"المبلّغ"
شخص ينقل للمخاطب
رسالة
"الترغيب" أو
"الترهيب"
بوسائل تبليغيّة
متنوّعة. الخوف
والرجاء جناحان
يطير بهما الشخص
إلى قمّة الهدف،
وهما ركنان
أساسيّان في
التبليغ بحيث إذا
كان أحدهما
ناقصاً لم يتمكّن
المبلّغ من
الوصول إلى
النتيجة
المطلوبة، لا بل
يأخذ بيد المستمع
إلى وادي الضلال
والهلاك.
البشارة والإنذار
في القرآن الكريم
واللغة
استُعملت البشارة
والتبشير في
القرآن الكريم
بمعنيين:
1ـ بمعنى البشارة
والخبر السّارّ،
إذ جاء في القرآن
الكريم قول الله
تعالى:
﴿فَبَشَّرْنَاهُ
بِغُلَامٍ
حَلِيمٍ﴾1،
﴿وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ
بِأَنَّ لَهُم
مِّنَ اللَّهِ
فَضْلًا كَبِيرًا﴾2.
2ـ بمعنى صرف
الأخبار والاطلاع
من دون أن يتضمّن
فحوى البشارة
والخبر السارّ.
يقول الله تعالى:
﴿بَشِّرِ
الْمُنَافِقِينَ
بِأَنَّ لَهُمْ
عَذَابًا
أَلِيمًا﴾3،
وكذلك قوله
تعالى:
﴿وَبَشِّرِ
الَّذِينَ
كَفَرُواْ
بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ﴾4.
ليس صحيحاً ما
ذكره بعض قدماء
المفسّرين بأنّ
الله تعالى
استعمل هنا
التهكّم وقد
استعمل هذا
التعبير بقصد
الاستهزاء.
ويظهر من خلال
الالتفات لآيات
القرآن الكريم
أنّ للبشارة
والتبشير معنىً
آخر أيضاً وهو
عبارة عن: صرف
الإخبار والاطلاع
ونظائرهما، ولا
يوجد ما يدلّ على
ما من شأنه وجود
قيمة أو جانب
إيجابي أو أخبار
بأمور سارّة.
وقد استعمل هذا
المعنى ثلاث
مرّات في القرآن
الكريم:
1ـ
﴿وَإِذَا
بُشِّرَ
أَحَدُهُمْ
بِالأُنثَى ظَلَّ
وَجْهُهُ
مُسْوَدًّا
وَهُوَ كَظِيمٌ﴾5.
2ـ
﴿يَتَوَارَى
مِنَ الْقَوْمِ
مِن سُوءِ مَا
بُشِّرَ بِهِ
أَيُمْسِكُهُ
عَلَى هُونٍ أَمْ
يَدُسُّهُ فِي
التُّرَابِ أَلاَ
سَاء مَا
يَحْكُمُونَ﴾6.
3ـ
﴿وَإِذَا
بُشِّرَ
أَحَدُهُم بِمَا
ضَرَبَ
لِلرَّحْمَنِ
مَثَلًا ظَلَّ
وَجْهُهُ
مُسْوَدًّا
وَهُوَ كَظِيمٌ﴾7
تجدر الإشارة إلى
أنّ بعض التفاسير
أمثال تفسير
الجلالين وترجمة
"شاه وليّ
الله دهلوي"
قد تحدثا عن
التبشير بالمعنى
الذي ذكرناه.
ويؤكّد ابن منظور
متحدّثاً عن رأي
ابن سيدة أنّ
التبشير قد يكون
بالخير وقد يكون
بالشر8.
ونقل صاحب تاج
العروس المعنى
ذاته عن الفخر
الرازي الذي بحث
في الآية الشريفة
فاعتبر أنّ
التبشير في اللغة
مخصوص بالخبر
الذي يؤدّي إلى
السرور مع أنه في
أصل اللغة عبارة
عن الخبر الذي
يظهر على لون
الوجه وما يحدث
فيه من تغيير.
وهنا يتضح أنّ
الحزن كالسرور
يؤدي إلى هذا
التغيير في
الوجه. لذلك يجب
أن يكون لفظ
التبشير في كلا
المعنيين موجوداً
بالوضع الحقيقي
ويؤكد هذه
النقطة
قول الحقّ تعالى:
﴿فَبَشِّرْهُم
بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ﴾.
يعتقد بعض
اللغويّين أنّ
التبشير هنا
بمعنى الإخبار
والقول الأوّل
أكثر قبولاً.
أمّا الفخر
الرازي فيعتقد
بأنّ التبشير هنا
هو الإخبار
بالأمر القبيح أو
هو مطلق الخبر9.
أمّا التبشير في
اللغة فعبارة عن
"إخبار فيه
سرور"10.
الإنذار أو
الترهيب
استعملت كلمة
الإنذار والكلمات
المشتقّة من
المادّة عينها
125 مرّة في
القرآن الكريم،
وقد ذكر "معجم
مفردات ألفاظ
القرآن"
معناها، فجاء
فيه:
"والإنذار إخبار
فيه تخويف كما
أنّ التبشير فيه
سرور"11.
يقول الله تعالى
في القرآن
الكريم:
﴿وَاذْكُرْ
أَخَا عَادٍ إِذْ
أَنذَرَ قَوْمَهُ
بِالْأَحْقَافِ﴾12.
ويتّضح من هنا
أنّ الانذار
عبارة عن الإخبار
بما يؤدّي إلى
الخوف في
المستقبل. وقيل
أيضاً إنّ
الإنذار هو
الإخافة من مخوف
ذي سعة من الوقت
ليتمّ الاحتراز
منه وإذا لم يكن
زمانه واسعاً
أُطلق عليه
"الإشعار"13.
