حقوق
الإنسان والتفكير المشترك والإنسجام بين الشعوب في الرؤية
الدينية والعقلية
مقدمة
إن عالم اليوم، عالمٌ
معقدٌ ومتصل ببعضه البعض
ومليء بالتحولات
والتغييرات البنيوية.
انطلاقاً من ذلك، إن هذا
العالم بحاجة شديدة، من
جهة، الى إدارة وتنظيم
سالمين وفعالين؛ ومن جهةٍ
أخرى، فإن إدارته بالغة
الصعوبة والحساسية.
إن صعوبة وحساسية إدارة
العالم منبعثة من تدخل
عوامل متعددة في تشكيل،
رسم وتخطيط شكله ومضمونه.
طبعاً إن إنسجام وتعاون
هذه العوامل المختلفة،
يجعل من العالم أكثر
هدوءاً وراحةً؛ في حين أن
التنازع وانعدام الإنسجام
والتعاون من العوامل
المؤثرة في عدم استقرار
العالم وتطوره.
اليوم، الطريقان
المذكوران أي الإنسجام
والتعاون أوانعدامهما،
هما خياران أمام البشرية،
أحدهما يؤدي الى صلاحها
والآخر الى خرابها.
إن مقدمة الخيار الأول
هوأسلوب التفكير المشترك
والسعي الفكري لفهم
وإدراك كلام بعضنا البعض،
أي إدراك ما نفكر فيه،
ومقدمة الخيار الثاني
هوالتفكير بشكلٍ عدواني
اتجاه الآخرين. إن هذين
النوعين من التفكير،
مكتسبان وليسا فطريين،
بناءً عليه هناك دوافع
متعددة تدفعنا وراء سلوك
أحدهما. عدةٌ من أصحاب
الفكر والرأي وضّحوا بعض
الدوافع والاسباب التي
تؤدي الى اختيار التفكير
العدائي الذي بدوره
سيسيطر في المستقبل على
العلاقات بين الشعوب
والدول؛ ومن جملة هؤلاء
المفكرين:
1- يعتقد صاموئيل
هانتينغتون وزملاؤه بأن
الحياة الدولية للمجتمعات
في المجالات الإقتصادية،
السياسية، العسكرية
والإجتماعية تقوم على
أساس ومركزية الثقافة.
وبسبب تنوع واختلاف شكل
ومضمون النظم الحاكمة على
الحياة الدولية والمنبثقة
عن الحضارات، فستظهر
العداوة الشديدة بين هذه
النظم. وبما أن الدين
يلعب دوراً اساسياً في
أكثر الحضارات التي
تناولها هانتينغتون،
فسيكون الدين قطب الرحى
في هذه العداوات
والصراعات. انطلاقاً من
ذلك، سيشهد المستقبل
تصارعاً وتنازعاً بين
الحضارة الغربية والحضارة
الإسلامية والحضارة
الكنفوشيوسية.
باعتقاد هانتينغتون أن
منع هذا التصادم عملٌ
صعبٌ جداً؛ لأنه يتطلب:
أ- من البلاد التي تُعتبر
أصل هذه الحضارات أن لا
تتدخل في التحديات
الداخلية للحضارات
الأخرى، وأن تجلس على
الحياد في ذلك.
ب- على البلاد صاحبة
الحضارات لكي تستطيع منع
هذه الصدامات بين الدول
أوالمجموعات التابعة لهذه
الحضارات، أن تختار سياسة
الحوار مع الآخرين.
طبعاً إن هاتين القاعدتين
وسلوكهما من قبل الحضارات
جداً صعب وفي ذلك يقول
هانتينغتون:
"إن قبول هذه القواعد
والتسليم لعالمٍ فيه
تساوٍ بين الحضارات، ليس
سهلاً لا بالنسبة للغرب
ولا للحضارات التي تريد
أن يكون لها الدور
الريادي في العالم بدلاً
من الغرب".
إن نظر هانتينغتون عبارة
عن دراسة وتبيين لقواعد
السلوك على صعيد العلاقات
الدولية، وبناءً على هذه
الدراسة فإن أكبر خطر
يهدد البشرية هوتصادم
وصراع الحضارات وأفضل
طريق لمنع هذا التصارع
الخطير هوبناء نظام عالمي
جديد بدلاً من هذه
الحضارات.
بالرغم من أن هذه الرؤية
تصطدم بالكثير من العقبات
النظرية والعملية، ولكن
يبدوأن الولايات المتحدة
الأمريكية قد اتخذتها
سياسة عملية واستراتيجية
طويلة الأمد في تعاملها
مع الآخرين.
2- هناك رؤية أخرى ترسم
أيضاً العلاقات بين الدول
على أساس التصارع
والتحارب، وتعتقد بأن
السبب في هذه الحروب
والصراعات يكمن في أساليب
الإنتاج. بناءً على هذه
الرؤية، التصارع والتصادم
هنا أيضاً قائمٌ على أساس
الحضارات، ولكن شعاعه
أكبر ومحوره الإقتصاد
والإنتاج وليس الثقافة.
فبحسب هذه الرؤية، إن ما
يبني هوية الحضارات
هوأسلوب إنتاج الثروة
وليس مفهوم الثقافة كما
ورد في نظرية هانتينغتون.
لقد قدّم وعرض لهذه
النظرية (آلوين تافلر).
اعتبر تافلر بأن الحضارة
عبارة عن صورةٍ وشكلٍ من
الحياة القائمة والمتشكلة
على أساس أسلوب إنتاج
الثروة. إنطلاقاً من ذلك،
سيكون المستقبل مليئاً
بالحروب بين الحضارات
الزراعية والصناعية،
الصناعية والمابعد
صناعية، المابعد صناعية
والزراعية. إن اساس هذه
النظرة ترجع الى أن العلم
والمعلومات، اختراع
الآلة، المركزية وتجميع
الثروات، والقدرة الجسدية
لن تنسجم فيما بينها
لتشكيل حياةٍ مشتركة ولذا
ستتصارع مع بعضها البعض.
وهكذا لا دخل للدين،
والاخلاق والتقاليد...في
هذا التصارع، بل ستكون
هذه الامور خارج مركز هذا
التصادم.
يقول آلوين تافلر: "إن
كلمة الحضارة تُطلق على
تلك الحياة المتعلقة
بنظامٍ خاصٍ في إنتاج
الثروة، مثل الزراعة،
الصناعة واليوم في عصرنا
هذا أصبحت الحضارة قائمة
على أساس العلم
والمعلومات... أنا أيضاً
اعتقد أن الحضارات في
المستقبل ستتصارع وتتصادم
فيما بينها. ولكن ليس كما
قاله ورسمه هانتينغتون،
بل هو تصارعٌ أوسع... إن
التصادم الأصلي في
المستقبل لن يكون بين
الإسلام والغرب أوبين
الغرب وبقية الحضارات. إن
سقوط أمريكا ليس صحيحاً،
كما أن
نظرية فوكوياما التي
تتنبأ بنهاية التاريخ،
ليست صحيحة أيضاً؛ بل
سنشهد أعمق التحولات
الإقتصادية والإستراتيجية
في العالم والتي ستكون
بين ثلاث حضارات منفصلة،
متفاوتة ويكمن التصارع
بالقوة فيما بينها".
3- من ضمن العوامل، في
عصرنا الحالي، التي تزيد
من نطاق التصارع وتقوّي
من حالة التشنج، شمولية
وتسلط الدول العظمى
والإيديولوجيات العالمية
القائمة على أساس القوة
وهضم حقوق الآخرين. تعتقد
وترى هذه القوى بأنَّ كل
ما في هذا العالم من
خيرٍ، وكمالٍ، وصدقٍ وحقٍ
ليس موجوداً إلا في نفسها
وملكاً حصرياً لها. وهي
لا ترى ولا تنسب الى
نفسها أي نقصٍ أوعيبٍٍ
أوجهلٍ، لأنها هي الأفضل
والأعلى في هذا العالم.
بناءً على ذلك، هذه القوى
تسعى الى ضمّ الآخرين
إليها وبلعهم وبدون سماع
أي اعتراض أوتساؤل تريد
السيطرة على الآخرين. وفي
حال لم يحصل لها ذلك أوفي
حال إعتراض أي جهةٍ، شعبٍ
أودولةٍ، يتمّ تصنيفهم من
قبل تلك القوى على أنهم
أشرار وضد الإنسانية
وينبغي إزالتهم من
الوجود.
تمثل وتعكس الولايات
المتحدة الأمريكية في
عصرنا الحالي هذه الرؤية
بشكلٍ كامل؛ فكما يقول
نعوم تشامسكي:
"نحن (أمريكا والغرب)
تحررنا من العبودية
ولكننا ما زلنا تحت سيطرة
الإقطاعية،... لقد نسينا
كل جرائمنا وما زلنا نحدق
في أخطاء الآخرين.... لا
يمكن اعتبار هذا الكره
والبغض (كره العالم
لأمريكا) ناشيء من فقدان
الديموقراطية في
ثقافاتهم. الواقع هوأنه
بسبب فرض سيطرتنا
وسلطتنا، بسبب هذه
الثقافة السيئة، كانت
النتيجة كره الشعوب
لأمريكا..".
4. يعتقد البعض بأن ما
جذب الشعوب والدول لغاية
الآن نحوالتصارع
والتصادم، وهذا ما سيحصل
في المستقبل، ازدياد
البعد والمسافة في
المساواة والإستفادة من
الثروات، القدرة، والفرص
على الصعيد الدولي.
لأن
هذا الوضع بطبيعة الحال
سيخل بالتعادل والتوازن
لمصلحة النفعيين
والمستثمرين؛ ومع مرور
الأيام، سيزداد هذا
الإستثمار من قبل أصحاب
القدرة في مقابل انخفاض
استفادة الشعوب من ذلك.
عندها سيسعى الجانب
المستفيد للمحافظة على ما
يملك والإستثمار أكثر
فأكثر، في حين أن الجانب
غير المستفيد أيضاً سيسعى
لتغيير هذه المعادلة. كلا
الجانبين، للوصول الى
هدفيهما سيعملان جاهدين
في سبيل احتكار الطرق
الجديدة في الإستثمار.
كتب احد المحللين
الغربيين، غراهام فوله،
سنة 1995 التالي: "من
الواضح أن صراع الحضارات
ناشيء من اللامساواة في
توزيع القدرة، الثروة
والنفوذ، أكثر من نشوئه
من عيسى المسيح عليه
السلام،كنفوشيوس أومحمد
صلى الله عليه وآله وسلم
".
اليوم، يعكس العالم هذه
الرؤية. في عصرنا الحالي
85 الى 92% من الرفاه،
السوق، الرأسمال، الفرص،
الثروة، الملكية، القدرة،
العلم، الإتصالات
والخدمات... الموجودة في
العالم، يسيطر عليها فقط
800 مليون شخص يعيشون في
8 - أو14 - دولة صناعية
ومابعد صناعية. في
المقابل 4،8 - الى 5
مليارات من الناس في بقية
دول العالم، لا يتمتعون
سوى بـ8 - الى 15 % من كل
ثروات وقدرات هذه الدنيا.
هذا الوضع غير عادل وغير
سويّ، وما دام هذا الوضع
قائماً ستبقى ألسنة الحرب
ملتهبة.
5. هناك نظرية أخرى
يمكنها أن تفسر الى ماذا
سيؤول اليه صراع الدول في
المستقبل، ألا وهي نظرية
الإستكبار. تؤكد هذه
النظرية، على العامل
الذهني والنفسي أكثر من
تأكيدها على العناصر
المادية للسلوك في
العلاقات الإنسانية
والدولية. بعبارة أخرى،
إن محور وأساس هذه
النظرية مسألة الإستكبار
وبناءً عليه يعتبر
الإستكبار نفسه ملاك
ومعيار
الحياة وعلى الآخرين أن
يكونوا تابعين له، وأن لا
يعترفوا بغيره. يعني
طالما أن الآخرين مخلصين
لأصل التبعية، يمكنهم أن
يتمتعوا بحق الحياة،
وبمجرد أن يختاروا
الإنفصال عن هذه التبعية،
يجب حذفهم وإزالتهم من
الوجود.
انطلاقاً من هذه النظرية،
طالما أن العامل الحضاري،
اللامساواة في توزيع
الثروة، القدرة... اسلوب
الإنتاج،... لم يتلوث
بالفكر الإستكباري،
أوطالما أن العوامل
المذكورة لن تُدار من قبل
الذهنية الإستكبارية، لن
يحصل أي تصارع أوتنازع،
مهما بلغت التشنجات
والتحديات بين الدول على
الصعيد الدولي. ولكن
بظهور هذا النوع من
التفكير والذهنية
الإستكبارية بين الدول
والشعوب، فستقع الحروب
والنزاعات الدموية.
اليوم، سلوك وطريقة عمل
أمريكا قائم على أساس هذه
الذهنية والتفكير. هذه
الذهنية بعد حادثة 11 -
ايلول، تجلت بوضوح في
السياسة من خلال هذه
العبارة: "كل من ليس
معنا فهوضدنا". وقد
تمّ العمل بهذه السياسة
عبر احتلال العراق في 20
ايار 2003م، بالرغم من
مخالفة المؤسسات الدولية
وأغلب شعوب العالم.
لقد عكس القرآن الكريم
بشكلٍ واضح هذه الرؤية،
ولكن طبعاً رغم ذكره لها،
هولم يشجعها ولم يتبناها،
بل ذكرها في معرض تحليله
بأن عملية المقايضة
الإنسانية وتوسعها ستكون
شؤماً على الإنسان
والمجتمع، لأن المعيار
الأساس ومعيار العمل في
الإسلام قائمٌ على
التفكير المشترك
والعقلانية، لا البربرية
والتصادم اللاعقلاني.
