يعتبر
المجاهد والعالم الملتزم
حجة الإسلام والمسلمين
الشهيد السيد نواب الصفوي
من العلماء النادري
الوجود، إذ كان كالنجم
المضيء في أكثر المراحل
ظلاماً واضطراباً في
إيران حيث بذل جهوداً
جبارة في الجهاد والنضال
والتضحية لأجل عزة
الإسلام والمسلمين. بدأ
حركته لرفع الجهل والفساد
عن المجتمع الإسلامي
برفقة عدد من المخلصين
فتركت هذه الحركة آثاراً
ظهرت بوضوح في المراحل
اللاحقة.
من الناحية القرآنية
فالمجاهدون الذين هيئوا
الأجواء للثورة على
الطاغوت قبل الفتح
والنصر، لا يتساوون مع
المجاهدين الذين ينتمون
إلى مرحلة ما بعد الفتح؛
بل للفئة الأولى مقام
أعلى عند الله ورسوله.
يقول الله تعالى:
﴿لَا
يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ
أَنفَقَ مِن قَبْلِ
الْفَتْحِ وَقَاتَلَ
أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ
دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ
أَنفَقُوا مِن بَعْدُ
وَقَاتَلُوا﴾1.
كان الشهيد نواب الصفوي
قدوة في الإيمان والأخلاق
والجهاد والشهادة
والعرفان والمعنويات. وقد
امتاز بخصال فريدة من
أبرزها الشجاعة، الشهامة،
السخاء، المحبة والحنان
مع العائلة والأصدقاء
والمؤمنين، وكذلك
الكرامة، التضحية،
الحماس، الإيثار، الغيرة،
الصلابة في الدين، عشق
العبادة والدعاء، عشق أهل
البيت عليهم السلام، خدمة
الناس الرؤية الثاقبة
واستشراف المستقبل،
المعرفة بالمسائل
السياسية الداخلية
والخارجية، القدرة على
الإدارة والتنظيم. فيما
يلي نقدم مقاطع من حياة
شهيد طريق الحق والعدل
هذا لنقتدي به ونشيد
بنهجه.
من
هو نواب
ولد الشهيد السيد مجتبى
نواب الصفوي عام 1303 -
في أحد أحياء طهران.
والده السيد جواد
ميرلوحي، عالم متدين
وعارف ناضل ضد الظلم
وحارب الهجوم الثقافي
الاستعماري.
بعد انتهائه من المرحلة
الابتدائية انتقل السيد
مجتبى إلى مدرسة الحكيم
نظامي، ثم درس العلوم
الصناعية الجديدة في
مدرسة الألمانيين
الصناعية، وفي الوقت عينه
تابع دراسته الدينية في
مسجد خاني آباد. أنهى
دراسته عام 1321 - ش وعمل
منذ العام 1322 - ش في
شركة النفط، إلاّ أن
شخصيته الدينية دفعته إلى
الاعتراض والتمرد في شركة
نفط عبادان بعد إهانة شخص
إنجليزي لشخص متدين فخرج
بشكل مخفي من شركة النفط
وانتقل إلى الحوزة
العلمية في النجف الأشرف.
تابع في النجف الدرس
الحوزوي في مرحلة السطوح
العالية، وحضر دروس
أساتذة كبار من أمثال
العلامة الأميني، الحاج
الأغا حسين القمي والشيخ
محمد الطهراني ودرس إلى
جانب الدروس الحوزوية،
أصول الفلسفة السياسية في
الإسلام.
تزوج عام 1326 - ش
من السيدة بدر السادات
احتشام وبعد ثمان سنوات
من الحياة المشتركة أنجب
ثلاثة أولاد إناث.
تابع أثناء الدراسة
الانحرافات التي كان يقوم
بها كسروي وعمل على
مواجتها وأسس جمعية أطلق
عليها "جمعية فدائيي
الإسلام" ونشر في
العام 1329 ش أفكاره ذات
العلاقة بالحكومة
والسياسة في قالب كتاب
حمل عنوان "المجتمع
والحكومة الإسلامية".
سافر نواب في العام 1332
- ش إلى مدينة الأنبياء
"بيت المقدس" وحاضر
باللغة العربية في
المؤتمر الإسلامي.
استشهد السيد نواب الصفوي
بتاريخ 27 - من شهر دي
عام 1334 - ش مع عدد مع
رفاقه الأوفياء أمثال
خليل طهماسبي، مظفر ذو
القدر والسيد محمد واحدي
بعد عمر مليء بالنضال
والجهاد حيث حكم عليهم
النظام الشاهنشاهي الظالم
بالإعدام بتهمة الدفاع عن
القيم الإسلامية.
