بلا شك أنه لا يوجد أي نظام أرسى
نظام الأسرة كما أرساهُ الإسلام بشكل محكم ومستقرِّ، فالإسلام وضع نظاماً للزواج
مهتماً به لحظة بلحظة حتى يدرأ كافة التهديدات والأخطار التي تهدد الحياة الزوجية.
فأحبُّ العقود في الإسلام هو عقد الزواج المقدس، وأبغض الأمور عند الله تعالى هو
الطلاق والإنفصال.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله
عزَّ وجلَّ من التزويج"1.
وعنه: "ما من شيء أبغض إلى الله عزَّ وجلَّ من بيتٍ يخرب في الإسلام
بالفرقة"2.
إلا أن هناك بعض الأمور التي تطرأ على الحياة الزوجية والتي تحوّل هذا البناء
المحبوب إلى بناء مبغوض، وإن معرفة هذه الأمور والاستعداد لها تمنع هذا التغير في
الحياة الزوجية وتُبقي على سلامتها وسعادتها، وفي هذه المقالة سنشير باختصار إلى
بعض هذه العوامل:
1- التوقعات غير المحدودة
من العوامل المهمة التي تهدد الحياة الزوجية المشتركة من بدايتها هو التوقعات
اللامحدودة.
وفي هذا المجال فإنّ تقوية روح القناعة وحدها هي التي تمنع هذا العامل من تهديده
للأسرة، فعن علي عليه السلام: "أنعم الناس عيشاً من منحه الله القناعة وأصلح له
زوجه"3.
2- التدخلات غير المناسبة وغير المسؤولة للآخرين
ومن العوامل التي تهدد كيان الأسرة التدخلات غير المسؤولة للآخرين سيما عند الأفراد
الذين هم حديثو العهد بالزواج، وهذا الأمر لا نعني به عدم إرادة الخير، لأنّ إرادة
الخير لفلذات أكبادنا من النعم الإلهية التي تساهم في رفع الاختلافات.
3- اللامبالاة وعدم اهتمام أحدهما بالآخر
فإنّ كلاً من الرجل والمرأة لديهما مجموعة من الرغبات والحاجات التي وضعها الله عند
الطرف الآخر، وإنّ عدم توجه أيّ من الزوجين لهذه الرغبات والحاجات يجعل مساحة
الاختلافات بينهما تكبر شيئاً فشيئاً.
ففي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا ينبغي للمرأة أن تعطل نفسها"4.
ومن جانب آخر فإنّ الإسلام أمر الرجل بالجلوس جانب زوجته وذلك من أجل إشباع حاجات
زوجته العاطفية.
فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "جلوس المرء عند عياله أحبّ إلى الله
تعالى من اعتكافٍ في مسجدي هذا"5.
وكذلك فإننا نقرأ في القوانين الإسلامية أنّ الإسلام أوصى الرجال أن يتزينوا
ويتهيؤوا لنسائهم.
يقول الحسن بن الجهم: رأيت أبا عبد الله الحسن عليه السلام اختضب، فقلت: جعلت فداك
اختضبت، فقال: نعم، إن التهيئة مما يزيد في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة
بترك أزواجهنّ التهيئة، ثم قال: أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير
تهيئة؟ قلت: لا، قال: فهي ذاك6.
4- سوء خلق أحدهما مع الآخر
من الآثار المهمة التي تنشأ بعد الزواج هو الشعور بالسكينة والإستقرار، وإلى هذا
أشار الله بقوله:
فكل من الزوجين يشكل ظل السكينة للآخر وهذه من البركات والهبات الإلهية الكبرى،
فمنشأ السكينة بينهما أنّ كل واحد منهما يكمل الآخر ويشكل ظلّ النمو والتربية
والنشاط للآخر بحيث يشعر كل منهما بالنقص مع عدم وجود الآخر.