لقد بيّن القرآن في سورة
الأعراف، سبب الحرب من
خلال النظرية المذكورة:﴿قَالَ
الْمَلأُ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُواْ مِن
قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ
يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ
آمَنُواْ مَعَكَ مِن
قَرْيَتِنَا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِي
مِلَّتِنَا قَالَ
أَوَلَوْ كُنَّا
كَارِهِين﴾َ1.
توضح هذه الآية المباركة،
علاقة التفكر والذهنية
الإستكبارية بالسلوك
العنفي والتصادمي. لأن
إستكبار قوم شعيب عليه
السلام جعلهم يطردون هذا
النبي عليه السلام من
مدينته ودياره.
ويشير القرآن الكريم في
آية أخرى:﴿أَفَكُلَّمَا
جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا
لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ
فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ
وَفَرِيقاً تَقْتُلُون﴾2.
هذه الآية تشير بوضوح الى
الصراع القائم على أساس
الإستكبار والذهنية
الإستكبارية. لأن
للأنانية والتكبر أثرين:
1- عدم نظر المستكبر الى
الآخرين، واعتبارهم
مسخرين له.
2- أوالتصارع والتحارب مع
الآخرين.
لأن الإنسان قد يقف بوجه
الفكر الإستكباري،
وبالتالي لابد عندها من
وقوع التصارع والتصادم مع
الإستكبار.
نظراً الى هذه العوامل
والدوافع، فإن توسع
التفكير المشترك القومي
والدولي يعتبران من
الحاجات الأساسية لإنسان
اليوم. ولكن تحقق هذه
الأمر، يحتاج الى آليات
عديدة التي من أهمها
تشكيل الروابط والعلاقات
الإنسانية بين الشعوب.
ولا تصبح هذه العلاقات
عملية وإجرائية إلا عندما
يتم الإعتراف بوجود حقوق
للإنسان بما هوإنسان.
بناءً عليه، ستُلقي هذه
المقالة الضوء على دور
حقوق الإنسان في تنمية
وتوسعة التفكر المشترك
والإنسجام الفكري على
الصعيد الدولي، من وجهة
النظر الدينية (الإسلام)
والحقوق المنبثقة عنه.
طبعاً البحث لن يكون من
داخل الدين، أي أن بحثنا
لن يكون لإثبات أونفي
حقوق معينة للإنسان، ولن
يكون تفصيل وشرح ذلك
على أساس رؤية فقهية
وتفسيرية، وأيضاً لن يكون
البحث مبتنياً على الأدلة
العقلية الصرفة. إنما
بحثنا سيتحرك بين ما هومن
داخل الدين وخارجه. بمعنى
آخر، سيتناول البحث تلك
الحقوق التي تتمتع
بإعتراف وقبول عام من قبل
المجموعات الفكرية
والعقائدية والتي يمكن
الدفاع عنها من الناحية
العقلية والنقلية؛ وبذلك
تشكّل هذه الحقوق الأرضية
المناسبة للتفكير المشترك
والإنسجام الفكري
الدوليين. من هنا، سيتم
الرجوع الى الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان،
وإلى الرؤية الإسلامية
لجهة قبول منطق وتعليل
هذه الحقوق. وفي بعض
الموارد، سنشير الى
النظرة الإسلامية العميقة
والشاملة التي أغفلها
إعلان حقوق الإنسان.
-
دور حقوق الإنسان في
التفكير المشترك على
الصعيد الدولي
إن الهدف من تدوين
الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان (10 - كانون
الاول 1948) والميثاقين
الدوليين الصادرين سنة
1961و1966 - وإعلان
فانكوفر- كندا سنة 1989،
ليس الا لتحقيق السلام
العالمي؛ وما اعتباره بأن
الإنسان يتمتع بحقوق
وضرورة تدوينها، إلا
تلبيةً للإحتياجات
العالمية الملحة للإنسان.
لكن تشريع حقوق الإنسان
في الإسلام، نابعٌ من
الرؤية الإنسانية العميقة
لهذا الدين، قبل أن تكون
إنعكاساً لإحتياجات
طارئة. الإسلام وقبل عصر
"النهضة الاوروبية" وفي
مجتمعٍ يتمتع بعلاقات
جداً بسيطة ومحدودة،
استعرض لائحة طويلة من
حقوق الإنسان. يقول النبي
الاكرم صلى الله عليه
وآله وسلم:"التاجر
فاجر، والفاجر في النار،
الا من أخذ الحق وأعطى
الحق"3.
تطالب هذه الرواية بأنه
ينبغي أن يكون هناك حقوقٌ
على صعيد التجارة
والتبادل، الى الحد الذي
يصرّ فيه النبي صلى الله
عليه وآله وسلم على
محورية أصل حفظ حقوق
الإنسان وجعله معياراً في
التجارة، لدرجة أنَّ من
لا يحترم هذه الحقوق من
التجار،
فلن يكون مصيره الا
الهلاك.
يقول سلمة بن كهيل: لقد
سمعت أمير المؤمنين علياً
عليه السلام يقول لشريح:"
انظر الى أهل المعل(*)
والمطل وادفع حقوق الناس
من أهل المقدرة واليسار
ممن يدلى بأموال المسلمين
الى الحكام، فخذ للناس
بحقوقهم منهم، وبع فيه
العقار والديار فإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يقول: مطل
المسلم الموسر ظلم
للمسلمين، ومن لم يكن له
عقار ولا دار ولا مال فلا
سبيل عليه"4.
كما أن الإمام الحسن
العسكري عليه السلام يقول
في (تفسيره) في قوله
تعالى: (وعملوا
الصالحات): قضوا الفرائض
كلها بعد التوحيد واعتقاد
النبوة والإمامة، قال
وأعظمها فرضان:"
قضاء حقوق الإخوان في
الله، واستعمال التقية من
أعداء الله عز وجل"5.
من خلال هذه الروايات
يمكن الفهم بوضوح بأن
الإسلام يعتبر الإنسان
صاحب حق، ولولم يكن كذلك،
لما كان كل هذا التأكيد
والإصرار على اخذ وإعطاء
الحق لأهله، ولما اعتبر
حفظ واحترام حقوق
الإنسان، من أهم نماذج
العمل الصالح وأوضح ملاك
ومعيار للعلاقات الصحيحة
والسالمة للحياة
الإجتماعية بين الشعوب
على الصعيدين العالمي
والمحلي، وأن البعد عن
عدم احقاق الحق هو مصداق
اللاعقلانية والعبثية.
إذن يمكن لإحقاق حقوق
الإنسان أن تساعد في
الوصول الى الإنسجام
الفكري والتفكر المشترك
الدولي وذلك من ناحيتين:
1- ناحية داخلية، والتي
تشمل القيم، الأساليب،
التعاليم، القواعد
والأوامر التي تغطي زوايا
الحياة المختلفة خصوصاً
في علاقة الناس بالجهاز
الحاكم.
من هذه الناحية، ينبغي أن
تكون الأمور المذكورة من
قيم وقواعد وأوامر مقبولة
ومتساوية بالنسبة لكل
الناس، بغض النظر عن
اختلافاتهم الثقافية،
التاريخية، اللغوية،
العرقية، الجغرافية
والعقائدية.....
2- ناحية خارجية،
والمتعلقة بطريقة إدارة
الناحية الداخلية لحقوق
الإنسان، وهذا المستوى
جداً مهم وحساس؛ لأن
ادارة هذا المستوى قد
أوجد اليوم العديد من
المشاكل والضرر للإنسان.
فلوكان القسم الأول
أوالناحية الأولى تملك كل
الخصائص المذكورة، ولكن
إدارة هذه الخصائص
وتنفيذها قائمٌ على تفضيل
البعض على الآخر، وتتتميز
بالإنحصارية والتسييس،
بحيث يصبح هذا النوع من
الإدارة سيرة قائمة
ودائمة، عندها لن يتحقق
شيء باسم التفكر المشترك
والإنسجام بين الشعوب
والدول. بناءً على ذلك،
لتحقق التفكر المشترك
والإنسجام الفكري والسلام
العالمي، من الضروري تحقق
الإنسجام والتعاون بين
الناحية الداخلية
والخارجية لحقوق الإنسان.
من المنطقي، كي نستطيع
فهم ومعرفة دور حقوق
الإنسان في تحقق التفكر
المشترك والإنسجام
الدوليين، أن نكشف عن أسس
فهم ودرك كلام بعضنا
البعض على صعيد الساحة
الدولية. فنتيجة هكذا كشف
سيرشدنا الى نوعين من
الأسس التي تشكل أسلوبين
في إنشاء التفاهم:
1- الاسس الفكرية
والنظرية
2- الأسس التنفيذية
والعملية.
أسس الإنسجام الدولي:
الف- الأسس النظرية
والفكرية للتفكير المشترك
والإنسجام
إن تحقق الإنسجام بين
الشعوب والدول، في كل
الأمور كبيرها وصغيرها،
يحتاج الى بُنى فكرية
مسبقة، والتي بدونها
سيكون شعار الإنسجام
والتفكر المشترك بين
الناس بلا فائدة
أوطائل.
هذه البنى والاصول
الفكرية المسبقة النابعة
من الفكر الإنساني الاصيل
والوحي الإلهي، عبارة عن:
1- أصل كرامة وحرمة
الإنسان: إن الإنسان
موجودٌ شريف، يملك كرامة
ذاتية. انطلاقاً من هذه
الرؤية، ينبغي أن يكون
التعاطي مع الناس في
السلوكيات الشخصية
والإجتماعية، بشكلٍ لا
يسبب الضرر بهذا المقام
الإنساني الشريف.
تنبع مسألة الكرامة
الإنسانية في الثقافة
الدينية - الإسلامية من
مصدرين:
1- من "الأنا" الإنسانية
التي تمثل شخصية الفرد
الإنساني. أي أن "انا"
كإنسان، أسعى بكل حرية
واختيار، وما نتيجةُ هذا
السعي الا الحصول على
العلوم، والقدرات
المختلفة.... وغير ذلك.
والكرامة الناشئة من هذا
المصدر، ليست فطرية بل
مكتسبة وتتشكل في متن
الحياة والعلاقات
الإجتماعية على الصعيدين
المحلي والعالمي. وقد عكس
الوحي هذا النوع من
الكرامة الإنسانية، اذ
قال عزّ من قائل في
القرآن الكريم:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ﴾6.
ارتبطت مسألة الكرامة
الإنسانية في هذه الآية
الشريفة بالتقوى وقد عُدت
الكرامة نتيجة لها.
وجاء أيضاً في الآية 85
من سورة هود:
﴿َلَا
تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَاءهُمْ وَلَا
تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ
مُفْسِدِين﴾َ.
لقد منعت هذه الآية
المباركة بشكلٍ واضح
المؤمنين عن أي سلوك، عمل
أوتعامل
يسيء الى أويقلل من قيمة
إنجازات واعمال الآخرين.
كما يشير أمير المؤمنين
علي عليه السلام في
رسالةٍ(الرسالة 26) يذكر
فيها أحد عمّاله الذين
ارسلهم لجمع الزكاة:"وأمره
أن يجبههم - من هم تحت
إمرته- ولا يعضضهم ولا
يرغب عنهم تفضلاً
بالإمارة عليهم، فإنهم
الإخوان في الدين
والأعوان على استخراج
الحقوق".
2- النوع الآخر من كرامة
الإنسان، نابعة وناشئة من
مبدئه وهي جزءٌ من مادية
خِلقته. لأن أهم جزء من
شخصية الإنسان الوجودية
نابعٌ من الروح الإلهية،
والله عز وجل يقول في
ذلك:
﴿فَإِذَا
سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِن رُّوحِي
فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾7.
ولذلك ينسب الله عز وجل
كرامة هذا الموجود الى
نفسه، ويقول:
﴿وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَم﴾8.
من الواضح أن هذه
الكرامة، لم يحصل عليها
الإنسان من جهده الذاتي،
بل هي جزء تكويني من
ذاته. وهذا النوع من
الكرامة الذاتية قد ذكرت
مراراً في الثقافة
الإسلامية.
لم يتم التفريق في
الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان بين هذين النوعين
من الكرامة، ولم يتم
التدقيق في مكانة وأهمية
كل واحدٍ منهما على حدى؛
ولوأنه قد تمّ القبول
والإعتراف بالكرامة
الإنسانية كحق إنساني.
لكن علينا أن نرى كيف
يمكن لهذا الحق أي
الكرامة الإنسانية أن
يؤدي الى الإنسجام
والتفكر المشترك في
المجتمع الإنساني
والدولي. من الواضح أن
التفكر المشترك والإنسجام
الفكري، لا يتمّان ولا
يتجليان إلا في حال
إحترام الإنجازات الفكرية
والعلمية للآخرين وصون
حرماتهم، وأن لا نعطي
الحق لأنفسنا بإراقة
كرامة وشرف وماء وجه
الآخرين،
خصوصاً المفكرين
وأصحاب الإختراعات، وأن
لا تستخدم أي وسيلة كانت
لتلويث صورتهم. فإذا ساد
هذا الإحترام، عندها
يتوفر الجوالشفاف والطاهر
الذي من خلاله يمكن
للجميع أن يتبادل بكل ثقة
وطمأنينة الإنجازات
الفكرية والعلمية والتوصل
الى حلول للأمور المختلفة
بمنطقية أكثر.
لقد بيّن القرآن الكريم
بشكلٍ جميل هذه الآلية:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ
تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ
اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ
هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ
الَّذِينَ أُوتُواْ
الْكِتَابَ مِن
قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ
أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ
اللّهَ إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ﴾9.
