لعلّ من أبرز
الأساليب
التربوية
التبليغية،
الاستعانة
بالتشجيع
والتنبيه1.
التشجيع وسيلة
لإيجاد الشوق
والرغبة والدافع
للقيام بالأعمال
الحسنة وإيجاد
العادات
المقبولة،
والتنبيه عامل
يمنع من ظهور
الخصال السيّئة
أو القيام
بالأعمال غير
المقبولة وترك
العادات
المذمومة.
ممّا لا شكّ فيه
أنّ التشجيع
والتنبيه عاملان
مؤثّران في مستوى
التطوّر التربويّ
للبشر. وأمّا
استعمال هذين
الأسلوبين في
كافّة مراحل
الحياة، فهو مفيد
وفعّال، وتبرز
أهميّة
استخدامهما في
مراحل الطفولة,
لأنّ الأطفال
يعيشون عادة حالة
من الضعف على
مستوى النمو
الفكريّ
والمعنويّ. نحن
بحاجة إلى
التشجيع في
الأعمال المطلوبة
ليصار إلى
تقويتها، بينما
نحتاج إلى
التنبيه في ترك
الخصال المذمومة.
انطلاقاً من
أهميّة هاتين
الخصلتين، سنحاول
دراسة كلّ واحدة
منهما ليتمكّن
المربّون من
الاستعانة بهما
في العمليّة
التربويّة
الدينيّة.
التشجيع عامل
فعّال
إذا كنا نتوقّع
أن يقوم الطفل أو
الشابّ بعمل ما،
فهذا توقّع في
غير مكانه.
والتشجيع يزرع في
الطفل والشابّ
الدافع والشوق
اللّازمين للقيام
بالأعمال
المطلوبة، ومن هنا يمكن
أن نزرع في داخلهما عادة
القيام بالأعمال الحسنة.
عندما يقوم الطفل بعمل
حسن، يأتي التشجيع ليشكّل
الهدية التي تبقى في ذهنه
دائماً لتكون الدافع في
تكرار ذاك العمل.
"ذكروا أنّ الحسن
(المجتبى)
عليه السلام رأى غلاماً
أسود يأكل من رغيف لقمة
ويطعم كلباً هناك لقمة،
فقال له: ما حملك على
هذا؟ فقال: إني أستحي منه
أن آكل ولا أطعمه، فقال
له الإمام الحسن عليه
السلام : لا تبرح من
مكانك حتّى آتيك، فذهب
إلى سيّده فاشتراه واشترى
الحائط الذي هو فيه،
فاعتقه وملّكه الحائط"2.
التشجيع يحرك روح الطفل
ويقويها لجهة القيام بعمل
ما، ويجعله يشعر بالرضا
والسعادة. وهذا الإحساس
هو الذي يساعده في تكرار
العمل. مثال ذلك يمكننا
في تدريس القرآن الكريم
وبدل التأكيد على إشكالات
الإعراب والتجويد و...
التأكيد على النقاط
الإيجابية والتقدّم
الجزئيّ ثمّ الإشارة في
أثناء ذلك إلى بعض
الاشتباهات وذلك بهدوء
ولطف. في هذه الحالة سنرى
أنّ الدافع عند الأطفال
لقراءة القرآن سيظهر
ويحتلّ موقعاً مهمّاً.
التشجيع عامل مفيد ومؤثّر
على مستوى تقوية السلوك
الإنسانيّ وتفتّح
الاستعدادات الكامنة
فيهم. وهذا العامل هو سبب
وجود النشاط والثقة
والاعتقاد لدى الطفل
والشاب، ويبعده عن اليأس،
هنا من المناسب الإشارة
إلى إحدى التجارب:
"في المرة
الأولى التي أردت ارتقاء
المنبر، قصدت الشيخ علي
أكبر الرشتي، قلت له اكتب
لي خطاباً. كتب لي. فحفظت
ما كتب. قرّرت أن أتلو ما
حفظت في المسجد الذي
يصلّي فيه والدي. عندما
شاهدني الشيخ محمّد
الشميراني
أرتقي المنبر أخذته
الحيرة وهو الذي قد
شاهدني قبل ذلك عشرات
المرّات. بدأت أعين
الجميع تتوجّه إليِّ.
بدأت الخطبة وعرضت ما كنت
قد حفظته.
أذكر جيداً أنّ أحد
الخطابات قد كتبها لي
السيد عزمي (الرشتي) وقد
دوّن في البداية بيتين من
الشعر، فبمجرد أن قرأت
البيتين، صاح الشيخ محمد
الشميراني بصوت عالٍ:
أحسنت. هذه الكلمة أعطتني
من القوّة في تلك الأيام
ما زالت تترك آثارها فيّ
حتّى يومي هذا.
