تصدير الموضوع:
عن الإمام زين العابدين
عليه السلام: "ما من
قطرة أحبّ إلى الله عزَّ
وجلَّ من قطرتين: قطرة دم
في سبيل الله، وقطرة دمعة
في سواد الليل لا يريد
بها العبد إلّا الله عزَّ
وجلَّ"1.
الهدف:
بيان علوّ المقام الذي
يتمتّع به الشهيد في
الآخرة وفضله وعظمته على
سائر الخلق في الدنيا.
المقدّمة
لا يمكن لبيان أدبٍ أو
شعرٍ أو كلامٍ أو سوى ذلك
أن يتحدّث عن الشهادة
ومقاماتها وعشق المجاهدين
والشهداء وصفاء نفوسهم
ونقاء سريرتهم وهم الذين
باعوا أنفسهم لله وحده،
كما يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ
اللّهَ اشْتَرَى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ
أَنفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ
لَهُمُ الجَنَّةَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ﴾2،
واشترى الله هذه الأنفس
بنعيم الأبد، فكانت نعم
التجارة مع الله وأربح
التجارة وأوفاها، وهل بعد
التجارة مع الله مقام أو
مرتبة أو درجة يمكن للعبد
أن يبلغها؟
محاور الموضوع
ثواب طلب الشهادة
وطلب الشهادة معناه أن
يجاهد المرء في سبيل الله
طامعاً في الشهادة، وأن
يدعو الله أن يرزقه
إيّاها، فعن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم:
"من طلب الشهادة
صادقاً أعطيها، ولو لم
تصبه"3.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم: "من سأل الله
الشهادة بصدق بلّغه الله
منازل الشهداء وإن مات
على فراشه"4.
فالمؤمن ينبغي أن يوطن
نفسه على الشهادة دائماً،
أي أن يملك هذه الروحية.
الشوق للشهادة
وحبّ الشهادة يجعل المرء
يرغب بها ويميل إليها،
فإذا أصبح عاشقاً لها
تراه يفتقدها دائماً
وينتظر وقوعها بفارغ
الصبر، فعن الإمام عليّ
عليه السلام:
"....... والله
لابن أبي طالب آنس بالموت
من الطفل بثدي أمّه"5.
وعنه عليه السلام - عندما
يوبّخ أصحابه على التواني
عن الجهاد -: "إنّ
أحبّ ما أنا لاق إليّ
الموت"6.
وعنه عليه السلام:
"فوالله إنّي لعلى الحقّ،
وإنّي للشهادة لمحبّ"7.
وعنه عليه السلام:
"فوالله لولا طمعي عند
لقاء عدوّي في الشهادة
وتوطيني نفسي عند ذلك،
لأحببت ألّا أبقى مع
هؤلاء يوماً واحداً"8.
وعنه عليه السلام - بعدما
ضربه ابن ملجم -:
"والله ما فجأني من الموت
وارد كرهته ولا طالع
أنكرته، وما كنت إلّا
كقارب ورد وطالب وجد"9.
حياة الشهيد
يؤكّد القرآن الكريم أنّ
الشهداء ينعمون بحياةٍ
هانئة سعيدة، وأنّ
الشهادة ليست إلّا معبراً
نحو هذه الحياة التي لا
يشعر بها بقيّة الناس.
قال تعالى:
﴿وَلاَ
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ
أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ﴾10.
وقال تعالى:
﴿وَلاَ
تَقُولُواْ لِمَنْ
يُقْتَلُ فِي سَبيلِ
اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ
أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ
تَشْعُرُونَ﴾11.
فضل الشهادة
وكرامة الشهادة والقتل في
سبيل الله من أعظم
الكرامات
التي لا يدانيها فضل، فعن
عليّ عليه السلام:
"إنّ أكرم الموت القتل،
والذي نفس ابن أبي طالب
بيده لألف ضربة بالسيف
أهون عليّ من ميتة على
الفراش في غير طاعة الله"12.