تصرح هذه الآية بأن لا
ينبغي للمؤمنين أن يتولوا
ويتوددوا الى الذين لا
يحترمون شريعتهم ودينهم،
ويتخذونهما هزواً
وسخريةً، والسبب انه لا
يوجد أي أرضية مناسبة
للتفاهم والتفكر المشترك
مع هؤلاء.
وفي آية أخرى جاء:
﴿وَذَرِ
الَّذِينَ اتَّخَذُواْ
دِينَهُمْ لَعِبًا
وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾10.
بناءً على هاتين الآيتين،
فإن ملاك ومعيار التعامل
الفكري، السياسي،والترابط
بين الشعوب هوالإحترام
المتبادل للقيم والشرائع
التي يعتقد بها الأطراف
المختلفة. لأنه لا يمكن
ايجاد التفاهم والإنسجام
الفكري مع الذين لا
يقدّرون ولا يحترمون دين
بعضهم البعض.
وكما أن قبول أصل حق
كرامة وحرمة الإنسان يمنع
إنتشار الإرهاب وتفشي
المخدرات في المجتمع
الإنساني، كذلك يمنع أي
عامل أوعنصر آخر ملوِّث
لهذا المجتمع، كالأفلام
الإباحية والغير
قيمية.... التي تُبث
بشكلٍ كبير ووسيع في
العالم عبر وسائل الإتصال
الجماعي. إن هكذا برامج
وما ينتج عنها من آثار
غير حميدة، لا تنسجم مع
الإعتقاد بأصل الكرامة
الإنسانية. إن قبول أصل
كرامة
الإنسان والمحافظة عليها،
سببٌ في حصول الإنسجام،
التبادل والترابط بين
الشعوب والأقوام
المختلفة، ويمكن أن يحصل
ذلك بين طرفين أوعدة
أطراف، وأن يكون ضمن
إطارٍ يعود بالخير على
الجميع.
إن إجراء هاتين المسألتين
المذكورتين، يمهد الطريق
أمام التفكير المشترك
والإنسجام العالمي، وتشكل
عندها عقلانية التفكير
المشترك والإنسجام أساس
العلاقات والتعاون
الإنساني والدولي.
اليوم، قليلاً ما نرى
أحداً يفكر في رفع وإزالة
كل الأزمات والمصائب
المتفشية على الصعيد
الدولي عبر إيجاد الحلول
العاقلة؛ بل إن أكثر ما
نراه هوأنه يتم التفكير
في إزالة هذه الأزمات عن
طريق الحروب والقتل. لهذا
السبب نرى بأنهم - القوى
العظمى- يصرّون على تحقيق
آمالهم وميولهم بالقوة،
ويعمدون في إنجاز التعامل
والترابط الى سياسة الكيل
بمكيالين بما يحفظ
مصالحهم فقط، مما يؤدي
الى سلب حق الإنتخاب
والإختيار من الآخرين.
لذلك هم يرون، ضمن سيطرة
هكذا جو، أنهم يملكون
الحق في خرق حرمات
الآخرين وعدم الإستماع
إليهم.
2- أصل أوالحق في الحياة
اللائقة: إن للتفكير
المشترك وحصول الإنسجام
وإدراك وفهم كلام بعضنا
البعض على الصعيد الدولي،
أثرٌ كبير على طريقة
تفسير ومعنى الحياة. اذا
أُعتبرت الحياة أغلى عنصر
وجوهر نادر في الوجود،
فلا بد من أن يسعى الجميع
للحفاظ عليها، وأن لا
يتوقفوا في توسل أي طريقة
ووسيلة أوجهدٍ يمكن من
خلاله أن يساعد الإنسان
في المستقبل في الوصول
الى حياةٍ لائقة وطيبة.
الحياة اللائقة يمكنها
الإرتباط بالحقيقة عبر
امرين:
1- بأن تكون الحياة هادفة
وذات مغزى ومعنى
2- الخلود والأبدية
أن تكون الحياة ذات
مغزى وهدف، يحتمل معنيين:
أ- أن تخرج الحياة من
صورتها الطبيعية المحضة،
وأن تكتسي الى جانب هذه
الصورة، صورةٌ معنوية
وأخلاقية.
ب- أن تكون الحياة
الإنسانية ذات اتجاه
مشخص، تحصل من خلال هذا
الإتجاه على تكاملها.
الوجدان الحي للبشرية
يسعى دائماً لإعطاء مغزى
وهدف للحياة. إن أكثر ما
يحتاجه مجتمع الغرب
اليوم، وما يعاني من
فقدانه كأكبر مشكلة
تواجهه، هو فقدان المغزى
والهدف من الحياة فيه.
انطلاق من هنا، يرى
فلاسفة وعلماء الغرب
المعاصرون مثل فوكوياما،
تشومسكي، ديفيد
غريفين.... بأن أكبر
تهديد لمجتمع وثقافة
الغرب الحداثوية هوفراغ
الحياة من معنىً ومغزى
معين.
يقول فوكوياما: "إن
أكبر انشقاق وتمزق يعاني
منه الغرب منذ عقد الستين
في القرن العشرين،
هوالتمزق القيمي
الإجتماعي والاخلاقي الذي
أدى في أكثر الدول
الصناعية تطوراً الى
زيادة إحصاءات الجريمة
وزوال العائلة".
من الواضح بأنه كلما
فقدت الحياة معناها، كلما
إتجهت نحوالعبثية.
وللعبثية في الحياة،
آثارٌ مدمرة وغير حميدة،
من جملة ذلك:
1- انخفاض ميزان الجهد
والعمل والجد والإجتهاد
على المدى الطويل، وسيطرة
منطق الكمية على العمل.
2- الهروب من المسؤولية؛
فعندما لا يكون لحياة
الإنسان أي معنى ومغزى،
يجد نفسه ليس مسؤولاً
أمام أي شيء، ليس مسؤولاً
لا عن سلوكه ولا عن سلوك
الآخرين.
3- عدم إعطاء الناس
الأهمية للقواعد والأصول
القيمية الشاملة
والمعقولة، لأنه لم يعد
لهذه الأصول مكانٌ في
الحياة الإنسانية. فلا
أحد يسعى
للمحافظة عليها، ولا
يُصرف أي جهدٍ ماليٍ
أوفكريٍ لذلك.
4- إنخفاض وبالتالي فقدان
ثقة الناس والدول ببعضها
البعض فيما يخص ارتباطهم
الدولي.
كلما سيطرت العبثية على
حياة الإنسان، كلما أفل
وزال الإنسجام والتفكير
المشترك الديني؛ والعكس
صحيح، كلما قلصت مساحة
سيطرة العبثية على حياة
المجتمع والإنسان، كلما
اتسع معنى الحياة
وبالتالي ترجع حاكمية
العقلانية
التفاهمية(العقل
التفاهمي)، التي هي أصل
التبادل الإنساني على
الصعيد القومي والدولي.
طبعاً، لا بد من التذكير
بهذه المسألة وهي أنه ليس
المقصود من مغزى الحياة،
بأن هناك مجموعة من
الاهداف، الاساليب والقيم
المختارة مسبقاً والإنسان
مجبرٌ على التحرك نحوها.
بمعنى أن هناك بنىً لا
تتغير حاكمة ومسيطرة على
مصير الإنسان. ليس هذا
المراد، بل ما يراد من ان
للحياة هدفاً ومعنى
هوأنها - الحياة- أمرٌ
سيالٌ ومتطورٌ ويتمتع
بهوية لا حدود لها وقابلٌ
للتكامل، ويستطيع الإنسان
بل عليه المسير نحوذلك
بكل حرية ووعي وإرادة.
من آثار ونتائج خلود
وابدية الحياة:
1- إن الحياة وبعض
خصائصها، كالخلود
والتكامل واللامحدودية،
لم تكن ابداً مختصة
بمجموعةٍ من الناس دون
غيرهم. لذا فعلى الإنسان
أن يحب للآخرين ما يحبه
لنفسه، وأن يكره للآخرين
ما يكره لنفسه. وهذا
الأمر لا يتحقق الا في
عملية التبادل والترابط
الجماعي.
2- بخلاف ما يعتقده البعض
من أن أبدية الحياة عامل
سكون وخمولٍ، فإن أبدية
الحياة وخلودها باعثٌ
للجد والنشاط؛ خصوصاً في
حال اعتبرنا أن الحياة
حقيقةً حادثةً ذات مراتب،
بحيث أن كل مرتبة فيها
ذخائرٌ اضافية وتتمتع كل
مرتبة بقدرات جديدة
ومتنوعة زائدة عن
سابقاتها. لذا فإن الوصول
الى هذه الذخائر
والقدرات، يتطلب جهداً
وسعياً حراً وواعياً من
أيّ شخصٍ أومجتمعٍ. كما
أنه عندما يريد أي شخصٍ
أن يكسب حياةً علمية
أوتقنية، فإنه سيزداد
قدرةً ومعرفةً بالمهارات
والمعارف والتقنيات أكثر
مما كان عليه في مرحلة
حياة الجهل والبساطة.
بدون شك، إن هذه الصفة أي
الأبدية والخلود وفهمهما
بشكلٍ دقيق، يخلق دافعاً
قوياً داخل الافراد
والمجتمعات كي يصلوا الى
الحياة العلمية وما شاكل.
وهذا التكامل والتقدم
أيضاً مرتبط بنفس الكيفية
بحياة ما بعد الموت أي
بالإيمان بأبدية الحياة.
هذا الإيمان هوالذي يحيي
الإندفاع في شخصية
الإنسان.
طبعاً، هذه نتيجة من
نتائج أبدية الحياة،
ولكنَّ هناك نتائج
وآثاراً أخرى، فالنتيجة
الأولى وبالتعاون مع
النتيجة الثانية تشكلان
البنية الأساسية لتنمية
التفكير المشترك
والإنسجام، بدلاً من
التصادم، كما وتسرّع
التحرك نحواستقرار
العدالة الإجتماعية،
بدلاً من الظلم.
3- أيضاً إن ابدية الحياة
لا تحقق الإتصال بالكمال
في الزمن الحاضر فحسب،
كما يعتقد البعض، بل إنها
عامل وسبب لذلك؛ لان
الحياة المستقبلية تقوم
على أساس الماضي والحاضر.
بشكلٍ طبيعي وبناءً على
ما ذكر في النتيجة
الثانية، بمقدار ما يتم
السعي وراء التطور
والكمال في الزمن الحاضر،
ستزداد قدرات وذخائر
الحياة في المراحل
الزمنية الآتية. لأن
المراحل الآتية ستتمتع
بقدرات مختلفة، مما يشجع
في أن تكون الحركة
والنشاط في الزمن الحاضر
أكبر واكثر.
إن وضع آثار خصيصة أبدية
الحياة الى جانب خصيصة
الغائية في الحياة
وترافقهما مع بعضهما
البعض، يعتبران من
العناصر المهمة والاساسية
لحصول الإنسجام والتفكير
المشترك الدولي خصوصاً
عندما يُنظر للحياة
اللائقة والطيبة على أنها
حقاً وليست مجرد فضيلة
أوواقعاً تكوينياً.
وعندها فقط يمكن للبشر أن
يدركوا بعضهم البعض وأن
يلتقوا ويفكروا في الأمور
العالمية والمحلية.
فيما يخص الدين
الإسلامي العزيز، فقد تمّ
النظر الى الحياة اللائقة
على أنها حق لكل الناس.
ولكن في الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان تظهر بوضوح
غربة هذا الحق بكل فروعه
المذكورة.
جاء في القرآن الكريم:
﴿وَمَا
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ
وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ
خَيْرٌ لِّلَّذِينَ
يَتَّقُونَ أَفَلاَ
تَعْقِلُونَ﴾11.
ليس المراد في هذه الآية
بأن الحياة في عالم
الطبيعة أوالمراحل
الطبيعية للحياة لا فائدة
ولا طائل منها، وأيضاً
ليس المراد أن أصل الحياة
تتصف باللهوواللعب، بل إن
المراد هوأنه كلما كانت
الحياة بدون معنى، سيكون
لها المصير الذي ذُكر في
الآية. ولولم يكن كذلك،
فلا معنى من أن يُبشر
الله بالبعض بالحياة
الدنيا، ويعتبر الحياة في
عالم الطبيعة هي موضع
ومكان بشارته. وأيضاً
فالله سبحانه يمد نبيه
بالمعونة في هذه المرحلة
من الحياة ولكي يستطيع
العيش في العالم الطبيعي:
﴿لَهُمُ
الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ
الدُّنْيَا وَفِي
الآخِرَة﴾12.﴿إِنَّا
لَنَنصُرُ رُسُلَنَا
وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيَوْمَ يَقُومُ
الْأَشْهَاد﴾13.
في المنطق الإسلامي،
الحياة لها هوية تشكيكية
أي ذات مراتب تدريجية
منظمة بين الحياة
الطبيعية (أي الحياة
الدنيوية) والحياة
الأخروية. ويمكن لبعض هذه
المراتب أن تكون بشكلٍ
لائق وجدير أوعكس ذلك.
وكل نوع من هاتين
الحياتين هما نتيجة
لتفكير، دافع، وعمل نفس
الإنسان. وهذا ما تشير
اليه الآية السابعة من
سورة الروم:
﴿يَعْلَمُونَ
ظَاهِرًا مِّنَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ
هُمْ غَافِلُونَ﴾14.
إن أحد الأسباب
التي تجعل الحياة تتجه
نحواللاعقلانية وعدم
لياقتها، هواللامبالاة
بالنسبة لشكل ومضمون
الحياة المتمثلة بالحياة
الدينية. فمن الآثار
والنتائج المخيفة
للامبالاة هذه، إنهيار
وزوال العقلانية
التفاهمية (الحوارية)،
باعتبارها أساساً للسلوك
في مجال العلاقات بين
الدول. بناءً على ذلك،
يوصي ويؤكد القرآن الكريم
على عدم مرافقة ومصادقة
المؤمنين للذين يتخذون
الحياة الدينية لعبٌ
وسخرية:
﴿وَذَرِ
الَّذِينَ اتَّخَذُواْ
دِينَهُمْ لَعِبًا
وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾15.
