الدرس الأول: بحث في الطرق العملية لجعل المسجد أكثر جذباً


إشارة:
المقالة التي بين أيدينا عبارة عن نص كلمة آية الله العظمى مكارم الشيرازي التي ألقاها في المؤتمر العام للمساجد، نقدمها للقرّاء الأعزاء بعد تلخيصها وتبويبها.

أهمية المسجد في صدر الإسلام‏

﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ.
يكفي في أهمية المسجد أنه كان كلَّ شي‏ء للمسلمين في بداية الإسلام، كان المسجد هو الجامعة ومركز الجيش، ومحل العبادة ومكان استقرار بيت المال ومحكمة الإسلام. طبعاً كانت المساجد بسيطة ومتواضعة حتى قيل حول مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كان المسجد في البداية عبارة عن جدران أربعة من الطين لا يتعدى ارتفاعها قامة الشخص. ولم يكن في المسجد أي نوع من السجاد، ولم يكن هناك سقف ولا إنارة. كانوا يصلون على الرمل تحت أشعة الشمس المحرقة هذا في النهار وفي الليل في خضم الظلام. في أواخر عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعانوا ببعض جذوع النخل وبعض الأوراق لإقامة سقف له. وبقي على هذه الحال إلى آخر حياة


157


الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث هزّ هذا المسجد البسيط أركان المعمورة.

لقد ربى هذا المسجد الكثير من المجاهدين الذين سيطروا على قصور القياصرة والفراعنة. وهذا المسجد هو الذي نقلنا من الجاهلية إلى الإسلام. وهو مركز العلم والمعرفة والمجاهدين.

أفول قدرة المسجد
افترقت المراكز شيئاً فشيئاً عن المساجد. وافتتحت مراكز متعددة للعلوم والفنون وللعلم والمعرفة والجيش... مما أدى إلى فقدان المسجد شكله الأولي بالتدريج وأصبح محلاً للصلاة وتحول في بعض الأماكن إلى محل يرتاده بعض العجزة والمتقاعدين للصلاة.

المسجد في القرآن‏

جاء في القرآن الكريم حول المسجد الحرام والكعبة الشريفة: "إن أول بيت وضع للناس..." يستفاد من عبارة "أول بيت" وجود بيوت أخرى جعلت للناس، فكانت الكعبة أول تلك البيوت وإلا فلا معنى لعبارة الأول. من الواضح أن المقصود من البيوت، المساجد الأخرى التي هي للناس.

ويفهم من مضمون عبارة "للناس" أن المسجد يجب أن يكون مركزاً شعبياً، فالمسجد الحرام وبيت الله يكونان في شعاع واسع وتغطي المساجد تعداداً من المساحات الأخرى.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ، وقد تحدثت الآية الشريفة عن خمسة شروط للذين يعمرون المسجد:
1- الإيمان بالله.


158


2- الإيمان بالقيامة.
3- إقامة الصلاة.
4- إيتاء الزكاة.
5- الشجاعة من أعلى مستوياتها (لم يخش إلا الله).

هل تعتبر هذه الشروط عادية وبسيطة للعبادة؟ وإذا كان مقرراً أن يرتاد المسجد بعض الرجال والنساء من العجزة لإقامة الصلاة فما معنى عبارة "لم يخش إلا الله"؟ الواضح أن المسجد هو مكان يحرسه الشجعان.

لا يقصد من عمران المسجد البناء فقط.، يقول صاحب مجمع البيان ذيل الآية الشريفة: "عمرانه بالصلاة والعبادة والبناء" أي أنه يُعمر بداية بالعبادة ثم بالبناء. على هذا الأساس يجب على متولي المساجد وحراسها ومدرائها استجماع الشروط الخمسة المتقدمة.

يجب أن يمتلكوا إيماناً راسخاً ومحكماً ليتمكنوا من مواجهة كل الأشياء، ويجب أن يمتلكوا إيماناً بالقيامة كي لا يقصروا, ويجب أن يكونوا من أهل الصلاة والعبادة ليوثقوا علاقتهم بالله تعالى, ويجب أن يؤدوا الزكاة لتتوثق علاقتهم بالناس وأن لا يخافوا أحداً إلا الله.

إن هكذا مسجد يختلف عن المسجد الذي راج في ثقافة ما قبل الثورة، وهو يختلف عن المسجد الموجود اليوم في مجتمعنا.

