تصدير الموضوع:
عن أمير المؤمنين لولده
الحسن: ".. ووجدتك بعضي
بل وجدتك كلّي وكأن الذي
أصابك أصابني، وكأن الموت
لو أتاك أتاني"1.
الهدف:
بيان ما أعدّ الله تعالى
من الفضل في الدنيا
والآخرة للأهل الذين
يحسنون تربية أبناءهم.
المقدمة
لا يخفى ما لتربية
الأبناء من أهمية عظيمة
في صلاح المجتمع المسلم
وصيانة الأمة ودفع شتى
صنوف المكائد والمؤامرات
التي تحاك ضدها سيما مع
ازدياد حجم التحدي
الثقافي ووسائله وأدواته
ومغرياته التي قد تصيب
البعض بالإحباط فضلاً
عمّا نجده اليوم من إهمال
وتسيّب من قبل بعض الآباء
والأمهات إما لجهلهم وإما
لانشغالهم عن أبنائهم
وإمّا لأنهم لم يجعلوا
تربيتهم جزءً من عملهم
وضروريات حياتهم، وإما
لسوء أخلاقهم وعصيانهم،
مع أننا نقرأ في الشرع
الحنيف ضرورة تقديم
التربية والتعليم على أي
عملٍ آخر فهما روح
العبادة وهدف الشريعة
والغاية من الفرائض
فثوابهما لا يقارن بثواب
وفضلهما أسبق من كل فضل.
1- للأهل أجر صالح
أعمال الأبناء
عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "مَنْ
دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ
لَهُ مِنْ الْأَجْرِ
مِثْلُ أُجُورِ مَنْ
تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ
ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ
شَيْئًا وَمَنْ دَعَا
إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ
عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ
مِثْلُ آثَامِ مَنْ
تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ
ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ
شَيْئًا"2
، فالأهل يشاركون أبناءهم
في الثواب والأجر
والحسنات ولهم ما
لأولادهم من كل عملٍ صالح
وسنّةٍ حسنة وفعل خير
كانوا يعلّمونه لهم، وهذا
من أعظم الفضل الذي يجده
الإنسان يوم القيامة،
وهذا الكلام كما يشمل
الأهل فإنه يشمل كل من
يقدّم للأبناء معرفة أو
نصيحة أو يهديه إلى
الخير.
2- بقاء العمل بعد
الموت
عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "إِذَا
مَاتَ الْإِنْسَانُ
انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ
إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ
صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ
وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ
وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو
لَهُ"3.
فالأولاد بنص هذا الحديث
من أعمال الإنسان التي
تبقى بعد موته، والأعمال
منها ما هو صالح يؤجرون
عليه، ومنها ما هو دون
ذلك، ألا ترى أن القرآن
الكريم عبّر عن ابن نوح
بالعمل غير الصالح إذ قال
تعالى:﴿قَالَ
يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ
مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾4.
3- ثواب تربية البنت
عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "مَنْ
كَانَ لَهُ ثَلَاثُ
بَنَاتٍ فَصَبَرَ
عَلَيْهِنَّ
وَأَطْعَمَهُنَّ
وَسَقَاهُنَّ
وَكَسَاهُنَّ مِنْ
جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ
حِجَابًا مِنْ النَّارِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ"5
، وتخصيص البنت إشارة إلى
ضرورة العناية اللازمة
كونها تتميز بالرقة
والضعف ولا تقوى على ما
يقوى عليه الشاب بالإضافة
لى محاربة العادات
الجاهلية التي كانت تحتقر
البنت وتعتبرها عاراً يجب
التخلص منه، وفي روايةٍ
أخرى: "مَنْ عَالَ
جَارِيَتَيْنِ حَتَّى
تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَنَا
وَهُوَ وَضَمَّ
أَصَابِعَهُ"6.
و"من عال" معناه من قام
عليهما بالمؤنة والتربية
والتعليم والوقوف إلى
جانبهما في كافة الأحوال،
وهذا الحديث أكثر فضلا
فصحبة النبي صلى الله
عليه وآله وسلم أعلى
منزلة من مجرد النجاة من
العذاب، وكذلك هو أوسع
معنى بحيث يشمل من عال
غير ابنتين كأن يكن أختين
أو نحو ذلك.
وقال صلى الله عليه وآله
وسلم:"مَنْ ابْتُلِيَ
مِنْ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ
فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ
كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ
النَّار7ِ.
4- التكريم في الدنيا
بالذكر الحسن
فإن الله تعالى مدح
نبيَّه إسماعيل عليه
السلام في كتابه فكان من
أهم ما أثنى به عليه أنه
كان مهتماً بأهله يأمرهم
بالصلاة ويربيهم على
العبادة، فقال سبحانه:
﴿وَكَانَ
يَأْمُرُ أَهْلَهُ
بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ وَكَانَ
عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾8.
وكرّم لقمان فذكره باسمه
في القرآن، مع أنه لم
يذكر كثيرا من الأنبياء
فيه، وما ذلك إلا لوصيته
العظيمة لابنه ولحرصه على
تربيته على العقيدة
الصحيحة والأخلاق
الفاضلة، قال تعالى:﴿وَإِذْ
قَالَ لُقْمَانُ
لِابْنِهِ وَهُوَ
يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا
تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ﴾9.
فهذا الجهد المبارك في
تربية الأبناء كان مورد
رضا وقبول الله تعالى
فأورده في كتابه ليكون
سنّة
دائمة
يتأسى بها العباد
الصالحون لى يوم القيامة.
5- شرف عظيم يوم
القيامة
وكل مكرمة يعلّمها الأهل
لأبنائهم تزيد من مقامهم
ودرجتهم يوم القيامة حتى
يبلغ المرء بذلك أعلى
الدرجات، ولمّا كان تعليم
القرآن أفضل العلوم التي
لا يُستغنى عنها لكل فرد
منّا نرى أن الله خصّ هذه
الفضيلة ببيان ثوابها
الجزيل يوم القيامة فقد
ورد عن النبي صلى الله
عليه وآله
وسلم:"......ويُكسى
والداه حلتان لا يقوم
لهما أهل الدنيا فيقولان
بما كسينا هذا فيقال بأخذ
ولدكما القرآن"10.
وفي المقابل فإن كل
منقصةٍ يكتسبها الأبناء
من آباءهم ستترك إثمها
وعارها عليهم فقد ورد عن
النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: "كفى بالمرء إثماً
أن يضيّع من يعول"11..
فإن كان في تربيتهم حفظهم
ورعايتهم الأجر والثواب
وعالي الدرجات فإن في
ضياعهم الإثم والعقاب
والعذاب.
|