تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿يِا
أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ
اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ
فُرْقَاناً﴾1.
الهدف:
توضيح أهمّ الأمور التي
ينبغي أن يتسلّح بها أهل
الإيمان والتي تقيهم
السقوط في حبائل الفتنة.
المقدّمة
في الحديث عن الأمور
المنجية عند الفتن نتحدّث
عن أهمّ الفضائل التي
ينبغي أن تلازم إيمان
المرء ويحرص على تقويتها
في نفسه إذ لطالما
يحدّثنا التاريخ والحاضر
عن شخصيّات معروفة كان
لها موقعها الريادي في
حركة الرسالة، إلّا أنّ
الوهن وضعف الإيمان تسلّل
إلى بعض جوانب أنفسهم
فجعلهم قادة الفتن
وأربابها فانتقلوا من
مواقع الكرام في الأمّة
إلى ألد أعدائها، وما ذلك
إلّا لغفلتهم عن ضرورة أن
تبقى أعينهم على أنفسهم
يراقبونها ويحاسبونها،
ويبقى دأبهم تزكية نفوسهم
وتهذيبها وتشذيبها من كلّ
ما يعكّر صفوها ويُظلم
نورها.
محاور الموضوع
سبل النجاة في الفتنة
من خلال التتبع لكلمات
أمير المؤمنين عليه
السلام وأهل بيت العصمة
عليهم السلام يمكن الوقوف
على أهم الأمور التي تعصم
المرء من أن تزلّ قدمه
عند الفتن، وهي:
1- البصيرة: عن
عليّ عليه السلام:
"وَلَا يَحْمِلُ هَذَا
الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ
الْبَصَرِ وَالصَّبْرِ
وَالْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ
الْحَقِّ"2
وقال عليه السلام
متحدّثاً عن سلاحه الذي
يمنعه من الهلاك في أمواج
الفتنة: "وَإِنَّ
مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا
لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي
وَلَا لُبِّسَ عَلَيَّ"3.
ومن كتاب له عليه السلام
إلى أهل مصر مع مالك
الأشتر لمّا ولّاه
إمارتها: "
وَإِنِّي مِنْ
ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ
فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي
أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى
بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي
وَيَقِينٍ مِنْ رَبِّي"4،
ويتّضح من كلامه عليه
السلام أنّ البصيرة لها
ركنان أساسيّان، وهما أن
يكون على يقين من إثبات
الحقّ له، وأن يكون على
يقين من إثبات الضلالة
لأعدائه.
يقول الإمام الخامنئيّ
دام ظله: "إذا
لم تتوفّر البصيرة لديكم،
فلا تعرفون الصديق، ولا
تعرفون العدوّ فسترون أنّ
العدوّ فجأة سيصوّب مدفع
إعلامكم وكلامكم
وتصرّفاتكم وأعمالكم نحو
مكان يجتمع فيه أصدقاء
لكم، لا أعداء. فإذا
أردنا أن نعرف العدوّ ولا
نُخطئ في تشخيص العدوّ
فلا بُدّ من البصيرة، ولا
بُدّ من البيان".
بعض الأخطاء الّتي يقوم
بها بعض الناس - تلاحظون
أنّ البعض في مجتمعنا
سواء من العوامّ أم
الخواصّ يخطئون،
والمتوقّع أن تكون أخطار
النخبة أقلّ بينما نرى
أنّ أخطاءهم، وإن كانت
قليلة، إلّا أنّها من
ناحية الكيفيّة كثيرة
وكبيرة بل أكبر من أخطاء
عامّة الناس - ولا نقول
كلّ تلك الأخطاء - ولكن
جلّها - ناتجة من قلّة
البصيرة أو عدمها،
فاعملوا على رفع مستوى
البصيرة لديكم، ومستوى
المعرفة كذلك.
قد يكون السكوت أحياناً
وعدم التدخّل في الأمور
عاملاً مساعداً على
الفتنة، ففي الفتنة يجب
على الجميع أن يكونوا
يقظين، وعلى الجميع أن
تكون لديهم البصيرة.
وتفسيرها في ضوء كلامه
عليه السلام: "وَقَدْ
فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
أَهْلِ الْقِبْلَةِ، لقد
كانوا يُصلّون ويصومون،
وهذا
معنى الفتنة، بل هذا
مصداق بارزٌ من مصاديقها"5.
وهو الّذي يقول حول
مواجهته لأصحاب الجمل
والناكثين: "أَلَا
وَإِنَّ الشَّيْطَانَ
قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ
وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ
وَرَجِلَهُ"6.
2- الصبر: فقد يتمثّل
في الصبر على الحرب
والآلام والسجن والتعذيب
والنفي، وقد يتمثّل في
تحمُّل الشتائم والسباب
والاتهامات والاحتقار
والافتراء. وجميع ذلك
يكون لأجل إخراج الصالحين
من ساحة المواجهة مع
الكفر والنفاق والفساد.
3- العلم: عن رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم: "ستكون فتن يصبح
الرجل فيها مؤمناً ويمسي
كافراً، إلّا من أحياه
الله تعالى بالعلم"7.
