تصدير الموضوع:
قال الله تعالى:
﴿الَّذِينَ
آمَنُواْ وَلَمْ
يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم
بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ
لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم
مُّهْتَدُونَ﴾1.
الهدف:
بيان عناية القرآن الكريم
بالنفس الإنسانية عناية
شاملة، وبثّ الشعور
بالأمن والطمأنينة.
المقدَّمة
ممّا لا شكّ فيه أنّ هناك
علاقة وطيدة بين السعادة
والأمن النفسيّ الذي
ينشده كلّ إنسان، ولذلك
نرى القرآن الكريم يُبشّر
أهل الإيمان بالأمن يوم
القيامة، هذه البشرى التي
تستلزم كافة مفردات
السعادة إذ يقول لهم:
﴿وَهُم
مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ
آمِنُونَ﴾2،
وفي آية أخرى يقرن بين
الأمن والنار بقوله
تعالى:
﴿أَفَمَن
يُلْقَى فِي النَّارِ
خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي
آمِنًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا
مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ﴾3.
والسعادة التي نعنيها هي
السعادة الروحية الكاملة
التي تبعث الأمل والرضا،
وتثمر السكينة
والاطمئنان، وتحقّق الأمن
النفسيّ والروحيّ
للإنسان، فيحيا سعيداً
هانئاً آمناً مطمئنّاً
فلا سعادة للإنسان بلا
سكينة نفس، ولا سكينة نفس
بلا اطمئنان القلب.
وليس الأمن النفسيّ
بالمطلب الهيّن فبواعث
القلق والخوف والضيق
ودواعي التردّد والارتياب
والشكّ تصاحب الإنسان منذ
ولادته وفي كافّة مراحل
حياته حتى يواريه التراب.
ولقد كانت قاعدة الإسلام
التي يقوم عليها كلّ
بنائه هي
حماية الإنسان من الخوف
والفزع والاضطراب وكلّ ما
يحد حرِّيته وإنسانيته
والحرص على حقوقه
المشروعة في الأمن
والسكينة والطمأنينة،
وهذا ليس أمرأ سهلاً،
فكيف يحقّق الإسلام
للمسلمين الأمن والسكينة
والطمأنينة؟
محاور الموضوع
الأمن ضرورة حياتية
والأمن في الحياة ليس
أمراً هامشيّاً بل هو
ركنٌ من أركان الحياة
التي بدونه تصبح الحياة
مليئةً بالمخاوف، ويصبح
الإنسان منفعلاً في
الحياة لا فاعلاً،
وهارباً من دوره لا
مقبلاً عليه، ويفكّر
بحياته الخاصّة والشخصية
بدون أن يرقى إلى التفكير
بمصالح الأمّة, ولذلك نرى
الدول تسعى لتوفير الأمن
لشعوبها كقاعدة أساسيّة
من قواعد العيش والإبداع
والعمل والاستثمار وسوى
ذلك، ونرى هذه الضرورة في
القرآن الكريم إذ جعل
البيت مكاناً آمناً
لاعتبارات عديدة منها أن
تدرك الناس قيمة هذه
النعمة الإلهية، قال
تعالى:
﴿أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا
حَرَمًا آمِنًا﴾4.
الإيمان منبع الأمان
قال تعالى:
﴿وَضَرَبَ
اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً
كَانَتْ آمِنَةً
مُّطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَا رِزْقُهَا
رَغَدًا مِّن كُلِّ
مَكَانٍ فَكَفَرَتْ
بِأَنْعُمِ اللّهِ
فَأَذَاقَهَا اللّهُ
لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ بِمَا
كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾5،
فالإسلام بحسب الآية يقيم
صرحه الشامخ على عقيدة
أنّ الإيمان مصدر الأمان،
كما أنّ الكفر مصدر الخوف
والقلق، فالإقبال على
طريق الله هو الموصل إلى
السكينة والطمأنينة
والأمن.
ولكن كيف نصل إلى هذا
الإيمان الحقيقيّ لكي
تتحقّق السعادة والسكينة
والطمأنينة التي ينشدها
ويسعى إليها الإنسان
لينعم بالأمن النفسي؟
القرآن أمان الإنسان
إنّنا نستطيع أن نصل إلى
هذا الإيمان بنور الله
وسنّة رسوله صلى الله
عليه وآله وسلم، ونور
الله المتجسد بالقرآن
الكريم الذي نستدلّ به
على الطريق السليم ونأخذ
منه دستور حياتنا.. وننعم
بنوره الذي ينير القلب
والوجدان والنفس والروح
والعقل جميعاً. أليس ذلك
طريقاً واضحاً ووحيداً
لنصل إلى نعمة الأمن
النفسي؟
لقد عني القرآن الكريم
بالنفس الإنسانية عناية
شاملة.. عناية تمنح
الإنسان معرفة صحيحة عن
النفس وقاية وعلاجاً بدون
أن ينال ذلك من وحدة
الكيان الإنساني، وهذا
وجه الإعجاز والروعة في
عناية القرآن الكريم
بالنفس الإنسانية، وترجع
هذه العناية إلى أنّ
الإنسان هو المقصود
بالهداية والإرشاد
والتوجيه والإصلاح.
