تصدير الموضوع:
قال تعالى:﴿تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ
لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا
فِي الْأَرْضِ وَلَا
فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ﴾1.
الهدف:
التنبيه إلى الأشكال
المختلفة التي يتشكل بها
الفساد في مجتمعاتنا
والإشارة إلى ضرورة
مواجهته بكافة الوسائل.
المقدمة
إن التصدي للفساد سواء
كان حالات فردية أو ظاهرة
اجتماعية يعتبر حاجة
دينية وأخلاقية وإنسانية
بل ضرورة من ضروريات
الحياة التي لا يمكن أن
تستقيم دونها، وهذا الأمر
له وسائله العلمية التي
تحتاج إلى دراسة أي ظاهرة
وطبيتعها وأسبابها أو
دوافعها ونوعها ومحركاتها
وإظهار آثارها السلبية
والمدمرة للمجتمع أفراداً
وجماعات، وخطرها على
انهيار القيم والمثل
والمعايير، والتمسك
بمبادىء الإسلام بقيمه
ومثله ومعاييره
وأخلاقياته وقواعده
وفضائله خياراً وحيداً في
بناء المجتمع الصالح
والمؤمن، فالإسلام مدرسة
جامعة في الطهر والطهارة
والعفة والصدق والأمانة،
ودعوة للإصلاح والبناء
والسلوك القويم والبعد عن
كل مظاهر الفساد الذي بات
وباءً شديد الوطأة وسريع
الانتشار في الوقت
الراهن.
من مظاهر وأشكال
الفساد
الفساد الفكري: أي عدم
الإيمان بالله، قال الله
عز وجل
﴿وَمِنهُم
مَّن يُؤْمِنُ بِهِ
وَمِنْهُم مَّن لاَّ
يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ
أَعْلَمُ
بِالْمُفْسِدِينَ﴾2قال
تعالى:
﴿أَمْ
نَجْعَلُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ
كَالْمُفْسِدِينَ فِي
الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ
الْمُتَّقِينَ
كَالْفُجَّارِ﴾3.
فالفساد نتيجة طبيعية
للإبتعاد عن الله لأنه
على طرف النقيض مع
الإيمان، ولا ينبغي أن
نتأمل الإصلاح من غير أهل
الصلاح، قال تعالى:
﴿فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِن
تَوَلَّيْتُمْ أَن
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ﴾4.
الفساد الإقتصادي:
﴿وَلَا
تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَاءهُمْ وَلَا
تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ
مُفْسِدِينَ﴾5،
فالغش في الكيل أو في
الميزان وفي سائر
المعاملات الإقتصادية
والمالية وما له علاقة
بالأجور والضمانات
والتقديمات، ومعايير
المساواة والعدالة في
التوزيع، وأخذ الرشاوى
واستغلال المناصب والتعدي
على المال العام وغير ذلك
من السلكيات التي نهى
عنها الإسلام في الحقل
التجاري وفي سائر حقول
الحياة،
وكم نحن اليوم بأمس
الحاجة في هذه الأيام إلى
التمسك بأخلاقيات الإسلام
وقيمه في تعاملاتنا
الاقتصادية.
وهذا النوع من الفساد
يستشري اليوم في كافة
المجتمعات وهناك من يشجّع
عليه، بل ويجد فيه لذة
ومتعة ومنفعة وإشباعاً
لأطماعه وحاجاته وغرائزه
وشهواته وعلله المرضية.
الفساد السياسي: قال
تعالى:
﴿يُذَبِّحُ
أَبْنَاءهُمْ
وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ
إِنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُفْسِدِينَ﴾6.
يحذر الدين الإسلامي من
ممارسة الفساد على يد من
يتولون الحكم أو الإدارة
أو السيطرة على المجتمع،
ويعطي النموذج الفرعوني
شاهداً على ذلك، وكما
نلاحظ اليوم أن بعض
الأشخاص قد يظلون على قيم
حتى إذا ما تولوا السلطة
تحولوا إلى ظلمة وطغاة
وجبابرة وعدوانيين وسادهم
الطمع والجشع والغرور
والتعالي حتى مع الذين
ساعدوهم في تولي السلطة.
ومن أبشع مظاهر الفساد
السياسي مواجهة الدعوة
الإلهية
باعتبارها
فساداً في الأرض، قال
تعالى حكايةً عن أصحاب
فرعون:
﴿أَتَذَرُ
مُوسَى وَقَوْمَهُ
لِيُفْسِدُواْ فِي
الأَرْضِ﴾7
، وكما حدث مع الحسين
عليه السلام وأصحابه
عندما صوّروهم كخارجين عن
الإسلام وقالوا تلك
المقالة الزائفة بأن
الحسين قُتل بسيف جدّه.
