إن قضية الوحدة
الإسلامية تعتبر اليوم إحدى أهم الأولويات
الإعلامية والتبليغية في العالم الإسلامي. فبعد
انتصار الثورة الإسلامية في إيران نشطت الدولارات
النفطية والقروض الأميركية وغير الأميركية بشدّة،
للقضاء على وحدة العالم الإسلامي وكان التركيز يتم
ـ بشكل خاص ورئيسي ـ على قضية السنّة والشيعة.
وبما أن شعب إيران هم من الشيعة، فإن الاستكبار
بذل كل ما في وسعه للحيلولة دون تمكن الثورة ـ
التي قام بها هذا الشعب ـ من مد الجسور وإقامة
الاتصالات مع بقية أنحاء العالم الإسلامي وبلدانه
الأخرى، وإرتأوا أن منع حصول ذلك يمكن أن يتم عبر
رفع حدة الخلاف وتصعيده بين الشيعة والسنّة، لذلك
قاموا بتأليف العديد من الكتب في هذا المضمار
وطباعتها وننشرها على نطاق واسع...
ويوجد لدي في مكتبتي الخاصة عدد كبير من الكتب
التي ألفها المفكرون المتلبسون بزي رجال الدين
وذوو الأقلام المأجورة، المنبثّون في العالم
الإسلامي، مستهدفين تحريض الشعوب ضد الجمهورية
الإسلامية وايقاع العداوة والبغضاء بينهما، فوجدوا
أن ذلك ممكن عن طريق تأجيج نيران الخلاف بين
الشيعة والسنّة.
إنني حين أقرأ بعض تلك الكتب أتمتم مع نفسي: رباه!
كم يخشى أعداء الإسلام والثورة على أنفسهم
ومناصبهم من هذه الثورة ويتوجسون منها خيفة؟!
وكم لهذه الثورة الإسلامية من العظمة والأهمية
بحيث تجعلهم يتشبثون بكل الوسائل ويلجأون إلى كل
الأساليب لإيذائها؟ ويا عجباً من أن الذين كانوا ـ
وما يزالون ـ يتحدثون باسم الدين ويتشدقون به
وكذلك الذين يكتبون باسم الوعي والفكر ويتظاهرون
بهما زيفاً، هؤلاء هم أيضاً لا يخجلون من أنفسهم
وفي مقابل الحصول على الأموال والدولارات من
أسيادهم يبذلون الجهود والمساعي الحثيثة من أجل
تجريح الجسد الإسلامي، فالوحدة إذن إحدى أولويات
الاعلام والتبليغ اليوم1.
الدعوة إلى حكم الله سبحانه وتعالى
أمر آخر يعتبر من أولويات التبليغ والإعلام في
داخل المجتمعات الإسلامية وهو الدعوة إلى حكم
الإسلام، إن الإسلام لا يقتصر على الأحوال الشخصية
ـ بل وحتى هذا المجال أيضاً لم
يبق بيد الإسلام وإنما تلاعب فيه حكّام كثير في
البلدان الإسلامية وأبعدوه عن متناول الإسلام ـ
والإسلام ليس للعبادة وإحياء القلوب في زوايا
المسجد والبيوت وحسب، وإنما جاء الإسلام في سبيل
إدارة شؤون الحياة الإنسانية. الإسلام نظام للحياة
ينبغي ايضاح هذا الأمر للشعوب كلها2.
فالمطلوب وجوب العمل على ترسيخ الاعتقاد بحاكمية
الإسلام، وهو أمر واضح دأب عليه مسلمو العالم على
امتداد قرون عديدة، وحتى كبار العلماء في بلدنا من
أجل تحكيم دين الله في الحياة، امتداداً لنهج
الأنبياء عليهم السلام.
وهذا ما يجب عليكم ترسيخه في الأذهان, ليعي الناس
أن حاكمية الإسلام تعني حاكمية العدل والعلم على
المجتمع الإنساني، وهي الحاكمية القادرة على بناء
أجسام الناس وقلوبهم وعواطفهم وأخلاقهم، وحياتهم
المادية والمعنوية في الدنيا والآخرة هذا هو معنى
حاكمية الإسلام.
فحاكمية الدين هي البديل عن حكم الطاغوت الذي:
﴿وَإِذَا
تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا
وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ
يُحِبُّ الفَسَادَ﴾3
لأن حكم الطاغوت معناه حكم استشراء الفساد وطمس
معالم الدين وخراب الدنيا، نعم خراب الدنيا أيضاً
كالذي شاهدناه عن كثب في بلدنا، ولمسه من عاش في
تلك الحقبة الزمنية.
