تصدير الموضوع:
عن أبي عبد الله عليه
السلام أنّه قال: من
"دخل في هذا الدِّين
بالرجال أخرجه منه الرجال
كما دخلوه فيه، ومن دخل
فيه بالكتاب والسنّة زالت
الجبال قبل أن يزول"1.
الهدف:
التعريف ببعض صفات أرباب
الفتن والأقنعة المزيفة
التي تتمظهر الفتنة بها.
المقدّمة
يقول الإمام الخامنئيّ
دام ظله: "في الظروف
الّتي تُهيمن على الفتنة،
يكون العمل أشدّ صعوبة،
ويكون تشخيص الأمور أصعب
طبعاً، الله تعالى أتمّ
الحجّة دوماً، ولم يترك
للناس أن يقولوا لم نعرف
ولا علم لنا ولم يُتمّ
الحجّة علينا، ولم يُرسل
من يُخبرنا، فلذلك ضللنا،
وقد ورد هذا المعنى
مراراً وتكرارا.ً إنّ يد
الله تُشير في كلّ ناحية.
والخلاصة نحن بحاجة لأن
نفتح عيوننا".
وخلاصة قول الإمام القائد
أنّه لا يستطيع أن يدّعي
أحد أنّ ظروف الفتنة أقوى
منه وأنّ الطريق لم تكن
واضحة ويوجِد لنفسه
التسويفات والأعذار، فإنّ
ذلك ممّا لا يعذره يوم
القيامة بين يدي الله
تعالى.
محاور الموضوع
خصائص وصفات أرباب الفتنة
1- محاربة خطّ
الولاية: وبأيّ
مستوًى كان تضعيفاً أو
إسقاطاً أو مواجهةً أو
قتالاً أو رداً أو بأيّ
شكل من أشكال الوقوف
في وجه هذا الخطّ الإلهيّ
الذي يعتبر الوقوف بوجهه
وقوفاً في مواجهة خطّ
الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم، فلقد تنوّع
الخارجون على ولاية أمير
المؤمنين عليه السلام بين
ناكثين بالبيعة وعدم
المبايعين والمنشقّين عنه
لكن في الخلاصة كان يجمع
هؤلاء قاسمٌ مشتركٌ واحدٌ
وهو الوقوف في قبال خطّ
الولاية والإمامة
الإلهيّة، وبالتالي فإنّ
هؤلاء يقودون الفتنة.
واليوم يتنوع المواجهون
لهذا الخطّ الإلهيّ تحت
عناوين مختلفة، منها ما
هو سياسيّ، ومنها ما هو
اقتصاديّ أو اجتماعيّ أو
مطلبيّ وسوى ذلك من
عناوين لا تستهدف إلّا
إسقاط هذا المشروع
الإلهيّ، ولقد عبّرت زينب
عليها السلام بوضوح عن
حقيقة المشروع الآخر
وأهدافه بقولها في وجه
الطاغية: "فوالله لا
تمحو ذكرنا ولا تميت
وحينا"2.
2- رمزيّة قيادات
الفتنة: والفتنة لا
تستخدم أشخاصاً غير
معروفين أو ممّن ليس لهم
وزنهم في المجتمع بل
يتقدّم الفتنة رجالٌ لهم
رمزيّتهم في أذهان الناس
سواء كانوا من
أهل العلم أو من
المحاربين والمجاهدين
سابقاً مع خطّ الولاية
كطلحة والزبير، أو من أهل
النفوذ في عشائرهم
وقبائلهم، أو من أهل
السياسة والمناصب العالية
كالرؤساء والوزراء ورؤساء
المجالس النيابيّة
والوزاريّة وممّن لهم باع
طويل في خدمة الناس، وهذا
كلّه ممّا يساعد في خداع
الناس وانطلاء المؤامرة
عليهم وانخداعهم بها.
