الليلة الرابعة

 المحاضرة الأولى: حبّ المال وأثره في واقعة كربلاء

v الهدف

لفت نظر الناس إلى المال الذي يتلقّونه ومصدره وحلّيته وهل له أيّ تبعات أو مواقف سياسيّة والحذر من ذلك.

v تصدير الموضوع

قال تعالى:
﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا1.


77


مقدّمة

كان لحبّ المال أثره الكبير على طول التاريخ في افتعال الأحداث وإنشاء التيّارات الفكريّة والسياسيّة واستمالة أفئدة الناس وقلوبهم، علماً أنّ الإسلام حارب هذه الطريقة في استقطاب الناس لأنّ من ينصرك لأجل مالك سينصر غيرك لأجل ماله، واعتبر الإسلام أنّ نقطة الجذب الكبرى هي مكارم الأخلاق، ولذلك كان رسول الله يقول دائماً لأصحابه: "إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم"2.

v محاور الموضوع

استمالة قلوب الناس بالمال

وفي رواية يسأل فيها الإمام الحسين عليه السلام بعض القادمين من الكوفة للالتحاق به، فقال لهم: "أخبروني خبر الناس وراءكم؟"، فقال له مجمع بن عبد الله العائذيّ: أمّا أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم يُستمال ودّهم ويُستخلص به نصيحتهم فهم إلبٌ واحد عليك، وأمّا سائر الناس بعد فإنّ أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غداً مشهورةً عليك3.

وهذا أسوأ ما يمكن أن تصل إليه أمّة من الأمم وهو أن تبيع


78


دينها وقيمها ومبادئها بالدراهم والدنانير، بل وأكثر من ذلك أن ترفع سيوفها في وجه أولياء الله وتقتلهم.

طلب الجائزة


وفي روايةٍ أقبل سنان ( لعنه الله ) حتّى أدخل رأس الحسين بن عليّ عليهما السلام على عبيد الله ابن زياد (لعنه الله) وهو يقول:

املأ ركابي فضّة وذهبا              إنّي قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس أمّاً وأبا            وخيرهم إذ ينسبون نسبا



فقال له عبيد الله بن زياد: ويحك! فإن علمت أنّه خير الناس أباً وأمّا، لم قتلته إذن؟!4.

ومن الواضح أنّ سنان كان يعلم علم اليقين أنّ الحسين عليه السلام خير الناس أمّاً وأباً وكان يعلم كذلك أنّ هذه قناعة عبيد الله بن زياد فظنّ أنّه يمكنه أن يتحدّث بذلك صراحة أمامه، لكن ابن زياد لم يكن ليسمح بهكذا شعار يرفع أمامه حتّى وإن علم صدقه..

وفي مشهدٍ آخر من قصر الإمارة أعلن ابن زياد على أهل الكوفة: أن برئت ذمّة الله من رجل وجدنا ابن عقيل في داره ومن جاء به فله ديّته. وقال: اتقوا الله عباد الله، والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، ثمّ نادى على صاحب


79


الشرطة: يا حصين بن تميم ثكلتك أمّك، إنّ صاح باب سكّة من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به، وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصدة على أفواه السكك، وأصبح غداً واستبر الدور وجس خلالها، حتّى تأتيني بهذا الرجل. وروي أنّ بلال بن أسيد الذي آوت أمّه ابن عقيل أخبر الشرطة بمكان ابن عقيل وعندما علم ابن زياد بذلك أمر بإحضاره5.

مخاوف ابن زياد الماليّة

في الحوار الذي دار بين الإمام الحسين عليه السلام وابن سعد خير شاهد على الجشع والطمع بالمال الذي وصلت إليه الأمّة آنذاك.

تقول الرواية أنّ الإمام الحسين عليه السلام قال له: "ويلك يا ابن سعد، أما تتّقي الله الذي إليه معادك؟! أتقاتلني وأنا ابن من علمت؟! ذر هؤلاء القوم وكن معي، فإنّه أقرب لك إلى الله تعالى"، فقال عمر بن سعد: أخاف أن يهدم داري، فقال الحسين عليه السلام: "أنا أبنيها لك" فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي، فقال الحسين عليه السلام: "أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز" فقال: لي عيال وأخاف عليهم، ثمّ سكت ولم يجبه إلى شيء،


80


فانصرف عنه الحسين عليه السلام وهو يقول: "مالك ذبحك الله على فراشك عاجلاً ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلّا يسيرا" فقال ابن سعد: في الشعير كفاية عن البرّ مستهزئاً بذلك القول6.