فحاكمية الله معناها سعادة وخلاص الناس وتلبية
متطلباتهم الأساسية، وتوفير كل ما تستلزمه حياتهم
المعنوية والمادية والفردية والإجتماعية في الدنيا
والآخرة. عليكم تبيان هذه الأمور للناس وخاصة
للشباب وعلى الرغم من أن شعبنا مؤمن بهذه العقيدة
من أعماقه ويدافع عنها بكل وجوده، وقدّم طوال
سنوات الحرب الثمانية الكثير من دمائه، لكن لا
ينبغي التغاضي عن مكائد العدو الذي يعمل على جني
عوائد مساعيه على المدى البعيد4.
التفريق بين الإسلام الأمريكي والإسلام الأصيل
ومن ضمن الأولويات الاعلامية والتبليغية في العالم
الإسلامي شرح وتوضيح الفرق بين الإسلام الأميركي
والإسلام المحمدي الأصيل النقي، إن الإسلام
الأميركي تعبير يرمز إلى الإسلام الذي يخلو من
المحتوى والمضمون ويقتصر على القالب والإطار...
وهو الإسلام الذي "يؤمن ببعض الكتاب ويكفر
ببعض" وهو أيضاً الإسلام الذي لا يوافق على أن
﴿وَلَن
يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾5
أنه الإسلام الذي يرفض أن
﴿وَلاَ
تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ
إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾6
وهو الإسلام الذي لا يؤمن بـ
﴿وَمَا
أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ
بِإِذْنِ اللّهِ﴾7
والإسلام الذي يرفض حاكمية الإسلام، وبالتالي فهو
الإسلام الذي يداهن أميركا وينسجم معها، ويوافق
على أعمال أميركا وفساد الغرب وفسقه، هذا هو
الإسلام الأميركي... إنه الإسلام الخليط الهجين،
وإسلام التكبر والزهّو وإسلام القوى الظالمة.
أما الإسلام النقي الخالص، فهو الإسلام الذي ينطق
به القرآن وتصدع به آياته، وهو الإسلام الذي يحمل
الخصائص والمميزات التي عرضتها. ينبغي إيضاح هذه
الحقائق، لكي تتبيّن ما هي حقيقة الإسلام الذي
ندعو إليه ودعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم8.
تقوية وترسيخ المعتقدات الدينية:
ما هو المضمون الذي يحظى اليوم بأهمية أكبر؟ وما
هو الشيء الذي يجب بيانه للناس من فوق المنابر؟
يمكن الإجابة على هذا السؤال بكلمة واحدة، وهي:
إنّ المضمون الخطابي الأهم في يومنا هذا هي تلك
المباحث التي تقوي وترسّخ معتقدات الناس الدينية.
إلا أن هذه الكلمة خاضعة للبيان والتفصيل، فبعض
المعتقدات لا يعتريها أي اهتزاز أو تغيير، فكيف
نستهدف ترسيخ المعتقدات لدى المخاطب, على المبلغ
أولاً النظر إلى مواطن الجهل لدى المخاطب، فيجب
عليكم معرفة الأمواج الموجهة لتدمير أفكار
مخاطبيكم، لتكونوا على بيّنة من المطلوب. إذ لا
ينبغي أن تتزاحم في ذهن المخاطب عشرات الأسئلة
التي لا تكون مورد اهتماماته، بدلاً من الإجابة
عنها.
وكلامي هذا لا يختص بشهر محرم، بل ينبغي أن يُتخذ
أساساً في التبليغ، فإذا ما توليتم مهمة التبليغ
في الجامعات أو في القوات المسلحة أو في أية طبقة
أو شريحة اجتماعية كانت، وحيثما وقفتم أمام
مخاطبيكم يجب أن تضعوا في حسبانكم أولاً ماهية
الأسئلة والاستفهامات التي تراود ذهنهم9...
التبليغ ومراعاة مقتضيات الزمان:
القضية التي تحظى بالاهتمام هي أن التبليغ والدعوة
إلى الحق وإلى الإسلام لهما في كل مقطع زماني
مقتضياتهما. ولا بد من التعرف على هذه المقتضيات،
ومعرفة المخاطب والبحث عنه والعثور على الكلام
المناسب الذي يجب طرحه عليه. وأعتقد أن ما ينبغي
اتخاذه كمحور للتنسيق في ما بينكم هو الوسيلة التي
يجب بواسطتها التبليغ في عالم اليوم، وإلى أي شيء
ندعو، ومن اية زاوية يجب أن ننظر إلى مشاكل الناس
وقضاياهم حتى يتسنى لنا عرض الإسلام عليهم على نحو
سليم.10 |