نسب بعض كتبة
المقاتل والعزاء،
الكثير من الكلام
إلى الإمام
الحسين
عليه
السلام
والمعصومين
الآخرين بحيث لا
يمكن الحصول على
سند ووثيقة على
ذلك. بعض هذه
الكلمات مشهورة
ومعروفة إلى درجة
كبيرة مع أنها
غير موثّقة
ومجعولة وقد
رفضها المحقّقون،
فكانت مقبولة عند
العوامّ، والأهمّ
من ذلك أنّ بعض
المحقّقين
والكتّاب
المشهورين
المعاصرين قد
استعان بهذه
الكلمات من دون
تأمّل وتحقيق.
فيما يلي نشير
إلى بعض هذه
الكلمات ذات
العلاقة بمحرّم
وعاشوراء والإمام
الحسين
عليه
السلام.1
1ـ "إن كان دين
محمّد لم
يستقم...".
يُنسب هذا القول
للإمام الحسين
عليه السلام، وهو
بيت من قصيدة
لشاعر اسمه
"الشيخ محسن أبو
الحبّ الحويزيّ".
وهو واحد من
شعراء وخطباء
كربلاء عاش بين
الأعوام 1235 ـ
1305هـ.ق.
الشيح محسن
الحويزيّ
الحائريّ المعروف
بـ أبي الحبّ
الحويزي من شعراء
الشيعة، وله
ديوان شعر تحت
عنوان "الحائريّات"
حيث يقول في
أبياته:
أعطيتُ ربّي
موثقاً لا ينتهي
إلّا
بقتلي، فاصعدي
وذريني
إن كان دين محمّد
لم يستقم
إلّا
بقتلي، يا سيوفّ
خذيني2
2ـ "اسقوني شربة
من الماء..."
ينسب هذا القول
للإمام الحسين
عليه السلام
أيضاً، وهو يفتقد
السند والوثيقة،
لا بل يحمل
مضموناً ومفهوماً
يدلّان على نوع
من الإهانة
والذلّ، ولم يذكر
في الكتب
المعتبرة. والنصّ
المصطنع، أكبر
دليل على كونه
مجعولاً.
يقول الشهيد
مطهّري في هذا
الخصوص: "بلغ عطش
أبي عبد الله
مستوى بحيث كان
لا يرى فوق رأسه
عندما ينظر إلى
السماء. وهذا ليس
مزاحاً. ولكني
مهما بحثت في
المقاتل
(بالمقدار الذي
أتمكّن منه) لأجد
هذه العبارة
المشهورة التي
يُقال إنّ أبا
عبد الله عليه
السلام خاطب
الناس بها
قائلاً: "اسقوني
شربة من الماء"،
فلم أجدها. لم
يكن الحسين عليه
السلام الشخص
الذي يطلب من
أولئك الناس هذا
الأمر، وهناك
مكان واحد يتحدّث
فيه الإمام عندما
كان يحمل على
الأعداء "وهو
يطلب الماء".
وتشير القرائن
إلى أنه كان يبحث
عن الماء عندما
كان يتقدّم نحو
شريعة الفرات،
وليس من الصحيح
أنه طلب الماء من
الناس3.
3ـ "هل من ناصر
ينصرني..."
ليس هناك من سند
أو وثيقة تدلّ
على صحّة نسبة
هذا القول للإمام
الحسين عليه
السلام. ويبين
معنى ومفهوم هذه
العبارة أنّ
قارئي المجالس
كانوا يتحدثون
بها على أنها
لسان حال الإمام
الحسين عليه
السلام والهدف
إبكاء الناس. ولم
يُعْثر في
الوثائق المعتبرة
على ما يشبه هذا
القول يمكن من
خلاله تصحيحها4.
4ـ "أيا شِمر
ُخافَ الله واحفظ
قرابتي..."