يعتبر الإسلام بأن الوصول
الى الحياة الطيبة
والجديرة حقٌ للجميع،
والذين يمنعون أنفسهم
متعمدين من الوصول الى
هذه الحياة، ولا يجلبون
الا الضرر الى جدارة
ولياقة هذه الحياة، هؤلاء
لا يستحقون التواصل
والإرتباط معهم. بناءً
على ذلك، فإنَّ قبول حق
الحياة الطيبة من قِبل
الناس، يفتح أمامهم باب
الإنسجام والتفكير
المشترك. ولهذا السبب،
انتبه والتفت الإسلام
لمسألة الحياة الطيبة
والجديرة.
لو آمن الجميع بالدين
الحق، كما يراه ويعرّفه
الإسلام، لأصبحت الدنيا
جميلة ولم يرَ البشر كل
هذه الحروب والويلات،
ولما اُتخذت كرامة وشرف
الإنسان هزواً كما نشهد
في عصرنا الحاضر.
3- أصل ارتباط أجزاء
الحياة ببعضها البعض: من
الحقوق الأخرى التي طُرحت
في ما بعد الحداثة، هوحق
ارتباط الشعوب بعضها
البعض وتنمية هذا
الإرتباط. بعبارة أخرى،
إِنه من حق أي شخص أوأي
مجتمع أن يرتبط ويقيم
علاقة مع الآخرين، والدول
موظفة في تأمين الأرضية
المناسبة لذلك ولإستحكام
ودوام هذا الإرتباط.
بدون
شك، يظهر ويتحقق هذا الحق
عندما يتمّ مسبقاً قبول
ارتباط أجزاء الحياة
كواقعٍ وحق. وفي حال بقيت
الوجوه المختلفة للحياة
الفردية والإجتماعية
منفصلة ومتجزئة عن بعضها
البعض، فإن الكلام عن
وجود الحق المذكور، ناهيك
عن اكتسابه وتنفيذه، لا
مكان له من الإعراب. ولكن
الحقيقة والواقع تؤيد
ارتباط تمام أجزاء ومراتب
الحياة. ومن خلال التنمية
الفكرية، التقنية و...
للبشر، سيظهر ويتوسع هذا
الإرتباط بين أجزء الحياة
أكثر فأكثر.
إن معنى ونتائج هذا
الإرتباط يمكن رؤيته في
تأثير الإقتصاد، السياسة،
الحقوق، الصحة، التربية
والتعليم، القيم، الدين،
الإعتقاد.... على بعضها
البعض. من الواضح أن
تأثير هذه الوجوه
المختلفة للحياة على
بعضها البعض يظهر بشكل
طيفٍ يستطيع أن يكون
بنّاءً ومطوِّراً كما
يستطيع أيضاً أن يكون
هدّاماً ومؤخِّراً. وفي
حال سيطرة الحالة
الثانية، فستنجر الحياة
الفردية والحياة
الإجتماعية (المحلية،
الإقليمية والدولية)
نحوالزوال؛ لإنه حينها
إضافةً الى أن النزاع،
التناقض والحرب الدائمة
ستشكل منطق واساس التسلط
على الحياة؛ أيضاً ستكون
هذه الأمور من الناحية
الفيسيولوجية، الجينية
والفيزيائية غير منسجمة
مع ماهية الحياة. لأن
ظهور الحياة واستمرارها
بأشكالها وأوجهها
المختلفة، ليس الا نتيجةً
للتبادل الحاصل بين هذه
الأجزاء.....
لا بد أن تكون الحالة
الأولى، أي الحالة
القائمة على أساس التفاعل
البناء والمنسجم، عقلية
وعملية، كي نحصل على حياة
سالمة ونستطيع الإستمرار
في هذه الدنيا المعقدة
والمليئة بالتحديات. إن
المجتمع الدولي والعلاقات
الدولية اليوم تحتاج بشدة
الى هكذا تفاعل. أما هذا
الإحتياج، وبعبارة أخرى
إن هذا التبادل البناء
المتولد من درك مسألة
ارتباط الصور المختلفة
للحياة، هونفسه بحاجة الى
عامل اساسي آخر ومسبق،
والذي في حال انعدامه لا
يظهر هذا التفاعل البنّاء
والمتقدم. هذا العامل
والعنصر الأساسي
هوالتفكير المشترك
والإنسجام
أوالعقلانية التفاهمية،
وهومبنى السلوك في كل
مراتب وصور الحياة
المختلفة، خصوصاً على
صعيد العلاقات الدولية.
إذن فقط في حال كان
التفكير المشترك
والإنسجام، أساس العمل،
يمكن لإرتباط أجزاء وصور
الحياة المختلفة وحق
إقراره أن يظهر في
الواقع. لأنه فقط بناءً
على ما تقدم، يمكن للعلم،
التكنولوجيا، السياسة،
الإقتصاد، الحقوق، الدين،
الثقافة... أن يساهموا
ويتعاونوا بالتساوي في حل
الأزمات، طرح القضايا
الحيوية، إجراء البرامج
والمشاريع المتقدمة
والتنموية، وأن يُبعدوا
السلطة والقوة عن ساحة
الحياة ولا يسمحوا بأن
يطغى الإقتصاد ومنطق
القيمة المضافة الأكثر
أومنطق التجييش أوالسياسة
على وجوه الحياة الأخرى،
بحيث تصبح الحياة في خدمة
هذا الوجه المسيطر وأداةً
لعمله، وعندها لا يدع لأي
هوية أخرى في الظهور إلا
اذا كانت تابعة له.
إن المستكبرين في أمريكا،
أمثال جورج بوش الثاني،
رامسفيلد وكولن باول، في
طريقة تعاطيهم مع قضية
العراق، جعلوا المنطق
الإقتصادي والعسكري
حاكماً على بقية وجوه
الحياة. فهم لا يقيمون
لأي ثقافة، واعتقاد، وقيم
وأسلوب حياتي أي وزنٍ
أوهويةٍ، ولا يعترفون الا
بثقافتهم. بناءً عليه، لا
يمكن للآخرين امتلاك
ثقافة الا اذا كانت
بموازاة بل في طول
ثقافتهم. وعند تحقق ذلك،
حينها فقط يمكن للآخرين
بأن يستكملوا حياتهم،
والا فلا بد من إزالتهم
من الوجود، يعني أن الاصل
للتبعية والقاعدة الاساس
قائمة على تدمير الآخر: "إما
معنا، أوضدنا" الذي
كان شعاراً سياسياً لجورج
بوش الثاني.
إن الأساس والبناء الأصلي
لقيام المؤسسات والمنظمات
الدولية، مثل الأمم
المتحدة، صندوق النقد
الدولي، البنك العالمي،
المؤسسة العالمية
للتجارة، مؤسسة التنمية
العالمية... ما هوالا
ارتباط أوجه الحياة
ببعضها البعص. ولكن في
الحقيقة اليوم نرى أن كل
هذه الأوجه عملياً لا
تعمل الا لصالح شركات
ومؤسسات وقوى سياسية
معينة، وليست في خدمة
شعوب العالم.
هذه الحالة ظهرت
وستبقى مستمرة بسبب أن
التفكير المشترك
والإنسجام لا يشكلان
الاساس والأصل في السلوك
الدولي، ذلك أنه للآن لم
تؤخذ بعين الإعتبار مسألة
ارتباط أوجه الحياة
المختلفة كحق إنساني من
قبل القوى المستكبرة.
لذلك كي يتحقق السلام
والإنسجام العالمي، لا بد
من الإعتراف وقبول حقيقة
وضرورة ارتباط أوجه
الحياة المختلفة ببعضها
البعض.
اهتمَّ وانتبه الإسلام
الى هذا الحق والواقع بكل
جدية، ونظر الى أن صور
وأوجه الحياة المختلفة
على أنها مرتبطة ببعضها
البعض، وهذا ما يشير اليه
القرآن الكريم:
﴿َابْتَغِ
فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ
الدَّارَ الْآخِرَةَ
وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ
مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ
اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا
تَبْغِ الْفَسَادَ فِي
الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ
لَا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ﴾16.
من النقاط التي يمكن
استنتاتجها من هذه الآية
الكريمة:
1- اولاً إرتباط الحياة
الدنيا بالحياة الآخرة
كوجهين للحياة. ولوكانت
المسألة غير ذلك، لما
توجهت الآية الى كليهما.
2- السعي لإعمار الدنيا.
لأن الإعمار بمعناه
الوسيع، هوأحد المصاديق
والنتائج للسلوك الحسن.
3- ينبغي أن يكون تبادل
الناس وتعاملهم مع بعضهم
البعض ومع عالم الطبيعة
حسناً.
4-
لا يتم الإرتباط والتعامل
الحسن الا على أساس
التفكير المشترك وليس على
أساس النزاع، والتشنج
والقوة والسلطة.
5-
يقوى التفكير المشترك
عندما يتم الإعتراف بحق
إرتباط أوجه وصور الحياة
وإحترام ذلك.
وجاء في آيةٍ
أخرى:
﴿وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى
آمَنُواْ وَاتَّقَواْ
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم
بَرَكَاتٍ مِّنَ
السَّمَاء وَالأَرْضِ
وَلَكِن كَذَّبُواْ
فَأَخَذْنَاهُم بِمَا
كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾17.
إن الرسالة الواضحة التي
تريد إيصالها هذه الآية
هي بأن لشكل ومضمون
الحياة الدينية ارتباطاً
وثيقاً مع شكل ومضمون
الحياة العلمية،
الإقتصادية، والسياسية.
لأنه من الواضح أن ظهور
البركات المختلفة للأرض
والسماء وجهوزيتها
للإستفادة منها لا يكون
إلا على اثر التفاعل
والسعي العلمي، التقني،
الإقتصادي والإداري
للإنسان.
إن ما أشار إليه الله
سبحانه في عدة آيات من أن
الارض والسماء وكل ما
فيهما مسخران للإنسان،
يؤيد أن تسخير الطبيعة
وجعلها تحت سلطة الإنسان
له وجهان:
1- الوجه الأول يرجع الى
القدرات العلمية، التقنية
والإدارية للإنسان
2- الوجه الثاني يتعلق
بأن تسخير الطبيعة قابلٌ
للفهم وللتطبيق والعمل،
أي أنه جديرٌ بالإستثمار
ويعود على الإنسان بالخير
والنتائج الجيدة.
يقول الإمام علي عليه
السلام في عهده الى مالك
الأشتر: "ولا تكونن
عليهم سبعاً ضارياً تغتنم
أكلهم، فإنهم صنفان إما
اخ لك في الدين وإما
نظيرٌ لك في الخلق"18.
أمير المؤمنين عليه
السلام في بيانه هذا، يرى
بأن تحقق الصورة الدينية
والصورة الطبيعية للحياة
لا يكون الا من خلال
التبادل المتكامل، وليس
من خلال التسلط والظلم
وانعدام انسجام الأفراد
مع بعضهم البعض.
كذلك نرى بأن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم يطلب
من الله سبحانه وتعالى
البركة والتوسعة في
المعيشة والإقتصاد، لأنه
في حال لم يكن هذا الوجه
من الحياة سالماً، فسيلحق
الضرر في الحياة الدينية.
نرى في بيان الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان في
الغرب، أنه يعكس بعض
مسائل ارتباط صور واوجه
الحياة ببعضها البعض.
ولكن هذا الإرتباط بالرغم
من أنه ينظر الى إنشاء
العلاقات والإرتباطات على
صعيد الحياة الدنيوية
والعلاقات الدولية، ولكنه
يغفل الوجه المعنوي
والأخروي للحياة.
جاء في المادة 27 - من
الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان:"كل فرد لديه
الحق في المشاركة بحرية
في الحياة الثقافية-
الإجتماعية وأن يتمتع
بالمهارات والتقنيات وأن
يساهم في التطور العلمي
وفوائده".
وتطرق البند الثاني من
المادة 26 - الى أن وظيفة
التربية والتعليم هي
تنمية كافة جوانب الشخصية
الإنسانية واعتبرت أن
وصول التفكير المشترك
والإنسجام الى كمالهما
يكون عبر تحقق السلم
العالمي: "ينبغى هداية
التربية والتعليم
بنحوتوفر فيه التربية
الحد الأكمل لنموالشخصية
الإنسانية لاي فردٍ وأن
تقوي إحترام حقوق وحريات
البشر. على التربية
والتعليم أن تسهّل مسألة
حسن التفاهم، التسامح
واحترام العقائد المخالفة
والصداقة بين كل الشعوب
والتجمعات السكانية
القومية أوالدينية وأيضاً
تنمية نشاطات وفعاليات
الأمم المتحدة في سبيل
حفظ السلم".
