تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ
عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا
وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾1.
الهدف:
الحثّ على ثقافة العمل
التطوّعيّ الذي لا يبتغي
فيه المسلم إلّا وجه الله
ومرضاته.
المقدّمة
إنّ من الأخلاق القاتلة
في مسيرة الإنسان
الإيمانيّة أن يتسلّل إلى
نيّة المؤمن بعض الدوافع
والحوافز الدنيويّة
ويتحوّل الباعث والمحرّك
الذي يدفعه نحو العمل
القربويّ مصالح خاصّة
ومنافع شخصيّة ترتبط
بالأنا والمال والموقع
والاسم والشهرة وسوى ذلك
من أمورٍ تفقد العمل بعده
القربويّ، وبالتالي تفقده
جماليّته وجاذبيّته
وأخرويّته، فيصبح الدافع
نحو العمل لا مقدار ما
يترك هذا العمل من أثر في
مصلحة الرسالة، بل مقدار
ما تتركه الرسالة من
منفعةٍ في حياة المؤمن،
وتصبح الرسالة خادمةً
للإنسان بدل أن يكون
خادماً لها ومضحّياً من
أجلها.
محاور الموضوع
بواعث العمل لدى الإنسان
المؤمن
تختلف الدوافع التي تبثّ
الحماسة وروحيّة العمل
لدى الإنسان المؤمن والتي
تدفعه إلى تحمّل
مسؤوليّاته والاندفاع
إلى
التحرّك عن غيره من أفراد
المجتمع، فهو لا يرى نفسه
يؤدّي وظيفةً أو يتخلّص
من عبءٍ أثقل كاهله أو
يحاول التملّص والهروب من
واجبه الشرعيّ، بل يرى في
عمله عبادةً يتقرّب بها
إلى الله ويشعر بالحبّ
والرغبة والعشق لهذا
العمل الذي يرقى به في
معارج الكمال إلى الله
تعالى. ولعلّ أهم البواعث
والدوافع التي تحدّث عنها
القرآن الكريم يمكن
تلخيصها بالأمور الآتية:
1- أداء التكليف:
فامتثال أمر الله تعالى،
وكون العمل عملاً
عباديّاً من أرقى الدوافع
الذاتيّة لدى الإنسان
المؤمن، بل كونه مورد
طاعة وقربة إلى الله،
يجعل أيّ جهد أو تعب أو
بذل يبذله الإنسان هيّناً
وسهلاً، بل جميلاً
ومؤنساً.
2- عدم النظر إلى
المكاسب الدنيويّة:
قال تعالى:﴿لَا
يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي
الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا﴾2،
بينما ترى الأمر مختلفاً
في جبهة الباطل فيطلب
سحرة فرعون أن يكونوا من
المقرّبين من فرعون إن
تمّ لهم الفوز على موسى
عليه السلام كما عبّر
القرآن
الكريم بقوله:
﴿وَجَاء
السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ
قَالْواْ إِنَّ لَنَا
لأَجْرًا إِن كُنَّا
نَحْنُ الْغَالِبِينَ
*
قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ
لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾3.
3- طلب الأجر من الله
تعالى: قال تعالى:
﴿وَمَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى
رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾4،
وكأنّ مدلول الآية يُشعر
بضرورة أن تكون هذه
المعادلة واضحة عند
الآخرين، وأنّ الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم لا
يتحرّك إنطلاقاً من أيّ
نفعٍ سوى الأجر والثواب
والقرب من الله تعالى.
4- عدم طلب البدل
الماديّ والمعنويّ من
الناس: قال تعالى:
﴿لَا
نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء
وَلَا شُكُورًا﴾5،
ولا يخفى أنّ عدم إرادة
أيّ جزاء ماديّ أو معنويّ
مقابل فعل الإنسان يجب أن
يكون متضمّناً لنية القرب
التي تدفع المرء نحو
الفعل، وإلّا وقع في
الشرك، وعدم الإرادة يعني
الإعراض حتّى لو انقادت
الدنيا للإنسان، كما ورد
في خطبة المتّقين:
"أرادتهم الدنيا فلم
يريدوها"6.
5- الخوف والخشية من
الله: قال تعالى:
﴿يَخَافُونَ
يَوْمًا تَتَقَلَّبُ
فِيهِ الْقُلُوبُ
وَالْأَبْصَارُ﴾
7، وفي
التفسير أنّ هذا اليوم هو
يوم القيامة الذي تظهر
فيه الأمور والنوايا التي
كانت تضمرها القلوب على
حقيقتها، والأرض يومها
مشرقةٌ بنور ربّها ولا
خفاء على الله تعالى،
وبالتالي فأهل الإيمان
يتوسّلون النوايا الصادقة
إلى الله لأنّهم يخافون
ذلك اليوم الذي تتكشّف
فيه كافّة الأمور ويظهر
عياناً ما كان مخفيّاً في
هذه الدار الدنيا.
6- المسارعة إلى الفوز
بالآخرة: قال تعالى:
﴿وَسَارِعُواْ
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن
رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
وَالأَرْضُ﴾8.
والمسارعة إلى المغفرة
تعني أنّها همّه الأول
وهدفه الكبير الذي ينشده،
وأنّ قوّة الحركة وسرعتها
نحو مغفرة الله ورضوانه
لا تهدأ ولا يوازيها شيء
آخر على الإطلاق.
7- استباق فعل الخير:
قال تعالى:
﴿وَلِكُلٍّ
وِجْهَةٌ هُوَ
مُوَلِّيهَا
فَاسْتَبِقُواْ
الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا
تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ
اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ
اللّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾9،
فالمؤمن لا يرضى بأيّ
درجة، بل ينشد القرب من
الله لأنّ السبق يستلزم
القرب من الله في الآخرة
لقوله تعالى:
﴿وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ
*
أُوْلَئِكَ
الْمُقَرَّبُونَ﴾10.
والاستباق فعل يستلزم
مسابقة شيء آخر وذلك لأنّ
المؤمن يسابق الزمان
والموت والعجز والمرض
والفقر إلى فعل الخيرات
والأعمال الصالحة قبل
فوات الأوان.
8- روحيّة التعاون:
قال تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُواْ
عَلَى الْبرِّ
وَالتَّقْوَى وَلاَ
تَعَاوَنُواْ عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾11،
فالمؤمن يرى نفسه جزءاً
من جماعةٍ يتحرّك معها
ويرتبط بها على عناوين
البرّ والتقوى فهو يعضدها
ويساندها إيماناً منه أنّ
العمل القربويّ عملٌ
يحتاج إلى حركة الجماعة،
هذه الحركة التي تستبطن
ذوبان الأنا في الجماعة
لا تسخير الجماعة لمصلحة
الأنا.
9- روحيّة المبادرة:
قال تعالى:
﴿وَعَجِلْتُ
إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾12،
وهذه الآية تكشف أنّه لا
يوجد مساحة
للتريّث
والتفكير بين الأمر
الإلهيّ وفعل الإنسان
المؤمن، فالأمر الذي
يُحرز به المؤمن رضا الله
تراه يعجل إليه دون تلكّؤ
أو تذمّر أو استخفاف أو
تثاقل، كما عبّر الله
تعالى
﴿مَا
لَكُمْ إِذَا قِيلَ
لَكُمُ انفِرُواْ فِي
سَبِيلِ اللّهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى
الأَرْضِ﴾13،
بينما ترى القرآن الكريم
ذمّ فعل إبليس إذ لم
يبادر إلى امتثال أمر
الله بالسجود، فقال له:
﴿مَا
مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ
إِذْ أَمَرْتُكَ
﴾14.
|