عزوف أصحاب الحسين عن المال


بينما ترى على الجبهة المقابلة أنّ المال لا يعني شيئاً أمام الموقف الشرعيّ والإلهيّ فهذا محمّد بن بشير الحضرميّ قيل له وهو في تلك الحال: قد أسر ابنك بثغر الريّ، فقال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحبّ أن يؤسر وأنا أبقى بعده. فسمع الحسين عليه السلام قوله، فقال له: "رحمك الله أنت في حلٍّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك" فقال: أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك، قال: "فأعط ابنك هذه الأثواب والبرود يستعين بها في فداء أخيه"، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار7.

وأكثر من ذلك أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد أحلّه من البيعة وأعطاه مالاً ليفكّ أسر ابنه، ومعنى ذلك أنّه بريء الذمّة في تركه الحسين عليه السلام، لكنّ سموّ روحه وإباءه أبت أن يترك إمامه على تلك الحال لينشغل عنه بأمرٍ من أمور الدنيا.


81


المحاضرة الثانية: التعلّم والتفقّه

v
الهدف

حثّ الناس على التعلّم والحضور في مجالس العلماء ومعرفة الأحكام والمسائل الأساسيّة، وما لذلك من ثواب وأجر كبير.

v
تصدير الموضوع

قال تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ8.


83


مقدّمة

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العلم حياة الإسلام وعماد الإيمان".

اهتمّت الشريعة اهتماماً بالغاً بموضوع العلم حتّى اعتبرته فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، فبه تعمر البلاد ويعبد الله وتقضى حوائج الناس.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "العلم رأس الخير كلّه والجهل رأس الشرّ كلّه"9.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قلب ليس فيه شيء من الحكمة كبيت خرب، فتعلّموا وعلّموا وتفقّهوا ولا تموتوا جهّالاً، فإنّ الله لا يعذر على الجهل"10.


v
محاور الموضوع

الدعوة الى العلم والتفقّه

عن الإمام الصادق عليه السلام: "لوددت أنّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتّى يتفقّهوا"11.

وعن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام: "لو يعلم الناس ما في العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج"12.


84


أثر العلم في القرآن

تناول القرآن الكريم مجموعة من الآثار والبركات التي ينعم بها أهل العلم ومنها:

علوّ الدرجات:
فكلّما ازداد المرء علماً مقترناً بالإيمان كلّما رفعه الله، قال تعالى:
﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ13.

الإيمان:
فالعلم سبيل إلى الإيمان بالله، قال تعالى:
﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ14.

وقال تعالى:
﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ15.

توحيد الله:
فالعالم يدرك أنّ هذا الوجود هو فيضٌ من إلهٍ واحدٍ أحد، قال تعالى:
﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ16.

البكاء والخشوع:
لأنّ العلم ينظّم طبيعة العلاقة بين الإنسان وربّه، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ


85


... وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا17.

الخشية من الله: فالإنسان كلّما ازداد علماً وأدرك بعض أسرار الوجود كلّما عَظُمَ الله في نفسه وقويت خشيته منه، قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء18.

فضل العلم:


قربه من درجة النبوّة
: فالنبيّ يبلّغ عن الله والعالم يبلّغ عن النبيّ، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد"19.

فضل العلم على العبادة:
لأنّ العبادة في الواقع أثرٌ من آثار العلم، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "من خرج يطلب باباً من علم ليردّ به باطلاً الى حقٍّ أو ضلالة الى هدى كان عمله ذلك كعبادة متعبّد أربعين عاما"20.

وعنه عليه السلام: "فضل العلم أحبّ الى الله من فضل العبادة"21.

العلم سبيل الى الجنّة:
فعن الإمام الباقر عليه السلام: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق


86


الجنّة"22. وفي الحديث إشارة لطيفة إلى عون الله لطالب العلم وتسديده له.

استغفار الكائنات لطالب العلم: فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ طالب العلم يستغفر له كلّ شيءٍ حتّى الحيتان في البحر"23.


87


المحاضرة الثالثة: الحميّة والإباء

v
الهدف

أهميّة التركيز على بعض المفردات الأخلاقيّة التي أوصت بها الشريعة كالحياء والحميّة، والتي لا يستغني عنها المجتمع بشكلٍ دائم.

v
تصدير الموضوع

قال تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا24.