المسجد في الروايات‏
1- الجلوس في المسجد

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "الجلسة في الجامع خير من الجلسة في الجنة، فإن الجنة فيها رضا نفسي، والجامع فيه رضا ربي". طبعاً لا يترتب على الجلوس الخالي من أي برنامج في المسجد أي أثر، بل الجلوس في المسجد


159


الذي هو خير من الجلوس في الجنة هو الذي يكون مصدر الحركة في المجتمع الإسلامي.

2- شكاية المسجد

يقول الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة يشكون إلى الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة: مسجد خراب لا يُصلّى فيه أهله، وعالمٌ بين جهّال، ومصحفٌ معلّق قد وقع عليه غبار لا يُقرأ فيه". يشير العطف بين المسجد والعالم والقرآن على وجود علاقة وثيقة بينهم. وسيشكو هؤلاء الثلاثة يوم القيامة من يقصر في الاستفادة منهم. فالعالم هو مبدأ تربية الإنسان حامل القيم. والقرآن هو مبدأ جميع الحركات في المجتمع الإسلامي. والمسجد المعطوف عليهما، لا بل هو الأول بينهما، ويجب أن يكون كذلك، وعلى هذا لا يكفي ارتياد المسجد للصلاة ثم إيقاف العمل به بعد الانتهاء.

3- إضاءة المسجد
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أسرج في مسجد سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج".

هل استغفار حملة العرش الإلهي والملائكة للسراج المضي‏ء في فضاء المسجد يشمل الذين لا يؤدون أي عمل في المسجد بل يتخذونه للنوم وفي أغلب الأحوال للصلاة فقط؟ أم أنهم يستغفرون للسراج الذي يضي‏ء والذي تدرس العلوم الإسلامية في ظلاله، وتحت لوائه يتم إحياء القيم الإسلامية والذي يتربى فيه المجاهدون، وتحل فيه مشكلات الناس والذي يعود فيه الأفراد الضالون إلى الإسلام؟

طرق الجذب للمساجد
يجب أن يكون المسجد محلاً للجذب، ويجب أن يكون كالمغناطيس الذي يجذب إليه الناس، لا أن يكون محلاً يرتاده الناس مكرهين أو للحصول على الثواب.


160


يجب أن يكون المسجد جاذباً للجميع وأن يكون محلاً يسارع فيه الناس للصلاة بمجرد سماعهم عبارة "حي على الصلاة" وأما عبارتا "حي على الفلاح" و"حي على خير العمل" فلا يقصد منهما الحركة، بل المقصود السرعة والعجلة، وهما لا تتحققان إلا بالجذب. لذلك يجب القيام بما من شأنه جعل الناس يسرعون إلى المسجد. وللوصول إلى هذا المستوى يجب إجراء البرنامج التالي:

1- النظافة
إن أول ما يلفت انتباهنا عند مشاهدة الشخص هو نظافة اللباس والبدن... ما يؤسف له أن مساجدنا اليوم لا تحظى بنظافة لائقة. يجب أن تكون مساجدنا كالمسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

جاء في الحديث الشريف: "من كنس مسجداً يوم الخميس ليلة الجمعة فأخرج منه التراب ما يضرّ في العين غفر له". ألا يعني هذا الحديث عدم وجود حتى الغبار في المسجد؟ إن أول ما يجب أن يهتم به متولي المساجد هو نظافتها. يجب أن تحظى المساجد بنظافة دائمة ومستمرة.

2- النظام‏
يجب أن يكون المسجد منظماً ويجب أن تتضح ساعة افتتاح المسجد وساعة إغلاقه حتى لا يقع الناس في الحيرة، لذلك يجب أن يسيطر النظام على جميع برامج المسجد.

3- عدم الأذية
يجب أن لا يشكل المسجد نوعاً من الأذية للجيران. وقد وصل الأمر في بعض الأماكن أن الذي يريد شراء منزل على سبيل المثال، يرفض شراءه قرب المسجد. حيث يستمر بث البرامج عبر الميكرفون إلى قرابة 12 ليلاً، هل من الضروري وضع المكبرات على ظهر المسجد؟ يمكننا رفع الآذان فقط عبر المكبرات، لا


161


بل يجب تأدية الآذان عبر المكبرات بصوت مقبول. وعلى هذا الأساس فإن رفع صوت المكبرات في كافة برامج المسجد. وعدم وجود موقف للسيارات، ووجود روائح كريهة، كلها من جملة مسائل إيجاد الأذى للناس. لقد جعل المسجد للناس ولم يجعل عليهم.