فعن أمير المؤمنين عليه
السلام: "ألا فالحذر
الحذر من طاعة ساداتكم
وكبرائكم... فإنّهم قواعد
أساس العصبيّة، ودعائم
أركان الفتنة"3.
لكنّ أمير المؤمنين يلفت
النظر إلى بعض صفات هذه
الفئة المتصدّية كما جاء
في الخطبة الشقشقيّة:
أ- حب الدنيا:
يقول عليه السلام:"فَلَمَّا
نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ
نَكَثَتْ طَائِفَةٌ
وَمَرَقَتْ أُخْرَى
وَقَسَطَ آخَرُونَ
كَأَنَّهُمْ لَمْ
يَسْمَعُوا الله
سُبْحَانَهُ يَقُولُ:
﴿تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ
لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا
فِي الْأَرْضِ وَلَا
فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ﴾
بَلَى وَالله لَقَدْ
سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا
وَلَكِنَّهُمْ
حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي
أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ
زِبْرِجُهَا"؟4.
والنصّ يتضمّن إشارة
لطيفة وهي أنّ الفئات
الثلاث التي واجهت عليّاً
عليه السلام عندما نهض
بالأمر وبويع بالخلافة
على الاختلاف القائم فيما
بينها حول عنوان المشكلة
مع أمير المؤمنين عليه
السلام، إلّا هذه الفئات
يجمعها أمرٌ واحد وهو أنّ
أربابها من الذين أعرضوا
عن آخرتهم وباعوها بثمنٍ
بخس من دنياهم، والأهم من
ذلك أنّ أرباب الفتنة وإن
تمكّنوا من خداع الناس
إلّا أنّهم يعلمون حقيقة
أمرهم ويعون ما يفعلون،
فلقد سمعوا ووعوا وفهموا،
لكنّها الدنيا زينها
الشيطان في عيونهم
فأضلّهم عن السبيل.
ب- تظاهرهم بالصلاح:
فقد أرسل الإمام عليه
السلام إلى معاوية: "قَدْ
دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ
الْقُرْآنِ وَ لَسْتَ
مِنْ أَهْلِهِ،
فَعَدَوْتَ عَلَى
الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ
الْقُرْآنِ، فَمَا
أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ
فِعْلِكَ"5.
ويعمد هؤلاء، بالإضافة
إلى الشعارات الخادعة،
إلى إلقاء الشبهات كما
فعل الخوارج حين ألقوا
شبهة: "لا حكم إلّا
لله":
فلمّا سمع ذلك عليّ عليه
السلام قال "كَلِمَةُ
حَقٍّ يُرَادُ بِهَا
بَاطِلٌ"6.
3- التوسّل بالأساليب
الملتوية: وقال عليه
السلام في حوار مع
الخوارج: "أَلَمْ
تَقُولُوا عِنْدَ
رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ
حِيلَةً وَغِيلَةً
وَمَكْراً وَخَدِيعَةً:
إِخْوَانُنَا وَأَهْلُ
دَعْوَتِنَا
اسْتَقَالُونَا
وَاسْتَرَاحُوا إِلَى
كِتَابِ الله سُبْحَانَهُ
فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ
مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيسُ
عَنْهُمْ؟ فَقُلْتُ
لَكُمْ هَذَا أَمْرٌ
ظَاهِرُهُ إِيمَانٌ،
وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ،
وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ،
وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ"7.
وهؤلاء القادة المزعومون
يحاولون أن يتوسّلوا
بالخديعة والمكر والحيلة
ويستخدموا نفوذهم في
المساحات التي يؤثّرون
فيها، فزعيم القبيلة في
قبيلته والسياسي في
أنصاره والتابعين وأصحاب
القدرة في تهديدهم
ووعيدهم والمتعلم في
فبركة صحة ما يفعلون
والفقيه في حلية ما
يقومون به، والمتموّل في
الدعم الماليّ لهذه
الفتنة وكلٌّ من موقعه
وقدرته، وممّا لا شكّ فيه
أنّ حركة مجموع هؤلاء مع
وجود الكثيرين من أهل
الطمع والجشع ومحبيّ
السلطة وأهل الهوى
وأصحاب المصالح وتجّار
الأديان يوجد جوّاً من
الصعوبة بمكان مواجهته
والقضاء عليه ما لم يعتصم
الإنسان بالعروة الوثقى
وحبل الله المتين وصراطه
الأهدى المتمثّل بأهل بيت
العصمة عليه السلام.