الأسلوب التربوي
للتبليغ
يجب الابتعاد في
مسألة
"التعليم
والتربية
الإسلاميّة"
عن الترغيب
والتنبيه الصرف،
هذا إذا أردنا
إيجاد روحية
متعادلة ومتوازنة
وصحيحة ومنطقية،
لأنّ الاكتفاء
بالترغيب
والتنبيه يؤدّي
إلى أضرار بالغة
على مستوى
روحيّات الأفراد.
وتستلزم التربية
الرضوخ للتكاليف،
وهذا يؤدّي إلى
زوال الرغبة.
لذلك يجب العمل
من أجل قبول
التكليف المبنيّ
على الرغبة.
ولعلّ التبشير هو
إحدى الوسائل
التي يتحقّق بها
هذا الأمر.
والتبشير هو
البشارة بالعطايا
والهدايا التي
يستحقّها الفرد
بعد إنجاز
التكاليف. وتخلق
البشارة الأمل في
وجود الإنسان
وتجعله مستعداً
لقبول المشقّات.
وقد استفاد
أنبياء الله
تعالى من هذا
الأسلوب باعتبار
أنّهم مربّون
لذلك أطلق عليهم
جميعهم عبارة
"المبشّر"،
فبذلوا جهوداً
لإحياء الأمل في
قلب الإنسان عن
طريق البشارة:
﴿وَإِلَى
مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ
شُعَيْبًا
فَقَالَ يَا
قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ
وَارْجُوا
الْيَوْمَ
الْآخِرَ وَلَا
تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ
مُفْسِدِينَ﴾14.
هذا هو الأمل
الذي يجعل
المؤمنين ينهضون
وسط الليل
للعبادة والدعاء.
﴿أَمَّنْ
هُوَ قَانِتٌ
آنَاء اللَّيْلِ
سَاجِدًا
وَقَائِمًا
يَحْذَرُ
الْآخِرَةَ
وَيَرْجُو
رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾15.
والبشارة التي
استفاد منها
أنبياء الله
تعالى واسعة
تشتمل على
الأشخاص
المتقدّمين
والمشهورين وكذلك
ضعاف النفوس أي
الذين كانت
عبادتهم عبادة
التجّار،
فالأنبياء
يبشّرون الناس
بالجنّة
﴿وَفِيهَا
مَا تَشْتَهِيهِ
الْأَنفُسُ
وَتَلَذُّ
الْأَعْيُنُ﴾16
وهنا مسألة مهمّة
يجب التأمّل فيها
وعدم الغفلة
عنها.
عندما نفكّر في
التربية فإننا في
الغالب نَشْغَلُ
أذهاننا بالحالة
المثاليّة مع أنّ
البشارة تبيّن
لنا أنّ نطاقها
يجب أن يكون
واسعاً بحيث
يشتمل على كلّ
إنسان في أيّ
مرتبة كان. والله
تعالى لم يحدّث
جميع الناس عن
الرضوان، بل
تحدّث وخاطب
الجميع بأمور
أخرى كقوله
تعالى:
﴿وَفَاكِهَةٍ
مِّمَّا
يَتَخَيَّرُونَ
* وَلَحْمِ
طَيْرٍ مِّمَّا
يَشْتَهُونَ﴾17.
﴿وَيَلْبَسُونَ
ثِيَابًا خُضْرًا مِّن
سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾18.
و ﴿إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾19.
التبشير والتشجيع
التبشير والتشجيع مختلفان
عن بعضهما البعض على رغم
ما يظنّه البعض من مشابهة
بينهما. التبشير يكون قبل
العمل أو معه، والتشجيع
بعد العمل. وعلى هذا
الأساس التبشير ناظر إلى
المستقبل والتشجيع إلى
الماضي.
وتأثير التشجيع أكبر من
التبشير، ولكنّ الشخص
الذي يقبل التبشير يكون
أكثر معرفة, لأنّ الحركة
الناتجة من التبشير
تستلزم نوعاً من الالتفات
إلى النفس والمستقبل.
وكلّما كان الشخص صغير
العمر كان التبشير عنده
قصير المدة20.
الأسلوب التربويّ للإنذار
الإنذار هو إخبار فيه خوف21.
من جهة أخرى فإنّ
استعدادات البشر متفاوتة
لا بل وتتغير استعداداتهم
حسب مراحل الحياة
المختلفة. وهذا يعني عدم
القدرة على إقامة علاقة
تربويّة واحدة مع مختلف
الأفراد أو مع فرد واحد
في مراحل الحياة
المختلفة، بل يجب
الالتفات إلى مسألة
الاستعدادات الكامنة عند
الأفراد في كلّ مرحلة من
مراحل الحياة.
الإنذار أصل مبنيّ على
أنّ الله تعالى سيجازي
الأفراد بسبب المعاصي
والأعمال القبيحة التي
صدرت عنهم ولكنّ العدل
يقتضي الاطلاع على الجزاء
قبل وقوعه. فالشخص الذي
يستحقّ الجزاء هو الذي
يأتي بالمعصية عالماً
عامداً، وهذا يعني
أنّ
الذي يأتي بها نتيجة
النسيان لا يستحقّ
الجزاء.
الإنذار هو الوسيلة التي
يتمّ بوساطتها الحصول على
المعرفة والعلم. وهذا
يعني أن الذي يأتي
بالمعصية بعد الإنذار
يستحقّ الجزاء، فالجزاء
الإلهيّ مطابق للعدل ولا
يحصل من دونه. تحدّثت
آيات القرآن الكريم حول
هذه المسألة أيضاً:
﴿