لم أتجاوز آنذاك الخامسة
عشرة أو السادسة عشرة.
البعض تحدّث إلى والدي
وقال: اسمح لنا أن نعقد
جلسة في منزلنا وأن
يتحدّث ابنكم هناك.
عندما رجعت إلى المنزل.
تحدث إليَّ والدي وقال:
صحيح أنّك ترتقي المنبر
للمرة الأولى، إلّا أنك
تحدثت بشكل حسن. قلت عند
ذلك صادق, إن كلمة أحسنت
التي أطلقها الشيخ محمّد
الشميراني هي التي تركت
هذا الأثر فيّ"3.
أنواع التشجيع
التشجيع أشكال متعددة.
فالنظر بمحبّة، الشكر
اللفظي، العطف العمليّ،
الحديث للآخرين، تقديم
الهدية والأجر و... كلّها
من أشكال التشجيع ولكلّ
واحد من هذه الأمور موقعه
الخاصّ.
وينبغي الاشارة إلى أنّ
الطفل يمرّ بمراحل مختلفة
في عملية النموّ والرشد،
لذلك يجب أن يكون تشجيعه
متناسباً مع هذه المراحل.
قد يكون قلم التلوين
مؤثّراً عند الطفل ذي
السبع سنوات، إلا أنه هل
يكون مؤثّراً في صاحب
الأحد عشر عاماً؟ فهذا ما
يقتضي التأمل والدقّة.
لذلك من الضروريّ
الالتفات إلى رغبات
الأطفال ومراحل نموّهم.
قانون التشجيع
التشجيع كباقي الأمور حيث
يجب أن يجري طبق إطار
خاصّ ليعطي الآثار
المطلوبة منه. لذلك من
المهمّ الالتفات إلى
النقاط الآتية:
الأولى: عدم الزيادة
في التشجيع.
إنّ الزيادة في التشجيع
تؤدّي إلى التقليل من
قيمة ذاك العمل وترفع
توقّع الطفل، فيظنّ حينها
أنّ لكلّ عمل تشجيعاً
مهما كان صغيراً.
ومن جملة الأضرار التي
يلحقها الإكثار من
التشجيع، التقليل من
الإحساس بالمسؤوليّة لدى
الأطفال، فإذا لم يكن
هناك تشجيع، لا يشعر
بدافع نحو العمل، لذلك
يحاول دائماً التهرّب من
الأعمال التي توكل إليه.
الثانية: أن لا يبعث على
الغرور
لا ينبغي أن يؤدّي
التشجيع إلى أن يشعر
الطفل بحالة من الغرور
والأنانية. لذلك من
المناسب الدقّة في
استعمال العبارات
المستخدمة في التشجيع
الكلاميّ. والسبب في ذلك
أنّ ظهور حالة الأنانية
والغرور عند الطفل، يترك
آثاراً سلبية فيه وآثاراً
مخربة في بنائه الروحي
وبالتالي سينجرّ الأمر
إلى التخلّف الأخلاقي.
الثالثة: تحديد أسباب
التشجيع
يجب توضيح أسباب التشجيع
للطفل أو الشابّ وحتّى
للكبير وذلك بشكل شفّاف
وواضح ليدرك أنّ هذا
التشجيع يتمحور حول الأمر
الفلاني الذي أتى به.
وهذا يؤدّي بدوره إلى أن
يحاول الشخص تكرار العمل
مرّة أخرى.
ويظهر هذا الأسلوب الحسن
في سيرة الإمام الصادق
عليه السلام . كان هشام
بن الحكم شاباً متبحّراً
في العلوم العقلية. دخل
في يوم من الأيام مجلس
الإمام
الصادق عليه السلام الذي
كان يحضره عدد من كبار
وشيوخ الشيعة أمثال:
حمران بن أعين، قيس بن
الماهر، أبي جعفر الأحول
وآخرين. استقبل الإمام
عليه السلام هشاماً
وأجلسه إلى جانبه. لم
يرُقْ هذا الأمر لبعض
الحاضرين. عند ذلك تحدّث
إليهم الإمام عليه السلام
وأخبرهم أنّ إكرامه هو
لما يقدمه من مساعدة لأهل
البيت عليهم السلام من
خلال علومه4.
إنّ توضيح سبب التشجيع
يؤدّي إلى دعم سلوك الشخص
وتقويته وينفي التمييز
بين الأشخاص بالأخصّ
الأطفال.
