الليلة السابعة

 المحاضرة الأولى: الموت في كلمات الإمام الحسين  عليه السلام

v الهدف

تقريب مفهوم الموت على أنّه من الأمور التي ينبغي أن يسخّرها الإنسان في خدمة الرسالة.

v تصدير الموضوع

 قال هذا مخاطبا أنصاره في كربلاء:

"إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما"
1


143


المقدّمة

من جملة المفاهيم التي برزت في نداءات الإمام الحسين  عليه السلام والتي أضفت على كربلاء سرّاً من أسرار خلودها وعظمتها ومنارةً استلهمت الثورات المناهضة للظلم والاستبداد مبادئها من هذه النداءات والتوجيهات هو مفهوم الموت ومبدأ التعامل معه وتسخيره في خدمة الرسالة والدور الذي أناطه الله بالإنسان في الأرض، وكيف ينبغي أن يختار المرء مواقفه حيال التحدّيات التي يفرضها عليه الأعداء والتهديدات التي يعشعش الموت في حناياها.

v محاور الموضوع

حقيقة الموت

"صبراً بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائم".2

خاطب بهذا الكلام أصحابه المستعدّين للبذل، في صبيحة يوم عاشوراء بعد أن استشهد عدد منهم.

فالموت بداية الحياة والسعادة الدائمة ونهاية الألم والشقاء والبؤس والضرّاء.


144


إختيار الموت

قال الحسين  عليه السلام - في منزل ذي حسم- أثناء مسيره الى كربلاء: "ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه؟ فليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً"3

فالموت هنا اختيار ورغبة وذلك عند ظهور الفساد وتفشّيه في الأرض وابتعاد الناس عن الحقّ.

حتميّة الموت

قال الحسين  عليه السلام في كربلاء مخاطبا أصحابه: "خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة"4

وبالإضافة إلى حتميّة الموت يبيّن الإمام الحسين  عليه السلام جانباً من جوانب جماليّة الموت التي تضفي على الموت مظهراً جاذباً وتجعل منه أمراً مرغوباً.

قرار الموت

ممّا قاله عليه السلام في مكّة قبل الخروج الى الكوفة أمام جمع من أنصاره وأهل بيته:

"سأمضي وما بالموت عار على الفتى          إذا ما نـوى حـقّاً وجـاهـد مسـلما"5


145


هذا الشعر تمثّل به الحسين ردّاً على تهديدات الحرّ على طريق الكوفة، ويبيّن أنّ الحسين عليه السلام هو الذي اتخذ قرار الجهاد والموت في سبيل الله غير آبهٍ بتعليقات أو تفسيرات الآخرين على موقفه.

التكليف بالموت

ممّا قاله عليه السلام في خطاب لأصحابه عند خروجه من مكّة: "من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا"6

فالحسين عليه السلام لا يعرض التكليف على أصحابه حتّى لو أدّى إلى الشهادة، بل يقدّم الإستشهاد ولقاء الله على أنّه هو التكليف الذي ينبغي أن يوطّن الأصحاب أنفسهم عليه.

الموت على اليقين


"فهل إلّا الموت؟ فمرحباً به" 7

جاء هذا في ردّه على كتاب عمر بن سعد الذي طلب فيه من الإمام أن يستسلم. فالموت ليس أمراً نفرّ منه ونخافه بل أمرٌ نرغبه ونرحّب به.


146


بين الموت والعار

الموت أولى من ركوب العار      والعار أولى من دخول النّـار8

كان الحسين يرتجز بهذا الشعر يوم عاشوراء عند منازلة الأعداء، ويعلن فيها استعداده للشهادة وعدم تحمّل عار البيعة للحاكم الظالم الفاسق.

بين الموت والحياة

"موت في عزٍّ خير من حياة في ذلّ"9

فالخيار الذي ينبغي أن نلتزم به هو العزّة والكرامة، فحياة الذلّ ليست حياة أصلاً بل هي الموت بعينه، وموت العزّ ليس موتاً وفناءً بل هو الحياة بكلّ جمالها.


147


المحاضرة الثانية: أدب العشرة مع الناس

v الهدف

بيان أنّ القيمة الأساسيّة للرسالة هي تجلّيها في سلوك الإنسان لا سيّما فيما يرتبط بالتعامل مع الآخرين.


v تصدير الموضوع

الإمام عليّ  عليه السلام:

"ابذل لأخيك دمك ومالك، ولعدوّك عدلك وإنصافك، وللعامّة بشرك وإحسانك"
10


149


المقدّمة:

لعلّ العلاقة مع الناس وطبيعة التعامل معهم من أرقى المفاهيم التي دعت إليها الشريعة الإسلاميّة ووضعت لها أسسها وآدابها ومستحبّاتها وواجباتها، وجعلتها من أفضل العبادات التي يتقرّب بها الإنسان إلى ربّه ومن أرفع الأخلاق التي ينبغي للمؤمن أن يتّصف بها، فالناس عباد الله الذين يجب أن نتقرّب إلى الله بخدمتهم ونسعى في قضاء حوائجهم ونتجاوز عمّا يصدر عنهم من هفوات أو إساءات، وقد بيّنت النصوص أهمّ المعايير في هذا المجال وهو أن نعامل الناس كما نحبّ أن يعاملوننا.