وأمّا فضائل هذه الشهادة
فهي أعظم من أن تُحصى
بركاتها، وأكبر من أن
ندرك بعقولنا كرامة
الشهيد عند ربّه وما
يلاقيه من الأجر وعظيم
المقام، والتي منها:
1- إقتران الشهادة
بالفوز: وهذا مبدأ لا
يقبل الشكّ أو الترديد
فيه. فعن عليّ عليه
السلام - لمّا ضربه ابن
ملجم -:
"فزت وربّ
الكعبة"13.
2- أعلى مقامات
البِرّ: لأنّه لا
يوجد في الحياة أغلى على
الإنسان من نفسه،
وبالتالي فإنّه عندما
يجود بها فيكون قد وصل
إلى أعلى مراتب القرب من
الله. فعن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم:
"فوق كلّ ذي بِرٍّ بَرٌّ
حتّى يُقتل الرجل في سبيل
الله، فإذا قُتل في سبيل
الله فليس فوقه بَرّ"14.
3- أشرف الموت:
أسباب الموت كثيرة
متنوّعة إلّا أنّ قتل
الشهادة يعني فناء الشهيد
في الدفاع عن مقدّسات
الأمة, فعن عليّ عليه
السلام: "أشرف الموت
قتل الشهادة"15.
الإمام زين العابدين عليه
السلام: "ما من قطرة
أحبّ إلى الله من قطرة دم
في سبيل الله"16.
وعن عليّ عليه السلام:
"إنّ أكرم الموت القتل،
والذي نفس ابن أبي طالب
بيده لألف ضربة بالسيف
أهون عليّ من ميتة على
الفراش في غير طاعة الله"
17.
4- أفضل ما تُختم به
الحياة: فاختتام
الحياة بالشهادة يعني
ثبات الإنسان على الصراط
طيلة حياته. فعن عليّ
عليه السلام - في ختام
كتابه للأشتر لمّا ولّاه
مصر -: "وأنا أسأل
الله بسعة رحمته وعظيم
قدرته على إعطاء كلّ
رغبة،... أن يختم لي ولك
بالسعادة والشهادة"18.
5- السعادة الكبرى:
باعتبارها مفتاح الحياة
الأبديّة، عن
الإمام الحسين عليه
السلام:
"إنّي لا أرى
الموت إلّا سعادة، ولا
الحياة مع الظالمين إلّا
برماً"19.
6- رفع عذاب القبر:
عن الشهيد والمجاهد على
حدٍّ سواء، فعن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم:
"من لَقِيَ العدوّ
فصبر حتّى يُقتل أو يغلب
لم يفتن في قبره"20.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم - لمّا سئل عن عدم
افتتان الشهيد في القبر
-: "كفى ببارقة السيوف
على رأسه فتنة"21.
7- الشهادة وتكفير
الذنوب: وهذه إحدى
النعم والبركات الإلهيّة
التي يمنّها الله على
الشهيد، فعن الإمام
الباقر عليه السلام:
"كلّ ذنب يكفره القتل في
سبيل الله إلّا الدَّيْن،
فإنّه لا كفّارة له إلّا
أداؤه، أو يقضي صاحبه، أو
يعفو الذي له الحق"22.
وعن الإمام الصادق عليه
السلام: "من قتل في
سبيل الله لم يعرّفه الله
شيئاً من سيّئاته"23.
أفضل الشهداء
ومن الطبيعيّ أن يكون
الشهداء مراتب ودرجات،
فعن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "أفضل
الشهداء الذين يقاتلون في
الصفّ الأوّل، فلا يلفتون
وجوههم حتّى يُقتلوا،
أولئك يتلبّطون في الغرف
العلى من الجنّة، يضحك
إليهم ربّك، فإذا ضحك
ربّك إلى عبد في موطن فلا
حساب عليه"24.
ولذلك نقرأ في سيرة رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم أنّه عند مواجهة
الأعداء يكون أقرب القوم
إليهم وأشجعهم في القتال.
تمني الشهيد
عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "ما
من نفس تموت لها عند الله
خير يسرّها أنّها ترجع
إلى الدنيا، ولو أنّ لها
الدنيا وما فيها، إلّا
الشهيد، فإنّه يتمنى أن
يرجع فيُقتل في الدنيا،
لما يرى من فضل الشهادة"
25.
|