تصدير الموضوع:
قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "هبط
عليّ جبرائيل فقال لي: يا
محمّد إنّ ربَّك يُقرئك
السلام ويقول: إني قد
حرّمت النار على صُلبٍ
وبطنٍ حملَك وحِجْرٍ
كفلَك ...... وأمّا حِجر
كفلك فحِجر أبي طالب"1.
الهدف:
التعريف بشخصية أبي طالب
وأهمّ مواقفه الرسالية
والردّ على بعض الشبهات
التي أُثيرت حوله.
المقدَّمة
"كان أبو طالب يتمتّع
بشخصية ومهابة في نفوس
قومه، وكان طاهراً
مستقيماً يقلّدونه في
أفعاله ولا يتقدّمونه في
أمر إلا بعد أن يستشيروه،
فقد كان يُعَدُّ من
الشخصيات المرموقة في
مكّة المكرّمة و في قبيلة
قريش، وكانت رئاسة قريش
له بعد عبد المطلب، وكان
أمره نافذاً"2.
وساند أبو طالب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
بالقول و الفعل، فعندما
كان النبي صلى الله عليه
وآله وسلم يتعرّض للتهديد
كان يدافع عنه بكلّ حزم و
كان يستغلّ نفوذه ليردّ
عنه. وعندما قوطع النبي
محمد صلى الله عليه وآله
وسلم و ثُلَّة من
المؤمنين المخلصين
اجتماعياً واقتصادياً لم
يساندهم إلا أبو طالب.
كما أنه شهر سيفه عند
الضرورة ليحمي رسول الله
محمد صلى الله عليه وآله
وسلم حتى إنّ الكفار
الحاقدين لم يجرؤوا عندها
على متابعة أذاهم وأسرعوا بالفرار لما رأوا
هذا الرجل صاحب القدر
العظيم في مكة و قريش يقف
إلى جانب رسول الله محمّد
صلى الله عليه وآله وسلم
ليحميه.
محاور الموضوع
الشبهات التي أُثيرت حول
إيمان أبي طالب عليه
السلام
من أبرز الشبهات التي
أثيرت حول شخصية أبي طالب
شبهتان أساسيَّتان:
الأولى: أنّ
مساندته لرسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم لم
تكن من منطلق إيماني بل
لعصبيةٍ عائلية.
الثانية: أنّ أبا
طالب مات كافراً.
وفي الردّ على الشبهة
الأولى بأنه كان يساند
االنبيَّ محمّداً صلى
الله عليه وآله وسلم لأنه
كان ابن أخيه فقط و لكنه
لم يسلم. فإن مثل هذه
الادعاءات نشأت من تزوير
التاريخ الذي حصل فيما
بعد بداعي التقليل من شأن
والد الإمام عليّ عليه
السلام والحطّ من قيمته.
ويمكن الوقوف على الشواهد
التالية التي تدلُّ على
أنّ أبا طالب كان يتمتّع
بإيمان ثابت متين
بالعقيدة الإسلامية،
منها:
1- أنّ التاريخ يحدّثنا
أنّ أبا طالب كان
مستعدًّا أن يضحّي حتى
بابنه من أجل االنبي
محمّد صلى الله عليه وآله
وسلم والحال أنّ ما يشعر
به الإنسان عادة من ميل
لابنه أكبر ممّا يشعر به
لابن أخيه.
ومع ذلك نرى أنّ أبا طالب
يحثّ أبناءه طالباً
وعقيلاً وجعفراً وعليّاً
على الإيمان برسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
والتصديق به وشدّ إزره،
فكان يقول لعليّ عليه
السلام دائماً: "الزم ابن
عمّك"3.
2- وقوفه بوجه أقربائه
المعادين: فكان يقدّمه في
الحديث على ساداتهم ولا
يرضى منهم بمقاطعته
ويصدّقه ويكذّبهم، حتى
إنّ أبا لهب حاول أن
يعترض النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم يوماً
بالكلام فقال له أبو
طالب: أسكت يا أعور، ما
أنت وهذا! ثم قال لا
يقومنّ أحد، فجلسوا ثم
قال للنبي صلى الله عليه
وآله وسلم:
"قم يا سيّدي
فتكلّم بما تحبّ وبلّغ
رسالة ربّك فإنّك الصادق
المصدّق"4.