وهنا فإن حسن خلق كل منهما يؤدِّي دوراً مؤثراً في إيجاد هذه البيئة كما أنّ سوء
الخُلُق من الآفات الكبرى التي تهدد حياة الأسرة. ففي حديث غاية في الأهمية عن أمير
المؤمنين عليه السلام يقول: "من ساء خلقه ملّه أهله"7.
فمن الطبيعي أن الكثير من المضايقات وعدم الاكتراث تجرّ الزوجين إلى الطلاق ولا
يمكن جبرانها إلى حسن الخلق، ولا يخفى أن سوء الخلق فضلاً عن آثاره الدنيوية التي
يتركها على الحياة الأسرية فإنه من الأمور التي يحاسب عليها الله يوم القيامة.
وفي مضمون الحديث الوارد في أمالي الصدوق: أنه وبعد دفن الصحابي سعد بن معاذ قال
النبي أنه ضُغط ضغطة القبر، ثم علّل ذلك بقوله إنه كان سيِّئ الخُلُق قليلاً مع
أهله.
5- الهوس والتلبية غير المشروعة للرغبات النفسية
كلّما انساق الإنسان وراء شهواته أكثر فأكثر كلما كان عرضة للضياع والغرور، وشيئاً
فشيئاً يصل إلى مرحلةٍ لا يصغي فيها لنداء العقل، وإنّ كثيراً من حالات الطلاق
والإنفصال سببها تعطيل دور العقل وعدم الإنصات له.
يشير العلّامة الشهيد المطهري إلى هذا الجانب بكلام غاية في الأهمية نذكر هنا
مقطعاً منه: فمن وجهة نظر الإسلام حدد العلاقات الجنسية المشروعة في محيط الزوجين
والأسرة، فمن الناحية النفسية تساهم في السلامة النفسية للأسرة كما أنها تساهم في
توطيد العلاقة بين أفراد الأسرة وفي العلاقة الحميمية الخالصة بين الزوجين.
والإسلام وضع مجموعة من التدابير من أجل توجيه الغريزة وحدد وظيفة معينة للرجال
والنساء، وهناك وظيفة مشتركة للرجل والمرأة على حد سواء ترتبط بموضوع النظر،
وخلاصتها أنه لا ينبغي للرجل والمرأة (غير المحرم) إملاء النظر من الآخر، ولا يجوز
النظر بتلذذ أو شهوة إلى الطرف الآخر، وهناك تكليف خاص للمرأة وهو أنه يجب على
المرأة التستر أمام الرجال الغرباء، وعدم الرغبة في المشاركة في اللقاءات المشتركة
والامتناع عن أي عمل من شأنه تحريك الشهوة عند هؤلاء الرجال الغرباء.
لا شك أنّ أي عمل يساهم في تقوية الأواصر الأسرية والعلاقة المتينة بين الزوجين
فإنه أمر مفيد جداً، ويجب السعي بجهد من أجل ايجاده وعلى العكس فإن أي عمل يوهن هذه
العلاقة ويضعفها ويلحق بها الضرر فإنه يجب مواجهته ومقاومته.
إن كافة الاستمتاعات والتلذذات الجنسية مشروعة بين الزوجين في محيط
الأسرة وتقوّي
العلاقة بين الزوجين وتحافظ على الاستقرار والاتصال الدائم بينهما.
فالهوس والنظرات الخاطئة لها عواقب سيئة، وعلى سبيل المثال يقول الإمام الصادق عليه
السلام: "كم من نظرةٍ أورثت حسرةً طويلة"8.
ففي حال مراعاة الحجاب والشرائط الإسلامية الأخرى فإنّ مشاعر كلّ من الزوجين تتعلق
بالآخر أكثر فأكثر حتى تشيع العفة وينتفي الطمع من المجتمع.
وهناك نقطة ينبغي الالتفات إليها وهي أنّ الهوس الجنسي سواء عند الرجل أو المرأة له
عواقب وضعية وقهرية سيئة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "عفّوا عن نساء
الناسيُعَفّ عن نسائكم"9.