وتناول بيان مؤتمر
فانكوفر- كندا الذي عُقد
"بخصوص مسألة البقاء
في القرن 21" وحضره
21 - شخصية من العلماء
(فلاسفة، حقوقيين،علماء
رياضيات، أطباء،
بيوتكنولوجيين،
فيزيائيين، كيميائيين،
علماء بيئة، باحثين
دينيين) من 15 دولة في
ايلول 1989، تناول هذا
البيان مسألة انفصال
وتجزئة الصور والأوجه
المختلفة للحياة وأيضاً
توسيع مجال قوة وقدرة
وتسلط القوى العظمى
وأصحاب التكنولوجيا وحذّر
بأنه:"اذا لم نستطع
توجيه العلم والتكنولوجيا
مرةً أخرى باتجاه الحاجات
الأساسية، فإن التطور
الحالي في مجال الثورة
المعلوماتية، البيئة
التكنولوجية،
والهندسة الجينية سيوصل
الى نتائج ضارة وخطرة على
مستقبل البشرية، لا يمكن
التراجع عنها...إن سلب
مفهوم الإنسانية، أي
إفراغ الإنسان من كافة
أبعاده، يتزامن بشكلٍ
دقيق مع النظرة العلمية
للعالم والإنسان؛ اذ أنه
من خلال هذه النظرة يظهر
العالم كآلة وماكنة
والإنسان فيها فقط
كالدولاب المسيّر لها".
انطلاقاً مما ذكرناه
لغاية الآن، إن الإعتراف
بضرورة ارتباط أوجه وصور
الحياة المختلفة وإعطاء
حق الإرتباط والتواصل
للجميع، سيشكل الأرضية
المناسبة لظهور التفكير
المشترك العالمي.
4- اصل التعددية:
يُعتبر في عالمنا اليوم
تنوع اللغات، القوميات،
الجغرافيا الطبيعية،
المعتقد، القيم وأساليب
الحياة و.... وقائع
طبيعية، تجريبية وحتمية.
ولكن ما هومهم في هذه
المسألة، هوكيفية التبادل
والتفاعل بين عناصر هذا
التعدد والتنوع، خصوصاً
على الصعيد العام والكلي
للحياة البشرية. لأجل
ذلك، الإعتراف بالإختلاف
والتعدد كواقع تكويني
وطبيعي، ليس كافياً؛ بل
لا بد من أن يُعتبر تنوع
وتعدد أساليب الحياة،
القيم والإعتقادات حقوقاً
إنسانيةً.
أوأن لا يُنظر الى
التعددية، خصوصاً على
صعيد العلاقات الدولية:
1- على أنها تعني إنفصال
الأمور المتنوعة عن بضعها
البعض بشكلٍ كامل
2- على أنها النسبية في
الحقيقة
3- على أنها لا تُلغي
التعاون والإنسجام في بعض
المجالات ولا تعدم
الإتفاق على بعض الأصول
المشتركة.
4. أهم من كل ما سبق،
أنها لا تعني أن تترك
التيارات، العوامل،
المبادئ والأصول والقيم
البنّاءة هويتها الخاصة
بها، بل إنَّ التعددية هي
طريقة وأسلوب في دعم
القيم المختلفة وتحترم
المعتقدات وتنتج وتقوّي
الأساليب
الفكرية
المتعددة من الناحية
البنيوية وتوفر للأنظمة
المتعددةِ الوظائف في
تنظيم الحياة الإجتماعية،
إمكانية الإنفتاح
والتوسع، بدون أن تسيء
الى هويات كل منها.
في الواقع، إِن التعددية
هي أسلوب هداية بنّاء
للهويات المختلفة. على
سبيل المثال، هذا التنوع
والتعدد لا ينبغي أن يكون
سبباً في أن يتخلى
الإسلام عن حقانيته. كل
شخص يمكنه الإدعاء بأنه
على حق، ولكن ما ينبغي
الإعتراف به وقبوله
هوامكانية إدعاء الحق من
قبل الآخرين. لأنه في حال
أنكر الإنسان إمكانية
وجود الحق خارج نطاقه،
يكون بذلك قد أغلق باب
التفكير المشترك والحوار
ويكون قد احلّ مكان ذلك
التصادم والتنازع والقوة
على صعيد العلاقات
الدولية.
من الواضح أن قبول
التعددية وحق التنوع
الإنساني للجميع، ستكون
له نتائج وآثار جيدة
منها:
1- التأكيد على التعاون
لكي يتم تنفيذ التبادل
الحقوقي بشكلٍ جيد.
2- يرفع من ميزان
المساندة والتكاتف بين
الشعوب والدول، الثقافات
والأديان.
3- يوسّع من مشاركة
والحضور الفعال للعقل
الجمعي في معظم مجالات
الحياة(القومية،
الدولية...) وتؤسس لثقافة
جماعية فعالة.
4. تقلل بشكلٍ كبير من
تسخير الآخرين والتسلط
عليهم، وكذلك تقلل من شدة
التبعية في العلاقات
الإنسانية.
وهنا لا بد من أن يكون
منطق التفكير المشترك
والإنسجام، هوالمنطق
الوحيد السائد على
التبادلات والتعاملات في
مجالات البيئة والعلاقات
الدولية. وهكذا ستساعد
حقوق الإنسان في تحقق
التفكير المشترك.
يمكن فهم معنى ودور
التعددية، كما أشرنا، من
خلال التعاليم الدينية
الإسلامية المذكورة في
الآيات التالية:
﴿لاَ
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾19.
﴿وَلَوْ
شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن
فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ
جَمِيعًا أَفَأَنتَ
تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى
يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾20.
رغم أن الإسلام لا يعترف
بحقانية الأديان الأخرى،
فهوأيضاً لا يعتبر القبول
بأصل الدين إجبارياً،
ويشير الى أنه لا بدّ من
اختيار الإسلام والإيمان
به بكل حرية ووعي، لأن
الجوهر الأصلي للدين، أي
الإيمان، لا يتحقق بالقوة
والفرض. لذلك كان من حق
الإنسان اختيار الدين
الذي يريد:
﴿لَا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ
الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَلَمْ
يُخْرِجُوكُم مِّن
دِيَارِكُمْ أَن
تَبَرُّوهُمْ
وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ﴾21.
﴿وَلاَ
تَسُبُّواْ الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِ
اللّهِ فَيَسُبُّواْ
اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ
عِلْمٍ﴾22.
﴿وَيَا
قَوْمِ أَوْفُواْ
الْمِكْيَالَ
وَالْمِيزَانَ
بِالْقِسْطِ وَلاَ
تَبْخَسُواْ النَّاسَ
أَشْيَاءهُمْ وَلاَ
تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ
مُفْسِدِينَ﴾23.
﴿إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ
كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾24.
وقد نُقل عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم في
حجة الوداع أنه قال: "يا
أيها الناس، استثيروا
عقولكم في فهم كلامي"
أوقوله في مسجد الخيف في
جمعٍ من أصحابه: "المؤمنون
أخوة....".
إن ما يمكن استخلاصه
من الآيات والروايات، ما
يلي:
1- إن ما ذكر من إحترام
المعتقدات، قيم وطرق عيش
الآخرين، يعتبر من الحقوق
الإنسانية. لأن خلفية
وسياق الآيات السابقة
الذكر، يتعلق بمجال
التبادل والتعاون
الإجتماعي. ومن المعلوم
أنه في هذا المجال، اذا
لم يُنظر الى القضايا
المذكورة على أنها حقوق
وينبغي اكتسابها، فمن
الصعب مواجهة التصادم
والتسلط.
2- لا يعتبر من اقتضاءات
وإلزامات إحترام
المعتقدات وطرق عيش
الآخرين، التخلي عن
أصولنا ومبادئنا؛ بل إن
هذا الإحترام هوأفضل آلية
لتحقق الإنسجام.
3- الوصول الى الرفاهية،
الطمأنينة، وكلّ ما فيه
الكمال للأفكار
الإنسانية، هوحق إنساني
ولا ينبغي لأحد تحت أي
عنوان وذريعة دينية أوغير
دينية، أن يمنع من إحقاق
هذا الحق. وكما ذكرت
الآية 105 من سورة البقرة
كيف أن الكفار وأهل
الكتاب والمشركين سعوا في
منع المسلمين من الوصول
الى "الخير" والذي من
مصاديقه الكاملة تكامل
الفرد والمجتمع على جميع
الصعد.
4. إن النظر الى النفس
على أنها هي الأفضل يعتبر
من موانع التعامل
الإنساني العادي مع
الآخرين، ولذلك فإن
الإنانية والتكبر يمهدان
الأرضية لزوال الإنسجام
والتفكير المشترك بين
الشعوب والأقوام وتضييق
ساحة إمكانية الوفاق.
5. بما أن المجالات
الإجتماعية والعمومية
ملكٌ للجميع، فلا ينبغي
أن يكون التنظيم
الإقتصادي، الإجتماعي،
السياسي مانعاً للمشاركة
والتعاون وحجة في إعطاء
إمتيازات لفردٍ دون آخر
أولجماعةٍ دون أخرى.
بناءً على ذلك، الجميع له
حق المشاركة العادلة في
هذه المجالات.
واضحٌ بأن الرفاه العام،
المشاركة العادلة، إحترام
القيم ونفي التكبر
والأفضلية في مجال
العلاقات الإنسانية، من
أهم عوامل الإنسجام،
خصوصاً في مجال العلاقات
الدولية. لأنه فقط في هذه
الحالة يمكن توفير
المساندة والتعاطف على
مختلف الصعد بين الناس
والشعوب.
على هذا الصعيد، التفت
مؤتمر فانكوفر- كندا الى
مسألة التعددية وتنوع
أساليب وطرق الحياة
واتبّاع المذاهب والأديان
المختلفة؛ فقد جاء في
المادة 18 - من إعلان
حقوق الإنسان:"كل فرد
لديه الحق في حرية الفكر
والدين. هذا الحق يقتضي
بأن كل فرد، وحيداً كان
أم مع آخرين، بشكلٍ علني
أوخصوصي، عن طريق التعليم
والممارسة أوعن طريق
إقامة الشعائر والمراسم
الدينية، يستطيع أن يُظهر
دينه ومعتقداته بكل حرية".
وجاء أيضاً في ختام بيان
فانكوفر: "علينا أن
نقبل كواقعٍ بأن العالم
متعدد الأديان. أيضاً
علينا الإعتراف بأننا
بحاجة الى نوع من حرية
البيان الذي يسمح
للأديان، بالرغم من
اختلافها، أن تتعاون فيما
بينها؛ هذا الأمر يساعدنا
على توفير ظروف بقاء
البشر وأن نرفع من شأن
القيم المشتركة،
المسؤوليات البشرية، حقوق
الإنسان وشأن
الإنسان.....".
6. اصل حق الحرية: من
الأسباب والدوافع التي
تمهد الطريق للوصول الى
التفكير المشترك
والإنسجام، مسألة
الإعتراف بالحرية كحقٍ من
حقوق الإنسان، وليس
كفضيلة أوقيمة محضة.
تستطيع الحرية أن تجعل
منطق الإنسجام جديراً لأن
يكون الحاكم على العلاقات
الإنسانية، وذلك عندما
تتوفر العناصر الأربعة
التي تشكل الأساس لبناء
صرح الحرية وهي كالتالي:
1- القدرة: وهي
تعني أن يمتلك شخصٌ ما
أومجتمعٌ ما القدرة على
إيجاد التحولات في محيطه
الخارجي؛ اي أن لدى هذا
المجتمع أوالشخص قدرة
التأثير على الآخرين
أوأنه يملك قدرة زمام
المبادرة والتأثير. جليٌّ
بأنه في حال لم يستطع
الفرد أوالمجتمع أن يصل
الى هكذا قدرة، فهوليس
بحرٍّ. طبعاً هذه الصفة
والخصيصة ليست كافية
لوحدها لمسألة الحرية،
لأن
نتائجها حينئذٍ ستكون
هدّامة ومدمرة.
2- المسؤولية: الفرد
أوالمجتمع المقتدر،
هوالذي ينبغي أن يكون
مسؤولاً أمام قدراته؛
مسؤولاً أمام ما يفعله،
ومسؤولاً أمام الناس
وأفراد المجتمعات الأخرى.
أي أن يكون للآخرين حق
محاسبة ومسآءلة ومراقبة
وتقييم سلوك هذا الفرد
أوالمجتمع. بدون شك، إن
مستوى مسؤولية الحرية،
ترسم كيفية إدارة القدرة.
هنا تصبح القدرة موجهة
وتبتعد الحرية عن مفهوم
العبثية، وعندها تصبح
العلاقة بين القدرة
والحرية علاقة تأثر
وتأثير من وعلى الجهتين.
3- الوعي والإختيار:
المسؤولية والمسآءلة،
لا يتشكلان وينموان بدون
الوعي، وإن حصل ذلك
فسيكون منفصلاً ولن يكون
هناك اي علاقة متبادلة
بين المسؤولية والوعي. بل
بالعكس سنشهد تصادماً
عنيفاً بين الشعوب
والافراد. انطلاقاً من
ذلك، فإن المسؤولية
الواعية أساس الحرية
والتعامل المنسجم
والهادئ.
يُظهر الإختيار ذلك الحد
من النمووالرشد لشخصية
الفرد أوالمجتمع الذي،
وبمساعدة العلم والتقييم
الشامل لعملٍ ما ونتائجه،
يجعل القدرة الآنفة الذكر
تعمل باستمرار في سبيل
خير وصلاح الإنسان.
عندما تتحق هذه العناصر
الثلاثة، تتضاءل المسافة
بين النظري والعملي،
وبالتالي تتضاءل المسافة
بين الحكام والمحكومين،
وبين الدول والشعوب،وتبرز
المساواة نتيجةً للتعاون
والإرتباط النابع من
الإنسجام والتفكير
المشترك. عندئذٍ لا ينبغي
أن يكون هناك تابعٌ
ومتبوع، سيدٌ وخادم، لا
على صعيد الأفراد ولا على
صعيد المجتمعات.
نعم إن العناصر الآنفة
الذكر معاً تشكل وتبني
الحرية، وعندها تقوّي
الحرية أسس الإنسجام
والتفكير المشترك.
