أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ
الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ
أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ
أَوْلِيَائِهِ، وهُو
لِبَاسُ التَّقْوَى،
ودِرْعُ اللهِ
الْحَصِينَةُ، وجُنَّتُهُ
الْوَثِيقَةُ1،
فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً
عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللهُ
ثَوْبَ الذُّلِّ،
وشَمِلَهُ الْبَلَاءُ،
ودُيِّثَ بِالصَّغَارِ
والْقَمَاءَةِ2،
وضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ
بِالْأسْدَادِ3،
وأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ
بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ،
وسِيمَ الْخَسْفَ4
ومُنِعَ النَّصَفَ.
أَلَا وإِنِّي قَدْ
دَعَوْتُكُمْ إِلَى
قِتَالِ هَؤُلَاءِ
الْقَوْمِ لَيْلًا
ونَهَاراً وسِرّاً
وإِعْلَاناً، وقُلْتُ
لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ
أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَ
اللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ
قَطُّ فِي عُقْرِ
دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا5،
فَتَوَاكَلْتُمْ
وتَخَاذَلْتُمْ، حَتَّى
شُنَّتْ عَلَيْكُمُ
الْغَارَاتُ،
ومُلِكَتْ عَلَيْكُمُ
الْأَوْطَانُ، وهَذَا
أَخُو غَامِدٍ (وَ) قَدْ
وَرَدَتْ خَيْلُهُ
الْأَنْبَارَ6،
وقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ
بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ،
وأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ
مَسَالِحِهَا7،
ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ
الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ
يَدْخُلُ عَلَى
الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ
والْأُخْرَى
الْمُعَاهِدَةِ،
فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا
وقُلُبَهَا وقَلَائِدَهَا
ورُعَاثَهَا8،
مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ
إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ
والِاسْتِرْحَامِ9،
ثُمَّ انْصَرَفُوا
وَافِرِينَ10،
مَا نَالَ رَجُلًا
مِنْهُمْ كَلْمٌ، ولَا
أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ،
فَلَو أَنَّ امْرَأً
مُسْلِماً مَاتَ مِنْ
بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا
كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ
كَانَ بِهِ عِنْدِي
جَدِيراً، فَيَا عَجَباً،
عَجَباً واللهِ يُمِيتُ
الْقَلْبَ، ويَجْلِبُ
الْهَمَّ، مِنَ اجْتِمَاعِ
هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ
عَلَى بَاطِلِهِمْ
وتَفَرُّقِكُمْ عَنْ
حَقِّكُمْ، فَقُبْحاً
لَكُمْ وتَرَحاً11،
حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً
يُرْمَى، يُغَارُ
عَلَيْكُمْ ولَا
تُغِيرُونَ، وتُغْزَوْنَ
ولَا تَغْزُونَ، ويُعْصَى
اللهُ وتَرْضَوْنَ،
فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ
بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ
فِي أَيَّامِ الْحَرِّ
قُلْتُمْ هَذِهِ
حَمَارَّةُ الْقَيْظِ12،
أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ
عَنَّا الْحَرُّ13،
وإِذَا أَمَرْتُكُمْ
بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ
فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ
هَذِهِ صَبَارَّةُ
الْقُرِّ14،
أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ
عَنَّا الْبَرْدُ، كُلُّ
هَذَا فِرَاراً مِنَ
الْحَرِّ والْقُرِّ،
فَإِذَا
كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ
والْقُرِّ تَفِرُّونَ
فَأَنْتُمْ واللهِ مِنَ
السَّيْفِ أَفَرُّ.
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ
ولَا رِجَالَ، حُلُومُ
الْأَطْفَالِ وعُقُولُ
رَبَّاتِ الْحِجَالِ15،
لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ
أَرَكُمْ ولَمْ
أَعْرِفْكُمْ، مَعْرِفَةً
واللهِ جَرَّتْ نَدَماً،
وأَعْقَبَتْ سَدَماً16،
قَاتَلَكُمُ اللهُ، لَقَدْ
مَلَأْتُمْ قَلْبِي
قَيْحاً، وشَحَنْتُمْ
صَدْرِي غَيْظاً،
وجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ
التَّهْمَامِ أَنْفَاساً17،
وأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ
رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ
والْخِذْلَانِ، حَتَّى
لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ
إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ
رَجُلٌ شُجَاعٌ ولَكِنْ
لَا عِلْمَ لَهُ
بِالْحَرْبِ، لِلَّهِ
أَبُوهُمْ؛ وهَلْ أَحَدٌ
مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا
مِرَاساً، وأَقْدَمُ
فِيهَا مَقَاماً مِنِّي18،
لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا
ومَا بَلَغْتُ
الْعِشْرِينَ، وهَا أَنَا
ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى
السِّتِّينَ19،
ولَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ
لَا يُطَاعُ.
|