تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿وَجَاءتْ
سَكْرَةُ الْمَوْتِ
بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا
كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾1.
الهدف:
إلقاء الضوء على بعض
أهوال سكرات الموت وبعض
ما يخفّف ذلك عن الإنسان.
المقدّمة
عن الإمام عليّ عليه
السلام - لمحمّد بن أبي
بكر لما ولّاه مصر -:
"احذروا يا عباد الله
الموت وسكرته، وأعدّوا له
عدّته، فإنّه يفجأكم بأمر
عظيم، بخير لا يكون معه
شرّ أبداً، أو بشرٍّ لا
يكون معه خير أبداً...
إنه ليس أحد من الناس
تفارق روحه جسده حتّى
يعلم أيّ المنزلتين يصل،
إلى الجنّة أم إلى النار،
أعدوّ هو لله أم وليّ له،
فإن كان وليّاً لله فتحت
له أبواب الجنّة وشرّعت
له طرقها ورأى ما أعدّ
الله له فيها، ففرغ من
كلّ شغل ووضع عنه كلّ
ثقل، وإن كان عدوًّا لله
فتحت له أبواب النار
وشرّعت له طرقها ونظر إلى
ما أعدّ الله له فيها،
فاستقبل كلّ مكروه وترك
كلّ سرور....."2
محاور الموضوع
أحوال سكرات الموت
وعن الإمام عليّ عليه
السلام - في وصفه لسكرات
الموت -: "اجتمعت
عليهم سكرة الموت وحسرة
الفوت، ففترت لها
أطرافهم، وتغيّرت لها
ألوانهم. ثمّ ازداد الموت
فيهم ولوجاً، فحيل بين
أحدهم وبين منطقه، وإنّه
لبين أهله ينظر ببصره
ويسمع بأذنه على صحّة من
عقله وبقاء من لبّه،
يفكّر فيم أفنى عمره،
وفيم أذهب دهره، ويتذكّر
أموالاً جمعها، أغمض في
مطالبها، وأخذها من
مصرّحاتها ومشتبهاتها، قد
لزمته تبعات جمعها، وأشرف
على فراقها، تبقى لمن
وراءه ينعمون فيها،
ويتمتّعون بها، فيكون
المهنأ لغيره والعب ء على
ظهره، والمرء قد علقت
رهونه بها، فهو يعضّ يده
ندامة على ما أصحر له عند
الموت من أمره، ويزهد
فيما كان يرغب فيه أيّام
عمره، ويتمنى أنّ الذي
كان يغبطه بها ويحسده
عليها قد حازها دونه !
فلم يزل الموت يبالغ في
جسده حتّى خالط لسانه
سمعه، فصار بين أهله لا
ينطق بلسانه، ولا يسمع
بسمعه، يردّد طرفه بالنظر
في وجوههم، يرى حركات
ألسنتهم، ولا يسمع رجع
كلامهم. ثمّ زاد الموت
التياطا به، فقبض بصره
كما قبض سمعه، وخرجت
الروح من جسده، فصار جيفة
بين أهله"3..
أهوال سكرة الموت
قال تعالى:
﴿كَلَّا
إِذَا بَلَغَتْ
التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ
مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ
أَنَّهُ الْفِرَاقُ *
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ * إِلَى
رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
الْمَسَاقُ﴾4.
1- شدّة الألم: عن
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "أدنى
جبذات الموت بمنزلة مائة
ضربة بالسيف"5.
وعن عليّ عليه السلام:
"والذي نفسي بيده لمعاينة
ملك الموت أشدّ من ألف
ضربة بالسيف، والذي نفسي
بيده لا تخرج نفس عبد من
الدنيا حتى يتألّم كلّ
عرق منه على حياله"6.
2- فوق الوصف والتعقّل:
عن الإمام عليّ عليه
السلام: "إنّ للموت
لغمرات هي أفظع من أن
تستغرق بصفة، أو تعتدل
على عقول أهل الدنيا"7.
فأيّ وصفٍ لغمرات الموت
إنّما هو تشبيه وتصوير
لمقاربة الواقع وحقيقته،
لكن لا يمكن لأيّ وصفٍ أن
يعطي الحقيقة كما هي في
الواقع لأنّها أكبر من أن
توصف بالكلمات والصفات.
3- الجزع والخوف:
فإنّ شدّة الموت وحدها لو
يعاينها الإنسان لكانت
كافيةً لاستقامته
والتزامه وعدم الإبتعاد
عن الطاعات، فعن الإمام
عليّ عليه السلام:
"فإنّكم لو قد عاينتم ما
قد عاين من مات منكم
لجزعتم ووهلتم، وسمعتم
وأطعتم، ولكن محجوب عنكم
ما قد عاينوا، وقريب ما
يُطرح الحجاب"8.
