تصدير الموضوع:
قال تعالى:
﴿فَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ وَمَن
تَابَ مَعَكَ وَلاَ
تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾1.
الهدف:
التعريف بمبدأ الاستقامة
الذي حثّت عليه الشريعة
وبيان آثار وبركات
التمسّك بهذا المبدأ.
المقدّمة
يعتبر مبدأ الاستقامة من
أهمّ المبادىء المحوريّة
في الشخصيّة الإيمانيّة
التي يتمحور حولها الكثير
من الصفات والفضائل
ومكارم الأخلاق،
وبفقدانها يفقد المؤمن
أهمّ ركائز الإيمان
وأركانه، ويكفي في ذلك
قول رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم:
"شيبّتني آية في سورة
هود"، حين أمره الله
بالاستقامة واستقامة من
معه فقال تعالى:
﴿فَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ وَمَن
تَابَ مَعَكَ وَلاَ
تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾2،
وقال:
﴿فَلِذَلِكَ
فَادْعُ وَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ﴾3،
بل قد أمر الله تعالى بها
أيضاً أنبياءه، فقال في
حقّ موسى وأخيه عليهما
السلام:
﴿قَالَ
قَدْ أُجِيبَت
دَّعْوَتُكُمَا
فَاسْتَقِيمَا﴾4
وعدّ الجنوح في
سلوكهم عن هذا المبدأ
ظلماً وطغياناً.
محاور الموضوع
فضيلة الاستقامة
عن الإمام عليّ عليه
السلام: "لا مسلك أسلم
من الاستقامة، لا
سبيل أشرف من
الاستقامة"5.
وعنه عليه السلام:
"اعلموا أنّ الله تبارك
وتعالى يبغض من عباده
المتلوّن، فلا تزولوا عن
الحقّ، وولاية أهل الحقّ،
فإنّ من استبدل بنا هلك"6.
والمتلوّن هو العبد الذي
لا يتّخذ موقفاً مبدئيّاً
من الأحداث والوقائع، بل
يتلوّن وفق المصلحة
والطمع ومنفعته الخاصّة،
ويساير على حساب الرسالة
والقيم والمبادىء.
عن عليّ عليه السلام في
شرح قوله تعالى:
﴿إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا
رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ
الْمَلَائِكَةُ...﴾
وقد قلتم: "ربّنا الله
فاستقيموا على كتابه،
وعلى منهاج أمره، وعلى
الطريقة الصالحة من
عبادته، ثمّ لا تمرقوا
منها، ولا تبتدعوا فيها،
ولا تخالفوا عنها"7.
وكأنّ الاستقامة تستلزم
ثلاثة أمور وهي: عدم
الانحراف عنها، وعدم
إلصاق أمور بالشريعة وهي
ليست منها، وعدم المخالفة
فيما أمر الله تعالى ونهى
عنه.
وعنه عليه السلام:
"كيف يستقيم من لم يستقم
دينه"؟!8
عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "لو
صلّيتم حتّى تكونوا
كالحنايا وصمتم حتّى
تكونوا كالأوتار ثمّ كان
الاثنان أحبّ إليكم من
الواحد لم تبلغوا
الاستقامة"9.
ثمرة الاستقامة:
والحديث عن الاستقامة
حديثٌ عن ملكة تلازم
أفعال أهل الإيمان، وعن
مقامٍ روحيّ لا ينحدر عنه
مهما قست العروض
والتحدّيات، فهي ليست
فعلاً عابراً أو موقفاً
في حادثة أو لحظة تجلٍّ
وتجرّد مع الله، بل هي
استقامة دائمة بدوام
الحياة واستمرار العمل
والمواجهة مع أئمّة الكفر
والضلال، ومن هنا فإنّ
قيمة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وأئمّة
الهدى تكمن في ثباتهم على
هذا المبدأ وعدم تزلزلهم
أو ضعفهم أو صدور ما
ينافي الاستقامة في كافّة
أعمالهم ومواقفهم
وسلوكيّاتهم، رغم أنواع
الإبتلاءات والمحن
والعذابات التي تعرّضوا
لها، وما زال
أتباعهم يتعرّضون لها
اليوم على مساحة العالم
كلّه.
1- وفرة الخيرات:
بمعنى توفّر النعم
الماديّة لعموم الخلق،
قال تعالى:
﴿وَأَلَّوِ
اسْتَقَامُوا عَلَى
الطَّرِيقَةِ
لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء
غَدَقًا﴾10.
2- الأمان يوم
القيامة: قال تعالى:﴿إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا
رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا فَلَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ﴾11.
والتعبير بعدم الخوف
والحزن من أهم بركات يوم
الفزع الأكبر.
3- البشرى بالجنّة:
وهذا منتهى الفوز
بالوعد الإلهي للذين
آمنوا واستقاموا، قال
تعالى:
﴿إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا
رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ
الْمَلَائِكَةُ أَلَّا
تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي
كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾12.
وعن الإمام عليّ عليه
السلام: "من استقام
فإلى الجنة، ومن زلَّ
فإلى النار"13.
4- الفلاح: وهو
نفس معنى البشرى بالجنّة،
فعن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "إن
تستقيموا تفلحوا"14.
5- السلامة: أي
أنّ الاستقامة ملاذ
المؤمن من التعثّر
والوقوع في الأخطاء، فعن
الإمام عليّ عليه السلام:
"من لزم الاستقامة لزمته
السلامة"15.
6- الكرامة في الدنيا
والآخرة: عن الإمام
عليّ عليه السلام:
"عليك بمنهج الاستقامة
فإنّه يكسبك الكرامة
ويكفيك الملامة"16.
7- السعادة: عن
الإمام عليّ عليه السلام:
"أفضل السعادة استقامة
الدين"17.
عاقبة عدم الاستقامة
قال تعالى:
﴿إِذاً
لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ
الْحَيَاةِ وَضِعْفَ
الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ
تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا
نَصِيرًا﴾18.
والضعف هو العذاب كما في
قوله تعالى:
﴿قَالُوا
رَبَّنَا مَن قَدَّمَ
لَنَا هَذَا فَزِدْهُ
عَذَابًا ضِعْفًا فِي
النَّارِ﴾19
وقال تعالى:
﴿لِكُلٍّ
ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ
تَعْلَمُونَ﴾20،
وعليه في هذه الآية يتوعد
الله تعالى رسوله بثلاثة
أمور فيما لو سلك سبيلاً
غير سبيل الاستقامة، وهي:
1- مضاعفة العذاب في
الدنيا.
2- مضاعفة العذاب في
الآخرة.
3- أن يكله إلى نفسه فلا
ينصره ولا يعينه.
والسبب في تضعيف هذا
العذاب أنّ أقسام نعم
الله تعالى في حقّ
الأنبياء عليهم السلام
أكثر فكان انحرافهم عند
الاستقامة أعظم، وكانت
العقوبة المستحقّة عليها
أكثر، ونظيره قوله تعالى
في حقّ نساء النبيّ
اللّاتي اعتبرهنَّ الله
أنّهنّ لَسْنَ كبقيّة
النساء:
﴿يَا
نِسَاء النَّبِيِّ مَن
يَأْتِ مِنكُنَّ
بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ
يُضَاعَفْ لَهَا
الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾21.
|