3- ثم إذا كانت أحاسيس
العمّ هي سبب كلّ هذه
الرعاية و الاهتمام
فلماذا نرى أنّ أبا طالب
يرفض كافّة العروض
لإبعاده عن النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم؟ فقد
حاولت قريش إقصاء أبي
طالب وإبعاده عن النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم
من خلال عرضها عليه المال
وخيرة أبنائها وسلطانها
على أن يسلّمهم محمّداً
صلى الله عليه وآله وسلم
فواجههم
وأحبط كيدهم
وأبطل مخططاتهم، فلو لم
يكن هذا الموقف مبدئيّاً
لغرّته العروض وانجرف
معها.
4- ثم إنّ هناك آخرين
ممّن كانوا ينتمون إلى
بني هاشم حتى الذين
أعلنوا إسلامهم و تحمّلوا
معه فإنهم لم يساندوه
بنفس المستوى والإخلاص
الذي أظهره أبو طالب من
دعمه اللامحدود للنبي
محمّد صلى الله عليه وآله
وسلم رغم أعتى الصعاب و
الظروف دليل على إيمانه
بنبوّة النبيّ محمّد
صلى الله عليه
وآله وسلم.
5- أخبر أبو الفضل بن
شاذان - يرفعه إلى الشيخ
الصدوق ابن بابويه القمّي
(رحمهم الله)، مرفوعاً عن
الإمام الحسن بن عليّ
العسكريّ عليه السلام في
حديث طويل - يذكر فيه:
أنّ الله تبارك وتعالى
أوحى إلى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم:
"إني قد أيدتك بشيعتين
شيعة تنصرك سرّاً وشيعة
تنصرك علانية، فأما التي
تنصرك سرّاً فسيّدهم
وأفضلهم عمُّك أبو طالب،
وأمّا التي تنصرك علانية
فسيّدهم وأفضلهم ابنه
عليّ بن أبي طالب عليه
السلام، ثم قال: وإنّ أبا
طالب كمؤمن آل فرعون يكتم
إيمانه"5.
وعن الإمام الصادق عليه
السلام: "إنّ جبرئيل عليه
السلام أتى النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم
فقال: يا محمد، إنّ ربك
يقرئك السلام ويقول لك:
إنّ أصحاب الكهف أسرُّوا
الإيمان وأظهروا الشرك،
فآتاهم الله أجرهم
مرّتين، وإنّ أبا طالب
أسرَّ الإيمان وأظهر
الشرك فآتاه الله أجره
مرّتين"6.
وأما في مقام الردّ على
الشبهة الثانية:
1- فقد روي: لما مات
أبو طالب جاء الإمام عليّ
عليه السلام إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم فآذنه بموته، فتوجّع
عظيماً وحزن شديداً، ثم
قال: "امض فتولَّ
غسله، فإذا رفعته على
سريره فأعلمني، ففعل،
فاعترضه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وهو
محمول على رؤوس الرجال.
فأبنه قبل دفنه، بقوله
صلى الله عليه وآله وسلم:
وصلت رحم يا عمّ وجزيت
خيراً، لقد ربّيت وكفلت
صغيراً، ونصرت وآزرت
كبيراً. ثم تبعه إلى
حفرته فوقف عليه فقال:
أما والله لأستغفرنَّ لك،
ولأشفعنَّ فيك شفاعة
يتعجّب لها الثقلان"7.
وهذا يدلّ على إسلام أبي
طالب، وإلا لكان رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم - والعياذ بالله -
يطلب الشفاعة لكافر.
وفي رواية أُخرى: لما
قيل لرسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: إنّ أبا
طالب قد مات، عظم ذلك في
قلبه، واشتد له جزعه، ثم
دخل عليه فمسح جبينه
الأيمن أربع مرات، وجبينه
الأيسر ثلاث مرات، ثم
قال: يا عمّ، ربيت
صغيراً، وكفلت يتيماً،
ونصرت كبيراً، فجزاك الله
عني خيراً. ومشى بين يدي
سريره وجعل يعرضه ويقول:
وصلتك رحم، وجزيت خيراً.
