المحاضرة الثانية: أنواع التكافل الإجتماعي

تصدير الموضوع:

عن علي عليه السلام: "ما رأيت نعمةً موفورة إلا وإلى جانبها حقٌ مضيع"1.

الهدف

الإلفات إلى الدائرة الواسعة لمفهوم التكافل في الإسلام التي يندرج فيها كافة أنواع التكافل.


207


المقدمة

لعل النظر على مفهوم التكافل في الإسلام من الناحية العملية يرى اليوم أنه ما زال لا يتسع ميدانياً ليشمل كافة حدود الدائرة التي رسمها الدين الحنيف وأحدث بها نقلةً نوعية من عالم الأنا والفرد والشخص إلى عالم المجتمع والدولة، فدائرة هذا المفهوم ليست حكراً على الجانب المعيشي الذي يوفر للمحتاجين ضروريات حياتهم فحسب بل أصبح يتسع لحاجات المجتمع وضرورات الدولة التي تشمل كافة ميادين الحياة، بل لعل هناك بعض الجوانب الحياتية التي لا تقل أهميةً عن التكافل المالي.

أولاً: التكافل المعيشي

قال تعالى:
﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ2.


208


والمراد به أن يتحمل المجتمع أعباء رعاية أحوال الفقراء والمرضى والمحتاجين والاهتمام بمعيشتهم من طعام وغذاء وكساء ومسكن والحاجات الإجتماعية الضرورية، وهذا النوع من التكافل له أولويته لأنه مما لا يستغني عنه أي إنسان في حياته.

ثانياً: التكافل العلمي

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما تصدّق الناس بصدقة مثل علمٍ يُنشر"3.

ويقصد به توفير فرص التعليم لجميع الناس وتشجيع الطلاب على طلب العلم وتكاتف أفراد المجتمع فيما بينهم على إزالة آثار الأمية والجهل، وأن يعلم العالم الجاهل، كما يُراعي توفير إمكانية التخصص للمتفوقين ومنحهم الفرصة الكاملة للإبداع العلمي.

ثالثاً: التكافل السياسي

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد


209


على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويُردُّ على أقصاهم"4.

وهو تحمل كل شخص مسؤولياته العامة إزاء سياسات الدولة وقراراتها التي تصب في مصلحة الجميع فالأمة ليست ملكاً لأحد بعينه، وإنما هي لواء يستظل به الجميع، فلا استبداد برأي ولا اعتداد بمنصب، إنما يقوم مجتمع الإسلام على العدل والشورى والمساواة الكاملة بين الحاكم والمحكوم.

فكل شخص له حقه السياسي، وله حقه في المراقبة والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بالمشاركة في الرأي، وإبداء المشورة لأنه مسؤول عن مستقبل الأمة.

رابعاً: التكافل العبادي

وهي العبادات التي شرّعها الإسلام هناك في الإسلام شعائر وعبادات يجب أن يقوم بها المجتمع ويحافظ عليها، كصلاة الجنازة ومثل ذلك إقامة الجمعة، وإقامة صلاة الجماعة في الأوقات الخمسة والجهاد وأداء فريضة الحج وغير ذلك من العبادات التي تؤدى جماعةً.


210


وهذه الصورة من تكافل المجتمع وتعاونه في أداء العبادات هي سمة بارزة من سمات المجتمع المسلم ولها أثرها الكبير في شد أواصر هذا المجتمع وتلاحمه، ومما لا شك فيه أن هذا العبادات إنما أراد بها الله تعالى الجانب الجماعي والتركيز على أهمية الجماعة وإبرازها بصور عبادية مختلفة ترسيخاً لمفهوم التكافل العبادي وإحيائه.

خامساً: التكافل الأخلاقي

قال تعالى:
﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 5.

ويقصد به حراسة القيم الإسلامية والمبادئ الأخلاقية السامية وحماية المجتمع من الفوضى والفساد والانحلال، من منطلق الإيمان بأن المجتمع إذا فسد فإنه يفسد الجميع ويصعب بعد ذلك تدارك الفساد وإصلاحه، ولهذا وجب على


211


 المجتمع المسلم أن ينكر على مرتكبي المنكرات الخُلقية وغيرها.

كما يندرج في التكافل الأخلاقي شعور كل فرد نحو إخوانه في الدين بمشاعر الحب والعطف والشفقة وحسن المعاملة، وأن يتعاون معهم في سراء الحياة وضرائها، ويفرح لفرحهم ويأسى لمصابهم ويتمنى لهم الخير، ويكره أن ينزل الشر بهم، وقد دلّ على ذلك المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"6.

سادساً: التكافل الاقتصادي

قال تعالى:
﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا7.

ومعنى التكافل الاقتصادي أن يتعاون الجميع في المحافظة على ثروات الأمة من الضياع والتبذير، كما يمنع سوء استعمال الاقتصاد من التلاعب بالأسعار والغش في


212


 المعاملات والاحتكار ومراقبة المعايير الشرعية للمأكل والملبس والمسكن فلا يجوز للمجتمع أن يفرط في ماله ويعطيه للسفهاء وأهل الجشع والطمع وآكلي المال العام ومضيعي ثروات الأمة وتقديمها إلى الأعداء بأبخس الأثمان.

سابعاً: التكافل في الحياة العامة

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"8.

والمراد هنا أن يتحمل كل فرد مسؤولياته فيما يرتبط بالمصالح المشتركة للجميع وأن يكون كل فرد في المجتمع شريكاً في المحافظة على القوانين وتنفيذها ومساعدة الأجهزة المختصة في قمع المخالفات الحاصلة كالأمور المتعلقة بنظافة الطرقات والأماكن العامة والمحافظة على البيئة والتقيد بقوانين السير وحسن الإستفادة من شبكات الماء والكهرباء والإتصالات دون غش أو تلاعب ودفع الرسوم المتوجبة عليه للجهات المختصة وعدم حماية المخالفين أو تسهيل أمورهم،


213


 ويدخل في هذا الإطار مساعدة الأجهزة المختصة في كشف الجرائم والتعديات والسرقات وكل ما يخالف النظام العام وينعكس تردياً على استقرار وتوازن حياة الجميع.

ثامناً: التكافل الحضاري

قال تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ9.

وقد يكون هذا العنوان جامعاً لغيره من العناوين المتقدمة إلا أن المراد منه هنا هو التكافل في كل ما يفيد الجماعة من عمل دنيوي أو ديني، سياسي أو اقتصادي، زراعي أو تجاري، علمي أو أدبي، وهو من البر الذي يحبه الله لعباده، ويرغب لهم أن يتعاونوا عليه.

فالعمل النافع للمجتمع محبوب عند الله تعالى، وهو من البر الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتعاون ونتضامن في تحقيقه.


214


هوامش

1- دراسات في نهج البلاغة، ص 40.
2- الروم:38
3- منية المريد، ص 105.
4- ميزان الحكمة، ج2، ص 1341.
5- التوبة 71.
6- كنز العمال، ج1، ص 41.
7- النساء 5.
8- ميزان الحكمة، ج2، ص 1212.
9- المائدة 2.