الرابعة: التشجيع المناسب
للعمل
ينبغي أن يكون التشجيع
مناسباً للعمل الذي يقوم
به الشخص. وإذا كان العمل
بسيطاً لا ينبغي أن تكون
الهدية التشجيعية أكبر
منه والعكس صحيح. يُنْقل
أنّ أحد الشبان عطس ثم
قال طبق سنّة الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم:
الحمد لله ربّ العالمين.
عند ذلك توجّه الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم إليه
قائلاً: بارك الله فيك.
وشجّعه على عمله بهذا
النحو5.
الخامسة: التشجيع يحمل
بُعْداً قيمياً
ينبغي أن يخرج التشجيع عن
حالة الشكل الواحد.
والتشجيع من جهة أخرى هو
طريق يشير إلى الفضائل
ويبعد الطفل عن الرذائل.
لذلك من المناسب الاشارة
إلى الجوانب المعنوية في
التشجيع حيث يقرب الطفل
من الجوانب المعنوية
والقيمية.
السادسة: الوفاء بالوعود
ينبغي للمربَّين
والوالدين الوفاء بالوعود
التي يقطعونها لأبنائهم،
كذلك ينبغي
الابتعاد عن الوعود
الكاذبة والوعود التي لا
يمكن أن تتحقّق. وقد أوصى
الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم محبة الأطفال
والعطف عليهم والوفاء
بالوعود التي تعطى لهم6.
إنّ الابتعاد عن الوعود
الكاذبة يؤدّي إلى وجود
جوّ من الأمن والإيمان
والاطمئنان في الأجواء
العائلية. يقول الإمام
أمير المؤمنين عليه
السلام: "لا يجد عبد
طعم الإيمان حتّى يترك
الكذب هزله وجده"7.
السابعة: التشجيع الفوريّ
ينبغي أن يحصل التشجيع
بعد القيام بالعمل فوراً،
ليدرك الطفل أنّ العمل
الذي قام به مطلوب ومقبول
وليشعر بلذة التشجيع.
مَرّ الإمام المجتبى عليه
السلام بأطفال يلعبون
وبيدهم قرص خبز يأكلونه،
عندما شاهدوا الإمام عليه
السلام دعوه، فلبى
الدعوة، ثمّ اصطحبهم
جميعهم إلى منزله حيث قدم
لهم الطعام والشراب وقال:
"الفضل لهم لأنهم لم
يجدوا غير ما أطعموني
ونحن نجد أكثر ممّا
أطعمناهم"8.
فالإمام عليه السلام شجع
الأولاد مباشرة بعد العمل
الذي قاموا به.
الثامنة: أن لا يكون
الوصول إلى الأجر صعباً
وغير ممكن
ينبغي أن يكون الأجر بحيث
يمكن للطفل الوصول إليه
كلّما فعل فعلاً حسناً ـ
يستحقه، لذلك لا يجب أن
يكون الوصول للأجر صعباً،
لأن ذلك سيؤدي إلى ايجاد
حالة من اليأس عنده
وبالتالي سيدفعه إلى عدم
تكرار العمل لاحقاً.
من جهة أخرى ليس من
المطلوب أن يكون طريق
الوصول إلى الأجر سهلاً
للغاية بل يجب رعاية
الوسطيّة في ذلك.
التاسعة: التشجيع وليس
التمييز
يجب عدم التمييز في تشجيع
الأطفال وفي إعطائهم
الأجر. لأنّ هذا العمل
ينفي الأثر المتوقع من
التشجيع ويؤدي إلى ظهور
مشاكل جديدة.
والعدل في هذا السلوك
مهمّ إلى درجة أنّ الرسول
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم وبخ أحد
الصحابة بسببه وأوصاه
بالعدل: "روي أنّ
النعمان بن البشير أتى
بولده إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم فقال: إني
نحلت ابني هذا فلاناً،
فقال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم : أكلّ ولدك
نحلت مثل هذا؟ فقال: لا،
قال: فاتقوا الله واعدلوا
بين أولادكم"9.
الكلام الأخير
بناءً على ما تقدّم،
ينبغي الدقة في التشجيع
والتنبيه وكيفية
استعمالهما في التربية.
وممّا يجب أن يشار إليه
أنّ التساهل والتسرّع
مطبان كبيران أمام
استخدام التشجيع
والترغيب. وإذا تمكن
المبلغون والمدرّسون
الدينيون من استعمال
الترغيب والتشجيع طبق
الحدود فسيتمكّنون من زرع
حرارة الشوق والرغبة في
أرواح الأطفال.