وهنا نستمع لقول عمّار بن
ياسر لأحدهم يسأله عن
قوّة الخصم يوم صفين وأنّ
ذلك لعلّه دليل تأييد
الله لهم، فقال له:
"أما إنّهم
سيضربونكم بأسيافهم حتّى
يرتاب المبطلون منكم،
فيقولوا: لو لم يكونوا
على حقّ ما أظهروا علينا،
والله
ما هم من الحقّ على ما
يقذي عين ذباب، والله لو
ضربونا بأسيافهم، حتّى
يبلغونا سعفات هجر لعلمنا
أنّا على حقّ، وأنّهم على
باطل"8.
4- التقوى: عن عليّ
عليه السلام:
"وَاعْلَمُوا أَنَّهُ
مَنْ يَتَّقِ الله
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً
مِنَ الْفِتَنِ وَنُوراً
مِنَ الظُّلَم"9.
والتقوى عنوان عريض يتّسع
لكافّة ميادين حياة
الإنسان، وهي الرادع له
عن اقتحام أبواب المصالح
والمنافع متخطّياً حدود
الله وآياته وأحكامه،
فلقد كان عليّ عليه
السلام عالماً بأساليب
معاوية وسياساته وألاعيبه
لكنّ تقواه وورعه يحولان
دون إقدامه على الخطأ،
وهو القائل: "وَالله
مَا مُعَاوِيَةُ
بِأَدْهَى مِنِّي
وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ
وَيَفْجُرُ وَلَوْ لَا
كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ
لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى
النَّاسِ"10.
5- ملازمة وليّ الأمر:
جاء في حديث أبي أيّوب
الأنصاريّ أنّ رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
قال لعمّار: "سيكون
بعدي هنات حتّى
يختلف السيف فيما
بينهم، وحتّى يقتل بعضهم
بعضاً وحتّى يتبرّأ بعضهم
من بعض، فإذا رأيت ذلك
فعليك بهذا الأصلع عن
يميني، عليّ بن أبي طالب
عليه السلام فإن سلك
الناس كلّهم وادياً وسلك
عليّ وادياً فاسلك وادي
عليّ"11.
وعن عليّ عليه السلام:
"أَيُّهَا النَّاسُ
شُقُّوا أَمْوَاجَ
الْفِتَنِ بِسُفُنِ
النَّجَاةِ"، يُشبِّه
عليه السلام الفِتن
بأمواج عاتية حيث لا يمكن
للمرء أن ينجو منها بنفسه
وقدراته بل يحتاج لركوب
هذه السفينة الناجية
والمنجية والتي هي عبارة
عن أهل البيت صلوات الله
عليهم، فقد قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم:
"مثل أهل بيتي فيكم
كسفينة نوح، من دخل فيها
نجا ومن تخلّف عنها غرق"12.
واليوم تتمثل سفينة
النجاة بوجود بقيّة الله
الأعظم أرواحنا فداه،
والتي يقودها في زمن
الغيبة نائبه العامّ جانب
الوليّ الفقيه.
ويؤكد عليّ عليه السلام
على هذه الوسيلة المنجية
من الفتن بقوله عند
الفتنة التي ألمّت
بالأمّة عند مقتل الخليفة
الثالث بقوله: "إنَّ
النَّاس من هذا الأمرِ
إذا حُرِّك على أُمُورٍ:
فِرقة ترى ما ترون، وفرقة
ترى ما لا ترونَ، وفِرقة
لا ترى هذا ولا ذاك.
فاصبِرُوا حتَّى يهدأ
النَّاسُ، وتقع القُلُوبُ
مواقِعها (أي تهدأ وتستقر
بعد اضطرابها) وتُؤخذَ
الحُقُوقُ مسمحَةً (أي
ميسّرة)"13.
"فاهدأُوا عنّي،
وانظُرُوا ماذا يأتيكُم
بِهِ أمري، ولا تفعلُوا
فعلَةً تُضعضِعُ قُوةً،
وتُسقِطُ منّةً(أي قدرة)،
وتُورِثُ وهناً وذِلّةً.
وسأُمسِكُ الأمر ما
استمسك، وإذا لم أجِد
بُدَّا فآخِرُ الدَّواءِ
الكيُّ"14.
وهنا نرى الإمام يطلب
التزام الهدوء والتّروّي،
وأن يتركوا له اتّخاذ
القرار المناسب - سواء
إمساك الأمر بالمعالجة
الإيجابيّة أو المعالجة
السلبيّة - سيّما أنّ هذه
التجربة كانت جديدة على
الأمّة وأنّ أيّ موقف
خاطىء قد يزيد الأمور
تعقيداً والمفاهيم
تشوّشاً.
6- الإخلاص:
فإخلاص المرء لقضيّته
ورسالته وثباته على النهج
القويم يوفّق المرء إلى
عدم الإنجرار في غياهب
الفتنة التي إنّما يغرق
فيها طالبو الدنيا
وزخارفها دون طالبي
الآخرة ودرجاتها، فعن
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "طوبى
للمخلصين، أولئك مصابيح
الهدى تنجلي عنهم كلّ
فتنة ظلماء"15.
|