الشجاعة والشهامة
يتحدث العلامة الشيخ محمد
تقي الجعفري ـ الذي رافق
نواب الصفوي لمدة في
النجف الأشرف ـ حول
شجاعته وشهامته المنقطعتي
النظير ويقول: "كنا
شابين وكلانا كان يحب
التهجد وإحياء الليل
والزيارة. وكنا ندرس في
النجف على يدي المرحوم
الطالقاني ونقتبس درس
الإيمان والولاية من
العلامة الشيخ عبد الحسين
الأميني (صاحب الغدير).
في يوم من الأيام اقترح
الشهيد نواب مرافقته
لزيارة الإمام الحسين
عليه السلام وبالتالي
السفر من النجف إلى
كربلاء. وافقنا وتحركنا
بعد ظهر أحد أيام الخريف،
كان الجو مظلماً تقريباً
عندما وصلنا إلى مشارف
كربلاء أو على بُعد عدة
كيلومترات منها، فخرج
إلينا من الصحراء رجل
أعرابي قوي البنية طلب
منا التوقف.
شاهدنا ذاك الرجل قد أخرج
خنجراً من خاصرته وطلب
منا إعطاءه كل ما نملك من
نقود، خفت منه وأردت
تلبية طلبه، وفجأة شاهدت
الشهيد نواب صفوي وبحركة
سريعة قد أمسك الخنجر من
الإعرابي وألقى به على
الأرض ووضع الخنجر على
عنقه وقال له: أيها
الرجل، كن مع الله وخف
منه واترك
العمل القبيح.
أصابتني الحيرة من سرعة
عمل الشهيد الصفوي
وشجاعته المنقطعة النظير.
أما الاعرابي فكان أكثر
حيرة مني، حيث اعتذر
ودعانا إلى خيمته
للاستراحة. لبى الشهيد
نواب الصفوي دعوته فوراً.
كان التعجب يحيط به فقلت
للسيد: كيف تقبل دعوة شخص
كان قبل دقائق يريد سرقة
أموالنا. قال: هؤلاء عرب
يكرمون الضيف ومن المحال
أن يصيبنا خطر.
ذهبت تلك الليلة مع
الشهيد نواب إلى خيمة
الإعرابي، نام السيد
بهدوء، أما أنا فكنت حتى
الصباح شديد الاضطراب فلم
أنم على الإطلاق. نهض
السيد وسط الليل للصلاة
والدعاء والتضرع ثم
أكملنا مسيرنا في اليوم
التالي إلى كربلاء...
بقيت هذه الخاطرة طوال
الخمسين سنة التي مضت
عليها تدغدغ روحي"2.
تأثير الكلام والمنطق
القوي
لم يقتصر نبوغ الشهيد
نواب الصفوي في ساحة
النضال والحماس؛ بل
بالإضافة إلى ذلك كان
قوياً من ناحية المنطق
والبيان والاستدلال، كان
الشهيد صاحب إيمان عميق
وإخلاص كامل ونية طاهرة،
لذلك كان وبمجرد أن يفتح
شفتيه للحديث، يؤثر في
الجميع، فكان كلامه يخرج
من القلب ليستقر في
القلوب فيؤدي إلى إيجاد
تحول عميق في الفكر
والعقيدة.
شارك نواب عام 1332 - ش
لمدة ستة أيام في جلسات
المؤتمر الإسلامي في بيت
المقدس، فكان كلامه يدل
على ما يمتلك من رؤية
واسعة وحرارة إيمان وكمال
إخلاص فأوجد موجاً عظيماً
في الدفاع عن أراضي
فلسطين المقدسة. ثم سافر
إلى مصر بدعوة جماعة من
المسلمين فكانت محاضراته
ذات تأثير بالغ أدت
إلى تغيير وتحول أحد
الوجوه المعروفة آنذاك،
وفي تلك الأيام كتبت
الصحف عن عظمة روحه
وحرارة إيمانه وقدرة
منطقه.
لعل من أبرز ما يدل على
فكره العميق وآرائه
المتعالية، إعداد برنامج
للحكومة الإسلامية ونشره
في كراسات خاصة، كان ذلك
في أصعب الظروف التي كانت
تمر بها إيران3.