نصل في البحث عن
تحريفات عاشوراء
إلى تحريف يحمل
الكثير من
الإهانة. كتب
البعض أنّ الشمر
عندما جلس على
صدر الإمام
الحسين عليه
السلام وأراد فصل
رأسه عن بدنه،
قال له الإمام
الحسين
عليه
السلام:
أيا شمر خاف الله
واحفظ قرابتي
من الجدّ
منسوباً إلى
القائم المهدي
أيا شمر تقتلني
وحيدرةٌ أبي
وجدّي
رسول الله أكرم
مهتدي
وفاطمة أمي
والزكيّ ابن
والدي
وعمي هو
الطيار في جنّة
الخُلدِ
ثم يتابع في
أبيات متعددة
تتحدَّث عن زينب
وأمّ كلثوم
وسكينة ورقية،
إلى أن يقول:
أيا شمرُ إرحم
ذا العليل وبعده
حريماً
بلا كفلٍ يلي
أمرَهم بعدي5
والمقصود هنا أنّ
الإمام
الحسين
عليه
السلام في
اللحظات الأخيرة
من حياته الشريفة
توجّه إلى الشمر
بلسان شعري يطلب
منه أن يرحم
الإمام السجّاد
العليل، وأن يرحم
العائلة التي
ستبقى من دون
كفيل. وفي هذا
البيت الأخير،
نوع من الإهانة
بحق الإمام سيّد
الشهداء عليه
السلام ومن جملة
هذه الاهانات:
أنه أطلق على
العائلة أنها
ستبقى من دون
كفيل مع أنّ
الإمام السجّاد
ما زال على قيد
الحياة،
أطلق على
الإمام
السجاد
عليه
السلام لقب
العليل، ولعلّ
هذا القول هو
الذي دفع البعض
لإطلاق اسم
الإمام المريض
على الإمام
السجّاد
عليه
السلام وأخيراً
فإنّ الشعر يشير
على لسان الإمام
الحسين
عليه
السلام إلى أنه
أودع الشمر كفالة
أهل البيت عليهم
السلام والإمام
السجادعليه
السلام.
5 ـ تفسير
"كهيعص"
أشار كتاب
"كمال الدين
وتمام النعمة"
للشيخ الصدوق إلى
تفسير وتأويل هذه
الكلمة، وقد جاء
فيها:
يقول الراوي سألت
إمام الزمان عجل
الله تعالى فرجه
الشريف،
فأخبِرْني يا ابن
رسول الله عن
تأويل "كهيعص"
قال هذه الحروف
من أنباء الغيب،
أطلع الله عليها
عبده زكريا، ثم
قصّها على محمد
صلى الله عليه
وآله وسلم وذلك
أنّ زكريا سأل
ربه أن يعلمه
أسماء الخمسة
فأهبط عليه
جبرئيل فعلمه
إياها، فكان
زكريا إذا ذكر
محمداً وعلياً
وفاطمة والحسن
والحسين عليهم
السلام سُرِّيَ
عنه همُّه،
وانجلى كربه،
وإذا ذكر الحسين
عليه السلام
خنفته العبرة،
ووقعت عليه
البهرة، فقال ذات
يوم: يا إلهي إذا
ذكرت أربعةً منهم
تسلّيت بأسمائهم
من همومي، وإذا
ذكرت الحسين عليه
السلام تدمع عيني
وتثور زفرتي؟
فأنبأه الله
تعالى عن قصته،
وقال: "كهيعص"
"فالكاف"
اسم كربلاء. و"الهاء"
هلاك العترة، و"الياء"
يزيد، وهو ظالم
الحسين عليه
السلام، و"العين"
عطشه. و"الصاد"
صبره.
ذكر المحقّق
الكبير، الشيخ
محمّد تقي
الشوشتري، الحديث
المتقدم بعنوان
أنه أوّل حديث
مجعول وذلك في
كتابه
"الأخبار
الدخيلة" تحت
عنوان "الباب
الثاني في
الأحاديث
الموضوعة".
وعرض المحقّق
الشوشتري أبحاثاً
مفصّلة في نقد
هذا الخبر، وخصّص
للنقد
تسع صفحات
من كتابه وذكر
أحاديثَ أخرى
تبيّن أنّ "كهيعص"
من جملة أسماء
الله المقطعة.
ويكتب أحد
المحقّقين في هذا
الخصوص:
"تشتمل الرواية
المتقدّمة على
أمور غير مأنوسة
من قبيل (تفسير
كهيعص بكربلاء)
حيث يجب التأمّل
فيها... بالإضافة
إلى ذلك إنّ في
سند الرواية بعض
الرواة المتّهمين
بالكذب في الحديث
ومن جملتهم
"محمّد بن مجد
الشيباني".
وهو من المفوّضة
والغلاة، وهو من
الذين ينقلون
الحديث عن رواة
ضعاف"6.
وكتب الأستاذ علي
أكبر الغفاريّ،
مصحّح كتاب كمال
الدين في ذيل
الرواية المبحوث
عنها: "بعض
رجال سند هذه
الرواية مجهولو
المحالّ والبعض
منهم مهمل، ونصّ
الرواية يتضمّن
كلاماً غريباً من
البعيد أن يصدر
عن المعصوم"7.
وفي حاشية بحار
الأنوار بعض
الإشكالات على
هذا الخبر تبدأ
بقول: فيه غرابة8.
