المسجد بيت الله على الأرض1
ومركز الوحي2
ومنبع الفيض المعنوي والعديد من البركات التي تعود للمصلين والمجتمع الإسلامي. ممّا
لا شكّ فيه أنّ المكان الذي يمتلك هكذا مكانة عند الله تعالى سيكون للحضور فيه آثار
كثيرة تشمل المكلفين والحاضرين في المسجد أعم من المرأة والرجل.
للحضور في المسجد آثار كثيرة قد يصعب الإحاطة بها جميعها، وقد جاء في إحدى الروايات
عن الإمام علي عليه السلام أنّ للحضور في المسجد ثمانية آثار: "من اختلف إلى
المسجد أصاب الثمانية، أخاً مستفاداً في الله، أو عِلماً مستطرفاً أو آية محكمة أو
يسمع كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده عن ردى أو يترك ذنباً خشية أو
حياءً"3.
يمكن الحديث حول آثار الحضور في المسجد على النحو التالي:
1- الآثار العبادية
يجري الحديث عن المساجد باعتبارها بيوت الله على الأرض4
وبيوت
المتقين5
والمؤمنين6.
وتشير هذه العناوين بوضوح إلى الماهية العبادية للمسجد، وفي الأصل فإنّ المساجد قد
بنيت لإيجاد نوع من العلاقة بين العبد والمعبود والإعلان عن العبودية للخالق. ومن
هنا يتبين الأثر الأساس للحضور في المسجد، بالأخص في البعد العبادي: "وأقيموا
وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون"7.
2- الآثار العلمية
يشير استخدام المسجد في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء على لسان وصايا
المعصومين عليهم السلام إلى أحد آثار الحضور في المسجد. يقول الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم: "كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مُصَلّ أو ذكر الله أو سائل
عن علم"8.
3- الآثار الاجتماعية
إنّ المسجد، باعتباره مركزاً دينياً للعموم، يؤدّي دوراً أساسياً في إيجاد اجتماع
للمسلمين. من هنا يمكن الحديث عن دور اجتماعي للمسجد.
ومن جملة الآثار الاجتماعية التي يمكن الحديث عنها في المسجد، حضور النساء والرجال
وتبادل الأخبار الاجتماعية والسؤال عن أوضاع وأحوال بعضهم البعض وأحوال المسلمين.
يجد المسلمون في المسجد الفرصة المناسبة للتعرف على المسلمين الآخرين الذين يجمعُه
معهم لون واحد من الدين والعبودية ممّا يسهّل في إيجاد تنظيم اجتماعي متناسق. لذلك
يتمكن المصلون من التعرف على إخوة وأخوات أصحاب صفات دينية مناسبة حيث يكون لهذا
الأمر آثاره الاجتماعية.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث
خصالٍ... وإمّا أخ يستفيده في الله"9.
ويتمكن الرجال والنساء ومن خلال حضورهم في المسجد من إيجاد مجتمع ديني سالم.
تشير الروايات المنقولة عن أمير المؤمنين عليه السلام إلى الآثار السلوكية للحضور
في المسجد على مستوى إبعاد المجتمع المتدين عن الفساد والمعصية والاتجاه به نحو
السلامة والصلاح: "أو كلمة ترده عن ردى أو يترك ذنباً خشية أو حياءً".
ومن هنا يمكن القول إنّ الحضور في المسجد يؤدّي دوراً على مستوى الحؤول دون ارتكاب
المعاصي والجرائم.
4- الآثار السياسية
كان المسجد وعلى امتداد التاريخ مركزاً سياسياً للمجتمع الديني إلى جانب كونه
مركزاً اجتماعياً وعبادياً ومعنوياً. ويمكن ملاحظة حضور هذا الدور للمسجد في زمان
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء والإمام علي عليه السلام حيث يمكن الحديث
عن نماذج كثيرة لهذا الدور طوال التاريخ.
وفي هذه المرحلة يمكن الإشارة أيضاً إلى الآثار السياسية لحضور الرجال في المسجد
وإلى حضور النساء فيه. ومن أبرز مظاهر حضور النساء وآثار هذا الحضور، قدوم السيدة
الزهراء عليها السلام إلى المسجد للدفاع عن حق علي عليه السلام بالولاية. كما يمكن
الإشارة إلى حضور السيدة زينب في المسجد وهو من المسلمات التاريخية10.
كما يمكن مشاهدة هذا الأثر وبوضوح في مجريات الثورة الإسلامية.
إنّ التربية السياسية التي تُقَدّم في المسجد يمكن أن تؤدي إلى ايجاد جيل
يشكل
داعماً أساسياً للمجتمع الديني والذي يمتلك الوعي الكافي في مقابل الأحداث
السياسية. من هنا يمكن الحديث عن ضرورة حضور الرجال والنساء في المسجد، فلو حُرِم
النساء من الحضور في هكذا مكان، فسيؤدي الأمر إلى نقص في هذه التربية. والواقع أنّ
النساء تساهم في التربية السياسية لما تضْطَلع به من دور على مستوى تربية الأبناء.