قد يُقال بأن الحرية
اليوم، رغم أنها في
الواقع حقٌ إنساني،
ولكنها لم تستطع أن تجعل
من منطق عقلانية التفاهم
أساس العلاقات الدولية؟
الجواب على ذلك جداً
واضحٌ وهوأن ما تحقق في
مجتمعات اليوم هوعنصر من
عناصر الحرية أي القدرة،
أما الأركان والعناصر
الأخرى للحرية كالإختيار
والوعي والمسؤولية
ومحاربة النظرة التي تؤكد
على تبعية الناس، لم تظهر
بعد، وفي حال ظهورها لم
تصبح عملية بعد. طوال
التاريخ، وخصوصاً في
عصرنا هذا، اعتبرت الدول
والشعوب التي لديها
القدرة العلمية، التقنية
(تكنولوجيا
المعلوماتية، العسكرية
والمخابراتية...)
والإقتصادية، بأنها دولاً
حرة ومن المدافعين عن
الحرية؛ وانطلاقاً من هذه
الحجة، فرضت على الآخرين
نوعاً من الحرية بحسب
مصالحها ومنافعها. هذه
الدول ومن خلال القدرة
التي يملكونها فرضوا
ويفرضون التحولات في
البنى الثقافية، السياسية
وحتى الجغرافية للشعوب.
النموذج الأوضح على هذه
السياسة المتبعة من قبل
هؤلاء الدول في القرن
الواحد والعشرين، هو
أمريكا وبعض حلفائها،
الذين أعلنوا بصراحة أنهم
في صدد تغيير الخريطة
الجغرافية للشرق الأوسط.
وعلى هذا الصعيد، قد قامت
الولايات المتحدة بخطوات
عملية مثل احتلال العراق
وافغانستان. هذه التحولات
ابداً لم تكن في سبيل
سعادة وسلامة وخير
البشرية ودولها وشعوبها؛
لأنه:
أولاً، لم يؤخذ
بعين الإعتبار إرادة
واختيار شعوب هذه البلاد
وحتى الإرادة الدولية.
ثانياً، تمّ تخريب
وتدمير كل البنى التحتية
الحيوية لهذه الدول.
ثالثاً، الوقوف
بشدة أمام نهوض واقتدار
هذه الدول.
على سبيل المثال، أمريكا
ومن يدور في فلكها، لا
ولن يسمحوا للمسلمين،
لشعوب أمريكا اللاتينية
وأمريكا المركزية وشعوب
افريقيا... في الحصول على
الأسلحة الكيميائية،
البيولوجية والنووية كي
يستطيعوا النهوض بقدرتهم،
ومن
استطاع من هذه الشعوب في
الحصول على بعض من ذلك
مثل كوريا الشمالية،
الهند وباكستان قد تمّ
محاصرته من قبل أمريكا.
إن أمريكا وبعض الدول
يستطيعون الحصول على الآف
الرؤوس النووية وكذلك "الكيان
الغاصب" بعدد سكانه
الذي لا يذكر يستطيع أن
يمتلك 4 - آلاف رأس نووي،
اما الدول الأخرى بما
تملكه من أراضٍ واسعة
وعدد سكانٍ مرتفع، ليس
لديها الحق حتى أن تخطي
خطوة باتجاه الحصول على
ذلك.
نتيجة هذا العمل هوأن "يصبح
الجميع عبداً لجهة واحدة"
ليس أكثر، وهكذا فإن
التحولات الحاصلة ليست
إلا في سبيل زيادة قدرة
وتسلط "الجهة الواحدة
على الجميع". للأسف،
إن كل ما يجري للآن يتم
باسم الحرية، حقوق
الإنسان والعدالة...!
وهكذا فمن جهة لم يبق ولم
يتوسع من عناصر الحرية
سوى عنصر القدرة، ومن جهة
أخرى اتجهت العناصر
الأخرى نحوالزوال. من
الطبيعي في ظل هكذا بنية
ونظام دولي، لا يمكن
للحرية باعتبارها حقاً،
أن تكون في خدمة التفكير
المشترك والإنسجام،
باعتبارهما منطقاً
للتعامل والإرتباط
والتقارب.
بالرغم من سعي النظام
السياسي الغربي في إظهار
بأن الإسلام غير منسجم مع
الحرية، نرى أن الإسلام
قد اعترف بالحرية كحقٍ
انساني، فالله سبحان
وتعالى يقول في كتابه
الكريم:
﴿َمَا
كَانَ لِنَبِيٍّ أَن
يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ
يَأْتِ بِمَا غَلَّ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾25.
﴿قَالَ
لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ
قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى
رُكْنٍ شَدِيد﴾26.
﴿وَلاَ
يَأْمُرَكُمْ أَن
تَتَّخِذُواْ
الْمَلاَئِكَةَ
وَالنِّبِيِّيْنَ
أَرْبَابًا﴾27.
﴿وَلِكُلٍّ
وِجْهَةٌ هُوَ
مُوَلِّيهَا
فَاسْتَبِقُواْ
الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا
تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ
اللّهُ جَمِيعًا﴾28.
هذه الآيات، تظهر وتشرح
بوضوح عناصر الحرية التي
ذكرناها وتؤكد عليها
بصفتها حقاً من حقوق
الإنسان.
وقد أعلن النبي الأكرم
محمد صلى الله عليه وآله
وسلم بأن الأسارى ليسوا
عبيداً، وبناءً عليه لا
يمكن شراؤهم أوبيعهم، لأن
لهم حقَّ الحياة بحرية
كسائر الناس: "لا
عبودية لهؤلاء المختطفين
وإنهم أحرار مثل سائر
الأحرار".
ويشير أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب عليه السلام:
"يا أيها الناس إن آدم
عليه السلام لم يتخذ
عبداً ولم يتخذ أمةً،
ولكن الله تعالى جعل
تدبير وإدارة بعضكم في
أيدي البعض الآخر"29.
هذه العبارة تجعل من معنى
الحرية كاملاً الى جانب
تحمل المسؤولية والمشاركة
الفعالية(الإدارة
والتدبير)، أوكما جاء في
الرواية: "من علّم
خيراً فله أجر من عمل به"30.
وأيضاً جاء في رواية
أخرى: "إن العالم
الكاتم علمه يُبعثُ
أنتَنَ أهل القيامة ريحاً"31.
أوكما جاء في خطبة النبي
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم في اواخر أيامه
عندما جمع الناس: "اما
بعد... ولا يخش الشّحناء
من قِبلي فإنها ليست من
شأني، ألا وأن أحبكم إلي
من أخذ مني حقاً إن كان
له..."32.
يمكن الإستنتاج من خلال
هذه الآيات والروايات
بأن: القدرة، تحمل
المسؤولية، الوعي
والإختيار، نفي التبعية
والإرتباط الإستبدادي من
العناصر المهمة والأساسية
للحرية
وذلك في حال كانت هذه
العناصر مرتبطة مع بعضها
البعض.
لقد تمّ التأكيد كثيراً
على الحرية كحق إنساني في
الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان من وجهة نظر
الغرب. وسرّ هذا التأكيد
أن الحرية من أهم عناصر
التفكير المشترك
والإنسجام الدولي ولوأن
الدافع الأولي في تدوين
هذا الإعلان هوإحقاق
السلام في العالم. ولا بد
للبنود والحقوق المقبولة
والمعترف بها أن تجد
معناها وتحقق بما يتناسب
وهذا الهدف أي إحقاق
السلام في العالم. وفي
حال فقدان هذا الأصل،
حينئذٍ لا معنى لوجود
وقبول حقوق الإنسان.
فالحرية في هذا الإعلان،
قد
تلبست لبوس
الليبرالية. بناءً عليه،
على الرغم من وجود
تشابهات عدة بين المعنى
الليبرالي للحرية ومعناها
في المنظور الإسلامي، إلا
أنه أيضاً يوجد العديد من
الإفتراقات والإختلافات
بينهما. (طبعاً ينبغي
الاشارة الى أن هدف هذه
المقالة ليس المقارنة بين
معنى الحرية الموجود في
الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان ومعنى الحرية
المراد في الإسلام وإبراز
الفوارق والتوافق بينهما).
في الإسلام، أساس وجوهر
الحرية هما الإختيار
والوعي ومقيدها هوإعمال
وإحقاق العدالة والخير.
في حال أنه لا تتمتع
الحرية بحسب ما جاء في
الإعلان بهكذا أسس،
وضررها يكمن في عدم وجود
أي قيود لها. لكن كلا
الإعلان والإسلام يتفقان
على مبدأ الحرية كحق
إنساني وعلى بعض خصائصها.
سنذكر الآن عدة بنود
من الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان والتي تعكس حق
الحرية:
البند الاول: "إن تمام
أفراد البشر يولدون
أحراراً، وهم متساوون من
الناحية الحقوقية
والحيثية، فالكل يملك
العقل والوجدان (الضمير)
وينبغي أن يتصرفوا مع
بعضهم البعض على أساس روح
الأخوة".
البند الرابع: "لا
يمكن لأحد أن يتخذ
الآخرين عبيداً له،
وتبادل العبيد ممنوعٌ
بأي شكلٍ كان من
الأشكال".
البند التاسع عشر: "كل
شخص لديه حق حرية المعتقد
والرأي وهذا الحق يشمل
عدم الخوف من إظهار
عقائده وهوحرٌ في اكتساب
المعلومات والأفكار وفي
أخذها ونشرها عبر كافة
الوسائل المتاحة وبدون أي
قيود".
البند العشرين: "إن أي
شخص لديه الحق في تشكيل
المجامع والجمعيات
المسالمة".
وهكذا، فإن الحرية
تعتبر ركناً من أركان
التفكير المشترك
والإنسجام الدولي ولكن لا
بد من وجود شرطين:
1- ينبغي من الناحية
النظرية، الإتفاق على
معنى واضح، شفاف ومسؤول
للحرية كي يتم إحقاق
السلم والتعاون الجماعي.
2- من الناحية العملية
والتنفيذية، لا بد من
ظهور بنية وإدارة، من جهة
لا يتم الإستفادة منها
بشكلٍ أدواتي(أوأداتي)؛
ومن جهة أخرى توفر ارضية
التعاون المناسبة للجميع
في أخذ وإعطاء هذا الحق.
3. مبدأ حق العدالة
والمساواة: لغاية الآن
تحدثنا عن مبادئ وحقوق
كالحرية، الكرامة،
الحياة، الإرتباط
والتعاون، التعددية،
التكامل والتنمية.
وأوضحنا دور وآليات كلٍّ
من هذه المبادئ في سبيل
التمهيد لمنطق التفكير
المشترك والإنسجام،
بصفتهما أساس الإرتباط
والعلاقات الدولية. لكن
ينبغي الإلتفات الى مسألة
جدية، وهي أن كل الحقوق
بوظائفها المذكورة، لا
تنمو ولا تتحقق الا عندما
تقترب المسافات وتتضاءل
الصدامات في مجالات
الحياة المختلفة بين
الشعوب. ومن ناحية أخرى،
إن السبيل الوحيد الذي
يمكن من خلاله تقليل
الصدامات هوالإعتراف
وقبول العدالة بصفتها
حقاً. لذلك يمكن القول
بأن العدالة هي "الحق
الداعم لبقية الحقوق".
وبما أننا أشرنا الى أن
التفكير المشترك
والإنسجام على الصعيد
العالمي، في غياب
تلك الحقوق، ستبقى شعارات
بلا شعور أوحضور فعلي،
ولأن وجود وفعالية هذه
الحقوق لا أثر له في غياب
العدالة؛ لذلك فإن
العدالة وإحقاقها، تعتبر
عنصراً أساسياً وأولياً
في إجراء مسألة التفكير
المشترك والإنسجام
الدولي.
إن مصائب البشرية في
عصرنا هذا ليست الا
إنعكاساً للامساواة، وهذه
اللامساواة ليست الا
حصيلة لإنعدام المساواة
في المالكية التي يمكن
تقسيمها على ثلاثة محاور:
1- عدم المساواة في
امتلاك الثروات
2- عدم المساواة في
امتلاك القدرة
3- عدم المساواة في
امتلاك المعلومات
جاء في بعض الإحصاءات،
أنه من أصل سكان العالم
الذي يصل الى 5 مليارات
ونيف، يستفيد 800 مليون
شخص فقط من ثروات العالم،
في حال أن البقية محرومون
من ذلك. طبعاً المحرومون
ليسوا في نفس المستوى
أيضاً، البعض منهم أكثر
والبعض الآخر أقل. على
رأس الذين يملكون القدرة
والثروة والمعلومات:
الولايات المتحدة
الأمريكية، الإتحاد
الاوروبي، اليابان. وكلاً
من هؤلاء يسيطر على قسمٍ
مهمٍ من ثروات، وقدرات
وعلم العالم. في حال نرى
أن ألمانيا واليابان
تملكان القدرة
الإقتصادية، نجد أن فرنسا
وبريطانيا يتمتعان
بالقدرة العسكرية، في حين
أن أمريكا لديها القدرة
المخابراتية- السياسية،
العسكرية والإقتصادية. في
المحصلة نجد أن حوالي 90%
الى 95% من قدرات، ثروات
ومعلومات العالم في أيدي
هؤلاء السالفي الذكر.
