سؤال: يعتقد الإمام
الخميني
قدس
سره بأن العالم
اليوم يدور حول الإعلام.
ومع الأخذ بعين الاعتبار
ما يمارسه الإعلام التابع
للاستكبار العالمي من
استهداف لأذهان الأمم
والشعوب،
حيث الكذب والنفاق وإلقاء
الشبهات، برأيكم ما هي
مسؤولية المبلّغين
والمتصدّين للأمور
التبليغية في الوقت
الحاضر وكيف يمكن مواجهة
الإعلام الاستكباري؟
الجواب: إن من
واجبنا المواجهة بالمثل،
وينبغي علينا الاستعانة
بالطرق والوسائل التي
يستعملونها، إلا أننا يجب
أن نستخدمها ضمن هدف صحيح
وأسلوب شرعي. وفي هذا
الإطار يعتقد أحد العلماء
بأننا يجب أن نبدل أسلوب
التبليغ الذي نتبعه.
طبعاً يحتاج الأمر إلى
رأسمال كبير، فالأعداء
يضعون كافة قدراتهم
وإمكانياتهم لأجل التبليغ
والإعلام.
لقد تطورت وسائل الإعلام
الغربية إلى درجة أنهم
يقدّمون الصور القبيحة
والمبتذلة مع قطع الحلوى
التي تباع للأطفال، وكل
ذلك لأجل اجتذابهم، بينما
لم نتمكن من الحفاظ على
أولادنا.
من جهة أخرى يؤكد الإسلام
على أهمية العمل للتبليغ
لثقافة الإسلام الصحيحة
وأن نبدأ هذا العمل من
الأطفال: "بادروا
أولادكم قبل أن يسبقكم
المرجئة".
صحيح أننا انتصرنا على
أمريكا والغرب في الحرب
العسكرية، ولكننا لم نوفق
في الحرب الثقافية لأنهم
دخلوا المعركة بوسائل
وتقنيات حديثة ومتطورة
فلم نتمكن من مواجهتهم،
قد يكون سبب انتصارهم
أنهم لم يَدَعوا أيّ
وسيلة إعلامية متطورة إلا
واستعملوها. أما نحن فلا
نمتلك شيئاً من تلك
الوسائل، وهنا ادعوا إلى
اعتبار التبليغ وأساليبه
وظيفة شرعية نأخذها على
عاتقنا، ذاك الشيء الذي
يسمى في الدين الأمر
بالمعروف والنهي عن
المنكر فينبغي أن نقوم
بالتبليغ بهدفِ تَعَالي
الإسلام، والعمل بالقرآن،
واتّباع أهل البيت عليهم
السلام، بهذا الأسلوب
يمكننا القيام بمسوؤليتنا.
نُقل عن الأئمة عليهم
السلام قولهم: "لو
عَلموا محاسن كلامنا
لاتّبعونا".
لذلك يجب البحث حول الطرق
التي يمكننا بواسطتها
تبيين حلاوة الأحكام
والمسائل الدينية. ولعل
من هذه الطرق الاستعانة
بتوضيح فلسفة الأحكام في
الإسلام. والأسلوب الأفضل
هو تعريف الجيل الشاب على
خصائص التعاليم الدينية.
فعندما يتعرفون على هذه
الخواص ويجدونها مفيدة
عند مواجهة الإشكالات عند
ذلك يقبلون على الدين
برغبة وميل. من هنا نجد
الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم على سبيل
المثال يتحدث حول عشرة
خواص للمسواك من أجل
إقناع المسلمين به.
أسست في العام 1341هـ. ش
جمعية للإجابة على أسئلة
واستفسارات الشباب، فكان
لي معهم جولات من
الحوارات واللقاءات، ولعل
سبب التوفيق الذي وصلت
إليه هو أنني كنت أتحدث
حول خواص وخصائص التعاليم
الدينية.
طبعاً لا يجب أن نبالغ في
محاولة التطابق بين العلم
المعاصر والأحكام. فقد
يقولون بأننا نُقيل كل ما
عليه مستمسك علمي. نعم
يجب أن نسعى لإثبات أن
العلم الجديد يؤيد
التعليم الإسلامي الفلاني:
وأن نقول بأن العلم يثبت
شيئاً مما قاله الدين،
ولكنّ الدين قد تحدث
بأكثر من ذلك.