4- التخطيط
يجب القيام ببرامج متنوعة تتناسب مع السلائق والأعمار... ويجب وجود برامج للصغار والشباب والطلاب... برامج الدعاء تكون للمتعلقين بالدعاء ويجب أن يكون للآخرين برامج حسب سلائقهم.

يقول البعض: لا تسمحوا للأطفال بدخول المسجد، لأنهم يسببون الضجيج. ولا تسمحوا للنساء بدخول المسجد، لأن البيت مسجد المرأة، ونحن نقول: من الواجب حضور الأطفال إلى المسجد. ومن الواجب حضور النساء إلى المسجد، وإجازة الزوج ليست شرطاً، على أساس أن المسجد هو المحل الوحيد لتعليم الإسلام. إذا لم يأتوا إلى المسجد فسيهربون من الإسلام.
إجازة الزوج شرط في المستحبات وفي الواجبات ليست كذلك. إذا لم تأتِ السيدة إلى المسجد، فأين تتعلم الإسلام.

دعوا الأطفال يرتادون المسجد، وليحدثوا الضجيج، يمكننا تذكيرهم بذلك، وليكسّروا بعض الأشياء ونحن نشتري البديل. وفي النهاية سيتعلمون شيئاً فشيئاً، فإذا لم يحضر الطفل إلى المسجد، فلن يدخله عند الكبر.

كانت جدتي تصطحبني إلى المسجد. وتطلب مني إحضار التربة وتشجعني على ارتياده. لذلك عندما كنا نأتي المسجد كنا نعتبره مكاناً محبباً مغروساً في أعماق أرواحنا.


162


5- السلوك الحسن‏
يجب على إمام الجماعة، وهيئة الأمناء والخادم معاملة الناس باحترام. لا يوجد أي إشكال إذا ما وقف طفل أو طفلان في الصف الأول، إذا طلبنا منه الرجوع إلى الصفوف الخلفية فلن يعود إلى المسجد. نعم يمكن إرجاعهم إلى الصفوف الخليفة باحترام.

6- الامتناع من الإفراط والتفريط في برامج المسجد

يحاول البعض إحضار بعض الأشياء إلى المسجد كالأفلام والألبسة الرياضية و... ونحن نقول لهم: هذه أمور جيدة ولكن المسجد ليس مكاناً لها بل يمكن اختيار مكان آخر، بينما يحاول البعض التفريط في مقابل هؤلاء الأشخاص.

الخاتمة
يجب أن يخرج المسجد من الوضع الحالي، ويصبح ذاك الذي أراده الإسلام والقرآن. وكما تمكنا من الانطلاق بالثورة من المسجد، يجب علينا أن نحفظها بالمسجد. واعلموا أن المسجد هو الحافظ الوحيد للثورة، لذلك نرى الأعداء يصرون ويعملون على إفراغ المساجد.

كان المسجد في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي أيام الإمام الراحل قدس سره مركزاً أساسياً للثورة. وهكذا يجب أن تبقى المساجد وصلاة الجمعة والجماعات مركزاً أساسياً لها.

هناك بعض المساجد التي لا يوجد فيها إمام للصلاة حيث تكثر الأسئلة حولها، هل يمكن إقامة الصلاة بإمامة غير المعمم؟ أم أنه يجب إيقاف صلاة الجماعة؟ والجواب: لا تجوز الصلاة بإمامة غير المعمم ما دام بالإمكان الوصول إلى المعمم (العالم الجامع للشرائط). هنا يجب الالتفات إلى إمكان وجود مؤامرة ما كما كان يقول الإمام الراحل قدس سره: "يريدون إخراج المساجد من أيدي العلماء.


163


 لذلك يجب أن نعمل على وجود إمام للجماعة في كل مسجد، مع العلم أن غير المعممين هم أشخاص أصحاب فضل ولكن لا نريد للأعداء الاستفادة من هذه الحالة لذلك يجب تأمين أئمة للمساجد".

آية الله الشيخ مكارم الشيرازي‏
مجلة مبلغان


164