تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ
إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُواْ لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَاناً
وَقَالُواْ حَسْبُنَا
اللّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ﴾1.
الهدف:
بيان الحقوق التي ينبغي
للأمّة تأديتها للمجاهدين
وبيان ثوابها وذمّ
الشريعة لمن يبادلهم
الأذى.
المقدّمة
ولعلّ المجاهد من أكثر
الناس حقاً على الأمة بل
لعلّ النصوص تشير إلى أنّ
المجاهد لا يتقدّم عليه
في الحقّ أحدٌ إلّا وليّ
الأمر، وحقوقه من أكثر
الحقوق تقديساً في
الشريعة وأكثرها ثواباً
وأجراً، فالجهاد بالنفس
قد لا يتسنى للجميع لكن
يمكن للجميع أن يشارك
المجاهدين بإعانتهم بكلّ
ما يفيدهم في قتالهم، فمن
المهمّ أن يشعر المجاهد
بأنه ينتمي إلى مجتمعٍ
مقاوم يقف خلفه في
مواجهته للأعداء، ولهذه
الإعانة الفضل الكبير
والجزاء الحسن.
محاور الموضوع
حقوق المجاهدين
ويمكن الوقوف من خلال
النصوص على جملة من
الأمور التي يمكن إعانة
المجاهدين بها، والتي
تعتبر حقّاً من حقوقهم:
1-التجهيز: وذلك
بمدّ المجاهدين بكلّ ما
يساعدهم في
تحقيق
أهدافهم وانتصاراتهم، فعن
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "من جهّز
غازياً بسلك أو إبرة غفر
الله له ما تقدّم من ذنبه
وما تأخّر"2.
ولم يستثنِ أمير المؤمنين
حتّى أصحاب القلوب
الضعيفة من الجهاد فقال
عليه السلام: "الجبان
لا يحلّ له أن يغزو، لأنّ
الجبان ينهزم سريعاً،
ولكن ينظر ما كان يريد أن
يغزو به فليجهّز به غيره،
فإنّ له مثل أجره في كلّ
شيء ولا ينقص من أجره
شيئاً"3.
2- الإعانة بالمال:
ويفصّل الإمام عليّ عليه
السلام هذا الأجر بقوله
لمّا سئل عن النفقة في
الجهاد إذا لزم أو
استحبّ: "أمّا إذا لزم
الجهاد بأن لا يكون بإزاء
الكافرين من ينوب عن سائر
المسلمين فالنفقة هناك
الدرهم بسبعمائة ألف،
فأمّا المستحبّ الذي هو
قصد الرجل وقد ناب عليه
من سبعة واستغنى عنه
فالدرهم بسبعمائة حسنة،
كلّ حسنة
خير من الدنيا وما
فيها مائة ألف مرة"4.
3- عدم إذاعة أسرار
المجاهدين: قال
تعالى:
﴿وَإِذَا
جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ
الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ
رَدُّوهُ إِلَى
الرَّسُولِ وَإِلَى
أُوْلِي الأَمْرِ
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ
الَّذِينَ
يَسْتَنبِطُونَهُ
مِنْهُمْ وَلَوْلاَ
فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ
لاَتَّبَعْتُمُ
الشَّيْطَانَ إِلاَّ
قَلِيلاً﴾5.
فإنّ نشر الإشاعات وإذاعة
الخوف بين الناس يجعل من
مجتمع المقاومة مجتمعاً
أقلّ تماسكاً وبالتالي
أقلّ حمايةً لأهل الجهاد
الذين يرابطون على الثغور
حفظاً لرسالة الإسلام
وصوناً لكرامة الأمّة.
ويُستفاد من الآية ضرورة
التنظيم والرجوع إلى
أُولي الأمر وعدم
الإجتهاد في الأمور
الجهاديّة، بل ضرورة
التقيّد بما يصدر عن وليّ
الأمر وإرجاع الناس إليه
كونه حجة الله في أرضه،
كما عبّر الله تعالى
﴿إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِهِ صَفًّا
كَأَنَّهُم بُنيَانٌ
مَّرْصُوصٌ﴾6.
4- إشاعة الروح
المعنويّة العالية:
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ
إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُواْ لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَاناً
وَقَالُواْ حَسْبُنَا
اللّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ﴾7.
وذلك لأنّ تثبيط عزائم
المجاهدين تضعف روحيّة
المجاهد كالحديث عن قدرة
العدوّ وعدّته وتفوّقه
وانتصاراته المتكرّرة
وعدم إمكانيّة النصر عليه
والموت بلا طائل وغيرها
من الأحاديث التي راجت في
مجتمعاتنا مع بدايات
الجهاد ضدّ العدوّ
الإسرائيليّ، والتي أثبتت
التجربة أنّها مجرّد
أوهام وأنّ من يتوكّل على
الله فإن الله حسبه وهو
يدافع عنه وأنّ الله ينصر
من ينصره.
5- إيصال رسائله:
والرسالة هنا قد تكون
شخصيّة وقد تكون رسالة
الجهاد التي يحملها
المجاهد ويقاتل من أجلها،
وبالتالي فالمطلوب أن
يحمل مجتمع المقاومة
رسالة الجهاد التي من
أجلها يقدّم المجاهد دمه
وروحه، فعن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم:
"من بلّغ رسالة غاز كمن
أعتق رقبة، وهو شريكه في
باب غزوته"8.