ولقد أشار أمير المؤمنين
عليه السلام إلى هذا
الضجيج المفتعل والغبار
المصطنع بقوله عليه
السلام: "وَقَدْ
أَرْعَدُوا وَأَبْرَقُوا
وَمَعَ هَذَيْنِ
الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ
وَلَسْنَا نُرْعِدُ
حَتَّى نُوقِعَ وَلَا
نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ8.
وهنا يقول عليه السلام
إنّ أهل الفتنة يوهمون
أتباعهم بأمور لا وجود
لها، وينافقون في أفعالهم
وأقوالهم، فهم يرعدون
ويبرقون دون أن يمطروا،
فتعيش الناس أحلام السيل
الجارف الذي سيصنعه المطر
الموعود، إلّا أنّهم
سرعان ما تتكشّف لهم
الحقائق ويحصدون فشل
أعمالهم.
4- الشعارات والمطالب
المقنعة: ومن
الطبيعيّ أن يكون يرفع
أرباب الفتنة شعارات
يخدعون بها عامّة الناس،
ولقد كانت الفتن السابقة
في بدايات عصر الرسالة
ترفع شعارات
"لا حكم إلّا لله"،
ويرفعون المصاحف على رؤوس
الرماح، ويطالبون بدم
الخليفة، ويسعون لتصحيح
مسار الخلافة ويحقنون
دماء المسلمين وغيرها من
الشعارات البرّاقة.
وأمّا اليوم فباتت
الشعارات من نوع آخر
فتخرج الفتنة لتطالب
بالإصلاح والتغيير
والحريّات العامّة
والسيادة في القرار وحقّ
تقرير المصير والاستقلال
السياسيّ وعدم التبعيّة
للغرب أو المطالبة بتعديل
نصوص الدستور، وغير ذلك
من الشعارات التي تستهوي
الناس وتنخدع بها فيلج
الناس في فتنة صمّاء
بكماء لا يعون ما يصنعون
سوى أنّهم وقود حركة
إصلاحيّة تستهدف التنوير
في الدنيا وعالي الدرجات
في الآخرة.
5- الدعوة إلى معرفة
الحقّ بالأشخاص: عن
عبد الرحمن بن الحجّاج
قال: كنّا في مجلس أبان
فجاءه شابّ فقال: يا أبا
سعيد أخبرني كم شهد مع
عليّ بن أبي طالب عليه
السلام من أصحاب النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم
قال: فقال له أبان:
"كأنّك تريد أن تعرف فضل
عليّ عليه السلام بمن
تبعه من أصحاب رسول
الله" صلى الله
عليه وآله وسلم، قال:
فقال الرجل: هو ذاك، فقال
(أبان): "والله ما
عرفنا فضلهم إلّا
باتّباعهم إيّاه"9.
وأهل الفتنة وأربابها لا
يملكون قوةً في مبادئهم
وطروحاتهم فيستعيضون عنها
بقوة قادتهم ورجالاتهم،
فهم لا يدعون إلى مبدأ بل
يدعون إلى أشخاص ويربطون
الناس بهم على طبق ما كان
سائداً في المنطق الجاهلي
والقبلي سابقاً، بينما
المنطق الذي يتبنّاه أهل
بيت العصمة عليه السلام
يعبّر عنه أمير المؤمنين
بقوله: "إنّ الحقّ لا
يُعرف بالرجال، إعرف
الحقّ تعرف أهله"10.
|