تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿وَمَا
تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ
فَلأنفُسِكُمْ﴾1.
الهدف:
بيان نظر الشرع إلى
الإنفاق وتقوية حسّ
التعامل مع المال وفق
المعايير التي أقرتّها
الشريعة الإسلاميّة.
المقدّمة
حثّت الشريعة الإسلامية
الإنسان على أن يمهّد
لنفسه بالإنفاق في سبيل
الله معتبرةً أنّ ذلك من
أفضل الذخائر التي
يقدّمها بين يدي الله
لآخرته، بل لعلّ المال
الوحيد الذي ينتفع المرء
به هو المال الذي أرسله
أمامه وأنفقه ابتغاء
المغفرة والرضوان من
الله، وأن الإنسان أحوج
إلى المال الذي يقدّمه
منه إلى المال الذي
يجمعه، بل هو أحوج إلى
المال الذي يقدّمه منه
إلى السائل الذي يطلبه،
فالسائل بابك إلى رضوان
الله ومغفرته وبه يمتحن
الله عباده بصدق إيمانهم
وسلامة يقينهم وقوّة
دينهم.
محاور الموضوع
أمثال الإنفاق في القرآن
قال تعالى:
﴿مَّثَلُ
الَّذِينَ يُنفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ فِي
سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ
حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ
سَنَابِلَ فِي كُلِّ
سُنبُلَةٍ مِّئَةُ
حَبَّةٍ وَاللّهُ
يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء﴾2.
وقال تعالى:
﴿وَمَثَلُ
الَّذِينَ يُنفِقُونَ
أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء
مَرْضَاتِ اللّهِ
وَتَثْبِيتًا مِّنْ
أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ
جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ
أَصَابَهَا وَابِلٌ
فَآتَتْ أُكُلَهَا
ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ
يُصِبْهَا وَابِلٌ
فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾3.
الحاجة إلى أجر الإنفاق
قال تعالى:
﴿آمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَأَنفِقُوا مِمَّا
جَعَلَكُم
مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ
فَالَّذِينَ آمَنُوا
مِنكُمْ وَأَنفَقُوا
لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾4.
لا شكّ أنّ المال بذاته
بغضّ النظر عن كيفيّة
إنفاقه وسبل استخدامه لا
يمكن وصفه بالنعمة أو
النقمة، وإنما ذلك فرع
استعمال الإنسان له
والجهة التي يبذله فيها،
فعن الإمام عليّ عليه
السلام: "إنّ إنفاق هذا
المال في طاعة الله أعظم
نعمة، وإنّ إنفاقه في
معاصيه أعظم محنة"5.
بل ورد عن الإمام الصادق
عليه السلام أكثر من ذلك،
فقال: "ملعون ملعون من
وهب الله له مالاً فلم
يتصدّق منه بشيء"6.
والمال الذي تنفقه لا
لحاجةٍ عند السائل تقضيها
له
بل لحاجةٍ في نفس المعطي
يبتغي التزكية والقرب،
فعن عليّ عليه السلام:
"إنّكم إلى إنفاق ما
اكتسبتم أحوج منكم إلى
اكتساب ما تجمعون"7.
وعنه عليه السلام:
"إنّكم إلى إجراء ما
أعطيتم أشدّ حاجة من
السائل إلى ما أخذ منكم"8.
يقول العرفاء في شرح هذا
الحديث الشريف أنّ الصورة
الظاهريّة للإنفاق
والصدقة أنّ المتصدّق
يعطي الفقير مالاً إلّا
أنّ الصورة البرزخيّة
للعطاء أنّ الفقير هو
الذي يعطي المتصدّق،
لأنّه يعطيه الأجر
والثواب، ولذلك كان
الإمام الباقر عليه
السلام يمنع السائل أن
يمد إليه يده، بل كان
الإمام هو الذي يضع المال
في يده ويقدّمه للفقير
كالسائل فيلتقطه من يده.
عنه عليه السلام - في
وصيته لابنه الحسن عليه
السلام: "إنّما لك من
دنياك ما أصلحت به مثواك،
فأنفق في حقّ ولا تكن
خازناً لغيرك9.
(أي للأولاد والورثة)".
