تصدير الموضوع:
عن علي عليه السلام:
"ثمّ يأتي بعد ذلك طالع
الفتنة......فتزيغ قلوب
بعد استقامة وتضلّ رجال
بعد سلامة"1.
الهدف:
عرض بعض النتائج والآثار
التي تنجم عن انتصار
الفتنة للتحذير من الوقوع
فيها.
المقدّمة
إنّ النتائج المترتّبة
على أيّ فتنة والتي تنتصر
وتستولي على السلطة بقوة
السلاح والقهر، ليست سوى
الأهداف التي يحملها
أرباب هذه الفتنة والدعاة
لها، والتي هي انعكاس
لأخلاقهم وأطماعهم
وعقولهم المريضة وطريقة
تفكيرهم في الحياة، فإذا
قرأنا أنّ من نتائج
الفتنة الخروج عن مبادئ
الدين والتنكّر لكلّ ما
جاءت به الرسالة
السماويّة فذلك ليس سوى
انعكاس لنفوسهم التي لم
يدخل إليها نور الهداية
مطلقاً، وكذا الأمر في
سلوكهم وقواعد سياستهم
وأخلاقهم، فالفتنة دينٌ
جديد يُلبسونها ثوباً
برّاقاً يحسبه الناظر
إليه أنّه دين الإسلام.
محاور الموضوع
نتائج الفتنة وآثارها
يبيّن أمير المومنين عليه
السلام الآثار القاتلة
والمدمّرة للفتنة التي
تستطيع أن تحقّق إنتصاراً
سياسيّاً وتصل إلى سدّة
الحكم معتبراً أنّها أسوأ
ما يمكن أن يعترض مسيرة
الأمّة في
مسار تحقيق أهدافها
الإلهيّة التي جاء بها
الدين الحنيف، والتي يمكن
تلخيصها بعدّة أمور
أهمّها:
1- حاكمية الإجرام
والإذلال
يقول أمير المؤمنين عليه
السلام: "أَمَا
إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ
بَعْدِي ذُلًّا شَامِلًا
وَسَيْفاً قَاطِعاً
وَأَثَرَةً يَتَّخِذُهَا
الظَّالِمُونَ فِيكُمْ
سُنَّةً"2.
فالفتنة لا تستطيع أن
تنتهج سياسات منطقيّة
ودينيّة، ولو كانت كذلك
لما وصل أربابها إلى
السلطة أساساً، وإنّما
ينتهجون سياسة القتل
والإجرام ويُعملون في
الناس أسيافهم القاطعة،
ومع ذلك كلّه فإنّ السلطة
تصبح عهداً يتوارثه
الظلمة، وهذه خلاصة
طبيعيّة لأنّ ابتعادهم عن
السلطة وتخلّيهم عنها
يعني الاقتصاص منهم لما
أفسدوا وقتلوا ودمّروا.
2- توارث هذه السلطة
والحكم
يقول عليّ عليه السلام:
"يتوارثُها
الظَّلمَةُ بِالعُهُودِ،
أوَّلُهُم قائد
لآخِرِهِم، وآخِرُهُم
مُقتدٍ بِأوَّلهِم.
يتنافَسُون في دُنيا
دنِيَّةٍ، ويتكالبُون على
جِيفةٍ مُريحَة (نتنة)"3.
وهنا إشارة إلى نهجٍ له
سياساته وثقافته ورموزه
التي تأخذ مكانها في
المجتمع بديلاً من سنّة
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، فهناك القادة
الذين يرسمون معالم
الطريق، وهناك الأتباع
الذين يتبعون أثرهم
ويقتدون بهم.
3- تعطيل أحكام الإسلام
والانحراف عن مبادئه
يقول عليّ عليه السلام:
"أَيُّهَا
النَّاسُ سَيَأْتِي
عَلَيْكُمْ زَمَانٌ
يُكْفَأُ فِيهِ
الْإِسْلَامُ كَمَا
يُكْفَأُ الْإِنَاءُ
بِمَا فِيهِ"4.
فالمعركة مع الإسلام
والرسالة، والهدف إسقاط
المشروع الإلهيّ حتّى ولو
صوّروا المواجهة بصورٍ
غير ذلك، كتصويرها بأنّها
حرب أشخاص أو قبائل أو
طبقات أو جغرافيا، بل قد
تصل ألاعيبهم لتصويرها
على أنّها حرب لتصحيح
مسار الرسالة ومواجهة
الانحراف وإحياء الأحكام
الدينيّة، لكنّ تعبير
أمير المؤمنين عليه
السلام يوضّح هدفهم
الأكبر بإلقاء الإناء بما
فيه، أي التنكّر
والارتداد عن أصل الرسالة
وعن كلّ ما جاء به رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم.
4- تبدّل القيم وشيوع
الفساد
يقول عليّ عليه السلام:
"فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ
الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ
وَرَكِبَ الْجَهْلُ
مَرَاكِبَهُ...
وَتَوَاخَى النَّاسُ
عَلَى الْفُجُورِ
وَتَهَاجَرُوا عَلَى
الدِّينِ وَتَحَابُّوا
عَلَى الْكَذِبِ
وَتَبَاغَضُوا عَلَى
الصِّدْقِ"5.