89


مقدّمة

تأتي الغيرة في اللغة بمعنى الحميّة والإنفة، ومن لوازمها الإباء ورفعة النفس وهي ممّا طبعه الله في نفس الإنسان، وعليه فهي من الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة التي فطر الله الإنسان عليها فتراه يأبى تدخّل الآخرين في أموره وشؤونه الخاصّة، وفي الإصطلاح عدم السماح لأحد أن يتعرّض له أو لأحد متعلّقاته بأيّ سوء أو أذى.

v
محاور الموضوع

الغيرة في النصوص

ملاك قدر الرجل: يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "قدر الرجل على قدر همّته، وصدقه على قدر مروّته، وشجاعته على قدر إنفته، وعفّته على قدر غيرته"25.

فالخلاصة أنّ قدر الرجل على قدر غيرته وحميّته.

محبّة الله:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله يحبّ من عباده الغيور"26.

من شعب الإيمان:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الغيرة من الإيمان"27.


90


الغيرة على الدين

وهي من أبرز مصاديق الغيرة، وذلك عندما يرى المسلم أعداء الدّين وهم يحاولون تهديد الدّين وهذا ما تجلّى في كربلاء على يدي الحسين عليه السلام وأصحابه.

غيرة الحسين بن عليّ عليهما السلام

في كربلاء نرى مشهداً يجسّد الغيرة والحميّة أروع تجسيد وذلك عندما وصل الإمام الحسين عليه السلام إلى الماء فقال له لعين من الأعداء: أتلتذّ بالماء وقد هتكت حرمك، فرمى الماء من يده وخرج من الفرات قاصداً الخيام28.

وفي روايةٍ أنّه عندما اشتدّ القتال صاح بهم الحسين عليه السلام: "ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا". فناداه شمر فقال: ما تقول يا بن فاطمة؟ قال: "أقول: أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني، والنساء ليس عليهم جناح، فامنعوا عتاتكم وجهّالكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّا"29.

ومن مواقف الحميّة ما ارتجزه الحسين عليه السلام عند مواجهته


91


الأعداء:

أنا الحسين بن علي              آليت ألّا أنثني

أحمي عيالات أبي                أمضي على دين النبيّ
30

غيرة أبي الفضل:
وقد أبت نفسه إلّا أن يطلب الماء للأطفال عندما رآهم يتلوّون من العطش.

تقول الرواية إنّ العبّاس وبعد أن استأذن أخاه للقتال قال له الحسين عليه السلام: "فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء"، فذهب العبّاس ووعظهم وحذّرهم فلم ينفعهم، فرجع إلى أخيه فأخبره، فسمع الأطفال ينادون: العطش العطش! فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات فأحاط به من كان موكلاً بالفرات، ورموه بالنبال فكشفهم وقتل منهم من قتل حتّى دخل الماء31.

حياؤه من الرجوع بغير ماء: وهذا المشهد غاية في الدلالة على حياء أبي الفضل وإبائه فبعد سقوطه عن الجواد وقد أثخنته الجراح يعرض عليه الإمام الحسين عليه السلام أن ينقله إلى المخيّم فيأبى ذلك كونه وعد سكينة أن يجلب لها الماء ولم يتمكّن من ذلك- على ما جاء في بعض المقاتل-.


92


هوامش

1- الفجر 20.
2- إرشاد الأذهان، العلّامة الحلّي، ج1، ص174.
3- تاريخ الطبريّ، ج4، ص306.
4- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص227.
5- معالم الفتن، سعيد أيّوب، ص266 - 267.
6- بحار الأنوار، ج44، ص 388 - 389.
7- العوالم، الإمام الحسين، الشيخ عبدالله البحرانيّ، ص244-245.
8- سبأ 6.
9- بحار الأنوار، ج77، ص175.
10- كنز العمّال، خ28750.
11- أصول الكافي، ج1، ص31.
12- أصول الكافي، ج1، ص35.
13- المجادلة، 11.
14- آل عمران، 7.
15- الحج، 54.
16- آل عمران، 18.
17- الإسراء، من 107 الى 109.
18- فاطر، 28.
19- المحجّة البيضاء، ج1، ص14.
20- بحار الأنوار ،ج1،ص182.
21- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج20، ص358
22- ميزان الحكمة، محمّد الريشهريّ، ج3، ص2073.
23- ميزان الحكمة، محمّد الريشهريّ، ج3، ص2073.
24- الفتح، 26.
25- نهج البلاغة، ج4، ص13.
26- ميزان الحكمة، محمّد الريشهريّ، ج3، ص2342.
27- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج20، ص154.
28- مقتل العوالم، الشيخ عبد الله البحرانيّ، ص98.
29- العوالم، الإمام الحسين عليه السلام - الشيخ عبد الله البحرانيّ - ص 293.
30- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج3، ص158.
31- العوالم، الإمام الحسين عليه السلام ، الشيخ عبد الله البحرانيّ، ص 284.