تصدير الموضوع:
قال تعالى:﴿وَلاَ
تَكُونُواْ كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُواْ
وَاخْتَلَفُواْ مِن
بَعْدِ مَا جَاءهُمُ
الْبَيِّنَاتُ
وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾1.
الهدف:
بيان للأثار الدنيوية
والأخروية الخطيرة التي
يسببها إنقسام الأمة
وتمزقها في الدنيا.
المقدمة
إن المتأمل في كتاب الله
يرى ربطاً قوياً بين
التنازع والتفرقة من جهة
والكفر من جهةٍ أخرى كما
يرى ربطاً قوياً بين
الوحدة من جهة والإسلام
والإيمان من جهةٍ أخرى،
فالقرآن عندما يقول:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾2
، ثم يجيب القرآن عن
كيفية موت المرء مسلماً
بقوله:
﴿وَاعْتَصِمُواْ
بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا
وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾3،
وكأن الموت على الفرقة
نقيض الموت على الإسلام،
وفي مقامٍ آخر يقول
تعالى:
﴿
وَلاَ تَكُونُواْ
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ
وَاخْتَلَفُواْ مِن
بَعْدِ مَا جَاءهُمُ
الْبَيِّنَاتُ*........
أَكْفَرْتُم بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ
﴾4
فاعتبر أن التفرقة
والإختلاف بمثابة الكفر
بدين الله.
أخطار التفرقة في
الآخرة
براءة النبي منهم: وهذا
يعني براءته منهم في
الدنيا والآخرة،
قال
تعالى:
﴿إِنَّ
الَّذِينَ فَرَّقُواْ
دِينَهُمْ وَكَانُواْ
شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ
فِي شَيْءٍ إِنَّمَا
أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا
كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾5.
العذاب في الآخرة: فإن من
أكبر الكبائر تفرق الأمة
من وضوح البيّنات، قال
تعالى:﴿وَلْتَكُن
مِّنكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ*
وَلاَ تَكُونُواْ
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ
وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ
مَا جَاءهُمُ
الْبَيِّنَاتُ
وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾6.
قال تعالى:
﴿وَلاَ
تَكُونُواْ كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُواْ
وَاخْتَلَفُواْ مِن
بَعْدِ مَا جَاءهُمُ
الْبَيِّنَاتُ
وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾7.
أخطار التفرقة في
الدنيا
مجمع الرذائل: فالتفرقة
والإختلاف يقودان المرء
إلى الرذيلة والفساد ومحق
الدين، فعن الإمام الصادق
عليه السلام: إياكم
والخصومة في الدين فإنها
تشغل القلب عن ذكر الله
عزوجل وتورث النفاق وتكسب
الضغائن وتستجير الكذب8.
وعن علي عليه السلام:
إنما أنتم على دين واحد،
ما فرّق بينكم إلا خبث
السرائر وسوء الضمائر فلا
توازرون ولا تناصحون ولا
تباذلون ولا توادّون9.
وبالتالي فإن الأمة التي
تتفشى فيها الخصومات
والنزاعات في الدين تكثر
فيها الأحقاد والضغائن
وتبادل الإتهامات
والإفتراءات مما يفقدها
معايير الأمة التي دعى
إليها الإسلام وأسسها
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وضحّى من أجلها
الأئمة الأطهار.
وهن الأمة ووضعفها: قال
تعالى:
﴿وَأَطِيعُواْ
اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ
تَنَازَعُواْ
فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ
إِنَّ اللّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ﴾10.
وإن من أكبر التنازع
تقديم الأعراق والقوميات
والقبلية والشخصانيات على
أخوة الدين، فنرى اليوم
النعرات التي عمل أعداء
الأمة على شق صفها وتصدّع
بنيانها وحوّلها إلى
كيانات تميّز بين العربي
والفارسي والتركي والكردي
وبين قبيلة وأخرى وأصول
آرية أو سامية وبين أقوام
بدوية أو حضرية وأتباع
لذلك الزعيم أو لآخر،
والكل ينادي بمناقب
قومه ويتعصب لهم وإن
كانوا على الباطل، والحال
إن هذه الإختلافات أمور
تكوينية لا يمكن إلغاؤها
إلا أنها ليست معياراً في
تقدم شعب أو رقيه أو بعده
وقربه من الله، وكأننا لم
نسمع قوله تعالى:
﴿إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾11.
بل إن تفرق الأمة إلى
شِيَع ليس مقدمةً للعذاب
فحسب بل هو العذاب بعينه
وقد عبّر القرآن الكريم
عن ذلك بقوله تعالى:
﴿قُلْ
هُوَ الْقَادِرُ عَلَى
أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ
عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ
أَوْ مِن تَحْتِ
أَرْجُلِكُمْ أَوْ
يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً
وَيُذِيقَ بَعْضَكُم
بَأْسَ بَعْضٍ﴾12.
طمع الأعداء بالأمة: عن
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: يوشك تداعى
الأمم عليكم تداعي الأكلة
على قصعتها، أومن قلةٍ
نحن يومئذٍ؟ فقال: بل
أنتم كثير، ولكنكم غثاء
كغثاء السيل، ولينزعنَّ
الله من صدور عدوكم
المهابة منكم وليقذفنّ في
قلوبكم الوهن، قالوا: يا
رسول الله: ما الوهن؟
قال: حب الدنيا وكراهية
الموت13.
فطمع الأعداء ليس ناشئاً
من مشكلةٍ في العدد
والكم، وهم الأمة التي
تفوق سواها من الأمم
عدداً كما أنها ليست
مشكلةً في النوع فهي
الأمة التي توزع خبراتها
وعقولها وكفاءاتها على
معظم شعوب الأرض، لكن
المشكلة في القضية التي
تجمع هذه الأمة والتي
يضحّي من أجلها الجميع،
فلمّا تفرقت الأمة غابت
قضيتها المقدسة فلم يعد
ما يشجعها للقتل والشهادة
وتعلقت القلوب بالدنيا،
وهذا ما عبّر عنه رسول
الله بـ "حبّ الدنيا
وكراهية الموت".
ظهور أهل الباطل: عن رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم: "ما اختلفت أمةٌ
بعد نبيها إلا ظهر أهل
باطلها على أهل حقها"14.
وهذه نتيجة طبيعية
لابتعاد الأمة عن دينها
واختلافها فيما بينها
والتجربة التي خاضها
المسلمون مع بدايات
الدعوة خير شاهد على ذلك،
لأن المحور الوحيد الذي
يتصف بالقداسة وبالتالي
المؤهل لجمع الأمة
وتوحيدها هو الدين
والرسالة، وغيره من
المحاور مهما علا شأنها
فإنها لا تحظى بالقداسة
في نفوس الناس ولا تملك
قوة الجذب التي يملكها
الإسلام وسرعان ما تتجافى
الناس عنه وتبتعد عن أي
محورٍ يجمعها ليحل مكانه
محاور الباطل والفساد
ليجمع الناس بالقوة ويقمع
أي تمرد أو عصيان أو عدم
استجابة له، فتبتلى الأمة
بالذل والهوان، وهذا معنى
قول رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "لتأمرنّ
بالمعروف ولتنهن عن
المنكر أو ليستعملنّ
عليكم شراركم فيدعو
خياركم فلا يستجاب لهم"15.
|