قال الأميني: إنّ
شيئاً من مضامين هذه
الأحاديث لا يتفق مع كفر
أبي طالب، فهو صلى الله
عليه وآله وسلم لا يأمر
خليفته الإمام عليّ عليه
السلام بتكفين كافر ولا
تغسيله، ولا يستغفر له
ولا يترحّم عليه، ولا
يرجو له الخير.
وقد رُوي عن أبي بكر و
العباس بن عبد المطلب أنّ
أبا طالب قد لفظ
الشهادتين قبل أن يموت.
نعم فقط صلاة الميت لم
تُقَمْ له بسبب أنها لم
تكن واجبة على المسلمين
وقتها. لنفس السبب لم
تُقَمْ لخديجة مثلاً صلاة
الميت أيضاً، فلو مات
كافراً لما تمّ ذلك له.
3- من المعلوم بلا أدنى
شكّ: أنّ فاطمة بنت
أسد زوجة أبي طالب مسلمة
وأنها اعتنقت الإسلام منذ
وقت طويل و تركت وطنها
بسبب دينها. فلو لم يكن
أبو طالب مسلماً لما جاز
لها كإنسانة مسلمة أن
تبقى معه وقتها.
4- قال العلّامة الحلبي
في سيرته ما نصّه:
فذكر أنّ أبا طالب لما
حضرته الوفاة جمع إليه
وجهاء قريش، (وبني هاشم)
فأوصاهم، وكان من وصيته
أن قال: "يا معشر قريش،
أنتم صفوة الله من خلقه،
وقلب العرب، فيكم المطاع،
وفيكم المقدام الشجاع،
والواسع الباع، لم تتركوا
للعرب في المآثر نصيباً
إلا أحرزتموه، ولا شرفاً
إلا أدركتموه، فلكم بذلك
على الناس الفضيلة، ولهم
به إليكم الوسيلة، أوصيكم
بتعظيم هذه البنية (أي
الكعبة) فإنّ فيها مرضاة
للربّ وقواماً للمعاش،
صِلُوا أرحامكم ولا
تقطعوها، فإنّ في صِلة
الرحم منسأة (أي فسحة) في
الأجل وزيادة في العدد،
واتركوا البغي والعقوق،
ففيهما هلكت القرون
قبلكم، أجيبوا الداعي،
وأعطوا السائل، فإنّ
فيهما شرف الحياة
والممات، وعليكم بصدق
الحديث، وأداء الأمانة
فإنّ فيهما محبّة في
الخاصّ، ومكرمة في
العامّ، وإني أوصيكم
بمحمّد خيراً فإنه الأمين
في قريش والصدّيق في
العرب، وهو الجامع لكلّ
ما أوصيكم به، وقد جاء
بأمر قبله الجَنان،
وأنكره اللسان مخافة
الشنآن، وأيم الله كأني
أنظر إلى صعاليك العرب،
وأهل الوبر في الأطراف
والمستضعفين من الناس قد
أجابوا دعوته، وصدّقوا
كلمته، وعظّموا أمره،
فخاض بهم غمرات الموت،
فصارت رؤساء قريش
وصناديدها أذناباً،
ودورها خراباً، وضعفاؤها
أرباباً، وإذا أعظمُهم
عليه أحوجُهم إليه،
وأبعدُهم منه أحظاهم
عنده، قد محضَتْه العرب
وِدادها، وأعطته قيادها،
دونكم يا معشر قريش،
كونوا الولاة، ولحزبه
حماة، والله لا يسلك أحد
منكم سبيله إلّا رشد، ولا
يأخذ أحد بهديه إلا
سعد"8.
وعن الإمام الباقر عليه
السلام قال بهذا الخصوص
ما معناه أنّ إيمان أبي
طالب عليه السلام أفضل من
إيمان كثير من الآخرين.
|