فلقد أوضح لنا القرآن
الكريم في الكثير من
آياته الكريمة أهمية
الإيمان للإنسان وما
يحدثه هذا الإيمان من بث
الشعور بالأمن والطمأنينة
في كيان الإنسان وثمرات
هذا الإيمان هي تحقيق
سكينة النفس وأمنها
وطمأنينتها، قال تعالى:
﴿الَّذِي
أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ
وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾6.
والإنسان المؤمن يسير في
طريق تقوى الله آمناً
مطمئنّاً، لأنّ إيمانه
الصادق يمدّه دائماً
بالأمل والرجاء في عون
الله ورعايته وحمايته،
وهو يشعر على الدوام بأنّ
الله عزَّ وجلَّ معه في
كلّ لحظة، ونجد أنّ هذا
الإنسان المؤمن يتمسّك
بكتاب الله لاجئاً إليه
دائماً، فهو بالنسبة إليه
خير مرشد بمدى أثر
القرآن الكريم في تحقيق
الاستقرار النفسيّ له،
وهذا الأمن النابع من
التقوى ينعكس أماناً يوم
الفزع الأكبر كما يُعبّر
أمير المؤمنين عليه
السلام: "إنما هي نفسي
أروّضها بالتقوى لتأتي
آمنةً يوم الفزع الأكبر"7.
الأمن النفسي وتحدّيات
الإنسان
فالإنسان مهما قابله من
مشاكل وواجهه من محن فإن
كتاب الله وكلماته
المشرقة بأنوار الهدى
كفيلة بأن تزيل ما في
نفسه من وساوس، وما في
جسده من آلام وأوجاع،
ويتبدّل خوفه إلى أمن
وسلام، وشقاؤه إلى سعادة
وهناءة كما يتبدّل الظلام
الذي كان يراه إلى نور
يشرق على النفس، ويشرح
الصدر، ويبهج الوجدان..
فنحن نقرأ عن أصحاب
الحسين يوم العاشر أنهم
كلّما اقتربوا من لحظة
المواجهة كلّما أشرقت
وجوههم وأشرقت نفوسهم
وسكنت أطرافهم وبردت
قلوبهم إلى غير ذلك من
الصفات التي تكشف مدى
الأمن النفسي الذي كانوا
يعيشونه ومدى الطمأنينية
التي كانت تحيط بهم.
الرجوع إلى القرآن
إنّ كتاب الله يحقّق
للإنسان السعادة لأنّه
يسير في طريقه لا يخشى
شيئاً إلا الله، صابراً
حامداً شاكراً ذاكراً لله
على الدوام، شاعراً بنعمة
الله عليه.. يحسُّ بآثار
حنانه ودلائل حبّه...
فكلّ هذا يبثّ في نفسه
طاقة روحية هائلة تصقله
وتهذّبه وتقوّمه وتجعله
يشعر بالسعادة والهناءة،
وبأنّه قويٌّ بالله...
سعيدٌ بحبّ الله، فينعم
الله عزَّ وجلَّ عليه
بالنور والحنان، ويفيض
عليه بالأمن والأمان،
فيمنحه السكينة النفسية
والطمأنينة القلبية.
ممّا سبق يتضح لنا أنّ
للقرآن الكريم أثراً
عظيماً في تحقيق الأمن
النفسي، ولن تتحقّق
السعادة الحقيقية للإنسان
إلّا في شعوره بالأمن
والأمان، ولن يحسّ بالأمن
إلا بنور الله الذي أنار
سبحانه به الأرض كلّها،
وأضاء به الوجود كلّه...
بدايته ونهايته، وهذا
النور هو القرآن الكريم.
ويؤكّد لنا القرآن الكريم
بأنّه لن يتحقّق للإنسان
الطمأنينة والأمان إلا
بذكره لله عزَّ وجلَّ..
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ
آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُم بِذِكْرِ
اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ
اللّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ﴾8.
إذاً علينا أن نتمسَّك
بكتاب الله ونقتدي به،
ونتدبر في آياته البينات،
ونتأمل في كلماته التي لا
تنفد أبداً.. قال تعالى:
﴿قُل
لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ
مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ
رَبِّي لَنَفِدَ
الْبَحْرُ قَبْلَ أَن
تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي
وَلَوْ جِئْنَا
بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾9،
حتى نتحلّى بالإيمان
الكبير في هذه الرحلة
الروحية مع آيات الله
فنتزود بما جاء به القرآن
الكريم من خلق عظيم، وأدب
حميد، وسلوك فريد، ومعرفة
شاملة بحقيقة النفس
الإنسانية كما أرادها
الله عزَّ وجلَّ أن تكون،
وترتقي حيث الحب والخير
والصفاء والنورانية،
فننعم بالسلام الروحي
الممدود، والاطمئنان
القلبيّ المشهود، والأمن
النفسيّ المنشود.
|