المحاضرة الأولى: أثر حبّ
السلطة في كربلاء
v
الهدف
بيان أنّ السلطة وتولّيها
ينبغي أن تكون منسجمة
دائماً مع ولاية الحاكم
العادل والأئمّة
المنصّبين من الله تعالى.
v
تصدير الموضوع
قال تعالى:
﴿تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ
لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا
فِي الْأَرْضِ وَلَا
فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ﴾1.
مقدّمة
كثيرةٌ هي الإبتلاءات
والتحديّات التي تواجه
المسلم في حياته لتحرفه
عن جادّة الصواب، وهذه
التحديّات في الواقع ليست
إلّا إمتحانات إلهيّة
يريد الله بها أن يُصلّب
إيمان المرء ويجعله أكثر
ثباتاً، ويأتي في طليعة
هذه التحديّات حبّ السلطة
والرئاسة والجاه الذي
ينبغي على الإنسان أن
يبقى متيقّظاً أين يضع
قدمه كي لا تزلّ فيُصاب
بسوء العاقبة والعياذ
بالله.
v
محاور الموضوع
الشمر وإمارة الجيش
فقد كان الشمر طامحاً
بإمارة الجيش الذي سيقدم
على قتل الحسين عليه
السلام طمعاً في سلطة
الريّ التي كان ابن زياد
قد وعد عمر بن سعد بها،
فلمّا رأى تراخي عمر بن
سعد أوحى لابن زياد أن
يجعله قائداً للجيش.
تقول الرواية: فأنفذ ابن
زياد شمر بن ذي الجوشن
بكتاب إلى عمر بن سعد كتب
له فيه: إني لم أبعثك إلى
الحسين لتكفّ عنه ولا
لتطاوله ولا لتمنّيه
السلامة والبقاء ولا
لتعتذر له عندي ولا لتكون
له شافعاً، فإن نزل
الحسين وأصحابه على حكمي
واستسلموا فابعث بهم إليّ
سالمين وإن أبوا فازحف
إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل
بهم، فإنّهم لذلك
مستحقّون، فإن قتل الحسين
فأوطئ الخيل صدره وظهره
فإنّه عاقٌّ شاقٌّ قاطعٌ
ظلوم، فإن أنت مضيت
لأمرنا جزيناك جزاء
السامع المطيع وإن أبيت
فاعتزل أمرنا وجندنا وخلِّ
بين شمر بن ذي الجوشن
وبين العسكر فإنا قد
أمرناه بأمرنا2.
عمر بن سعد وحكومة الريّ
وكان أمر شمر أنّه إن لم
يفعل بما فيه فاضرب عنقه
وأنت الأمير، وكان قد كتب
لعمر منشوراً بالريّ فجعل
يقول:
فوالله ما أدري وإنّي
لحائرٌ
أفكّر في أمري على خطرين
أأترك ملك الريّ والريّ
منيتي
أم أرجع مأثوماً بقتل
حسين
ففي مثله النّار التي ليس
دونها
حجابٌ وملك الريّ قرّة
عيني3
فقد كان معلوماً عند ابن
سعد أنّ الإقدام على قتل
الحسين عليه السلام جريمة
كبرى ومعصية ليس عقابها
أقلّ من الخلود في النّار،
ومع ذلك فإنّ حبّ السلطة
أعمى قلبه وبصيرته وجعله
يقدم على ما أقدم عليه.
حبّ السلطة عند وجهاء أهل
الكوفة
وأمر ابن زياد محمّد بن
الأشعث أن يخرج فيمن
أطاعه من كندة وحضرموت،
فيرفع راية أمان لمن جاء
من الناس، وقال مثل ذلك
للقعقاع الذهليّ وشبث بن
ربعيّ التميميّ وحجّار بن
أبجر السلميّ وشمر بن ذي
الجوشن العامريّ، وحبس
باقي وجوه الناس عنده
استيحاشاً إليهم لقلّة
عدد من معه من الناس4.
ولقد رأى كثير بن شهاب إنّ
الجاه والمال لا يأتيانه
إلّا على أشلاء هانىء
فاغتنم الفرصة مشمّراً عن
ساعد الجدّ.
وأمّا شبث بن ربعيّ وطمعاً
في قيادة بعض أفراد
العسكر فإنّه مال إلى
معسكر ابن زياد5.
وغيرهم الكثير من قادة
جيش ابن سعد الذين أغروهم
ببعض السلطة هنا أو هناك
فمالوا عن بيعتهم للحسين
عليه السلام ونقضوا كتبهم
ومراسلاتهم وبايعوا ابن
زياد على قتل من بايعوه
بالأمس القريب.
المحاضرة
الثانية: أحسن الكلام
v
الهدف
بيان أثر الكلام الحسن
والسيّء في المجتمع، وأنّ
للكلام قيمة كبيرة لا
يمكن الاستهانة بها
وإطلاق اللسان على رسله.
v
تصدير الموضوع
قال تعالى:
﴿وقولوا للناس
حسنا﴾6.