يتحدث الإمام القائد آية
الله الخامنئي حول تأثير
كلام نواب الصفوي القوي
والاستدلالي ويقول:"يجب
القول أن شعلة الثورة
الإسلامية التي وجدت عندي
كانت بواسطة نواب ولا أشك
أن الشعلة الأولى قد
أضاءها نواب في القلوب.
لم يكن كلام نواب كلاماً
عادياً. كان ينهض ويقف
ويردد شعاراً حازماً. كنت
متأثراً به إلى حد الفناء
فيه. كنت أقطع الصفوف
لأصل إليه وأجلس أمامه.
كنت منجذباً بكامل وجودي
إلى هذا الرجل لأستمع إلى
كلامه. كان كلامه يتمحور
حول وجوب إحياء الإسلام.
يجب أن يحكم الإسلام وأما
الموجودون على رأس الحكم
فهم أشخاص كاذبون. هم
ليسوا مسلمين فقد سمعت
هذه الكلمات لأول مرة من
نواب الصفوي فكان لها
نفوذ في وجودي بحيث كنت
أشعر أن قلبي يرغب البقاء
مع نواب دائماً"4.
العمل لتقوية الاعتقادات
الدينية
انتهز الشهيد السيد نواب
الصفوي كل فرصة لأجل
اعتلاء كلمة الحق وإظهار
حقيقة الإسلام والقرآن
فعمل على تقوية الاعتقاد
الديني عند الناس، عندما
عرف
نواب الصفوي أن المرحوم
كربلائي كاظم كريمي
الساروفي ـ الأمي الذي لا
يعرف القراءة والكتابة ـ
حفظ القرآن الكريم
فامتحنه مرات عدة فوجده
حافظاً، ثم تلا عليه
عبارات مزج فيها بين
عبارات القرآن ونهج
البلاغة فتمكن من التمييز
بينها وقال هذه الكلمات
من القرآن الكريم وتلك
ليست من القرآن. سأله عن
كيفية معرفته بالآيات
فأجاب أن الآيات القرآنية
تظهر أمامه على شكل نور
يشع. لذلك اصطحبه معه إلى
طهران وهيأ له لقاءً مع
وسائل الإعلام والصحف
ليبين من خلال ذلك معجزة
القرآن فيصل الخبر إلى
كافة الناس، وكان لهذا
العمل أثر كبير على
الأشخاص غير المهتمين
بالدين فعادوا إلى
الحقيقة التي كانوا
يفتقدون إليها.
اصطحب الشهيد نواب
المرحوم كربلائي كاظم في
سفر إلى مشهد المقدسة حيث
كان يتوقف في مدن عديدة
أمثال سمنان، دامغان،
شاهرود، سبزوار ونيشابور،
ويعرف به أمام الناس
ويشرح لهم الإعجاز
الإلهي. لذلك كان يتوجه
الناس نحو الحافظ يضمونه
كالجوهر الثمين ويطرحون
عليه أسئلتهم القرآنية5.
محبة أهل البيت عليهم
السلام
إن العواطف الإنسانية
الطاهرة وإظهار العشق
والتعلق بأهل البيت عليهم
السلام والأئمة
المعصومين، هو من أسباب
ثبات الأَقدام في طريق
الدين والتدين. ومحبة أهل
البيت عليهم السلام مقدمة
لمحبة الله تعالى. لذلك
نقرأ في زيارة أمين
الله:"اللهم فاجعل
نفسي... مُحبَّة لصفوة
أوليائك، محبوبة في أرضك
وسمائك"6.
لذلك كان الشهيد نواب من
عاشقي أهل البيت عليهم
السلام الحقيقيين ولم
يترك مناسبة إلاّ وأظهر
هذا الحب والعشق لهم.
يقول آية الله الشيخ أبو
القاسم خزعلي: "كان
الشهيد السيد مجتبى نواب
الصفوي يمتلك
روحاً تفيض بالعشق والشوق
للعبادة وكان متواضعاً
أمام أهل بيت العصمة تموج
في سيماه روحية خدمتهم
عندما كان يصل في الزيارة
الجامعة إلى عبارة: "معكم،
معكم، لا مع غيركم" كانت
كافة جوارحه وأعضائه تردد
معه هذه العبارة".
في
ساحة العبادة والمناجاة
يقول والد زوجة الشهيد
نواب الصفوي حول حالاته
العبادية والعرفانية: "عندما
كان يشتغل بالعبادة،
وعندما كان يركع ويسجد،
كان يبكي بشدة فتظهر عليه
حالة عرفانية ومعنوية
غريبة تجعل كل مشاهد
متحيراً مما يرى. كان
يصوم أغلب الأيام من دون
سحور. ولم يترك صلاة
الليل وصوته القرآني يجذب
كل مستمع ولم ينس زيارة
عاشوراء على الإطلاق".