سؤال: قد يقول البعض
بأننا نفتقد الوسيلة
للعمل في ظل وجود إعلام
واسع للعدو الداخلي
والخارجي مع ما يتمتع به
من إمكانيات متطورة. ما
هو رأيكم؟
جواب: إذا كنتم
تشاهدون في البداية أن
عدداً قليلاً يقف إلى
جانبكم في طريق الهداية
فاعلموا أن الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم كان
في البداية وحيداً. لا
يجب أن نخاف إذا كنا قلة
في طريق التبليغ وهداية
الناس.
شَبَّه القرآن الكريم
الحق بالماء، والباطل
بالزبد، لو نظرتم إلى
البحر مثلاً لوجدتم الزبد
يعلوه ولكن عندما يأتي
الموج فإنه يقذفه جانباً:
﴿فَأَمَّا
الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ
جُفَاء وَأَمَّا مَا
يَنفَعُ النَّاسَ
فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾1.
وهناك بعض الأحاديث التي
تشير إلى أن وجود إنسان
يكون مع الله أفضل من
عامة الناس والسبب في ذلك
هو ارتباطه باللامحدود
والمطلق. وعلى هذا الأساس
إذا كان الإنسان وحيداً
فهذا لا يعني أنه قليل،
أما الباطل فهو قليل
ومحدود حتى لو كان كثيراً.
لم يكن يتصور أحد قبل
الثورة أن يزول الشاه
وحكومته الطاغوتية إلا
أنهم زالوا بالكامل لأنهم
كانوا على الباطل.
المهم في كل ذلك أن نقوم
بتكليفنا وواجبنا.
سؤال: ما هي آفات
التبليغ من وجهة نظركم؟
جواب: بعض آفات
التبليغ عبارة عن:
1- عدم عمل المبلغ بما
يقوله.
أعتقد أننا يجب أن نعمل
بما ذُكر عن الإمام
الجواد عليه السلام حيث
قال: "الإيمان ما
وقرّته القلوب, وصدّقته
الأعمال". طبعاً لا
يوجد من عنده إشكال على
أصل وجود الثورة والنظام.
بل الموجود هو بعض
الأشكال على طريقة عمل
بعض المسؤولين. والأصل أن
نعمل لتصبح الأخلاق
الإسلامية ملكة فينا، ثم
بعد ذلك
نبدأ
التبليغ. فلو كنا على
يقين بأننا لن نتمكن من
العمل بما نقول فالأفضل
أن لا نقوله، لا بل
الأفضل عدم الانخراط في
سلك العلماء. لأن هذا
الأمر قد يؤدي إلى إضعاف
إيمان الناس.
2- أن يكون المبلغ
أميناً
قد يمتلك بعض المبلغين
صوتاً أو شكلاً جميلاً
ولكن قد تكون ذخيرته
العلمية ضعيفة وقليلة.
لقد تعلمنا أننا إذا كنا
لا نعرف الجواب أن نقول
لا نعلم: "لا أدري نصف
العلم". والخطأ الذي
نرتكبه أننا نعتقد بأن
هذا الكلام هو أمر جيد
ومقبول. وأقول بأن هذه
العبارة صحيحة في موارد
نادرة حيث يجب على المبلغ
أن يمتلك ذخيرة علمية
عالية.
3- التعاطي غير الأخلاقي
مع الناس
يجب أن نعلم أننا يجب أن
نتصرف بدقة مع الناس
بالأخص الشباب والكبار
والعجزة والعلماء الآخرين.
أما عدم رعاية بعض الشؤون
الإسلامية في التعاطي مع
الأفراد، فقد يؤدي إلى
انزال ضربات قاسية على كل
الجهود التي بذلت في سبيل
التبليغ. لقد كان رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم أكثر الناس تواضعاً
أمام الله تعالى وأمام
الناس. ولعل هذه الروحية
هي التي أدت إلى أن تكون
دعوة الرسولصلى الله عليه
وآله وسلم مؤثرة.