عنه عليه السلام -لمّا
سئل عن أحسن ما خلق الله
-: "الكلام"، فقيل: أيّ
شيء ممّا خلق الله أقبح ؟
قال: "الكلام"، ثمّ قال:
"بالكلام ابيضّت الوجوه،
وبالكلام اسودّت الوجوه"7.
v
محاور الموضوع
الكلام في القرآن
قول الأحسن: قال تعالى:
﴿وَقُل
لِّعِبَادِي يَقُولُواْ
الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ الشَّيْطَانَ
يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ
الشَّيْطَانَ كَانَ
لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا
مُّبِينًا﴾8.
القول السديد: قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ
وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا * يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ
اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾9.
الإعراض عن لغو الكلام: قال تعالى:
﴿وَإِذَا
سَمِعُوا اللَّغْوَ
أَعْرَضُوا عَنْهُ
وَقَالُوا لَنَا
أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي
الْجَاهِلِينَ﴾10.
الكلام الطيّب: قال تعالى:
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ
الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ
الْعِزَّةُ جَمِيعًا
إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ
يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ
لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ
يَبُورُ﴾11.
التحذير من الكلام
المستهجن
دعت الروايات الشريفة إلى
إختيار العبارات
والمفردات
والألفاظ التي يتخاطب بها
المرء مع الآخرين
والابتعاد عن الألفاظ
النابية والمستقبحة فعن
عليّ عليه السلام: "لا
تسئ اللفظ وإن ضاق عليك
الجواب"12.
وقد عدَّت الروايات جملة
من النتائج السيّئة
للكلام السيّء.
الأذى النفسيّ: عن عليّ
عليه السلام: "إيّاك
ومستهجن الكلام، فإنّه
يوغر القلب"13.
الجواب المسيء: وعنه عليه
السلام: "لا تقولنّ ما
يسوؤك جوابه"14.
كثرة اللّوام: وعنه عليه
السلام: "من ساء كلامه
كثر ملامه"15.
الحثّ على ترك ما لا يعني
من الكلام
عن الإمام الحسين عليه
السلام -لابن عبّاس-: "لا
تتكلّمن فيما لا يعنيك
فإنّي أخاف عليك الوزر،
ولا تتكلّمن فيما يعنيك
حتّى ترى للكلام موضعا"16.
وعن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "أكثر
الناس ذنوباً أكثرهم
كلاماً فيما لا يعنيه"17.
وعنه صلى الله عليه وآله
وسلم: "إنّ الرجل ليدنو
من الجنّة حتّى ما يكون
بينه وبينها إلّا قيد رمح،
فيتكلّم بالكلمة فيتباعد
منها أبعد من صنعاء"18.
النهي عن كثرة الكلام
وكثرة الكلام من الأمراض
المتفشيّة في مجتمعنا حيث
يعتبرها الكثيرون منقبة
حسنة وفضيلة تميّز الرجل
عمّن سواه في حين نجد أنّ
النصوص أشارت إلى خلاف
ذلك.
فعن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "لا
تكثروا الكلام بغير ذكر
الله، فإنّ كثرة الكلام
بغير ذكر الله قسوة القلب،
إنّ أبعد الناس من الله
القلب القاسي"19.
وعن الإمام عليّ عليه
السلام: "من كثر كلامه
كثر خطاؤه، ومن كثر خطاؤه
قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه
قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه
مات قلبه، ومن مات قلبه
دخل النّار"20.
مدح قلّة الكلام
عن الإمام عليّ عليه
السلام: "من قلّ كلامه
بطل عيبه"21.
وعنه عليه السلام: "إن
أحببت سلامة نفسك وستر
معايبك فأقلل كلامك وأكثر
صمتك، يتوفّر فكرك ويستنر
قلبك"22.
وعنه عليه السلام:
"إذا
أراد الله سبحانه صلاح
عبد ألهمه قلّة الكلام
وقلّة الطعام وقلّة
المنام"23.
وعنه عليه السلام: "قلّة
الكلام يستر العيوب
ويقلّل الذنوب"24.
المتكلّم ووثاق الكلام
عن الإمام عليّ عليه
السلام: "الكلام في وثاقك
مالم تتكلّم به، فإذا
تكلّمت به صرت في وثاقه،
فاخزن لسانك كما تخزن
ذهبك وورقك، فربّ كلمة
سلبت نعمة"25.
وعنه عليه السلام: "في
الصمت السلامة من الندامة،
وتلافيك ما فرط من صمتك
أيسر من إدراك فائدة ما
فات من منطقك"26.
اعتبار الكلام من العمل
عن الإمام عليّ عليه
السلام: "كلامك محفوظ
عليك مخلّد في صحيفتك،
فاجعله فيما يزلفك"27.
وعن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "إنّ من
حسب كلامه من عمله قلّ
كلامه إلّا فيما يعنيه"28.
