديني
ونؤكد دائماً إنما يتمايز
الخطباء فيما بينهم
بالمحاضرة، وبما يكون
مجالاً للإبداع والعطاء،
وفي بعض المجالس المهمة
قد يستغني عن القصيدة بعد
المقدمة، وتعظم أهمية
الموضوع إذا عالج مسألة
من الواقع، أو عقد مقارنةً
بين الحاضر ومصيبة أهل
البيت
عليهم السلام.
فإذا طرح الخطيب موضوع
الدين مثلاً، وأهميته في
المجتمع ودوره في التربية
وخير الإنسان، ويتم
التركيز على الدين بأنه
أساسي وضروري للإنسان
فرداً ومجتمعاً، ويورد
أدلة وشواهد وإحصاءات، ثم
يقول بعد ذلك وأنه قد ضحى
من أجل الدين الأنبياء
والأئمة. الدين الذي هو
أساس العزة
والكرامة، ولهذا نجد أن
العباس يوم عاشوراء، لما
قطعت يمينه قال:
.. وهكذا يتم مجلسه
ومحاضرته...
وإن خطيب المنبر الحسيني
يحتاج إلى مدة ليست
بالقليلة، يتعلم فيها
ويتدرب، على كيفية إعداد
المحاضرة النافعة لمنبره،
كما عليه المزيد من
الاستفادة من تجارب شيوخ
الخطباء، والمزيد المزيد
من التجربة والقراءة
المستمرة. وأن لا يتلكأ
عن الاستجابة لأي مجلس
حتى تتكون عنده تراكمات
إيجابية، تسهم في بروزه
كمحاضر، وبنفس الوقت
ليعرّج على كربلاء ويذكّر
الناس بأيام الحسين عليه
السلام.
إذاً ما هي العناصر التي
إذا توافرت في الموضوع،
فإن هذا الموضوع يكون
جذّاباً ونافعاً؟
وكيف يمكن أن يكتب الخطيب
محاضرة من محاضرات المنبر
الحسيني؟
وما هي الشروط التي يجب
أن يهيأها الخطيب حتى
تكون محاضرته وموضوعه
جيداً؟
وكيف يمكن أن يكون الخطيب
الحسيني خطيباً متكاملاً؟
هذا ما يجب الحديث عنه.
لقد ذكرنا؛ كيف وصل
المنبر الحسيني في هذه
الأيام أو في هذه المرحلة،
إلى منبر تربوي تثقيفي،
أثقل كاهل الذين يريدون
أن يخوضوا غماره، حيث يجب
أن تتواجد فيهم عدّة
مواصفات، ينبغي
لهم أن يُجهدوا أنفسهم في
توافرها، وكلما استطاع
هذا الخطيب أن يتعب نفسه
في تهيئة الشروط، التي
ينبغي أن تتوافر، فإن
نصيبه من النجاح يكون
أوفر أو أكثر.
ولمزيد من التوضيح من جهة،
ولكي تكون محاضرتنا علمية
ونافعة من جهة أخرى، فإنه
يمكن لنا أن نقول:
إن المحاضرة يمكن أن
تُقسّم إلى عدة خطوات:
أ- فقبل الدخول في صلب
الموضوع هناك عنوان
للمحاضرة.
ب- يأتي بعد ذلك التمهيد.
ج- صلب البحث.
د- ثم الإعداد لفقرة
التخلص بالانتقال إلى
المصيبة.
فحينما يبدأ الخطيب
بالموضوع، يبدأ بعنوان من
آية قرآنية أو حديث عن
النبي صلى الله عليه آله
وسلم أو عن أحد أئمة أهل
البيت عليهم السلام، أو
قد يكون بيت شعر مع شرحه
أو حكمة معينة، فلا بد أن
يبدأ الموضوع بعنوان
للمحاضرة. فإذا أراد طرح
محاضرة حول موضوع الصبر
فعليه أن يبدأ بآية تتحدث
عن الصبر، وإذا كانت
المحاضرة عن موضوع أخلاقي
فتختار آية أو حديث أو
حكمة تتحدث عن الأخلاق،
وهكذا ففي المثال الأول
وحينما تطرح الآية
القرآنية مثل قوله تعالى
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ...﴾
أو
﴿اصْبِرُواْ
وَصَابِرُواْ
وَرَابِطُواْ﴾
حيث يفهم المستمع أن
المحاضرة ستدور حول الصبر.
إن من الأسس المهمة لنجاح
كل عمل، أن يبني هذا
العمل وفق خطّة علمية
صحيحة. وكلما كان هذا
العمل مستوعباً شرائط هذه
الخطّة
فإنه يكون أكثر حظّاً في
النجاح والتوفيق. ولهذا
نجد أن من فوائد الدراسة
الأكاديمية وخاصة
الدراسات العليا، أنها
تجعل ذهنية الطالب
والباحث، تسير وفق أسلوب
علمي، وخطوات مدروسة
تعتبر كل خطوة تمهيداً
للخطوة التالية. وقد
ألّفت كتب خاصة مهمتها
كيفية كتابة بحث علمي من
رسالة أو أطروحة.
وخطيب المنبر الحسيني، له
في مجلس من مجالسه بحث
مطروح، فهو -في الواقع-
باحث علمي، يختار عنوان
بحثه، ثم يشمّر عن ساعد
الجهد والبحث حتى يعطي كل
عناصر القوة والعلم
لموضوع بحثه، الذي يتناول
حقولاً شتى.
فإذا كان طالب الدراسات
العليا في الجامعات،
يحتاج إلى أسلوب البحث
العلمي عندما يقدم رسالته
(الماجستير) أو أطروحته (الدكتوراه)
فقط فإن خطيب المنبر
الحسيني يحتاج هذا
الأسلوب في كل مجلس من
مجالسه، وحسب الإمكانيات
والظروف المتوافرة. مع
الأخذ بالاعتبار مميزات
وخصائص البحث الذي
يتناوله خطيب المنبر
الحسيني.
إن النقاط الأربع
المذكورة أعلاه، يمكن أن
تشكّل النقاط الأساسية
التي تمثّل الطريق الأفضل،
لإعداد محاضرة نافعة
ومفيدة لروّاد المجالس
الحسينية المباركة، وبما
تعين الخطيب على تلمّس
الخطوات الأكثر علمية في
عمله الرسالي المبارك.
وأفضل عنوان يختار في
محاضرة المنبر الحسيني هو
آية من القرآن الكريم،
وهو ما تميزت به مجالس
الشيخ أحمد الوائلي. وهو
ما سنواصله في درسنا
القادم، إن شاء الله.
|