ومن نتائج الفتنة
المدمّرة للمجتمع استحكام
الباطل وانتشار الجهل،
ولا يخفى أنّ تبدّل القيم
في المجتمع يودي
بإنسانيّة الإنسان، وإذا
فقد الإنسان إنسانيّته
يصبح المجتمع مجتمعاً
فاسداً قاسياً تحكمه
شريعة الغاب وتتلاعب به
أهواء الظلمة وتتحكّم
بسلطته أطماع الفاسدين.
ولا غرو في ذلك فإنّ
الفتنة إذا استحكمت في
مجتمع انتقلت أخلاق
أربابها إلى سائر الناس
كانتقال الفضائل والقيم
السامية في المجتمع الذي
يحكمه الأنبياء
والأولياء.
5- محاربة أهل الإيمان
ومطاردتهم
يقول عليّ عليه السلام:
"فَالْكِتَابُ
يَوْمَئِذٍ وَأَهْلُهُ
طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ"6.
وما أبلغه من قول يصوّر
فيه أمير المؤمنين أهل
الإيمان في
ذلك المجتمع الذي تحكمه
الفتنة،
حيث لا مكان لهم
بل هم الأعداء الحقيقيّون
للأمّة الذين يجب طردهم
وملاحقتهم ونفيهم خارج
الدولة التي يسيطرون
عليها.
أهل الإيمان الذين ضحّوا
وعانوا وبذلوا الغالي
والنفيس من أجل إقامة حكم
الله واستقرار المجتمع
العادل وانتشار الإسلام
وتقوية سلطانه ودولته،
يصبحون ألدّ أعداء الأمّة
الذين يجب محاكمتهم
والاقتصاص منهم ومن
أتباعهم.
6- التلاعب بالمال العامّ
يقول عليّ عليه السلام:
"وَلَكِنَّنِي آسَى
أَنْ يَلِيَ أَمْرَ
هَذِهِ الْأُمَّةِ
سُفَهَاؤُهَا
وَفُجَّارُهَا،
فَيَتَّخِذُوا مَالَ الله
دُوَلًا، وَعِبَادَهُ
خَوَلًا... وَيَكُونَ
نَصِيبُكُمُ الْأَخَسَّ"
7.
فالمال العامّ في عصر
انتصار الفتنة يغدو مالاً
خاصّاً بسفهاء الأمّة
وفجّارها، وبالتالي فإنّ
الناس تصبح عبيداً لأئمّة
المال، فلا مبادىء ولا
قوانين ولا مشروع يحمله
أرباب الفتنة إلى الناس
سوى استخدامهم وقوداً في
حروبٍ ومعارك لا
تستهدف سوى المزيد من
التسلّط وبسط النفوذ، ولا
يكون لعامّة الناس نصيبٌ
من ثروات الدولة
ومقدّراتها إلّا الأخسّ
الذي لا يغني ولا يسمن من
جوع.
7- ظهور التفاوت الطبقيّ
وتستحكم الطبقيّة ويظهر
التفاوت الاجتماعيّ
جليّاً في عصر الفتنة
وحكمها، ويغلب على كلّ
طبقة سمة خاصّة يصفها
أمير المؤمنين عليه
السلام بقوله:
"وَكَانَ أَهْلُ ذَلِكَ
الزَّمَانِ ذِئَاباً
وَسَلَاطِينُهُ سِبَاعاً
وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالًا
وَفُقَرَاؤُهُ
أَمْوَاتاً"8.
وكأنّ الرحمة تُنزع من
قلوب أهل الفتنة وأهل ذلك
الزمان فلا مكان للفقير
ولا من ثقافة تحثّ الغنيّ
على الإنفاق بل الثقافة
السائدة هي التكالب على
الدنيا والفوز بالقدر
الأكبر منها بدون تمييز
بين حلال وحرام.
7- الفتنة تودي بأصحابها
في نهاية المطاف
يقول عليّ عليه السلام:
"وعن قلِيلٍ
يتبرَّأُ التَّابعُ مِن
المتبُوع، والقائدُ من
المقُودِ، فيتزايلُونَ
(يتفارقون) بِالبَغضاءِ
ويتلاعنُونَ
عِندَ اللِّقاءِ"9.
فالفتنة التي أضرموا
نارها سيحترقون بها،
والتي شحذوا سيوفهم
لاستحكامها ستقطع رقابهم
عمّا قريب، فقد ورد عن
أمير المؤمنين عليه
السلام:
"من شبّ نار
الفتنة كان وقوداً لها"10.
ومن الطبيعيّ أنّه مع
فقدان القيم والمبادئ لا
يبقى حصانة لأحد، وتستحكم
الأهواء والأحقاد
الشخصيّة وأحلام الثراء
والسلطة، وينفخ الشيطان
في عقولهم ونفوسهم، فتقع
النزاعات وتنشب الحروب
بين من كانوا حلفاء في
الماضي القريب فيتبّرأ
بعضهم من بعض ويكفر كلٌّ
منهم بما عند الآخر.
يقول عليّ عليه السلام:
"وَسَيَنْتَقِمُ
الله مِمَّنْ ظَلَمَ
مَأْكَلًا بِمَأْكَلٍ
وَمَشْرَباً بِمَشْرَبٍ"11.
|