المبلّغون، مهامٌ وحلول - السيد عباس رضوي

مهامّ المبلّغ
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا1.

إنّ كلّ شخص عمل وطوال التاريخ على تبليغ الإسلام كان مصداق الآية الشريفة المتقدّمة.

ذِكرُ الله تعالى في بداية الآية الشريفة عبارة
﴿الَّذِينَ ليجعل المسألة كليّة، وهذا يعني أنّ الرسالة هنا ليست شخصيّة بل هي رسالة كلية، وهي ليست قضيّة خارجيّة كما يقول الأصوليون، بل هي قضية حقيقية، فالآية تتوجّه إلى جميع المبلّغين الذين جاءوا على مَرّ التاريخ. وقد بَيّنت الآية الشريفة ثلاث مهامّ وخصائص لمبلّغي الدين:

أـ تبليغ رسالة الله

يقول علماء النحو بأنّ "الذين" من جملة المبهمات التي لا يزول الإبهام فيها إلّا بما بعدها.
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ، يشير هذا المقطع من الآية الشريفة إلى إحدى مهامّ مبلّغي الدين وهي تبليغ رسالة الله تعالى. فليس من وظائفكم توضيح السياسات العالمية، ولا تناول هذا المذهب أو ذاك بالسبّ والشَّتْم، بل كلّ


249


هدفكم تبليغ الرسائل التي أتى بها الأنبياء والأولياء بالأخصّ الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وأولياؤه. لذلك ينبغي أن يتمحور أساس حديثكم حول: قال الله، قال رسول الله، قال الباقر، قال الصادق...

يجب أن يدرك الناس أنّ ما يتلفّظ به المبلّغ هو كلام الله تعالى حيث يكون لهذا الأمر آثارٌ ايجابية أكبر ممّا لو كانت غير ذلك.

بعض الأشخاص يتحدّثون ويتلفّظون بعبارات عديدة، ولكنّهم لا يذكرون ولا ينقلون آية أو رواية، بل يركّزون كلمتهم حول ما قال ذاك الدكتور وهذا البروفسور... هؤلاء ليسوا مبلّغين للإسلام، فالمبلّغ عليه أن يبلّغ رسالة الله. ولهذا الأمر يجب أن يتسلّح المبلّغ بالأمور الآتية:

1ـ أن يكون المبلّغ حافظاً للقرآن إلى حدود بعيدة. وإذا لم يتمكّن المبلّغ من حفظ كلّ القرآن، عليه أن يحفظ الآيات والأجزاء المهمّة من القرآن.

مثال ذلك: على المبلّغ أن يحفظ سورة الحجرات والتي هي سورة أخلاقيّة، وسور لقمان...

2ـ أن يقرأ القرآن بشكل صحيح من دون أخطاء.

3ـ أن يحفظ مقاطعَ من نهج البلاغة. مثال ذلك: عهد الإمام عليّ عليه السلام إلى مالك الأشتر، بالإضافة إلى بعض الشواهد التاريخية والكلمات القصار والعبارات المختصرة...

4ـ يجب أن يكون كتاب "تحف العقول" مرافقاً للمبلّغ بشكل دائم, لأنه كتاب أخلاقي واجتماعيّ من أوله إلى آخره.

ب ـ العدالة وخشية الله

عندما يكون الكلام لأجل الله تعالى، عند ذلك يكون هذا الدافع الإلهي مؤثّراً في كيفية أداء العبارات والكلمات وكذلك في مقدار التأثير.
﴿وَيَخْشَوْنَهُ هؤلاء


250


المبلّغون لا يزيدون ولا ينقصون شيئاً من الرسالة الإلهية، بل يتلفّظون بالواقع. وخشية الله عبارة عن العدالة. والعدالة هي حالة الخوف من الله تعالى التي يتمكّن الإنسان بوساطتها من عدم ارتكاب الكبيرة أو الاصرار على الصغيرة.

ج ـ الشهامة في قول الحق

لا تخافوا من الآخرين. ولا تقولوا: إذا تلفظت بهذه الكلمة فسينقطع رزقي. طبعاً يجب الالتفات إلى أنّ قوله تعالى:
﴿وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ لا يعني عدم الأخذ بعين الاعتبار ظروف المنطقة التي تذهبون إليها. فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يرسل الأشخاص إلى مناطق متعدّدة كان يرسل الشخص إلى المنطقة التي يعرفها, لأنّ المعرفة بظروف المنطقة تساهم في حسن إيصال رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولا تظنّوا أنّ هذه الآية تدلّ على إمكان الحديث بكلّ شيء في جميع الأماكن.

أمّا العاقل فهو الذي يدرك الظروف المحيطة. ينبغي أن يدرك المبلّغ استعداد الناس واستعداد البيئة المحيطة والظروف الأخرى الحاكمة على المنطقة. هناك بعض المسائل التي لا يمكن الحديث بها في جميع الأماكن، فرسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكّة كانت تختلف عن رسالته إلى المدينة. في مكّة كان يقول:
﴿لَكُمْ دِينُكُمْ ولكنه عندما يصل إلى المدينة، كان يقول: "قاتلوا المنافقين والمشركين" على أساس أنّ الخطاب والموقف كانا يختلفان على مستوى الظروف. عندما يطالع المبلّغ مجموع الآيات التي نزلت في مكّة والمدينة سيجد الفارق الموجود في منطق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حيث الشدّة واللِّين. كان يتحدّث في مكّة بأسلوب معيّن، وفي المدينة بأسلوب آخر.

