تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿وَالسَّمَاء
رَفَعَهَا وَوَضَعَ
الْمِيزَانَ *
أَلَّا تَطْغَوْا فِي
الْمِيزَان﴾1.
الهدف:
ربط المحافظة على النظام
العام بروح الشريعة وأنها
من اللوازم الطبيعية
للإلتزام والتدين.
المقدمة
لا شك أن ضرورة وجود
النظام العام والإلتزام
به مسألة بديهية لا تحتاج
إلى دليل أو برهان، بل أن
الحياة الإنسانية ونظراً
لتشابك مصالحها لا يمكن
أن يحيا الإنسان بها دون
وجود الأنظمة العامة التي
توفر له الحياة الكريمة،
إلا إنّ المهم اليوم في
مجتمعاتنا هو ضرورة بث
هذه الثقافة التي تدفع
الناس إلى الإلتزام
والتقيد بهذه القوانين
وفهم ضروراتها والأخطار
الناجمة عن عدم التقيد
بها فضلاً عن البعد
الشرعي الذي يزيد الإنسان
بالإضافة إلى مخالفته
القانونية مخالفة شرعية
بل وقد يصل التعدي على
هذه الأنظمة إلى حدّ
الإضرار بحياة الناس
وبالتالي يتحول الإنسان
إلى كائنٍ ظالم ومفسد
ينبغي معاقبته.
تعريف النظام العام
النظام العام عبارة عن
مجموعة القواعد والضوابط
التي
يتوقّف
عليها استقرار وتوازن
الحياة الإنسانية على
الأصعدة الاجتماعية
والسياسية والأمنية
والاقتصادية كافة.
ومن الواضح أن نقيض
النظام العام ليس سوى
الفوضى والهرج والمرج
وتفشي شريعة الغاب بكل ما
تستتبعه من فساد ورذيلة
وفقدان التوازن وشيوع
الجريمة وغلبة الأقوى
وانعدام أي شكل من أشكال
العدالة وإنحطاط على كافة
المستويات.
النظام الكوني العام
وأدنى نظرة فاحصة لما
حولنا من سماء وأرض وبحار
وأنهار.. تحتّم على المرء
الإذعان بأنّ هذا الكون
خُلق بأبهى صورة وأحسن
نظام، وأنه ليس بالإمكان
أبدع مما كان، فلا خلل
ولا عيب ولا نشوز
ففي خلق السماء قال
تعالى:
﴿الَّذِي
خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي
خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن
تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ
الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن
فُطُورٍ
* ثُمَّ
ارْجِعِ الْبَصَرَ
كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ
إِلَيْكَ الْبَصَرُ
خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ﴾2.
وقال تعالى:
﴿وَلَقَدْ
زَيَّنَّا السَّمَاء
الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ
وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا
لِّلشَّيَاطِينِ
وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ
عَذَابَ السَّعِيرِ
﴾3.
وفي خلق الأرض قال تعالى:
﴿وَالْأَرْضَ
مَدَدْنَاهَا
وَأَلْقَيْنَا فِيهَا
رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا
فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ
بَهِيجٍ﴾4.
وفي خلق الإنسان قال
تعالى:
﴿لَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنسَانَ
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾5.
وقال تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ
وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُ الْحَقُّ﴾6.
إن هذا النظام الكوني
الذي يجتاح الكون بأكمله
دليل على أن حفظ النظام
العام الذي نادت به
الشرائع السماوية
والأنظمة الوضعية بل حتى
الأنظمة البدائية ما هو
إلا دافعٌ للإنسان لكي
يعيش منسجماً مع محيطه
وعالمه بل وكونه المنظم
وان الخروج عن ذلك خروجٌ
إلى الفوضى والضياع
واللامسؤولية.
العبادات وأثرها في
حفظ النظام
إن العبادات في جوهرها
ليست تنظيماً لحياة الفرد
مع ربه فحسب بل تتعدى ذلك
إلى تنظيم علاقة الإنسان
بمحيطه ومجتمعه، بل لعل
الجانب الأهم في العبادات
هو ما يرتبط بالحياة
العامة وتنظيمها، وهو في
الواقع يعتبر محور
الشرائع وروح العبادات
وجوهر الإرتباط الحقيقي
بالله تعالى، فالصلاة
التي تمثل حالة عروج روحي
إلى الله تسهم في إيجاد
ضابط أخلاقي عند المصلّي
يمنعه من الاعتداء على
حقوق الآخرين، قال تعالى:
﴿إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾7.
والصوم أيضاً له بعده
العام الذي يشارك فيه
الصائم الآخرين بمشاعر
الجوع والعطش فتخلق فيه
حافز المبادرة إلى قضاء
حوائج الآخرين، أما
الزكاة والخمس والصدقة
والكفارات والهدية
والفدية وسواها من
العبادات المالية فإن
جوهرها الحقيقي حفظ
النظام العام من أخطار
الفقر والعوز والجهل وما
تستتبعه هذه الظلمات من
مآسٍ وويلات.
وأما فريضة الحج فهي لا
تنقل العبادة من دائرة
الفرد الضيقة إلى دائرة
المجتمع فحسب بل تسمو به
ليكون جزءاً من نظام
الأمة وفاعلاً فيه وترقى
به ليصبح فرداً يحمل هموم
الأمة ويسعى لتحقيق
أهدافها ويبذل ما بوسعه
ليخفف من آلامها ما
أمكنه.
الإطار العام للعبادات
لعل من أكبر الشواهد على
البعد العام للعبادات ما
روي عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: أن
على كل مسلم في كل يوم
صدقة، فقال رجل: ومن يطيق
ذلك ؟ فقال صلى الله عليه
وآله وسلم: إماطتك الأذى
عن الطريق صدقة، وإرشادك
الرجل إلى الطريق صدقة،
وعيادتك المريض صدقة،
وأمرك بالمعروف صدقة،
ونهيك عن المنكر صدقة،
وردّك السلام صدقة8.
وبالتأمل في شواهد هذا
الحديث والتي نجد أن
البعد الأساسي فيه له
علاقة بتنظيم الحياة
العامة وإيجاد التوازن
فيها،
فمفهوم الصدقة -كغيره من
المفاهيم - لم يعد أمراً
مالياً فحسب بل أوسع رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم دائرتها لتشمل كل
العناوين المرتبطة
بالنظام العام وأدرجها في
دائرة العبادات.
|