6-
المعاملة بالمثل
يُروى أن في عهد حكم النبي داوود عليه السلام كان هناك امرأة يأتيها رجل ويغصبها
على الزنا، فأوحى الله إلى تلك المرأة أن تقول له: إنّك في كل مرة تأتي إلي هناك
رجل يأتي إلى زوجتك، فذهب هذا الرجل إلى زوجته فوجد عندها رجلاً، فأتى به إلى نبي
الله داوود عليه السلام وقال: يا نبي الله لقد أتاني من البلاء ما لم يأتِ به أحد،
فقال النبي عليه السلام وما هو بلاؤك، فقال وجدت هذا الرجل عند زوجتي، فأوحى الله
إلى داوود أن قل له: "كما تدين تُدان"10.
7- المال الحرام:
يؤثر المال بشكل كبير في إيصال الزوجين إلى الطلاق، فعن الإمام الباقر عليه السلام:
"إنّ الرجل إذا أصاب مالاً من حرام لم يُقبل منه حج ولا عمرة ولا صلة رحم حتى
إنه يُسد فيه الفرج"11.
عوامل الاصلاح:
إذا اشتد النزاع بين الزوج والمرأة لأي سبب كان، فإنّ الله تعالى وضع جملة من
الأمور يمكن الرجوع إليها منعاً لانهيار هذا البناء المحبب إليه، نشير هنا إلى
بعضها:
1- محكمة العائلة:
عندما تصل الأسرة إلى حد الخوف من التشتت والتبعثر فإنه من الضروري اللجوء إلى
محكمة العائلة، ويعني ذلك أنه يتم اختيار شخصٍ عادلٍ من طرف الزوج وآخر من طرف
المرأة ليستطلعا المشاكل ويسعيا للإصلاح بينهما، وأن يبذلا جهدهما في سبيل الإصلاح
ووضع حلول للمشاكل القائمة وعدم الوصول بأي شكل من الأشكال إلى خيار الانفصال
والطلاق.
هذه الآية تطرح تشكيل محكمة عائلية بأسلوب غاية في الروعة. فيقول تعالى:
﴿وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ
أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ
كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾12.
1- اختيار عادلَيْن من طرف الزوج والزوجة يسعيان لخير
الطرفين والإصلاح بينهما.
2- هذه المحكمة ليست بحاجة إلى موازنة مالية.
3- سرعة الوصول إلى هذه المحكمة دون الحاجة إلى تراكم
الملفات وعبء المشاكل الإدارية.
4- عدم وصول أسرار الزوجين إلى الأجانب وبقاؤها في محيط
العائلة.
5- اعتماد هذين العدلين بشكلٍ دائم كونهما يمثلان طرفي
العائلتين.
وبناءً على هذه الآية فإن المجتمع ـ
وبالأخص الأقرباء ـ مسؤولون عن تشكيل هذه المحكمة والسعي لرفع المشكلات القائمة
والإصلاح بين الزوجين قبل حدوث أي أمر سيِّئ لا يكون في مصلحة الطرفين.
2- الالتفات إلى مستقبل الأولاد
لا شكّ أنّ الأب والأم يشكلان ملجأ الأولاد وحصنهم في أي أسرة، وهما يسعيان تحت ظل
الألطاف الإلهية لتوفير أسباب الرفاهية وحمايتهم الجسدية والنفسية، ويعملان على
إيصالهم إلى أعلى مراتب النمو والكمال والوعي.
فالخلاف والشقاق والنزاعات بين الزوج والزوجة تؤثر في شخصية الأطفال وتترك أثراً
سيئاً على سلوكهم وتساهم في تعزيز خيار الطلاق، مع الالتفات إلى أنّ هؤلاء الأطفال
سيشكلون جزءاً من المجتمع في المستقبل وأنّ أي تقصير أو قصور في وعيهم وتربيتهم من
الآثام التي لا يغفرها الله تعالى.
3- التوصية بعدم الطلاق
أوصى الإسلام موقعي الطلاق والشهود والآخرين أن يسعوا لعدم المشاركة في جلسات
الطلاق، ومن ذلك أن الطلاق لا يصح إلا بحضور شاهدين عدلين، ومن الطبيعي أن هذين
العادلين بَذَلَا جهدهما من أجل التوفيق بين الزوجين وعدم الوصول إلى خيار الطلاق.