لم يترك الشهيد نواب
الآذان العلني والواضح في
كافة أوقات الصلاة.
يقول السيد مهدي
الطالقاني ابن آية الله
الطالقاني: "عندما
توارى نواب وأصحابه في
منزل والدي، كان يردد
صباحاً الآذان بصوت متين.
كان يعلو صوته عند
الآذان، حتى قال له والدي
أن تأدية الآذان بشكل
علني ليس في مصلحتك وعليك
إيقاف الآذان لمدة من باب
الاحتياط"7.
عزة النفس والتحرر
من أبرز صفات رجال الله،
عزة النفس والتحرر. كانوا
غير جاهزين لذل النفس من
أجل المصالح الدنيوية
الموقتة أو المواقع
والمطامع المادية
الشخصية. وكانوا غير
جاهزين للابتعاد عن عزة
النفس ومناعة الطبع.
والشهيد نواب كان من
الأشخاص الذين لم يتركوا
حب الجاه والجلال والمال
والمنال الدنيوي ينفذ إلى
وجودهم الطاهر، فقد
أخلصوا حبهم لله
ولأوليائه الكرام. لذلك
لم يتمكن أحد من خداعه
بمظاهر الدنيا الخادعة.
كان الشهيد نواب المصداق
الحقيقي لكلام الإمام
أمير المؤمنين عليه
السلام الذي وصف فيه
الرجال الأتقياء: "عظم
الخالق في أنفسهم فصغر ما
دونه في أعينهم"8.
لم يلوث نواب طبعه المنيع
وهو عالم الدين الواقعي،
بالحرص على الدنيا والطمع
فيها، فكان كالقمة
الشاهقة العالية يترفع عن
كل حاجة للغير. كان حراً
متواضعاً، حافظ على
تواضعه وأخلاقه الحسنة
وطبعه المتعالي وعزة
نفسه.
بعد حادثة الثامن
والعشرين من شهر مرداد
عام 1333 - ش، جاءه إمام
الجمعة موفداً من الشاه،
وحمل إليه مبلغ 100 ألف
تومان9
هدية من الشاه وقال له:
بالإضافة إلى هذه
الهدايا، فالشاه يقدم لكم
اقتراحات ثلاثة:
1- العمل في أحد الدول
الإسلامية كسفير لإيران.
2- تقديم منزل لكم،
تجلسون فيه ويصلكم شهرياً
عشرة آلاف تومان.
3- التعاون مع الشاه
لتأسيس حزب إسلامي يدفع
الشاه كل تكاليفه.
أما الشهيد نواب الذي
تعلم دروس الغيرة
والشهامة والتحرر من
مولاه أمير المؤمنين عليه
السلام أظهر غضبه ورفضه
لهذه الاقتراحات وقرأ
فيها رسائل التزوير
والرياء. لذلك خاطب إمام
الجمعة بحزم بالغ: ألا
تخجل من أن تدعوني إلى
بلاط معاوية؟
حمل إمام الجمعة الهدية
وأسرع بالخروج. وقبل ذلك
كان الشاه قد اقترح على
الشهيد نواب رئاسة الحضرة
الرضوية فرفض10.
خادم صادق للخلق
إن لخدمة الخلق والاهتمام
بالمحتاجين والمحرومين،
موقعاً خاصاً من وجهة نظر
القرآن وأهل البيت عليهم
السلام. وتعتبر هذه
الخصلة الإنسانية
المتعالية هامة إلى درجة
أن أولياء الله كانوا
يطلبون من الله التوفيق
لخدمة الناس. يقول الإمام
السجاد عليه السلام في
مناجاته: "واجر للناس
على يديَّ الخير ولا
تمحقه بالمن"11.
ويقول الإمام علي عليه
السلام: "السَّيَّد من
تحمل أثقال إخوانه"12.
كان الشهيد نواب من جملة
العلماء المتدينين
العالمين السباقين في هذا
المجال. يذكر آية الله
الخزعلي في خواطره: "جاءوا
إليه في إحدى الليالي
بمبلغ ثلاثين ألف تومان،
ليشتري منزلاً له؛ ففي
ذاك الزمان كان بالإمكان
شراء منزل صغير بهذا
المبلغ. وقالوا له إن هذا
المبلغ ليس من سهم السادة
وليس من سهم الإمام وليس
من الأمور الشرعية بل هو
هدية لتشتري به منزلاً
تتخلص من السكن في منزل
مستأجر.