الموقف في مكّة هو موقف الضعف، لذلك كان الخطاب يغلب عليه طابع النصيحة، إلّا أنّ الموقف في المدينة كان موقف القوّة، لذلك كان الغالب على


251


الخطاب طابع القوّة. إذا ذهبتم إلى منطقة يُعْبَدُ فيها العجل، فعليكم الحديث حول إثبات الله تعالى وإثبات التوحيد بما لا يلحق بك الأذى من قبل الجيران.

ينبغي أن يدرك المبلّغ الظروف المحيطة، وينبغي أن يكون واعياً ثمّ يتحدّث طبقاً للظروف. والمقصود أن ندخل الحلبة بشكل عاقل لنصل إلى النتيجة المطلوبة.

الحساب

جاء في نهاية الآية الشريفة:
﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا. الله تعالى هو الحسيب الذي ينبغي أن يلتفت المبلّغ إليه. فهل ما يصدر عن المبلّغ يقع في مصلحة الإسلام أم في ضرره؟ عندما يقول الله تعالى ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا فهذا يعني أنّ هناك مسؤولية ثقيلة تقع على عاتق المبلّغ.

وصايا تبليغيّة

نشير فيما يأتي إلى بعض المسائل المهمّة:
1ـ الاهتمام بالشباب

عندما يدخل المبلّغ منطقة معينة بهدف التبليغ فيها فإلى أي الأشخاص يجب أن يذهب؟ هل يذهب إلى المشايخ وقادة القبائل أو إلى مجموعات أخرى؟ يعتقد الإمام الصادق عليه السلام بضرورة الذهاب أوّلاً إلى الشباب. قيل إنّ الإمام الصادق عليه السلام أرسل شخصاً إلى البصرة. وكانت البصرة مركز عمرو بن عبيد رئيس المعتزلة وقد توفي عام 143هـ.ق. وكان عمرو على صلة قريبة بالخليفة العباسيّ، وكان يشكّل تهديداً حقيقياً للشيعة. بقي رسول الإمام عليه السلام مّدة في البصرة ثمّ رجع حيث سأله الإمام: هل كنت موفّقاً في عملك؟ قال له: لا، فسأله عن الأشخاص الذين ذهب إليهم، فأخبره بأنه ذهب إلى رؤساء القبائل. عند ذلك قال الإمام


252


سائلاً إيّاه: "كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنهم لقليل، ولقد فعلوا وإنّ ذلك لقليل، فقال عليه السلام: عليك بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كل خير". ثمّ عاد مرّة أخرى إلى البصرة وبدأ العمل مع الشباب هؤلاء الذين جذبهم عمرو بن عبيد بفكره الاعتزاليّ.

طبعاً هذا لا يعني عدم الاهتمام بالكبار في المدينة، بل يجب الالتفات إلى الكبار في السنّ وإيلاء الاهتمام الأكبر بالشباب. ومن المسائل المهمّة في هذا الإطار تشجيع الشباب على الكلام والسؤال والتبليغ.

لو دقّقنا في الأساليب التبليغية المتّبعة اليوم في العالم المسيحيّ لوجدناها تتبع هذا الأمر على وجه التحديد. استمعوا إلى راديو المسيحيين في إيران حيث يشكّل عنصر الشباب الجزء الأكبر من برامجه. وهكذا يفعل البهائيون خارج إيران أي في جمهورية آذربايجان وتركمنستان.

وإذا عدنا إلى حركة الأنبياء لوجدنا أنّ عنصر الشباب كان الغالب حول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وعندما أرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رسالته إلى قيصر يدعوه فيها إلى الإسلام، سأل قيصر بعض القرشيين عن المحيطين بالرسول وهل هم من العجزة أم الشباب، فأخبروه بأنّ الشباب هم الذين يحيطون به، فاعتبر أنّ هذا الأمر من علائم النبوة.

2ـ المنبر الحسيني

المنبر الحسينيّ هو إحدى وسائل صناعة الفرد المسلم، وهو الأداة التي يمكن بوساطتها إيجاد تحوّل في أرواح الناس. ولعلّ ما يتركه المنبر الحسينيّ من تحوّل لا يمكن لأيّ وسيلة أخرى إيجادها. لذلك أنصح المبلّغين بالاعتماد على المنبر الحسينيّ، وقد قيل: "الإسلام محمديّ الحدوث، حسينيّ البقاء".

والمنبر الحسينيّ يحتاج في البداية إلى خطبة ثمّ آية ثمّ بعض الكلام، ثمّ


253


تحريك عواطف الناس, لأنّ تحريك العواطف والمعنويات يصنع الأشخاص المسلمين.

ولعلّ من الأمور الأخرى التي يجب أن يتسلّح بها المبلّغ، المعرفة والاطّلاع، ثم فهم الموقف والظروف الزمانية المحيطة والشروط الحاكمة.

3ـ الأخلاق العمليّة

إنّ عمل وأخلاق المبلّغ تترك من الأثر ما لا يتركه كلامه. وسلوك المبلّغ في المنطقة الموجود فيها يؤثر في أهلها أكثر ممّا يتركه كلامه من أثر. وإذا شاهد الناس وجود فارق كبير بين كلامكم وعملكم فإنّ كافّة جهودكم ستذهب أدراج الرياح. ابذلوا جهودكم لتكون أعمالكم أكثر من أقوالكم، وقد أُمرنا على لسان المعصومين عليهم السلام: "كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم". يُضاف إلى ذلك ضرورة سيطرة حالة من التنظيم على أعمالنا.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم". لذلك ينبغي أن نكون منظَّمين في أعمالنا، أن نؤدّي الصلاة في وقتها، وأن نرتقي المنبر في الوقت المعيّن، وأن ننهي الخطبة عندما ينتهي الوقت. فالوقت ثمين عند الناس، فلا تعملوا ما يؤدّي إلى تعب الناس من خطاباتكم.


254


  هوامش

1- سورة الأحزاب، الآية: 39.