تصدير الموضوع:
قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "إن
الله سائل كل راع عما
استرعاه، أحفظ ذلك أم
ضيّعه، حتى يُسأل الرجل
عن أهل بيته"1.
الهدف:
التعريف بالوسائل
المتعددة التي يمكن
اعتمادها في مجال تربية
الأبناء وضرورة اتباعها.
المقدمة
من المفيد الإشارة إلى أن
الوسائل التي يمكن
اتباعها في تربية الأبناء
متعددة ومتنوعة، وهي
تختلف باختلاف العمر
والبيئة والمستوى الثقافي
ونسبة التجاوب وردود
الفعل كما من المفيد
الإشارة إلى أن اختيار
الوسيلة وتشخيصها أمرٌ في
غاية الدقة، ولعل العدول
عنها قد يؤدي إلى نتائج
عكسية، فضلاً عن ضرورة
اختيار طريقة إيصال
الفكرة بشكل علمي دقيق،
وهل ينبغي أن تكون
تلقينية أو تعليمية أو
إيحائية أو حوارية، وكلُّ
ذلك من المهم مراعاته
وعدم التهاون به سيما
أننا أمام مسؤولية كبرى
وترتبط بدائرة عزيزة هي
فلذات الأكباد.
وهنا سنشير إلى أهم
الأنواع والوسائل التي
يمكن الإستفادة منها في
عملية التربية وضرورة
اتباعها بحسب الترتيب
المدرج:
التربية بالقدوة: قال
تعالى:
﴿لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾2.
وهي أفعل الوسائل في
التأثير والتغيير وأقربها
إلى بلوغ المراد، وذلك
لأن هذا النوع من التربية
ليس أمرأ مسموعاً أو
مقروءاً لم يتم تجربته
واختباره، بل هو نوع من
التربية يعتمد على
المشاهدة بأم العين
للمبادىء والقيم وكيفية
تجسدها في الإنسان
وتسييلها بين الناس، ومن
هنا بعث الله محمداً صلى
الله عليه وآله وسلم
ليكون قدوة للناس كافة.
فلا بد أن يرى الأبناء
مكارم الأخلاق في آباءهم
وحرصهم على امتثال أوامر
الشريعة حتى يغرس في قلب
الإبن هذه الفضائل قبل
تعليمه وتلقينه فضلاً عن
لومه وتوبيخه، والولد
الذى يقسو عليه أبوه لا
يمكن أن يتعلم الرحمة
والتعاون.
التربية بالوعظ: قال
تعالى:
﴿فَذَكِّرْ
إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ
* لَّسْتَ عَلَيْهِم
بِمُصَيْطِرٍ﴾3.
وقال تعالى:
﴿إِنَّ
اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن
تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ
إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا
حَكَمْتُم بَيْنَ
النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ
بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ
نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ
إِنَّ اللّهَ كَانَ
سَمِيعًا بَصِيرًا﴾4.
فالإنسان بحاجة دائمة إلى
التذكير والتنبيه حتى لو
كان مدركاً لما تنبهه
إليه لما يطرأ على النفس
من أمورٍ كثيرةٍ تجعلها
تنسى أو تغفل أو تتساهل
في القرار الأصوب، ولما
للنفس من استعداد للتأثر
بما يلقى إليها من كلام
أحياناً.
التربية بالقصة: قال
تعالى: قال تعالى:
﴿لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ
عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي
الأَلْبَابِ﴾5.
وهذا النوع من التربية له
سحره الخاص وتأثيره
الكبير، فترى الناس
ينسجمون مع حديث القصص
ويحفظونه ويرددونه
ويستفيدون منه لا سيما
القصص القصة التاريخية
الواقعية المعروفة
بأماكنها وأشخاصها
وحوادثها. والقصة
الواقعية تتميز كثيراً عن
القصص التمثيلية وما يعرض
على شاشات التلفزة وذلك
لأن الأولاد يدركون
بالفطرة أن ما يُمثل ليس
بالضرورة كونه صحيحاً أو
هادفاً.
التربية بالعادة: عن علي
عليه السلام: "غيّروا
العادات تسهل عليكم
الطاعات"6.
وهذه إشارة واضحة إلى
ضرورة تغيير العادات وذلك
من خلال تدريب الأبناء
على تغيير العادات السيئة
واستبدالها بعاداتٍ حسنة
وفاضلة تؤدي إلى تغيير في
سلوكهم، لأن تغيير العادة
هو في جوهره تغيير في
منظومة القيم التي يعطيها
الإنسان أولوية في حياته
فتنقله من البخل إلى
الكرم ومن الحقد إلى
المودة ومن التواكل إلى
المبادرة ومن اللامبالاة
إلى المسؤولية وهكذا...
ملء الفراغ: عن علي عليه
السلام: "إذا كان الشغل
مجهدة فاتصال الفراغ
مفسدة"7.
فالفراغ من أشد الأمور
التي تقتل في نفس الإنسان
روح التضحية والعمل
والإنتاجية وتجعل منه
إنساناً هامشياً، والأشد
خطورة من ذلك أن يملأ
الأبناء أوقاتهم بما
يضييعها كالكثير من
البرامج والصفحات
الإلكترونية التي لا جدوى
ولا طائل منها والتي لا
تستهدف إلا قتل روحية
الشباب وإيمانهم وجرّهم
إلى مستنقعات الفساد
والرذيلة.
وهذه اليوم من أكبر
المهام الملقاة على عاتق
الأهل وهم
يرون
أعدائنا قد سبقونا لملء
فراغ أبنائنا بما لا
ينسجم مع ثقافتنا وديننا
وقيمنا الدينية بل
والعرفية كذلك.
التربية بالأحداث: قال
تعالى:﴿قُلْ
سِيرُواْ فِي الأَرْضِ
ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ﴾8.
فما أكثر الأحداث
المتضمنة للعبر التي تجري
من حولنا، من وفاة ومرض
وفشل ونجاح وارتقاء مناصب
وسقوط أشخاص وضياع آخرين
وفقر وغنى وجهاد
وقتل...... كلّ ذلك مما
يمكن تسخيره لمصلحة
التربية بل من الخطأ أن
نترك الأحداث تذهب سدى
بغير عبرة وبغير توجيه,
وإنما من المفيد
استغلالها لتربية النفوس
وصقلها وتهذيبها لما لها
أثرها الفاعل في النفس
الإنسانية.
التربية بالعقوبة: قال
تعالى:
﴿وَلَا
تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
وَلَا السَّيِّئَةُ
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ
﴾9.
والعقوبة من القوانين
التي اعتمدها الله تعالى
للعصاة والمعاندين الذين
يتنكبون جادة الهدى، ولها
أثرها
البالغ
في تربية النفوس، كما لها
أثرها في تربية الأبناء.
إلا أنه من الطبيعي
الإشارة إلى أنه ليس
المراد من العقوبة الضرب
أو إلحاق الأذى أو سواهما
من الشتم والإهانة وما
شاكل بل المراد هو
التضييق على الأبناء
وإشعارهم بعدم الرضا
وحرمانهم من بعض ما
يرغبون ويشتهون وما شاكل.
كما لا يخفى أن التربية
بالقدوة هي آخر العلاجات
بعد استنفاذ كافة الوسائل
الأخرى وعدم الجدوى من
تكرارها فتأتي العقوبة
حينئذٍ كعلاج حاسم يضع
الأمور فى وضعها الصحيح.
|