المناسبة: ولادة النبي
محمد صلى الله عليه وآله
وسلم
التاريخ: 17 ربيع الأول
قال الله تعالى:﴿وَإِنَّكَ
لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾1
امتازت شخصيّة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
بالأخلاق الإنسانيّة
السامية، وحسن معاشرة
الناس ومعاملتهم بالرفق
واللين والرحمة، والقدرة
على تحمّل الآلام
والمصاعب والأذى.
ونستعرض هنا نماذج من
خُلُقه الاجتماعيّ حسبما
ورد في الأحاديث عن أهل
البيت عليه السلام الذين
هم أعرف الناس برسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
وشخصيّته وسلوكه الفرديّ
والاجتماعيّ.
الخلق العظيم:
فقد روى الإمام الحسن عن
أبيه عليه السلام قال:
" كان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم دائم
البِشْر - أي يواجه الناس
بالإبتسامة والبشاشة -سهل
الخُلُق، ليّن
الجانب(الرفق واللطافة)،
ليس بفظّ ولا غليظ، ولا
صخّاب – (من الصخب وهو
شدّة الصوت) - ولا فحّاش،
ولا عيّاب، ولا مدّاح"2.
وكان صلى الله عليه وآله
وسلم يخاطب قومه ويقول:
" يا بني عبد المطلب،
إنّكم لن تَسَعوا الناس
بأموالكم فالقوهم بطلاقة
الوجه وحُسْن البِشْر"3.
وكان أمير
المؤمنين عليه السلام إذا
وصف رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال:
" كان أجود الناس كفاً،
وأجرأ الناس صدراً، وأصدق
الناس لهجة، وأوفاهم ذمّة،
وألينهم عريكة (أي ألينهم
طبيعة)، وأكرمهم عشرة،
ومن رآه بديهة – (أي
لأوّل مرّة)- هابه، ومن
خالطه فعرفه أحبّه، لم أرَ
مثله قبله ولا بعده"4.
وكان صلى الله عليه وآله
وسلم يبادر من لقيه
بالسلام والمصافحة،
فيسلّم حتى على الصغير،
وكان شديد المداراة للناس
حتى قال صلى الله عليه
وآله وسلم:
" أعقل الناس أشدّهم
مداراة للناس، وأذلّ
الناس من أهان الناس"5.
وكان صلى الله عليه وآله
وسلم لا يذمّ أحداً، ولا
يعيّر أحداً، ولا يفتّش
عن عيوب أحد، بل كان شديد
الحياء وقد ورد أنّه كان
حين يريد لوم أحد أو
عتابه يعاتبه بكلّ حياء
وخجل.
قضاء الحوائج:
وكان من سأله حاجة قضاها
له إن قدر على ذلك، وإلاّ
واجه صاحب الحاجة بكلمة
طيّبة أو دعاء أو نصيحة
أو توجيه.
السؤال عن أصحابه:
وكان صلى الله عليه وآله
وسلم إذا فقد الرجل من
إخوانه ثلاثة أيّام سأل
عنه، فإن كان غائباً دعا
له، وإن كان شاهداً زاره،
وإن كان مريضاً عاده.
ذكر الله في كل حال:
وكان صلى الله عليه وآله
وسلم لا يجلس ولا يقوم
إلاّ على ذكر الله جلّ
اسمه، ولا يتّخذ لنفسه
مكاناً خاصاً في المجلس
بل كان يجلس حيث ينتهي به
المجلس، ويأمر أصحابه
بذلك.
وكان صلى الله عليه وآله
وسلم شديد الاهتمام
بالطهارة، حتى لقد ورد عن
بعض أصحابه:" ما رأيت
أوضأ من رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم "
6
الاهتمام بالمظهر:
وكان شديد الاهتمام
بمظهره وهندامه، فلم يكن
يماثله أحد في نظافة جسمه
وملابسه وأناقة مظهره فقد
روي أنّه كان يتجمّل
لأصحابه فضلاً عن تجمّله
لأهله.وعن الإمام الصادق
عليه السلام: " كان
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ينفق على الطيب
(العطر) أكثر ممّا ينفق
على الطعام"7.
بل عن الإمام الباقر عليه
السلام: " كان صلى
الله عليه وآله وسلم لا
يمرّ في طريق، فيمرّ فيه
أحد بعد يومين أو ثلاثة
إلاّ عرف أنّه قد مرّ فيه
لطيب عرفه (أي رائحته)"8.
آداب المجلس:
وفي سموّ أخلاقه وأدبه مع
جلسائه يقول الإمام
الصادق عليه السلام: "
كان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم يقسم
لحظاته – (نظراته) - بين
أصحابه فينظر إلى ذا
وينظر إلى ذا بالسوية،
ولم يبسط –(أي يمدّ) -
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم رجليه بين
أصحابه قط، وإن كان
ليصافحه الرجل فما يترك
رسول الله يده من يده حتى
يكون هو التارك،
فلما
فطنوا لذلك كان الرجل إذا
صافحه مال بيده فنزعها من
يده"9.
وكان لا يدعوه أحد من
أصحابه وغيرهم إلا قال:
"لبيك".هكذا كانت
سيرة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم مع أصحابه
وأمّته، لقد كان يتعامل
مع جميع الناس بعاطفة
أبويّة تتفجّر حباً وعطفاً
وحناناً ورحمة، بالرغم من
مركزه القياديّ في الأمّة
ومكانته السامية.وقد كان
هذا السلوك النبويّ
المحمّديّ الأصيل، وتلك
الأخلاق والخصائص النبيلة
التي توافرت في شخصيّته
العظيمة أحد أهم العوامل
في انتصار الإسلام وسرعة
امتداده وانتشاره ونفوذه
إلى عقول وقلوب الناس:
﴿لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيراً﴾10
|