المحاضرة
الثالثة: الثبات وحسن
العاقبة
v
الهدف
بيان أنّ الإيمان في حياة
الإنسان مسألة تحتاج
لمراقبة دائمة وهي مرتبطة
بثباته على هذا الإيمان
مهما بلغت التحديّات.
v
تصدير الموضوع
قال الإمام الحسين عليه
السلام: "الناس عبيد
الدنيا والدين لعق على
ألسنتهم يحوطونه ما درّت
معايشهم، فإذا مُحّصوا
بالبلاء قلّ الديّانون"29.
مقدّمة
إنّ مسألة الثبات تتلازم
تلازماً أكيداً مع
الأخطار والتحديّات التي
تواجهها الأمّة، وكلّما
اشتدّت هذه التحديّات
كلّما احتاجت الأمّة إلى
الرجال الأشدّاء الثابتين
في إيمانهم والراسخين على
مواقفهم، وبالتالي كلّما
خلّد التاريخ هؤلاء
الصفوة القادة، وهذا من
أبرز العبر في كربلاء
الحسين عليه السلام.
v
محاور الموضوع
الثبات وحسن العاقبة في
الدعاء
ممّا ورد في دعاء أبي
حمزة الثماليّ: "وأعنّي
على نفسي بما تعين به
الصالحين على أنفسهم
واختم عملي بأحسنه واجعل
ثوابي منه الجنّة برحمتك".
ولا يخفى أنّ من آثار سوء
العاقبة حبط الأعمال كما
ورد في القرآن الكريم:
﴿وَمَن
يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن
دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ
كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ﴾30.
وفي الدعاء أيضاً: " يا
مثبّت القلوب ثبّت قلوبنا
على دينك"31.
وورد أيضاً: "اللهم لا
تخرجنا من هذه الدنيا قبل
أن ترضى عنّا".
وورد في دعاء يوم الجمعة:
"إلهي ثبّتني على دينك ما
أحييتني ولا تزغ قلبي بعد
إذ هديتني".
الثبات في البعد الثقافيّ
يرتبط مفهوم الثبات وحسن
العاقبة ارتباطاً وثيقاً
بفهم أمرين أساسيّين:
أوّلاً: مفهوم الابتلاء: وأنّ ساحة الحياة الدنيا
هي في حقيقتها وجوهرها
ساحة ابتلاء وامتحان
للإنسان، بل إنّ الابتلاء
أمر طبيعيّ وضروريّ
لتكامل الفرد والأمّة
وجعلهما على مستوى
التحديّات مهما تعاظمت.
قال تعالى:
﴿الَّذِي
خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلًا﴾32.
وقال تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ
وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ﴾33.
وقال تعالى:
﴿أَمْ
حَسِبْتُمْ أَن
تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ
وَلَمَّا يَأْتِكُم
مَّثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم
مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء
وَالضَّرَّاء
وَزُلْزِلُواْ حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ
مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ
أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ
قَرِيبٌ﴾34.
ثانياً: وضوح التكليف
والالتزام به: فمن أكبر
الأمراض التي تصيب
الإنسان أن يضعف أو
يتهاون أو يعتبر أنّه
تكليف بما لا يطاق أو
رضوخه للمغريات الدنيويّة
وسوى ذلك، بل ينبغي أن
يبقى واعياً لحركة
الابتلاء في حياته مشخّصاً
تشخيصاً دقيقاً لتكليفه
وملتزم به التزاماً
حقيقيّاً.
من شواهد التاريخ على
الثبات وحسن العاقبة
ثبات رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: وهو يجيب
قريش التي أرسلت له مع
عمّه أبي طالب تعرض عليه
مالاً وجاهاً ونساءً
مقابل تركه الدعوة قائلاً:
"والله يا عمّ لو وضعوا
الشمس في يميني والقمر في
يساري على أن أترك هذا
الأمر ما تركته حتّى
يظهره الله أو أهلك دونه"35.
ويؤكّد أمير المؤمنين أنّ
عدم الثبات على الهدى
والإيمان سيفتح على
الإنسان أبواباً أخرى من
البلاء أشدّ وأصعب عليه
من موضوع الثبات نفسه،
فيقول عليه السلام : "لا
يترك الناس شيئاً من
دينهم لإصلاح دنياهم إلّا
فتح الله عليهم ما هو أضرّ
منه"36.
ثبات أصحاب الحسين عليه
السلام: رغم قلّة الصديق
والناصر وكثرة العدوّ
ويقينهم بالشهادة بقوا
على موقفهم وثباتهم
فلم يتراجعوا أو يجبنوا
أو يستسلموا أو يتنازلوا
عن أيّ شيء.
ومن أكبر الشواهد على حسن
العاقبة في كربلاء الحرّ
بن يزيد الرياحيّ الذي
التحق بمعسكر الحسين عليه
السلام قبل نشوب القتال
وأعلن توبته بين يدي
الإمام، ثمّ كان أوّل من
قاتل واستشهد من أصحاب
الحسين عليه السلام.
|