تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿أَوَلَمْ
يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ كَانَتَا
رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء
كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ
أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾1.
الهدف:
بيان المعاني الحقيقية
لمفهوم الحياة الإنسانية
ومدى أهميتها وقداستها في
الإسلام.
المقدَّمة
لعلّ البعض يخلط بين نظرة
القرآن إلى الدنيا ونظرته
إلى الحياة الإنسانية في
هذه الدار الدنيا، فهو إذ
قلّل من شأن الدنيا
معتبراً إياها دار ممرّ
إلى الآخرة ومحلّ ابتلاء
للإنسان رفع من قيمة
الحياة الإنسانية فيها
إلى حدّ القداسة بحيث
شكّلت النظرة القرآنية
لمفهوم الحياة الإنسانية
مدخلاً أساسيّاً لتصحيح
مسيرة الإنسان والارتقاء
بدوره الذي أوكل إليه
ليحقّق الإرادة الإلهية،
وليبتعد عن كلّ ما يسلب
الإنسان حياته أو يعكّرها
ويسلبه جمالها ورقيّها.
محاور الموضوع
لا شكّ أنّ أيّ خلل في
نظرة الإنسان لمعنى
الحياة سوف ينعكس على
سلوكه وأفعاله ومختلف
تصرفاته وإنجازاته، ولذلك
سعى القرآن الكريم لتصحيح
هذا المفهوم وتأصيله في
الثقافة والفكر الإنساني
ليقوم المجتمع بقيم
الحياة وفق نظرة جديدة لا
تقتصر على الإدراكات
والمحسوسات التي
تحيط بنا بل تتعدّاها إلى
ما هو أكثر سعةً ورحابةً
بحيث تشمل كافّة الأبعاد
الحقيقية للإنسان،
فالحياة نبض وجود الإنسان
على الأرض ومن دونها
فمثله كمثل الأموات.
الحياة الحقيقية
وحقيقة الحياة في مدرسة
الإمام عليّ عليه السلام
ليست في بعدها المعيشيّ
بل بمقدار ارتباط المرء
بربّه، فيقول: "لا
حياة إلّا بالدين، ولا
موت إلّا بجحود اليقين،
فاشربوا العذب الفرات،
ينبّهكم من نومة السبات،
وإياكم والسمائم
المهلكات"2.
معاني الحياة
1- التوحيد: إنّ
توحيد المرء لربه أعلى
درجات الارتباط بالله
تعالى، وهو السبيل إلى
خلاصه وانعتاقه من قيود
الشهوات والرذيلة، ولذلك
ورد عن الإمام عليّ عليه
السلام: "التوحيد حياة
النفس"3.
2- الذكر الجميل:
عن الإمام علي عليه
السلام: "الذكر الجميل
إحدى الحياتين"4.
3- العلم: وبه يطرد
الإنسان حياة الجاهلية
التي هي شكل من أشكال موت
الإنسان، هذا الموت الذي
جاء رسول
اللهصلى الله عليه
وآله وسلم ليرفعه عن
البشرية وليستبدل به
حياةً حقيقية، فعن الإمام
عليّ عليه السلام:
"العلم إحدى الحياتين"5.
وعنه عليه السلام: "اكتسبوا
العلم يكسبكم الحياة"6.
4- الهداية: قال
تعالى:
﴿وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ
جَمِيعًا﴾7.
فعن الإمام الصادق عليه
السلام
- لما سئل عن
الآية - قال: "من
أخرجها من ضلال إلى هدى
فكأنما أحياها، ومن
أخرجها من هدى إلى ضلال
فقد قتلها"8.
وعن الإمام الباقر عليه
السلام
- أيضاً -: "من
حَرقٍ أو غَرقٍ،
قلت: فمن أخرجها من
ضلال إلى هدى؟ قال: ذاك
تأويلها الأعظم"9.
5- الولاية: قال
تعالى:
﴿أَوَ
مَن كَانَ مَيْتًا
فَأَحْيَيْنَاهُ
وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا
يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ
فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ
بِخَارِجٍ مِّنْهَا
كَذَلِكَ زُيِّنَ
لِلْكَافِرِينَ مَا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾10.
فالولاية هنا جاءت
لتستنقذ الإنسان من ظلمات
التيه والضلال والإنحراف
والتخبّط في الحياة بدون
الاهتداء إلى الصراط
القويم، ووصفت هذا
الاستنقاذ على أنه الحياة
بعد الموت، وأنّ الولاية
هي النور الذي يمشي به
بين الناس والتي لولاها
كان ميتاً لا يهتدي إلى
شيء.
الحكمة: فعن الإمام
علي عليه السلام:
"اعلموا أنه ليس من شيء
إلا ويكاد صاحبه يشبع منه
ويملّه، إلّا الحياة فإنه
لا يجد في الموت راحة،
وإنما ذلك بمنزلة الحكمة
التي هي حياة للقلب
الميت، وبصر للعين
العمياء، وسمع للأذن
الصمّاء، وريّ للظمآن،
وفيها الغنى كله
والسلامة"11.
فكما أن الإنسان يرفع
ظمأه بالماء فكذلك يرفع
ظمأ حاجاته المعنوية
بالحكمة فتضفي على وجوده
معنىً آخر وقيمةً أخرى.
وعن الإمام الصادق عليه
السلام: "طعم الماء
الحياة"12.
أهميّة الحياة وقيمتها:
قال تعالى:
﴿مَن
قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ
نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي
الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا
قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا
وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعًا﴾13.
ولا يقوم القرآن بالتأصيل
لقيم الحياة فحسب، وإنما
يسنّ القوانين والأحكام
لحفظ هذه القيم، فينهى عن
مساس بهذه الحياة مشدّداً
على قداستها ويؤسّس
للعديد من القيم والقواعد
التي يستهدف من خلالها
الحفاظ على الحياة كقاعدة
"الحدود تُدرأ
بالشبهات"، وقاعدة "دم
المسلم لا يذهب هدراً"،
وقاعدة "نفي الميراث
للقاتل"، وقاعدة
"كل عضو يقتص منه مع
وجوده وتؤخذ الدية عند
فقده"، وغيرها من
القواعد الفقهية التي صان
فيها الدين الإسلامي حرمة
الحياة الإنسانية.
ومن هنا فمن المهمّ
الإشارة إلى الأمور
التالية:
1- حرمة أيّ نوع من أنواع
القتل والاغتيال والخطف
وحجز الناس والتعدي بأيّ
شكل من الأشكال على حياة
الآخرين.
2- حرمة دماء المسلمين
على بعضهم البعض مهما
كانت النزاعات والخلافات،
وقد توعّد القرآن الكريم
على ذلك بالنار الأبدية.
3- تجب حماية الدم
الإنساني في كلّ مكان،
فحياة الناس جميعاً على
اختلاف مللهم ونِحَلهم
لها احترامها وقداستها في
الشرع وقد ورد عن أمير
المؤمنين عليّ عليه
السلام وقد قضى في رجل
أقبل بنار فأشعلها في دار
قوم، فاحترقت واحترق
متاعهم: "يغرم قيمة
الدار وما فيها، ثم يقتل"14.
|