قيمة التبليغ
يعدّ التبليغ الديني من
الشؤون الأساسية للحوزات،
حيث نجد علماءاً كباراً
كانوا في صفوف مبلِّغي
الدين، ونهضوا بمسؤوليتهم
في مجال التبليغ وإرشاد
المجتمع.
وتتمتع الحوزات الشيعية
بتاريخ مشرق على صعيد نشر
المعارف الدينية في مختلف
المجتمعات، لذا فهي
تتميّز عن حوزات المذاهب
الإسلامية الأخرى.
"إن ارتقاء المنبر
والتحدّث في أمر الدين من
أشرف الأعمال، ويجب على
أشرف الناس وأعلمهم
وأوعاهم بالقضايا
الإسلامية وأكثرهم عملاً
بالأحكام الشرعية أن
يسيروا في هذا الطريق
ويعتبروه فخراً لهم، كما
كان الأمر في السابق،
فمثلاً كان الشيخ جعفر
الشوشتري العالم الأخلاقي
الكبير صاحب منبر، وكان
المرحوم الحاج السيد رضا
الهمداني الواعظ. صاحب
كتاب هدية النملة. واعظاً
وخطيباً دينياً، وهكذا
كان ابنه السيد ميرزا
محمد الهمداني الذي كان
من العلماء، وكذا
أمثالهم. ففي الماضي كانت
الشخصيات العلمية والوجوه
المعروفة بالتقوى والتدين
متّصفة بهذه الصفة
ومفتخرة بهذا الفن".
قيمة التبليغ
بدأ الدين الإسلامي
المقدّس بالتبليغ، واعتمد
في بسط نفوذه عامل الدعوة
الذي مكّنه من الامتداد
إلى أقصى مناطق العالم،
فحصلت الكلمة الإلهية
الطيّبة والشريعة
المحمّدية الخالدة على
مؤمنين ومسلمين من شرق
العالم إلى غربه ومن جميع
الأعراق والألوان
والأقوام، حتى أورقت شجرة
الدين المبين.
"إن الدين الإسلامي هو
دين التبليغ. صحيح أننا
في الدين الإسلامي
المقدّس لدينا جهاد من
أجل تحقيق الأهداف
الإلهية والإسلامية، إلاّ
أن الأصل هو التبليغ
والتبيين، فللجهاد فلسفة
أخرى، الجهاد لمواجهة
الطغاة والظلمة وموانع
التبليغ وانتشار نور
الإسلام، ومتى ما غاب
المانع، أو وجد ولم يمكن
الجهاد، فإن السبيل
الأساس للإسلام هو
التبليغ... فلم يُقصَ
التبليغ عن حياة المسلمين
منذ ألف وأربعمئة عام.
لاحظوا، أن التبليغ
للإسلام عمّ آفاق العالم،
وحالياً كلما اتجهتم نحو
المناطق الواقعة شرق
إيران تجدون أغلب
المسلمين قد أسلموا
بالموعظة والتبليغ
والدعوة قبل السيف. ما
الذي قاد إلى إسلام كل
هؤلاء المسلمين في الصين؟
من الذي دعا سكان ماليزيا
وأندونيسيا والفليبين
والمناطق التي يقطنها
المسلمون إلى الإسلام؟
أكان التهديد بالسيف؟ لو
كان لسيف السلطان محمد
الغزنوي من تأثير، فإن
تأثيره تجلّى في تحريض
الناس ضد الإسلام.
إن سيوف المغول في الهند
وأكبر شاه وجهانكير شاه
وأورنك زيب وأمثالهم. وهم
معروفون والآن يتفاخر بعض
بهم. كانت منشأ لظهور
أعداء ألّداء للمسلمين،
ولقد أدّت سيوف المغوليين
إلأى ظهور السيخ في
الهند. والسيف لا يجعل
المرء مسلماً من أعماق
قلبه. فمسلمو الهند لم
يُسلِموا بالفتح الجهادي
بل بالدعوة. انظروا ما
يفعله الهنود عند قبور
العرفاء الإيرانيين الذين
كانوا في الهند، لأنهم من
ثمار تبليغهم. لقد نهض
فرد عارف وعالم وواعظ
روحاني. فرد مثلي ومثلكم.