6- الدعاء لهم:
ونذكر هنا مقطعاً من
الدعاء المعروف بدعاء أهل
الثغور والمرويّ عن
الإمام السجّاد عليه
السلام الذي يقول فيه:
"اللهمّ صلّ على محمّد
وآل محمّد، وكثّر
عددهم،واشحذ أسلحتهم،
واحرس حوزتهم، وامنع
حومتهم، وألّف جمعهم
ودبّر أمرهم، وواتر بين
ميرهم، وتوحّد بكفاية
مؤنهم، واعضدهم بالنصر،
وأعنهم بالصبر، والطف لهم
في المكر ) إلى أن يقول -
بعد أن يدعو على الكافرين
-: ( اللهمّ وقوِّ - بذلك
محالّ أهل الإسلام، وحصّن
به ديارهم، وثمرّ به
أموالهم، وفرّغهم عن
محاربتهم لعبادتك، وعن
منابذتهم للخلوة بك، حتى
لا يُعبد في بقاع الأرض
غيرك، ولا تُعفّر لأحد
منهم جبهة دونك"9.
7- مواساة عوائل الشهداء
والعناية بهم: وهذا
أقلّ ما يمكن تقديمه
للمجاهدين الذين يرابطون
على الثغور تاركين
عوائلهم وفلذات أكبادهم،
فمن الضروريّ أن يحمي
مجتمع المقاومة هذه
العوائل ويقدّم لها كلّ
ما تحتاج إليه من الأمور
المعيشيّة والعلميّة
والتربويّة وغير ذلك.
8- تحمّل أعباء
الجهاد: فالجهاد من
الفرائض التي تترك آثاراً
كثيرة على المجتمع كالقتل
والجرحى والأسرى وإعاقة
بعض المجاهدين فضلاً عن
التشريد وبعض الأعباء
المادية كالخراب والدمار
وتلف المحاصيل
والمزروعات، وسوى ذلك من
الأمور التي ينبغي للأمّة
الاستعداد لتحمّل أعبائها
وعدم الإنكسار أو الرضوخ
مهما بلغت التقديمات،
ولعلّه إلى ذلك أشار
القرآن بعد تعداده لأنواع
الإبتلاءات التي تمرّ على
الأمّة بقوله:
﴿وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ﴾10.
9- إعداد القوّة: قال
تعالى:
﴿وَأَعِدُّواْ
لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم
مِّن قُوَّةٍ وَمِن
رِّبَاطِ الْخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ
اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ
وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ﴾11.
والأمر الإلهيّ بالإعداد
والجهوزيّة الكاملة
والإستعداد التامّ
لمواجهة الكفار وعلى كلّ
المستويات هو تكليف
الأمّة جمعاء الذين لا
يغفلون عنّا حتى لو غفلنا
عنهم، بل هم يترصّدون
لحظة غفلة الأمّة
للإنقضاض عليها والنيل
منها، ولذا كان
من الضروريّ أن لا نستصغر
أيّ عملٍ جهاديّ، فإنّ له
موقعه وفضله وإيجابياته
على كلّ حال.
وقد بيّن ذلك أمير
المؤمنين عليه السلام
بقوله: "الجهاد على
أربع شعب: على الأمر
بالمعروف والنهي عن
المنكر والصدق في المواطن
وشنآن الفاسقين، فمن أمر
بالمعروف شدّ ظهر المؤمن،
ومن نهى عن المنكر أرغم
أنف المنافق، ومن صدق في
المواطن قضى الذي عليه،
ومن شنأ الفاسقين وغضب
لله عزَّ وجلَّ غضب الله
له"
12.
ذم إيذاء المجاهدين
وإيذاء المجاهدين من أقبح
الأعمال التي جعلها الله
في مقام الإعتداء على
ساحة قدسه، وذلك بتشويه
رسالتهم أو اتهامهم
بالعمالة لغيرهم أو تجريم
أعمالهم علناً أو تصويرهم
بأنّهم على غير الهدى
وأنّ أعمالهم لا تخدم
الشريعة، بل والأصعب من
ذلك ما قرأناه في الماضي
ونشاهده في الحاضر من
إطلاق الفتاوى الشرعيّة
ضدّهم وإباحة دمائهم
وأعراضهم
وأموالهم وبذل المال
وتقديم السلاح لحربهم،
وغير ذلك مما يفعله أئمّة
الكفر عبر التاريخ، وما
زال تاريخ هؤلاء حتّى
الساعة شاهداً على قذارة
أفعالهم ومواقفهم، وقد
ورد عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم:
"من اغتاب غازياً أو آذاه
أو خلّفه في أهله بخلافة
سوء نصب له يوم القيامة
علم، فليستفرغ لحسابه
ويركس في النار"13.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم: "اتقوا أذى
المجاهدين في سبيل الله،
فإنّ الله يغضب لهم كما
يغضب للرسل، ويستجيب لهم
كما يستجيب لهم"14
|