الفساد الإجتماعي: قال
تعالى
﴿وَلاَ
تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ
بَعْدَ إِصْلاَحِهَا
وَادْعُوهُ خَوْفًا
وَطَمَعًا﴾8
وذلك إشارة إلى أن الأرض
مخلوقة بنظام تام، يكفل
لها صلاحها، والإنسان هو
الذي يفسدها، كما يلاحظ
اليوم في مشكلة تلويث
البيئة الطبيعية، إنما
يحدث التلوث المائي أو
الهوائي أو الأرضي على يد
الإنسان المعاصر بما
يطلقه فيها من سموم
وأبخرة وأتربة وغبار
ودخان وغازات سامة
وجراثيم وما يقوم به من
اعتداءات على البيئة
فيصيبها بالتصحر والجفاف،
ويقوم بتجريف الأرض
الزراعية، ويلقي بمخلفاته
في مجاري المياه العذبة.
ولعل من أبرز أشكال
الفساد الإجتماعي القضاء
على روحية الإنسان وقيمه
وتدمير الروح الإنتاجية
والمعطاءة في نفسه كما
عبّر الله تعالى بقوله:
﴿لِيُفْسِدَ
فِيِهَا وَيُهْلِكَ
الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ
الفَسَادَ﴾9.
الفساد الأخلاقي: قال
تعالى
﴿وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ لاَ
تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ
قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ
مُصْلِحُونَ﴾10
، ولا شك أن هذا النوع من
الفساد يأبى مرتكبوه
الإعتراف به، بل يصوّرونه
على أنه إصلاح وهدى من
باب التضليل وقد يتوهم
ذلك فعلاً من جراء قصر
بصيرته ووعيه وإدراكه.
كما أن الفساد الأخلاقي
قد لا يقتصر على المعاصي
كالسرقة والزنا وتفشي
الرذيلة والفحشاء في
المجتمع بل قد يقود إلى
حدوث الفتن والصراعات
والنزاعات العرقية
والطائفية والمذهبية
فيعكر صفاء الحياة ويصبح
نوعاً من أنواع الفساد
السياسي.
أسس علاج الفساد
التذكير بالآخرة: قال
تعالى
﴿وَارْجُوا
الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا
تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ
مُفْسِدِينَ﴾11
فتربية الإنسان على
الإيمان بالله وحده وعلى
رجاء الفوز باليوم الآخر
ومخافته وخشية حساب الله
فيه وعقابه العاصين،
واعتبار أنَّ الفوز
والخسران مرتبطان بحسنات
الإنسان وسيئاته، وتعزيز
هذه الثقافة يجعل من
المجتمع مجتمعاً مصاناً
من أي تلوث أخلاقي أو
تردي إلى الفساد
والإنحطاط.
إيقاظ الضمير الأخلاقي:
فالضمير الأخلاقي من أهم
عناصر بناء الشخصية في
الإسلام، فهو عبارة عن
القوة الرادعة داخل
الإنسان، وهو مستودع
القيم والمثل والمعايير
والمبادئ الأخلاقية
والمثالية والفضائل
والسمات الحميدة، وأفضل
ما يتكون عن طريق التربية
الإسلامية على حب قيم
الحق والخير والجمال
والعفة والفضيلة والتقوى
والأمانة والصدق والولاء
والكرم والجود، وعن طريق
الضمير الحي يستطيع
الإنسان
أن يميز بين الصواب
والخطأ بالنسبة لسلوكه
كما يستطيع أن يميز
الفساد وأهله من الصلاح
وأهله في الحياة ببركة
نعمة الضمير الإلهية.
تصدي المجتمع
وهذا يتطلب سلوكين من
العمل أحدهما إيجابي
والآخر سلبي:
أما السلوك الإيجابي
فيتمثل بالتوعية على
مواجهة الفساد منذ الصغر،
والتنشئة الإسلامية تتعهد
الطفل منذ نعومة أظافره
وتغرس فيه قيم الحق
والعدل والمساواة والواجب
وتحمل المسؤولية والإيمان
بالله العظيم ورسوله
الكريم وبالآخرة، والصدق
والأمانة والعفة والتمسك
بالشرف والشجاعة والرجولة
والكرم والجود والكفاح
والنضال والجهاد في سبيل
إعلاء كلمة الحق، والدفاع
عن الأمة الإسلامية، وحب
الإسلام والتمسك به قولاً
وفعلاً أو عقيدة وسلوكاً.
وأما السلوك السلبي فيعني
معاقبة كل ما من شأنه
الإضرار بالمجتمع الذي له
حق الحياة الكريمة وقمع
كافة أشكال
الفساد
سيما بعد فشل السلوك
الإيجابي، ومن هنا كان
تشريع الحدود والديات
والكفارات والسجون وسواها
من العقوبات التي تنشر
الحياة بين الناس، قال
تعالى:
﴿وَلَكُمْ
فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ
يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ﴾12.
|