تعتبر المعلومات في عصرنا
اليوم، من المصادر المهمة
للدخل القومي وعاملاً
مهماً للقدرة. لذلك نرى
أن الولايات المتحدة
تستثمر بقوة في مجال
البيوتكنولوجيا
وتكنولوجيا المعلوماتية -
العسكرية. فمن أصل 28 -
الى 30 الف مرسل في
العالم، تختص البلدان
الثلاثة المذكورة سابقاً
بـ22 - الف فقط. أمريكا
ترسل
في
الدقيقة الواحدة 90 الف
كلمة باتجاه البلاد
الآسيوية والإسلامية، في
حين أن كل الدول الآسيوية
ترسل 19 الف كلمة في
الدقيقة الى أمريكا. تربح
أمريكا سنوياً حوالي 1500
مليار دولار من جراء
تبادل المعلومات، في حين
أن مدخولها من قطاع
التجارة وتبادل الطاقة
يصل الى 750 مليار دولار
فقط. إن الإستثمار الذي
يعتبر اليوم أحد المصادر
المهمة في الإقتصاد في
عالمنا اليوم، تسيطر عليه
أيضاً الدول الثلاث
المذكورة، أي أن 14% من
سكان العالم يملكون 7% من
استثمارات العالم. ومن
الطبيعي أن تكون عملية
جذب الإستثمارات ايضاً
بواسطة نفس هذا المثلث
ومن يدور في فلكها الذين
يشكّلون مع بعضهم البعض
فقط 28% من سكان العالم
ويصل مدخولهم من مجموع
الإستثمارات الأجنبية 91-
5%. في مجال التجارة
أيضاً الوضع كذلك. كمحصلة
يمكن القول أن 14% من
مجموع سكان العالم
يسيطرون على 90% من
الثروات، المعلومات
والقدرات الموجودة، في
حين أن ثلثي العالم يملك
10% فقط من ذلك. إن هذا
لدليل على عدم وجود
التوازن في العلاقات
الدولية، لأن الذين
يملكون 90% من الثروات
والقدرة والعلم، يستثمرون
بنفس النسبة في مجال
البيئة، الخدمات،
التعليم، الصحة، الفضاء،
الموارد البشرية... وبنفس
النسبة يفرضون سياساتهم،
ميولهم، إراداتهم
وأساليبهم على الشعوب
والأمم والدول. إذاً من
الطبيعي أن تحكم القوة في
هذه الساحة العالمية
بدلاً من سيادة التفكير
المشترك والإنسجام.
"إن ظهور نظام دولي
يجعل الشعوب تابعة
تدريجياً، وإن طرد العديد
من الجماعات العالمية من
ساحة امكانية الإستثمار
من الثروة، سيؤدي الى
حدوث انشقاق اقتصادي،
يتبعه زوال وانهدام
للنظام البيئي،
الاجتماعي، السياسي....".
انطلاقاً من كل ذلك،
طالما أن المساواة
والتعاون المطلوبين لم
يتحققا في النظام
الإجتماعي، الإقتصادي،
السياسي، التقني والبيئي،
فلن يستقر التفكير
المشترك
والإنسجام؛ لأنه لا بد
لتحقق الحرية، الإنسجام،
الوعي، التربية من إيجاد
التعاون. إن التعاون
والمساواة يظهران عندما
تتوفر الأمور المذكورة
بشكلٍ متساوللجميع. وهذا
التوزيع المتساوي بين
الجميع لا يكون الا عندما
يتضاءل مستوى اللامساواة
في الإستفادة من الثروات،
المعلومات، القدرات على
الصعيد الدولي الى الحد
الأدنى.
إن السبيل الوحيد لإحقاق
هذه الحقوق لا يكون الا
عبر تحقق العدالة،
والعدالة ايضاً لا تستطيع
أن تصبح نظاماً للحياة،
أي أن تجعل من التفكير
المشترك والانسجام اساساً
للتبادل، الا عندما يتمّ
الإعتراف بها - اي
بالعدالة- كأسلوبٍ حقوقي
للناس والمجتمعات. إن هذه
الخصيصة أي العدالة تجعل
من رسالات وتعاليم
الأديان، وخصوصاص
الإسلام، موضع الإنتباه
والتوجه.
في الإسلام، للعدالة كحقٍ
انساني وكأصلٍ لسائر
الحقوق في العلاقات
السياسية، القضائية،
الاجتماعية، العائلية،
المخابراتية و... مكانةٌ
راقية، والله سبحانه
وتعالى أمر بالسعي لإجراء
العدالة وإقامتها:
﴿لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا
بِالْبَيِّنَاتِ
وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ
الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ
لِيَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ﴾33.
لقد أشارت هذه الآية الى
أن من أهم وظائف واهداف
الرسالة النبوية،
العدالة.
ويقول الله سبحانه وتعالى
في آية أخرى:
﴿وَإِنْ
حَكَمْتَ فَاحْكُم
بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ﴾34.
وأيضاً:
﴿إِنَّ
اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن
تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ
إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا
حَكَمْتُم بَيْنَ
النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ
بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ
نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ
إِنَّ اللّهَ كَانَ
سَمِيعًا بَصِيرًا﴾35.
انطلاقاً من هاتين
الآيتين، ينبغي على الناس
جميعاً وبدون الوقوف عند
المسائل العنصرية
- القومية، اللغوية،
المذهبية والدينية
والإقتصادية و.... أن
يعيشوا في ظل العدالة
وحتى الأعداء ينبغي أن لا
يمتنعوا عن إجراء
العدالة:﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ كُونُواْ
قَوَّامِينَ لِلّهِ
شُهَدَاء بِالْقِسْطِ
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى
أَلاَّ تَعْدِلُواْ
اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ
اللّهَ إِنَّ اللّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون﴾36.
أشارت هذه الآية الى أهم
موانع إجراء العدالة، أي
العدووالعصبية وقد حذرت
من التسليم لهذه الموانع
وعدم غض النظر عن اجرائها
ولوفي أحلك الظروف وأصعب
الحالات.
من الواضح بأنه كلما
تساوى الجميع في ما يخص
توزيع الثروة، الفرص،
والقدرة... كلما انحسرت
اللامساواة على مختلف
الصعد، وازدادت فرص
ومجالات التعاون
والترابط. من هنا، فإن
منطق التفكير المشترك
والإنسجام يتجلى بأفضل
وجهٍ ممكن عندما تسود
المساواة. وقد أجرى نبي
الإسلام صلى الله عليه
وآله وسلم أثناء فتح مكة
العدالة على الجميع، وذلك
ليرسخ التوافق والإنسجام
مكان التصارع والتنازع
فقال صلى الله عليه وآله
وسلم: "إن الناس عن
عهد آدم الى يومنا هذا
مثل أسنان المشط لا فضل
لعربي على العجمي ولا
للأحمر على الأسود، الا
بالتقوى"37.
أيضاً كتب أمير المؤمنين
علي بن ابي طالب عليه
السلام لأحد عماله،
قائلاً: "اما بعد، فإن
الوالي اذا اختلف هواه
منعه ذلك كثيراً من
العدل، فليكن أمر الناس
عندك في الحق سواء، فإنه
ليس في الجور عوضٌ من
العدل، فاجتنب ما تُنكر
أمثاله، وابتذل نفسك فيما
افترض الله عليك، راجياً
ثوابه ومتخوفاً عقابه"38.
تُعتبر العدالة في
الإسلام من أهم حقوق
الإنسان وجُعلت معياراً
وأساساً
للسلوك الإنساني في
النطاق الخاص والعام،
القومي والمحلي والدولي،
كي يسيطر منطق التفكير
المشترك على كل العلاقات
الإنسانية. إن ما تمّ
إظهاره وإبرازه في
الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان في الغرب
هوالحرية أكثر من
العدالة. جُعلت الحرية،
في هذا الإعلان، اساس
ومبنى تفسير وتوضيح
العدالة. على كل حال، لقد
تمّ الإعتراف في هذا
الإعلان بالمساواة التي
هي صورة من صور العدالة،
كحقٍ من الحقوق
الإنسانية.
نقرأ في المادة الأولى: "إن
كل أفراد البشر قد وُلدوا
أحراراً، وهم متساوون من
الناحية الحقوقية
والشخصية".
وجاء في المادة العاشرة:
"إن أي شخص له الحق
الكامل بأن يُنظر إلى
ادعائه من قبل محكمة
مستقلة ومحايدة بكل إنصاف
وبشكلٍ علني".
وأيضاً نجد في المادة
الثالثة والعشرين ما يلي:
"إن كل فرد له حق
العمل وحق اختيار العمل
بكل حرية، وذلك ضمن ظروف
عادلة ومرضية، وايضاً له
الحق بأن يكون مصوناً من
البطالة".
إن المسائل التي ذكرت
لغاية الآن، تعتبر من أهم
السبل الفكرية والنظرية
لتحقيق التفكير المشترك
الدولي وذلك على أساس
قبول حقوق الإنسان في
التبادلات والتعاملات
الإنسانية التي ليس فقط
قد تمّ الإعتراف بها من
قبل الدين (الإسلام)
والعقل البشري، بل إنها
تستقي جذورها منهما.
1- الاسس التنفيذية
والعملية للتفكير المشترك
والإنسجام
يمكن الاشارة الى البنى،
المؤسسات والآليات
الضرورية لإجراء وتنفيذ
التفاهم والإنسجام
والتعاون، كما يلي:
في عالمنا اليوم، حيث
برزت أقطاب متعددة على
الساحة الدولية، يُعتبر
التعاون بين الأديان
الكبيرة في العالم،
خصوصاً بين الإسلام
والمسيحية، لأجل تحقيق
الأمن، السلام والعدالة
الدولية أمراً حيوياً
وعملياً. ويبدوأن
إنشاء منظمة "تنمية
وتعاون الأديان"
يتمتع بمكانةً حقوقية
مهمة وأساسية على الساحة
الدولية.
تتمحور وظائف هذه
المنظمة حول ثلاث نقاط:
أ. الوقوف بوجه صراعات
المذاهب والفرق الدينية،
وذلك بدون التغاضي عن
ماهية الهوية الحقيقة
والحقوقية لكل من هذه
الفرق.
ب. منع التصادم بين
الأديان الكبرى، وذلك عبر
الإعتماد على الأصول
المعترف بها، والآراء
وطرق الحل المشتركة
والمنسجمة مع القضايا
المعاصرة.
ج. التبادل المستمر مع
أجزاء المجتمع الأخرى،
خصوصاً البنى والمؤسسات
الإدارية في المجتمع
الدولي والتعاون لإيجاد
نظام حقوقي دولي عادل.
إن الأديان بحاجة الى هذا
التعاون كي تؤكد حضورها
ويتمّ الإعتراف بها، ولكي
تتمكن من استخدام منطقها
في خدمة البشرية في العصر
الحاضر. هذا التعاون لن
يكون ممكناً الا إذا كنا
قد قبلنا مسبقاً حق
المشاركة لكل الأفراد
والمنظمات في الحياة
اللائقة والطيبة
والمنظمة. إنطلاقاً من
ذلك، إن على أي دعوة
للتعاون والتكاتف الصادق
والعملي، أن تحفظ هذا
الحق بالمشاركة.
وقد بيّن الإسلام مبنى
وملاك وطريقة عمل ومجال
التعاون:
﴿قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
تَعَالَوْاْ إِلَى
كَلَمَةٍ سَوَاء
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ
اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ
بِهِ شَيْئًا وَلاَ
يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن
دُونِ
اللّهِ﴾39.
وجاء في آية أخرى:
﴿وَتَعَاوَنُواْ
عَلَى الْبرِّ
وَالتَّقْوَى وَلاَ
تَعَاوَنُواْ عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾40.
حتى أن نبي الإسلام صلى
الله عليه وآله وسلم قد
أعطى حق المشاركة الى
أضعف وأدنى طبقات المجتمع
"ويسعى بذمتهم أدناهم".
وهكذا، فالإسلام قد دعى
الأديان الى التعاون
والتكاتف الواسع وأيضاً
اعترف بحق المشاركة لكل
الناس.
وقد أشار البند الثاني من
المادة ستة وعشرين،
والبند الأول من المادة
سبعة وعشرين في إعلان
حقوق الإنسان في الغرب،
الى حق المشاركة؛ ولكنه
لم يُنظر بشكلٍ مستقل
ومباشر الى مسألة التعاون
والتكاتف بين الأديان
كطريقة عمل وحل باتجاه
تنمية وتقوية التفاهم
الدولي؛ وهذا ما يؤكد على
ضعف الجانب العملي لإعلان
حقوق الإنسان.
2- تُعتبر تنمية التعليم
العالي وأيضاً التعليم
العام، أساساً تنفيذياً
آخر للتفكير المشترك
والإنسجام الدولي، خصوصاً
تعليم السلوك الحقوقي في
الحياة الإجتماعية.
بعبارة أخرى، ينبغي أن
يُعترف بحق "الغير" على
أي صعيدٍ كان وفي أيِّ
مستوى اجتماعي كان هذا
"الغير"، وينبغي أن يتم
التعامل مع هذا الغير على
هذا الأساس. من الطبيعي
أن التعامل انطلاقاً من
هذه الرؤية، يثبّت من جهة
الاسس الأخلاقية
الإجتماعية التي بدورها
تعيد بناء الثقافة
الجماعية، ومن جهة أخرى،
تخلق نوعاً من الإلتزام
والتعهد الوجداني لإحقاق
الحقوق.
إن كلا النتيجتين (أي
الاخلاق الإجتماعية -
الثقافة الجماعية
والإلتزام الداخلي)
بدون شك لهما دورٌ اساسيٌ
في إيجاد وإقرار التفكير
المشترك والإنسجام، لأن
البنية المادية
والمؤسساتية تبنيان
التفكير المشترك الذي
يصبح جزءاً منهما.
من المعلوم أنه كلما
اُعتبر التعليم بمراحله
المختلفة حقاً من حقوق
الإنسان، كلما قويت
واستحكمت النتائج
المذكورة أعلاه، وفي
نهاية المطاف ستقترب
الشعوب والمجتمعات
الإنسانية من منطق
التفاهم. انطلاقاً من
ذلك، أكد الإسلام وإعلان
حقوق الإنسان بشكلٍ كبير
على اهمية التعليم. لقد
اعتبر الإسلام
أن اساس
بنيانه قائم على القراءة
والفهم والعلم:
﴿اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ .... الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *
عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا
لَمْ يَعْلَمْ﴾41.