6ـ تحريف عبارة
في زيارة عاشوراء
نقرأ في زيارة
عاشوراء العبارة
التالية:
"اللهمّ العن
العصابة التي
جاهدت الحسين"9،
وقد حصل تحريف
فيها.
وأمّا الشكل
الصحيح للعبارة
فهو أحد شكلين:
1ـ "اللهمّ العن
العصابة التي
حاربت الحسين"10.
2ـ "اللهمّ العن
العصابة التي
جاهدت الحسين"11.
والظاهر أنّ
الاشتباه في نقل
العبارة قد وقع
به الناسخون.
والعبارة الأولى
أقرب إلى الصحّة
من الثانية أي
حاربت التي ذُكرت
في كامل
الزيارات.
وكتاب كامل
الزيارات، من
تأليف الفقيه
والمحدّث الجليل،
أبي القاسم جعفر
بن محمّد بن
قولويه (المتوفى
عام 367 ق)، وهو
كتاب معتبر ومورد
اهتمام علماء
الشيعة. وهو أقدم
كتاب ذكر نصّ
زيارة عاشوراء.
وبعبارة أخرى
صاحب كامل
الزيارات أقرب
إلى زمان صدور
الرواية من أصحاب
الكتب الأخرى،
والسبب في ذلك
أنّ من بين
المصادر القديمة،
يمكن الإشارة إلى
"مصباح
المتهجّد"
للشيخ الطوسيّ
(المتوفى عام 46
ق) الذي ذكر لفظ
"جاهدت"
في عباراته وقد
نقل المحدّث
القميّ (رحمه)
العبارة عنه،
أمّا ابن قولويه
فهو متقدّم على
الشيخ الطوسيّ
وهو الذي صرّح
بــ: حاربت.
وإذا ما أخذنا
بعين الاعتبار
مفهوم ومعنى
العبارة، يتّضح
أنّ حاربت هي
الأصحّ، فليس من
الصحيح أن نطلق
الجهاد على عمل
أعداء الإمام
الحسين عليه
السلام.
وتشير معاجم
ألفاظ القرآن
الكريم والصحيفة
السجّادية ونهج
البلاغة والخصوص
المعتبرة كالكتب
الأربعة إلى أن
كلمة "الجهاد"
تحمل في طياتها
نوعاً من
القداسة،
وبالتالي لا يمكن
إطلاقها على قتلة
الإمام الحسين
عليه السلام. بل
ما قام به أعداء
الإمام
الحسينعليه
السلام هو
محاربته وهذا ما
جاء في نفس
الزيارة: "إني
سلم لمن سالمكم
وحرب لمن حاربكم".
وجاء في الزيارة
المنقولة عن
الإمام الصادق
عليه السلام:
"اللهمّ عذِّب
الذين حاربوا
رسلك وشاقّوك
وعبدوا غيرك..."12.
7ـ "كلّ يوم
عاشوراء وكلّ أرض
كربلاء"
نُقلت العبارة
المتقدّمة عن
الإمام الصادق
عليه السلام،
ولكن لا يوجد أيّ
سند يدلّل على
ذلك، لا بل
تتضمّن النصوص
المعتبرة أحاديثَ
تتعارض معها. ومن
جملة ذلك:
أـ يتحدث الإمام
الحسن عليه
السلام مخاطباً
الإمام الحسين
عليه السلام
ومتوقّعاً
شهادته: "لا
يوم كيومك يا أبا
عبد الله"13.
ب ـ يقول الإمام
السجّاد عليه
السلام: "لا
يومَ كيوم الحسين"14.
ج ـ ينقل العلامة
الحليّ عن أحمد
بن يحيى البلاذري
(المتوفى عام 279
ق) صاحب كتاب
أنساب الأشراف
أنّ عبد الله بن
عمر قال: "لا
يوم كيوم قتل
الحسين"15.
والعجيب أنّ
عبارة "كلّ
يوم عاشوراء وكلّ
أرض كربلاء"
مشهورة إلى درجة
بعيدة ومنسوبة
للإمام
الصادق
عليه
السلام من دون
سند يؤيّد ذلك،
لا بل نقل البعض
العبارة بمزيد من
التفصيل حيث جاء
فيها: "كلّ
يوم عاشوراء وكل
أرض كربلاء وكلّ
شهر محرّم وكلّ
فصل عزاء".
مع العلم أنّ هذه
العبارات لا
تمتلك أيّ سند
على صحّة
انتسابها. بل
لعلّ هذه
العبارات تعود
إلى شاعر نظمها
في أمور ذات
علاقة بالحرب.
ويظهر من معنى
ومفهوم هذا الشعر
أنه قريب من
الزيدية
والكيسانية أو
الإسماعيلية أكثر
من المذهب
الشيعيّ.