سؤال: ما هو مقدار
المعلومات العامة التي
يحتاجها المبلغ؟
جواب: يختلف الأمر من
شخص لآخر. قد نجد شخصاً
تكون معلوماته لا تتعدى
اللمعتين إلا أنه يمتلك
قدرة على حفظ الكثير من
الآيات والروايات
والإجابة على الأسئلة
والاستفسارات التي تجعله
مفيداً للآخرين. في الجهة
المقابلة قد نجد شخصاً قد
ارتقى إلى أعلى المستويات
في الدراسة الحوزوية إلا
أنه لم يعمل على موضوع
التبليغ، وهذا يعني أن
يديه ستبقى خاليتين في
هذا الشأن. الأول يكون
مفيداً للتبليغ على عكس
الثاني.
سؤال: برأيكم ما هي
الأبحاث التي تحوز على
الأولوية في العمل
التبليغي
وما هي الكتب التي
توصون المبلغين بمطالعتها؟
جواب: أقترح أن نبدأ
العمل كما بدأه رسول
اللهصلى الله عليه وآله
وسلم حيث بدأ التبليغ
بالحديث عن الله تعالى.
لعل من المناسب الحديث
حول التوحيد وإثبات صفات
الخالق بلغة بسيطة
ومفهومة، وعلاقة ذلك
بموضوع الإمام ثم مصيبة
أهل البيت عليهم السلام؛
وهذا يعني تعريف الناس
على الله تعالى وهو أمر
هام في طريق الهداية.
مثال ذلك: يمكن الحديث عن
الانقطاع إلى الله تعالى
باعتباره عنواناً متعلقاً
بالموضوع. وهنا نجد أن
الحديث عن الإمام الحسين
عليه السلام وانقطاعه إلى
الله تعالى مفيدٌ للغاية.
ويمكن الحديث عن المسائل
الأخلاقية بعد طرح أبحاث
التوحيد.
أما فيما يتعلق بالكتب
المناسبة للمطالعة فأعتقد
أن كتاب "فوائد
المشاهد" و"الخصائص
الحسينية ومواعظه"
للشيخ جعفر الشوشتري
مفيدان في هذا الإطار
بالأخص في موضوع الحديث
عن الله تعالى، والأخلاق،
ومصائب أهل البيت عليهم
السلام.
سؤال: يَطرح أعداء
الدين والثورة العديد من
الشبهات، كيف يجب على
المبلغين مواجهة هذه
الشبهات؟
جواب: الشبهات ثلاثة
أنواع:
1-
الشبهات المشهورة
التي تكون الإجابة عليها
بسيطة، هنا من المناسب أن
يتدخّل المبلغ ليجيب على
الشبهة، ويوضح للناس
الصحيح.
2-
الشبهات التي هي
في الواقع ليست بشبهات،
بل هي مجرد إلقاءات تافهة
كانت نتيجة ربط بعض
القضايا ببعضها. هنا يكون
الجواب بالسكوت.
3-
الشبهات التي
يطرحها بعض المفكرين سواء
المغرضين أو غيرهم. هنا
يفترض أن يقوم المبلغ
بإرجاع المبلغ إلى
الخبراء وأهل الاختصاص في
الحوزة، لأن دخول المبلغ
في هكذا جدال قد يؤدي إلى
عواقب وخيمة.
والجدال مجال واسع وله
شروط وظروف خاصة، قد لا
يتمكن كل مبلغ من الدخول
فيه. نعم يمكن للمبلغ
العارف بأصل الشبهة
وجوابها الإجابة عليها.
سؤال: لماذا لا يكون
كلام بعض المبلغين مؤثراً؟
جواب: الجواب في ذلك
هو أن: "الكلام إذا
خرج من القلب دخل في
القلب، وإذا خرج من
اللسان لم يتجاوز الأذن".
طبعاً هذا الكلام له
استثناء فقد يتحدث الخطيب
بكلام يؤدي إلى هداية
الناس، وعدم وصوله هو إلى
النجاة. أما الأسباب
الأساسية لعدم تأثير
كلامنا فهو إعلام الأعداء.
لقد مارس معاوية سياسة
تبليغية ضد الإمام علي
عليه السلام جعلت الناس
يظنون أن علياً لا يصلي.
فالجو الذي أوجده الأعداء
ضدنا، هو جو سيّء ساهم
في عدم إصغاء الناس
وقبولهم ما نقول.
حوار مع حجة الإسلام
والمسلمين سماحة السيد
روحاني
- مجلة مبلغان-
|