وأجاب الشهيد نواب: إذا
قدمتم المال بهذا الشرط،
فلا أقبله وإذا قدمتموه
من دون شرط وتتركون لي
حرية التصرف به، فسأقبله.
سلمه الشخص المال من دون
شرط حيث وزع ذاك المال في
تلك الليلة على الأرامل
والأيتام والمحرومين
والمحتاجين الذين كان
يعرفهم سابقاً".
شوق لقاء الله
تقول السيدة فاطمة نواب
الصفوي حول لقائها الأخير
مع والدها الشهيد: "عندما
اعتقل والدي في المرة
الأخيرة، كان يظهر عليه
حالة تختلف عن الحالات
التي كانت تظهر في
الاعتقالات السابقة. كان
تصرف رجال الشاه
خشناً حاداً. وقبل
الاعتقال كان والدي قد
كتب رسالة وأعطاها لأحد
الأشخاص الذين يثق بهم
ليضعها داخل ضريح الإمام
الحسين عليه السلام. من
جملة العبارات التي كتبها
في الرسالة مخاطباً
الإمام الحسين عليه
السلام: "مولاي! لقد ضاق
صدري وأصبحت غير قادر على
التحمل، أرغب المجيء
إليك...".
في اللقاء الأخير، ذهبنا
مع والدتي وكنا أربعة
أشخاص، وصلنا إلى السجن،
وبعد التفتيش وصلنا إلى
غرفة المقابلات، وعلى بعد
عشرة أمتار من تلك الغرفة
كان يقف صفان من الجنود
قد شهروا أسلحتهم نحونا
ونحن امرأتان وطفلتان.
جلسنا في غرفة صغيرة ثم
جاءوا به مكبل اليدين،
كان وجهه متبسماً
نورانياً على رغم التعذيب
الذي تعرض له. خاطبته
جدتي وقالت ليتنا متنا
قبل أن يقتلوك. فقال لها:
والدتي العزيزة! كان في
زمان الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم امرأة
دفعت أبناءها الأربعة
ليكونوا في ركاب الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم
وقد استشهدوا، إلاّ أن
تلك المرأة وقبل أن تسأل
عن أبنائها، بدأت السؤال
عن الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم. أمي أريدك
كالأمهات اللواتي كن في
صدر الإسلام صبورة
ومقاومة. عليك أن تكوني
صابرة كزينب قوية في تحمل
المصائب.
ثم تحدث مخاطباً ذاك
الجندي الذي أحضره مكبل
اليدين: لو أردت الصلح مع
ذاك الرجيل، محمد رضا، لم
يكن مكاني هنا. إلاّ أننا
لا نُخدع بمظاهر الدنيا.
أذكر أنه في لحظة الوداع
أخرج ورقة مالية عبارة عن
تومان واحد وقدمه لي،
وأعطى أختي كذلك ثم
قبلنا. عندما أخذوه، عاد
ونظر إليّ وإلى أختي، كان
واضحاً أن تلك النظرات هي
نظرات الوالد الحنون
الأخيرة"13.
مسافر عند السحر
كان الوقت يشير إلى سحر
السابع والعشرين من شهر
دي عام 1334 - المصادف
مع
ليلة شهادة السيدة
الزهراء عليها السلام،
عندما عرج واحد من أبطال
عالم التشيع وقد فتح أمام
العالم طريق الحماس في
سبيل الحق والقيم
الإلهية. وتمكن منادي
القيم العاشورائية
والكرامة الإنسانية ورافع
لواء الدين في عصر الظلم
والظلام من استقبال الموت
الأحمر والشهادة في سبيل
الله، فخلد اسمه في
العالمين. وقد صدحت
الآيات القرآنية الشريفة،
متحدثة عن أمثاله:
﴿وَلاَ
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ
أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُون﴾14.
إن الذين ساقوا نواب إلى
الإعدام كانوا لا يتوقعون
أن نواب سيكون من
المخلدين، فالحديث عن
الدين والغيرة الدينية
وصلابة الإسلام
والمسلمين، كل ذلك أصبح
ملازماً لنواب. وسيبقى
مظهر الصلابة والعزة
والكرامة الإسلامية
خالداً في تاريخ التشيع.
عبد الكريم باك نيا
|