ـ الآثار الروحية والأخلاقية
إنّ أجواء المسجد هي أجواء نورانية وإلهية. وقد أشار الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم إلى ذلك في حديث يقول: "ما جلس قوم في مسجد من مساجد الله تعالى يتلون كتاب
الله (و) يتدارسونه بينهم إلا تنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن
عبده"11.
ونقرأ في حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كانت المساجد بيته
ضمن الله له بالروح والراحة والجواز على الصراط"12.
وعلى هذا الأساس فالمؤمن في المسجد شبيه بالسمك في البحر.
إنّ الاطمئنان والهدوء الذي يحصل من خلال الحضور في المسجد، يضفي القدرة على القيام
بالوظائف والتكاليف الشرعية بشكل صحيح. وتجدر الإشارة إلى نقطة هامة وهي أنّ النساء
يتمتعن بروح وعاطفة شفافة، لذلك كان لحضورهنَّ أثر كبير على مستوى الإحساس والشعور
بالهدوء الإلهي والقلبي.
وأمّا على المستوى الأخلاقي فالموضوع على هذا النحو أيضاً، والسبب في ذلك أنّ
النساء يقضين أكثر أوقاتهن في المنزل وتربية الأبناء مما يجعلهنَّ يَعِشْنَ بعض
المشاكل أحياناً، لذلك فالنساء يحتجن إلى الهدوء وإلى مكان يشعرن فيه بالراحة
النفسية أكثر مما يحتاج إليه الرجال. والمسجد هو المكان الوحيد الذي توجد
فيه
النورانية والعبودية والارتباط بين الخالق والمخلوق. إنّ في الجماعة صفات وخصائص
غير موجودة في غيرها.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "كان أبي إذا حَزَنَه أمر جمع النساء والصبيان
ثم دعا وآمنوا".
6- الآثار المعنوية والآخروية
تحدثت الروايات حول الثواب والأجر الكبير للحاضرين في المسجد من جملة هذه الروايات
ما يلي:
1- "إنّ في التوراة مكتوباً: إنّ بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لمن تطهر في
بيته ثم زارني في بيتي وحق على المزور أن يكرم الزائر"13.
2- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المساجد سوق من أسواق الآخرة قِراها
المغفرة وتحفتها الجنة"14.
3- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظلّه يوم لا
ظلَّ إلا ظلُّه... رجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه"15.
4- قال الإمام الصادق عليه السلام: "لا يرجع صاحب المسجد بأقلّ من إحدى ثلاث
خصال: إمّا دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، وإمّا دعاء يدعو به فيصرف الله عنه
به بلاء الدنيا...".
إنّ ما تقدم يشير وبوضوح إلى الآثار الدنيوية والأخروية والكمالات المعنوية للحضور
في المسجد. يقال إنّ الشيخ الرئيس أبا علي ابن سينا كتب إلى أبي سعيد أبي الخير
وسأله عن السبب في حضور الناس إلى المساجد مع العلم أنّ الله أقرب إلى الإنسان من
حبل الوريد. واعتبر ابن سينا أنّ الإنسان يحصل على النتيجة
التي يريدها من أي مكان
وجد فيه. أمّا أبو سعيد فكتب إليه موضحاً أن المصباح يضيء في مكان معين، وإذا خفت
أحد المصابيح فالأخرى تبقى على إضاءتها. ولكن لو فرضنا أن كل مصباح موجود في غرفة
مستقلة، فإذا خفت أحدها، تظلم الغرفة الموجود فيها. وكذلك البشر، حيث يكون البعض من
العصاة، الذين لا يوفقون للحصول على الفيوض الإلهية، ولكن إذا كان الأفراد في
الجمع، فقد تشملهم البركات الإلهية بسبب وجود البعض16.
مسألة:
صحيح أنّ كافة ثمار الحضور في المسجد يشترك فيها النساء والرجال ولا يمكن الحديث
هنا عن نوع من التمييز، إلا أنّ هناك مسألة تبين مطلوبية حضور النساء. الحقيقة أنّ
النساء يمتلكن المزيد من الوقت خلافاً للرجال حيث يقضي أغلبهم أوقاته في العمل
وتأمين المعاش. من جهة أخرى تمتلك النساء قدرة أكبر على الاتصال والتواصل، وبالتالي
فهنّ أكثر نجاحاً في تبادل المعلومات الدينية والسياسية والأخلاقية والاجتماعية.
وبما أنّ النساء يتمتعن بلطافة روحية وصفاء قلب وعاطفة أمومة فهنّ أكثر تأثيراً في
العائلة. لذلك فإنّ حضور النساء في المسجد يمكن أن يبدل كافة الأجواء في العائلة
ويتبع ذلك المجتمع.