تصدير الموضوع:
عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "إني لم
أؤمر أن أنقّب عن قلوب
الناس ولا أشقّ بطونَهم"1.
الهدف:
الإلفات إلى أن المسلم لا
يذكر أخيه إلا بالخير
ويدافع عنه في غيبته ولا
يتناوله بسوء.
المقدمة
إن من أبرز مظاهر الرحمة
الإلهية التي أمرنا بها
الإسلام هو التعامل بحسن
الظاهر وحمل أمور المسلم
على الأحسن وعلى الصحة
وعدم التشكيك بها لما في
ذلك من تسهيل للتعامل
وإذكاءً للمودة وزرع بذور
الثقة والتآلف بين الناس،
ولذلك حرّمت الشريعة
التنقيب عمّا وراء الظاهر
والدخول إلى بواطن الأمور
وخفاياها والتفتيش عن
عورات المؤمنين وعثراتهم
معتبرةً ذلك من أنواع
التجسس والتدخل في الشؤون
الخاصة والشخصية للإنسان
التي تهدد المجتمع من
داخله وتقضي على لحمته
وتماسكه.
النهي عن تتبع العثرات
عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "يا معشر
من أسلم بلسانه ولم يُسلم
بقلبه لا تتبعوا عثرات
المسلمين، فإنه من
تتبَّع
عثرات المسلمين تتبَّع
الله عثرته، ومن تتبعَّ
الله عثرته يفضحه"2.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم: "إنما الخوف على
أمتي من بعدي من ثلاث
خصال: أن يتأولوا القرآن
على غير تأويله، أن
يتبعوا زلة العالِم، أو
يظهر فيهم المال حتى
يطغوا ويبطروا"3.
منزلة متتبع العثرات
وذمّت الشريعة هذ المرض
الأخلاقي حتى اعتبرت أن
صاحبه أبعد ما يكون عن
الله وأقرب ما يكون إلى
الكفر، فعن أبي جعفر عليه
السلام قال: "أقرب ما
يكون العبد إلى الكفر أن
يواخي الرجلُ الرجلَ على
الدين فيحصي عليه زلاته
ليعيّره بها يوماً ما"4.
عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: "أبعد ما
يكون العبد من الله أن
يكون الرجل يواخي الرجل
وهو يحفظ عليه زلاته
ليعيّره بها يوماً ما"5.
آثار تتبع العورات
هدره لحرمات نفسه: قال
تعالى:
﴿وَجَزَاء
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ
مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا
وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ
عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ
لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ﴾6.
وقال تعالى:﴿فَمَنِ
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ
اللّهَ وَاعْلَمُواْ
أَنَّ اللّهَ مَعَ
الْمُتَّقِينَ﴾7
فسلوك الآخرين تجاه متتبع
عثراتهم أن يسقطوا حرمته
وينشغلوا بتتبع عثراتهم،
فيكسب من عمله ذلك إثمين:
إثم نفسه، وإثم من اقتدى
به، وفي الحديث:"... ومن
سنَّ سنة سيئة كان عليه
وزرها ووزر من عمل بها من
بعده، من غير أن ينقص ذلك
من أوزارهم شيئاً"8.
وهذا ما حذّر منه النبي
في قوله: "من اطلع في بيت
قوم بغير إذنهم فقد حلَّ
لهم أن يفقؤوا عينه،
ففقؤوا عينه، فلا دية له،
ولا قصاص "9.
الفضيحة في الدنيا: فعنه
صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا تطلبوا عثرات
المؤمنين،
فإن
من تتبع عثرات أخيه تتبع
الله عثراته، ومن تتبع
الله عثراته يفضحه ولو في
جوف بيته"10.
بث الأحقاد في النفوس:
وذلك لأن أي مساس للإنسان
في دينه، ودمه، وعقله،
وعرضه، وماله، وسمعته
وسلوكه وحياته الخاصة
سيترك في النفس الأحقاد
والضغائن، لأن الإنسان من
الطبيعي أن يغضب لحرماته
بل من غير الطبيعي أن لا
يهتم المرء لهذه
الإنتهاكات.
فقدان الثقة: فالإنسان
المتتبع لعثرات الآخرين
غير جدير بثقة الناس
ومودتهم وإلفتهم، فالمؤمن
يتوسم من أخيه أن يحفظه
ويستر عليه لا أن يتجسس
عليه ويحصي له زلاّته
وأخطاءه, وليس أصعب من
حياةٍ يعيشها المرء بين
أهله وهم لا يولونه ثقةً
أو ذمة، فمثله كمن يدّمر
نفسه ويشوّه صورته وهو
يحسب أنه يدمر الآخرين
ويحطّ من قدرهم.
مدعاة للإنحراف: لأن
المتتبع لعورات الناس قد
يطلع على ما يسوء ولا
تحمد عقباه، فيرى في
سيئات الآخرين ساتراً له
على
ارتكاب المعصية، وأنه لا
يختلف عن غيره لو أقدم
على أقل ما أقدم عليه
الآخرون فيقوده ذلك إلى
مزيد من الفسق، والفجور،
كالغيبة، والنميمة وقد
نبَّه إلى هذا ربّ العزة
سبحانه إذ يقول تعالى:
﴿وَلَا
تَجَسَّسُوا.......﴾11.
حلول الغضب الإلهي: لأن
في ذلك مخالفة صريحة لحكم
الله في حرمة التجسس،
وتتبع عورات الناس، وهي
من كبائر الذنوب التي
تستوجب الغضب الإلهي
والخسران في الآخرة، وقد
قال تعالى:
﴿وَمَن
يَحْلِلْ عَلَيْهِ
غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾12.
|