وعن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "لو
أنّ البهائم يعلمن من
الموت ما تعلمون أنتم، ما
أكلتم منها سميناً"9.
4- قرب الشيطان منه:
فهي اللّحظة التي يأمل
الشيطان حرف المؤمن عن
ولاية أهل بيت العصمة
عليهم السلام ، فعن رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم: "احضروا موتاكم
ولقّنوهم لا إله إلا الله
وبشّروهم بالجنّة، فإنّ
الحليم من الرجال والنساء
يتحيّر عند ذلك المصرع،
وإنّ الشيطان أقرب ما
يكون من ابن آدم عند ذلك
المصرع"10.
5- ملك الموت: قال
تعالى:
﴿قُلْ
يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ
الْمَوْتِ الَّذِي
وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ
إِلَى رَبِّكُمْ
تُرْجَعُونَ﴾11.
ولعلّ من أكبر سكرات
الموت مواجهة ملك الموت
الذي أوكله الله قبض
الأرواح، هذا الملك الذي
يتجلّى لكلّ إنسان بما
يتناسب مع حقيقته وجوهره،
ثمّ إنّ الله أعطاه من
القدرة ما قدّره على قبض
الأرواح في أيّ مكان من
الأرض، فعن عليّ عليه
السلام: "قيل لملك
الموت عليه السلام: كيف
تقبض الأرواح وبعضها في
المغرب وبعضها في المشرق
في ساعة واحدة؟. فقال:
أدعوها فتجيبني. قال:
وقال ملك الموت عليه
السلام: إن الدنيا بين
يديّ كالقصعة بين يدي
أحدكم، يتناول منها ما
يشاء، والدنيا عندي
كالدرهم في كف أحدكم
يقلبه كيف شاء"12.
وفي حوارٍ لافت لأمير
المؤمنين عليه السلام مع
الزنديق الذي ادعى
التناقض في القرآن -:
﴿اللَّهُ
يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ
حِينَ مَوْتِهَا﴾
وقوله:
﴿يَتَوَفَّاكُم
مَّلَكُ الْمَوْتِ﴾
و
﴿تَوَفَّتْهُ
رُسُلُنَا﴾
و
﴿تَتَوَفَّاهُمُ
الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ﴾
و﴿الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ
الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي
أَنفُسِهِمْ﴾
"فهو تبارك وتعالى
أجلّ وأعظم من أن
يتولّى ذلك بنفسه، وفعل
رسله وملائكته فعله،
لأنّهم بأمره يعملون...
فمن كان من أهل الطاعة
تولّت قبض روحه ملائكة
الرحمة، ومن كان من أهل
المعصية تولّى قبض روحه
ملائكة النقمة، ولملك
الموت أعوان من ملائكة
الرحمة والنقمة يصدرون عن
أمره، وفعلهم فعله، وكلّ
ما يأتونه منسوب إليه،
وإذا كان فعلهم فعل ملك
الموت، وفعل ملك الموت
فعل الله لأنّه يتوفّى
الأنفس على يد من يشاء"13.
ما يهوّن الموت وسكراته
إنفاق المال: عن
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "قدّم مالك
أمامك يسرّك اللّحاق به"14.
فمساعدة الفقراء والتحنّن
عليهم وكسوتهم في الشتاء
والصيف ممّا يخفف سكرات
الموت، وفي الرواية عن
الإمام الصادق عليه
السلام: "من كسا أخاه
كسوة شتاءٍ أو صيف كان
حقاً على الله أن يكسوه
من ثياب الجنّة، وأن
يهوّن عليه سكرات
الموت وأن يوسع عليه
في قبره"15.
الإبتعاد عن المعاصي:
عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم- لرجل وهو
يوصيه -: "أقلل من
الشهوات يسهل عليك الفقر،
وأقلل من الذنوب يسهل
عليك الموت"16.
صلة الرحم وبرّ
الوالدين: عن الإمام
الصادق عليه السلام:
"من أحبّ أن يخفّف الله
عزَّ وجلَّ عنه سكرات
الموت، فليكن لقرابته
وصولاً وبوالديه بارًّا،
فإذا كان كذلك هوّن الله
عزَّ وجلَّ عليه سكرات
الموت ولم يصبه في حياته
فقر أبداً"17.
وفي الروايات أمورٌ كثيرة
تهوّن سكرات الموت منها
قراءة سورة الزلزلة
والمواظبة على الفرائض
اليوميّة والإكثار من
قراءة آية
﴿رَبَّنَا
لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا..﴾،
والمواظبة على تسبيح
الزهراء عليها السلام
وقراءة سورة المؤمنون كلّ
يوم جمعة وغير ذلك ممّا
يُشوّق المرء للقاء ربّه،
فقد ورد عن الإمام عليّ
عليه السلام: "شوّقوا
أنفسكم إلى نعيم الجنّة
تحبّوا الموت وتمقتوا
الحياة".
|