ومن البديهي أن هذه الأمور كلها جعلها الإسلام مانعاً من الوصول إلى الطلاق،
والتخلص من حالة الغضب والتوتر التي يعيشها الزوجان والتي تؤدي غالباً إلى خيار
الطلاق وبالتالي العودة إلى فضاء الحياة الزوجية السعيدة.
4- عدة الطلاق:
من المعلوم أنّ الرجل يستطيع الرجوع إلى زوجته خلال فترة العدة في الموارد التي وقع
فيها الطلاق طلاقاً رجعياً، ومن الأمور الخاطئة التي لا يراعيها الكثيرون عند
الطلاق أنه عندما يتم الطلاق فإنه سرعان ما يُخرج الزوج زوجته من المنزل
وتسارع
الزوجة للخروج طلباً للحرية وهذا يخالف تعاليم الإسلام الذي أوجب احترام الزوجة
وعدم إخراجها، فضلاً عن أن ذلك يوفر الأرضية للإصلاح وعودة الحياة الزوجية إلى
مجاريها.
إنّ ثورة الغضب والغيظ الناشئة عن التراكمات بينهما غالباً ما تؤدي فجأة إلى قرار
الطلاق والإنفصال، إلا أنّ بقاء الزوجة في المنزل وجلوس الزوجين إلى جانب بعضهما من
شأنه أن يبرد أجواء الغضب ويُعيدُ الوِفاق أثناء العدة ـ إلا أنه مع الأسف كثيرون
ممن يصل بهم الأمر إلى الطلاق لا يلتفتون إلى هذه المسألة ـ خصوصاً مع وجود الأطفال
في المنزل، كما أنّ إظهار كلّ منهما محبته للآخر يساهم في صناعة أرضية الرجوع عن
الطلاق فما يلبث أن تنقسع سحابه العداوة السوداء وتتبدد من سماء الحياة الزوجية
وتشرق من جديد شمس المحبة والعاطفة وما أجمل قول الإمام الباقر عليه السلام:
المطلقة تكتحل وتتخضب وتطيب.
عواقب الطلاق:
وفي النهاية نشير إلى بعض العواقب السيئة للطلاق وانفصال الزوجين.
1- المشاكل العاطفية
لا شكّ أنّ الرجل والمرأة اللذين أمضيا مدة من الزمن يعيشان مع بعضهما البعض سيبتلى
كل منهما بأزمة عاطفية مفاجئة بعد الطلاق حتى ولو تم التئام جرح الطلاق من خلال
زواج آخر.
2- المشاكل الاجتماعية:
من الطبيعي أنّ كثيراً من النساء لا يتوفر لهنّ إمكانية الزواج اللائق والمكاسب
مجدداً بعد الطلاق، ويتعرَّضْنَ لبلاء أكبر وخسارة واضحة، كما أنّ مشكلة الرجل ليست
بأقل من خسارة النساء حيث سيبقى الرجل يعيش الحسرة والمرارة على حياته السابقة.
3- مشكلة الأولاد
وفي نهاية المطاف فإن المشكلة الأكثر إيلاماً هي مشكلة الأولاد حيث سيواجهون سيلاً
من المشاكل النفسية والأزمات الروحية.
ومن المؤكد أن هذه بعض المشاكل التي تنتج من الطلاق والانفصال، وإلا فإن هناك
آثاراً كثيرة تتعرض لها الأسرة بعد الطلاق.
والسؤال هو: هل إنّ تحمُّل بعض من المرارة في الحياة الزوجية التي تنطوي على كثير
من الأنس والجمال أفضل أم تحمل الكثير من عواقب وآثار الطلاق؟.
لا شك أنّ طرح هذه المواضيع من قبل المبلّغين الأعزاء مفيد جداً ويمنع من انتشار
موضوع الطلاق في المجتمع بنسبة كبيرة.