إن الدين الذي يبدأ دعوته
بالقراءة وتشكيل الوعي،
لا يستطيع الا أن يهتم
بالتعليم، وأن يعترف بحق
التربية والتعليم لكل
أتباعه ولغيرهم من الذين
يتوجه اليهم الخطاب
القرآني. ونرى بحسب
الآيات القرآنية أن الله
اعتبر أن أهم وظيفة
للأنبياء هي تربية
الإنسان:
﴿هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي
الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا
مِّنْهُمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة﴾42.
وقد ذكرت المادة 26 -
لإعلان حقوق الإنسان
والمادة 1948 - لمنظمة
الأمم المتحدة التالي:"إن
أي فرد له الحق في
الاستفادة من التربية
والتعليم. وينبغي على
التعليم أن يكون مجانياً
على الأقل لغاية المستوى
الإبتدائي،..... وعلى
التعليم المهني أن يصبح
عمومياً وينبغي أن تتوفر
الظروف بخصوص التعليم
العالي للجميع بالتساوي،
كي يستطيع الجميع وبحسب
قابلياتهم، الإستفادة من
ذلك".
صحيح أن التربية الحقوقية
لم تُذكر بوضوح في
الإسلام ولم يُشر إليها
في مواد إعلان حقوق
الإنسان، ولكن بما أن
الهدف من حق التعلم
هوالوصول الى الحياة
السعيدة، الهادئة
والمتكاملة، فلا شك بأن
تعلم السلوك الحقوقي في
عصرنا المعقد سيكون له
مردود إيجابي، ويعتبر من
مصاف اهداف التعلم.
3- إن تحقيق التفاهم بين
الأساليب والطرق القضائية
والحقوقية في حل المسائل
المحلية والإقليمية
والدولية، جداً مهمة
وحيوية. ولكن للآسف، ما
نراه اليوم هوسيطرة
استخدام الأساليب
السياسية فقط في حل هكذا
مسائل. وما نراه اليوم
هوسيطرة معيار المصلحة
والمنفعة على الأساليب
السياسية. لذلك فإن الذي
يتمتع بقدرة أكبر هوالذي
يستطيع فرض كلمته وفي
النهاية لا تُحل المسائل
الا بالشكل الذي يرتضيه
صاحب هذه القدرة. ولكن
لوكانت الأساليب الحقوقية
هي المسيطرة والمهيمنة،
وكانت لمعاييرها الكلمة
الفصل في حل النزاعات
بدلاً من منطق القوة،
لكان من الممكن حينها
التفاؤل بظهور نظام حقوقي
دولي عادل. وإلا، فإن
الأنظمة السياسية
والإقتصادية، نظراً
لسعيهم لتأمين مصالحهم
الضيقة، ستبقى تعتبر بأن
لها الحق في السيطرة
والتدخل في عالم الطبيعة
والمجتمع الإنساني.
وهذا ما أشار برجينسكي
وهانتيغتون: "اليوم،
لا ينبغي ولا يمكن أن أن
تُفسر حقوق الإنسان بحسب
القضايا والمسائل
السياسية".
طبعاً، هما أي برجينسكي
وهانتيغتون رغم إشارتهما
الى خطورة تدخل القضايا
السياسية في المسائل
الحقوقية، ولكنهما لم
يبينا ضرورة إعمال
الأساليب الحقوقية في حل
القضايا العالقة بدلاً من
الأساليب السياسية،
خصوصاً اذا أخذنا بعين
الإعتبار نظرية صدام
الحضارات لهانتيغتون.
إن سلوك أمريكا، بعد
انهيار الإتحاد
السوفياتي، وخصوصاً في
العقد الأول من القرن
الواحد والعشرين، في
السياسات العملية الدولية
والإقليمية قائمٌ على
اساس منطق القوة، السياسة
والإقتصاد وعدم الإعتماد
على الطرق الحقوقية
والقضائية. وهي لا ترى أي
خيار سوى الخيار السياسي
والعسكري في التعامل مع
الآخرين، مثل الهجوم على
العراق واحتلاله التي لم
تراع فيها أي قدر للمسائل
الحقوقية في حل القضية
العراقية. ايضاً الخروج
من ميثاق كيوتوالمتعلق
بمسألة ارتفاع حرارة
الأرض وأيضاً من محكمة
الجزاء الدولية، وعدم
الإلتفات الى قرار منظمة
الأمم المتحدة في إدانة
السلوك الوحشي للكيان
الغاصب الصهيوني ضد
الفلسطينين، وأخيراً عدم
إعطاء أي دور لمنظمة
الأمم المتحدة، بل
والإستهانة
بها في قضية العراق....
وهذه الامور كلها من
النماذج الواضحة على
تغليب المنطق السياسي على
الأسلوب الحقوقي -
القضائي.
إن مبدأ الحق وحقانية
الإنسانية، في الإسلام،
ليس القوة والقدرة
والإدارة الصرفة لأكثرية
الناس، بل المبدأ والمنشأ
هوالبنية الوجودية
للإنسان المتجهة
نحوكماله. وأيضاً يقف
الإسلام بشدة بوجه ارجاع
القضايا، الشكاوي
والظلامات الحقوقية -
الإنسانية الى حكام
الجور، أوحتى أن يتداولوا
في حل وفصل القضايا والبت
فيها. لانه عندها لن تكون
المعايير العلمية والسبل
الحقوقية هي المنطق
الغالب، بل ستكون المنافع
السياسة والإقتصادية هي
المبنى والأساس العملي
للحكم. وفعلياً ستصبح
الحقوق في خدمة السياسة
والقوة وهذا ما لا يرضاه
الإسلام، لأن القرآن
الكريم يقول:
﴿يُرِيدُونَ
أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى
الطَّاغُوتِ وَقَدْ
أُمِرُواْ أَن
يَكْفُرُواْ بِهِ﴾43.
ويشير أيضاً في سورة
البقرة:
﴿َلاَ
تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم
بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ
وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى
الْحُكَّامِ
لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا
مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ
بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ
تَعْلَمُون﴾44.
إن هاتين الآيتين لا
تريدان إبطال دور مؤسسة
الحكومة والقضاء ونفي
العلاقة بين السياسة
والحقوق، بل بالعكس
تعتبران أن كل ذلك مفيد
وضروري للمجتمع، ولكنهما
تشيران الى ضرورة تنظيم
التبادل والتعامل بين
السياسة والحقوق، كي لا
يصبح النظام الحقوقي
مهمشاً من قبل النظام
السياسي والإقتصادي وأن
لا يصبح هذا النظام
خادماً للقوة والتزوير.
إن الهدف هو فقط حفظ
سيطرة السبل الحقوقية
والنظام القضائي العادل
في حل القضايا والحكم
عليها.
يقول الإمام الصادق عليه
السلام: "من تحاكم
اليهم - السلطان الجائر-
في حقٍ أوباطلٍ فِإنما
تحاكم الى الجبت والطاغوت
المنهي عنه... ينظران الى
من
كان
منكم ممن قد روى حديثنا
ونظر في حلالنا وحرامنا ن
وعرف أحكامنا، فليرض به
حكماً فإني قد جعلته
عليكم حاكماً"45.
هذه الرواية تفسر المنطق
القرآني في رفضه لأي نوع
تدخل للمصالح والمنافع
السياسية، الإقتصادية
والعسكرية في تعيين السبل
الحقوقية والأحكام
القضائية ومنعه من
الإلتجاء الى الحاكم
الظالم ؛ لأن هكذا حاكم
لا يمانع ابداً من تقديم
المنافع والمصالح
السياسية والإقتصادية على
الحقوق الإنسانية.
4. إن المشاركة إحدى
الأسس التنفيذية لعملية
التفكير المشترك
والإنسجام. المقصود من
المشاركة، المشاركة
الفعالة والداعمة للشعب،
الدولة، المنظمات
والمؤسسات المدنية،... في
كل المسائل المتعلقة
بالحياة الإجتماعية،
السياسية والثقافية. إن
أحد أهم المجالات
للمشاركة هومجال إحقاق
حقوق الناس. إذاً
الإعتراف بحق المشاركة
للناس، يدفع المجتمع
نحوالتفكير المشترك
والإنسجام أكثر فأكثر. اذ
أنه كلما كانت درجة
مشاركة الناس أكبر وأكثر
وعياً ومسؤوليةً، كلما
قوّي منطق التفكير
المشترك والإنسجام وتوسع
نطاقهما. إن أصل الأمر
بالمعروف والنهي عن
المنكر في الإسلام، من
أوضح المسائل التي تدل
على حق مشاركة الناس في
الحياة والحياة الجماعية.
﴿وَلْتَكُن
مِّنكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾46.
أيضاً، إن إصل التعاون
وأصل إصلاح السلوكيات
والأعمال في الإسلام،
تقوّي أسس المشاركة
المسؤولة:
﴿وَتَعَاوَنُواْ
عَلَى الْبرِّ
وَالتَّقْوَى وَلاَ
تَعَاوَنُواْ عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾47.
وقد قال امير المؤمنين
علي عليه السلام: "ضع
أمر أخيك على أحسنه حتي
يأتيك ما يغلبك منه ولا
تظنن بكلمةٍ خرجت من أخيك
سوء وأنت تجد لها في
الخير سبيلاً"48.
وقد نُقل عن الرسول
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم أنه سُئل: "من
أحب الناس الى الله؟ قال:
أنفع الناس للناس"49.
صحيح أن هذه الرواية
مرسلة، ولكن مضمونها من
مسلمات دين الإسلام.
وهكذا، فإن الأمر
بالمعروف والنهي عن
المنكر، العمل الصالح،
و.... كلها آليات دنيوية
منتجة للمشاركة وهي
بنفسها نتيجةٌ للمشاركة.
كما أن أصل بناء الثقة
وإيصال المنفعة يلعبان
دوراً مهماً في ايجاد
وانتشار المشاركة ونتيجةً
لكل ذلك تقوية واستحكام
المنطق والعقلانية
التفاهمية. في هذا المجال
أكدت المادة السابعة
والعشرون من الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان
على المشاركة الحرة: "إن
كل فرد لديه حق المشاركة
الحرة في الحياة
الإجتماعية- الثقافية،
والإستفادة من كافة
التقنيات والمساهمة في
التطور العلمي وفوائده".
وجاء في البند الاول
والثاني من المادة
العشرين:"إن كل فرد
لديه الحق في تشكيل
المجامع والجمعيات
المسالمة. ولا احد يجبر
أحداً على المشاركة في
تجمعٍ ما".
على أن أحد أهم المجالات
التي تحتاج الى المنشاركة
والتعاون هوعملية إحقاق
الحقوق.
إن النتيجة العملية
لحق المشاركة الحرة،
الفعالة والمتساوية في
هذا الامر ما يلي:
1- تُخرج إحتكار إدارة
وإجراء حقوق الإنسان من
قِبل عدة قليلة من
الأقطاب
الإقتصادية
والعسكرية. عندها لن
تستطيع هذه الجهات
الإستفادة من قدراتها
وقوتها لتحصيل امتيازات
خاصة على حساب الآخرين؛
وهكذا تستطيع الدول
الأخرى تقرير مصيرها. وفي
الحقيقة هذا ما سعت
أمريكا اليه بعد الحرب
الباردة وإنهيار الإتحاد
السوفياتي. فأمريكا أعلنت
بكل وقاحة: "بأنه
ينبغي تغيير الجغرافيا
السياسية والعسكرية في
الشرق الأوسط وبعض الدول،
وذلك بحسب ما تراه أمريكا".
يجب استقرار النظم
الديموقراطية، كما تراه
وتحب أمريكا. بعد حرب
العراق، طلب أحد
المسؤولين الكبار في
البنتاغون تغيير وإعادة
صياغة ميثاق الأمم
المتحدة. وقد صرّح هانس
بليكس رئيس المفتشين
الدوليين عن أسلحة الدمار
الشامل، بكل شفافية: "إن
أمريكا قد تلاعبت
بالمفتشين الدوليين".
هذه نماذج واضحة عن سير
تسلط وسيطرة قطب أوبلد
واحد على المصير الحقوقي
والغير الحقوقي للشعوب
الأخرى. هذه السياسة لا
تعكس امتلاك الجميع
للحقوق ولا تؤدي الا الى
سيادة منطق التنافر
والتصادم بدلاً من
الإنسجام في العلاقات
الدولية.
2- التخفيف من استخدام
حقوق البشر إستخداماً
وسائلياً أو لغايات ذاتية
من قبل المستكبرين
والمتسلطين. إن الغرب
وخصوصاً أمريكا، وعملاً
بالفلسفة العملانية
أوالبراغماتية التي تنظم
فكر ومبادئ عمل الغرب
خصوصاً في العقود الثلاثة
الأخيرة من القرن العشرين
وبشدة أكبر في بداية
القرن الواحد والعشرين،
قد جعلت من حقوق الإنسان
أداةً لها في تحقيق
سياساتها في دول أمريكا
اللاتينية، أمريكا
المركزية، شرق آسيا،
والشرق الأوسط.
بناءً على ما تقدم،
للوصول الى التفكير
المشترك والإنسجام الدولي
بشكلٍ عملي، من الضروري
حصول التعاون والتكاتف
بين الأديان، جعل وتحقيق
حق المشاركة للجميع،
تنمية التعليم المستقل
وتحكيم الطرق القضائية
والحقوقية ومحاربة
الإستفادة من حقوق البشر
لغايات ذاتية أوجعلها
أداةً لتحقيق سياسات
أطراف معينة.
|