ويشبّه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم مال
الإنفاق نسبةً للمال الذي
إدخره ولم ينفقه كنسبة
ماله إلى المال الذي ورثه
فيقول لأصحابه: "أيّكم
مال وارثه أحبّ إليه من
ماله"؟ قالوا: يا
رسول الله! ما منّا أحد
إلّا ماله أحبّ إليه من
مال وارثه. قال: "فإنّ
ماله ما قدم، ومال وارثه
ما أخر"10.
وعد الله بالخلف في
الإنفاق
قال تعالى:
﴿قُلْ
إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء
مِنْ عِبَادِهِ
وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا
أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ
فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ
خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾11.
فالله يؤكّد للإنسان أن
ينفق ممّا بسطه الله له،
فهو الرازق، بل هو خير
الرازقين، وما على
الإنسان إلّا أن يتيقّن
هذه المعادلة ويبقى حاضر
الذهن أنّ ما بيده من مال
فالله هو الذي أجراه بين
يديه ليرى صدق يقينه بما
أمره به، فعن الإمام
الصادق عليه السلام:
"أنفق وأيقن بالخلف"12.
وإذا كان الله من وعد
بالخلف فمن أوفى من الله
بوعده؟ فعن الإمام عليّ
عليه السلام: "من أيقن
بالخلف جاد بالعطية"13.
وإذا كان الله يخلفه
فالإنفاق لا ينقص مالاً
كما قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم:
"ما نقص مال من صدقة قطّ،
فأعطوا ولا تجبنوا"14.
وعن عليّ عليه السلام -
لرجل ادعى في قوله تعالى:
﴿وَمَا
أَنفَقْتُم...﴾
أنه ينفق ولا يرى خلفاً:
"أفترى الله أخلف
وعده؟ قلت: لا، قال:
فممّ؟ قال: لا أدري، قال:
لو أنّ أحدكم اكتسب المال
من حلّه وأنفقه في حقّه
لم ينفق درهماً إلّا أخلف
الله عليه"15.
بقاء ما أنفق وفناء ما لم
ينفق
قال تعالى:
﴿مَا
عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا
عِندَ اللّهِ بَاقٍ
وَلَنَجْزِيَنَّ
الَّذِينَ صَبَرُواْ
أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾16.
وعن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في تفسير
هذه الآية: "كلّ ما
أبصرته بعينك واستخلاه
قلبك فاجعله لله فذلك
تجارة الآخرة"، لأنّ
الله يقول:
﴿مَا
عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا
عِندَ اللّهِ بَاقٍ﴾17.
فإذا كان ما عند الله
باقياً فحريٌّ بالإنسان
أن يقدّم إلى آخرته أفضل
ما يرجو أن يرد عليه، بل
ما نفع مالٍ لا يرى منه
الإنسان شيئاً في آخرته،
فهذا أمير المؤمنين عليه
السلام يقول: "لم يرزق
المال من لم ينفقه"18.
وعنه عليه السلام:
"جودوا بما يفنى تعتاضوا
عنه بما يبقى"19.
من لم ينفق في طاعة الله
ينفق في معصيته
وكأنّ الإنفاق سنّة لا
يمكن الحياد عنها، وعلى
المرء أن يختار بين أن
ينفق في طاعة الله فينعم
بثواب ما أنفق أو ينفق في
معصية الله فيأثم على
فعلته ويُعاقب عليها، فعن
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "من منع
ماله من الأخيار اختياراً
صرف الله ماله إلى
الأشرار اضطراراً"20.
ومثله عن الإمام الصادق
عليه السلام: "اعلم
أنّه من لم ينفق في طاعة
الله ابتلي بأن ينفق في
معصية الله عزَّ وجلَّ،
ومن لم
يمش في حاجة
وليّ الله ابتلي بأن يمشي
في حاجة عدو الله عزَّ
وجلَّ"21.
وعن الإمام الباقر عليه
السلام: "ما من عبد
يبخل بنفقة ينفقها فيما
يرضي الله إلّا ابتلي بأن
ينفق أضعافها فيما أسخط
الله"22.
وعن الإمام الكاظم عليه
السلام: "إيّاك أن
تمنع في طاعة الله، فتنفق
مثليه في معصية الله"23.
وعن الإمام الصادق عليه
السلام: "ما من عبد
يمنع درهماً في حقّه إلّا
أنفق اثنين في غير حقّه"24.
|