وتوجّه إلى هناك، وكان
فعله الوحيد أنه أعرض عن
الأصدقاء والديار، ولم
يخلد إلى الأرض، فجاهد
نفسه، وذهب إلى منطقة في
الهند وأقفام فيها نحو
أربعين أو خمسين عاماً،
فأسلم عدد من الناس على
يديه. هكذا انتشر الإسلام
"يجلب بعضه بعضاً"، فإذا
أسلم فرد قاد إلى إسلام
مئة آخرين".
إن الجهاد التبليغي هو
المسؤولة الدائمة للحوزات
الدينية، ويجب على
العلماء بصفتهم رافعي
راية التدين أن يحملوا
على عاتقهم راية الدعوة
إلى الدين في الداخل
والخارج، وأن يبذلوا
قصارى جهدهم في التبليغ
للدين عبر تبيين المبادئ
والقيم الإسلامية
وتثبيتها والدفاع عنها.
وهذا تكليف مستمر يتأكد
في الظروف الراهنة، فقد
اتسعت دائرة الاحتياجات
والتساؤلات والإشكالات،
واشتد الظمأ إلى منهل
الإسلام العذب وازدادت
الآذان شوقاً لسماع
تعاليمه. فاتساع مساحة
المخاطبين رسّخت مسؤولية
الدعاة والمبلِّغين في
الوقت الحاضر، وجعلتهم
مسؤولين حيال الناس
المتعطشين للمعارف
الدينية.
"ألا يجب، في الظروف
الراهنة، على الحوزة
العلمية في قمّ أولاً،
وبعدها بقية الحوزات
العلمية. حيث الأرضية
مهيأة لتبليغ الإسلام
وصوتنا يصل إلى أقصى نقاط
العالم. أن يتّسع عملنا
التبليغي أكثر من السابق؟
فثمة فرق بين اليوم الذي
كانت فيه دائرتنا
التبليغية عبارة عن جلسة
تضمّ خمسين أو مئة أو
خمسمئة شخص في أبعد
الحدود، وتنعقد في مسجد
ويتحدّث فيها عالم بصفته
إمام جماعة أو خطيباً،
وبين يومنا الحاضر حيث
ينتظر الناس نشاطنا
التبليغي في كل نواحي
البلد والمجتمع".
"كم يوجد من الشباب
المتلهفين لمعرفة شيءٍ عن
الدين! كم من الأفراد
المتعلّمين وذوي الفهم
الذين كانوا حتى الأمس
منفصلين عملياً عن الدين
والمعرفة الدينية، لكن
الحكومة حضّتهم اليوم على
فهم الدين والاتجاه إليه،
هؤلاء يرغبون في أن
يفهموا شيئاً عن الدين".
من جهة أخرى، فإن عصرنا
يشهد هجوماً اعلامياً
قوياً على الإٍلام
والأفكار الشيعية النقية،
ولعلّنا لا نجد حقبة في
تاريخ المسلمين تماثل هذه
الحقبة، حيث ضغوط وقدرات
الثقافات المنافسة
والمعادية متوجّهة إلى
الفكر الإسلامي من كل
جانب وبأساليب مختلفة،
وهذا يعكس أهمية الدعوة
ويعمّق الحاجة لنشاط
المبلِّغين.
"ليست قيمة بعض الأشياء
مطلقة ومتساوية في كل
مكان، فمثلاً أن الماء
الزلال الذي هو أساس
الحياة الإنسانية، له
قيمة وسط الصحراء، وقيمة
أخرى قرب النهر، وكذلك
التبليغ، فعندما تقلّ
الحاجة إليه أو حينما
يزداد عدد المبلِّغين،
فإن قيمته لا تكون كبيرة.
إلاّ أنها تزداد، إذا
ازدادت الحاجة إلى
التبليغ وانخفض عدد
المبلِّغين.
ربّما يمكن القول: إننا
نعيش في زمن تزداد فيه
الحاجة إلى التبليغ، لأن
الإعلام المضاد للدين
والإسلام. والذي تتحكّم
فيه القدرات العالمية
وتوظف فيه أحدث الأساليب
والطرق. قد بلغ أقصى
مدياته".
الإمام الخامنئي المفدّى
|