تصدير الموضوع:
عن الإمام علي عليه
السلام في كتابه لمحمد بن
أبي بكر حين ولاّه مصر:
"ولا تُسخط الله برضى
أحدٍ من خَلقه"1.
الهدف:
التنبيه إلى أن الناس قد
يحاولون الإيقاع بأهل
الإيمان وجرّهم إلى دائرة
مصالحهم وتسخير الدين وفق
أهوائهم ومشتهياتهم.
المقدمة
اعلم أن البعثة بالنبوة
إنما بنيت على أساس
الهداية إلى الحق وبيانه
والانتصار له، فعليهم -
أي الأنبياء - أن يتجهزوا
بالحق في دعوتهم،
وينخلعوا عن الباطل
ويتقوا شبكات الضلال
أيّاً ما كانت، سواء وافق
ذلك رضا الناس أو سخطهم،
واستعقب طوعهم أو كرههم،
ولقد ورد منه تعالى أشد
النهي في ذلك لأنبيائه
وأبلغ التحذير حتى عن
إتباع الباطل قولاً
وفعلاً بغرض نصرة الحق،
فإنّ الباطل باطل سواء
وقع في طريق الحق أو لم
يقع، والدعوة إلى الحق لا
تجامع تجويز الباطل ولو
في طريق الحق، والحق الذي
يهدي إليه الباطل وينتجه
ليس بحق من جميع جهاته.
ولذلك قال تعالى:
﴿وَمَا
كُنتُ مُتَّخِذَ
الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾2
، وقال تعالى:﴿وَلَوْلاَ
أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ
كِدتَّ تَرْكَنُ
إِلَيْهِمْ شَيْئًا
قَلِيلاً
*
إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ
ضِعْفَ الْحَيَاةِ
وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ
لاَ تَجِدُ لَكَ
عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾
3
فلا مساهلة ولا ملابسة
ولا مداهنة في حق، ولا
حرمة لباطل4.
بركات تقديم رضا الله
سلوك الأنبياء: قال
تعالى:﴿مَّا
كَانَ عَلَى النَّبِيِّ
مِنْ حَرَجٍ فِيمَا
فَرَضَ اللَّهُ لَهُ
سُنَّةَ اللَّهِ فِي
الَّذِينَ خَلَوْا مِن
قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ
اللَّهِ قَدَرًا
مَّقْدُورًا﴾5.
وقال تعالى عن لسان نوح
عندما عرض عليه أهل
الدنيا استبدال أصحابه
بهم
﴿وَمَآ
أَنَاْ بِطَارِدِ
الَّذِينَ آمَنُواْ﴾6.
خير الدنيا والآخرة: كتب
رجل إلى الحسين بن علي
عليه السلام: يا سيدي،
أخبرني بخير الدنيا
والآخرة. فكتب إليه: بسم
الله الرحمن الرحيم، أما
بعد فإنه من طلب رضا الله
بسخط الناس كفاه الله
أمور الناس، ومن طلب رضا
الناس بسخط الله وكَلَه
الله إلى الناس، والسلام7.
الرحمة الإلهية: وقد وعد
بها القرآن الكريم من
يعرض عن الناس في سبيل
الله، قال تعالى:
﴿وَإِمَّا
تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ
ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن
رَّبِّكَ تَرْجُوهَا
فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً
مَّيْسُورًا﴾8.
صعوبة رضا الناس
فرضا الناس غاية لا تدرك
وسبيل لا يُنجي بل أكّد
القرآن الكريم في أكثر من
موقع أن أكثر الناس
يضلّونك عن سبيل الله.
وعن علقمة قال: فقلت
للصادق عليه السلام: يا
بن رسول الله، إن الناس
ينسبوننا إلى عظائم
الأمور، وقد ضاقت بذلك
صدورنا. فقال عليه
السلام: يا علقمة، إن رضا
الناس لا يُملك، وألسنتهم
لا تُضبط، فكيف تسلمون
مما لم يسلم منه أنبياء
الله ورسله وحججُه عليه
السلام ؟9
وعليه فالرهان على رضا
الناس من أيٍ شخصٍ كان
مهما علت مكانته رهانٌ
خاسر.
آثار تقديم رضا الناس
على رضا الله
الخروج من الدين: قال أبو
جعفر عليه السلام: لا دين
لمن دان بطاعة من عصى
الله، ولا دين لمن دان
بفرية باطل على الله، ولا
دين لمن دان بجحود شيئٍ
من آيات الله10.
عن أبي عبد الله عن أبيه
عليه السلام ، عن جابر بن
عبد الله الأنصاري قال:
قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "من أرضى
سلطاناً بسخط الله خرج من
دين الله"11.
وهذا أمر طبيعي فالدين في
جوهره هو أن يقدّم المرء
رضا الله على مصلحته وما
يرضي الناس.
النتائج المعاكسة: عن أبي
جعفر عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "من طلب
مرضاة الناس بما يسخط
الله كان حَامدُه من
الناس ذامّاً، ومن آثرَ
طاعة الله بغضب الناس
كفاه الله عداوة كلّ عدو،
وحَسد كلّ حاسد، وبَغي
كلّ باغٍ، وكان الله عز
وجلّ له ناصراً وظهيراً"12.
ونفس المعنى ورد عن أبي
عبد الله عليه السلام
قال: كتب رجل إلى الحسين
صلى الله عليه وآله وسلم:
عظني بحرفين، فكتب إليه:
"من حاول أمراً بمعصية
الله كان أفوت لما يرجو
وأسرع لمجيئ ما يحذر"13.
أي أنه لن يفوز بما كان
يرجوه ولن يسلم مما كان
يفر منه.
وقال تعالى عن لسان نبي
الله يوسف عليه السلام:
﴿قَالَ
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِمَّا
يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾14،
فالسجن على مرارته
وعذاباته نرى أن يوسف
عليه السلام فضّله على
عرض المعصية، بل اعتبره
محبباً ما دام في رضا
الله.
فالسجن لم يمنع يوسف عليه
السلام من الوصول الى ما
قدّره الله له من السلطة
والمقام الرفيع بما عصم
نفسه عن المعصية.
سوء العاقبة: في حديثٍ عن
الإمام الصادق عليه
السلام يعدد فيه بعض
أصناف الضالين المنحرفين
المتّبعين لأهوائهم
فيقول: جاهلٌ متردي
معانقٌ لهواه، وعابدٌ
متقويّ كلما ازداد عبادةً
ازداد كبراً، وعالمٌ يريد
أن يوطأ عقباه ويحب محمدة
الناس15.
أي عالمٌ يعمل على كسب
مودة الناس على حساب رضا
ربه، ولذلك ورد في الدعاء
أن من مكارم الأخلاق..
"والقول بالحق وإن عزّ".
ومثله ما روي عن رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم: من طلب العلم لأربع
دخل النار: ليباهي به
العلماء، أو يماري به
السفهاء، أو ليصرف وجوه
الناس إليه، أو يأخذ به
من الأمراء16.
|