v محاور الموضوع

أدب العشرة مع الناس

وعشرة الناس لها فنونها وآدابها التي تجعل من الإنسان شخصاً محبوباً ومؤثّراً بين الناس، فعن الإمام عليّ عليه  السلام: خالطوا الناس مخالطة إن متّم معها بكوا عليكم، وإن عشتم(غبتم) حنّوا إليكم11

ويبين لقمان عليه السلام- لابنه وهو يعظه – أنّ الخروج عن هذه الفنون والآداب يؤثّر سلباً على الإنسان: يا بنيّ لا تكالب الناس


150


 فيمقتوك، ولا تكن مهيناً فيذلّوك، ولا تكن حلواً فيأكلوك، ولا تكن مرّاً فيلفظوك12

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جاملوا الناس بأخلاقكم تسلموا من غوائلهم، وزايلوهم بأعمالكم لئلّا تكونوا منهم13

الميزان في معاشرة الناس

ومن أجمل القواعد التي يشير إليها الإسلام في التعاطي مع الآخر أن يعتبر الإنسان نفسه أنّه هو الآخر وأنّه في مقام الإنفعال والتلقّي وليس في مقام الفعل والتأثير، ويلخّص الإمام عليّ عليه  السلام ذلك بقوله: اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، وأحبّ لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، لا تظلم كما لا تحبّ أن تظلم، وأحسن كما تحبّ أن يحسن إليك، واستقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس ما ترضى لهم منك14

وعن الإمام الحسن  عليه السلام: صاحب الناس مثل ما تحبّ أن يصاحبوك به
15


151


وعن الإمام الصادق  عليه السلام: من أكرمك فأكرمه، ومن استخفّ بك فأكرم نفسك عنه16

ويؤكّد الإمام عليّ عليه  السلام أن ترغب فيمن يرغب فيك وأن تزهد فيمن يزهد فيك بقوله: زهدك في راغب فيك نقصان حظّ، ورغبتك في زاهد فيك ذلّ نفس17.

الحثّ على حسن المصاحبة


رفعت الشريعة من مقام التودّد إلى الناس وحسن مصاحبتهم، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رأس العقل بعد الإيمان بالله عزَّ وجلَّ التحبّب إلى الناس18.

واعتبرت ذلك من خصائص المسلم فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما19.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: إنّه ليس منّا من لم يحسن(صحبة) من صحبه، ومرافقة من رافقه، وممالحة من مالحه، ومخالقة من خالقه20.

بركات حسن العشرة

إنّ التودّد إلى الناس ينبغي أن يتمتّع به أيّ مسلم ويلزم نفسه


152


به ويصبر على نتائجه, فقد ورد عن الإمام عليّ عليه  السلام: ألزم نفسك التودّد، وصبّر على مؤنات الناس نفسك 21.

ومن بركات حسن العشرة:

تأكيد المحبّة: عنه عليه السلام: بالتودّد تتأكّد المحبّة22.

دوام المودّة: عنه  عليه السلام: بحسن العشرة تدوم المودّة23.

وعن الإمام الصادق  عليه السلام: لا يطمعنَّ المستهزئ بالناس في صدق المودّة24 .

أنس الرفيق: عنه  عليه السلام: بحسن العشرة تأنس الرفاق25.

وإذ شدّدت الشريعة على حسن العشرة أكّدت على مصاحبة أهل العقول وذوي الفضائل فعن الإمام عليّ عليه  السلام: عمارة القلوب في معاشرة ذوي العقول26.

وعنه  عليه السلام: معاشرة ذوي الفضائل حياة القلوب27.

ما ينبغي في محبّة الحبيب

عن الإمام عليّ  عليه السلام: أحبب حبيبك هوناً ما فعسى


153


 أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما 28.

وعليه فلا ينبغي أن يكثر الإنسان من تودّده إلى حدّ التداخل في القضايا الشخصيّة وانكشاف الأسرار كي لا يُصاب بالندم فيما بعد فعن الإمام عليّ عليه  السلام: إذا أحببت فلا تكثر29.

وعنه عليه السلام: إن استنمت30 إلى ودودك فأحرز له من أمرك، واستبق له من سرّك ما لعلّك أن تندم عليه وقتاً ما.31

خير خلائق الدنيا والآخرة:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمأنّه قال في خطبته: ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟: العفو عمّن ظلمك, وتصل من قطعك, والإحسان إلى من أساء إليك, وإعطاء من حرمك32.

وهكذا كان دأب أهل البيت عليهم السلام أن يحسنوا إلى من أساء إليهم, كما أحسن الإمام الحسين  عليه السلام إلى الحرّ وجيشه عندما سقاهم الماء وقد أتوا إليه ليحاصروه ويمنعوه وأصحابه من الدخول إلى الكوفة..

 


154


المحاضرة الثالثة: دور الابتلاء في صناعة الإنسان

v الهدف

التنبيه على أنّ الابتلاء إنّما يكون لمن يريد الله تكريمهم وصقل نفوسهم في الدنيا ورفع مكانتهم في الآخرة.

v تصدير الموضوع

قال تعالى:

﴿ مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ 33.


155


مقدّمة

إنّ سنّة الله في خلقه إذا أراد بعبدٍ خيراً قائمة على موضوع الابتلاء وأنّ الله إنّما يصنع من هذا الإنسان إنساناً كاملاً من خلال الابتلاءات والتحدّيات التي يجعلها في طريقه، فالله تعالى إذا أراد أن يمنح عبده القوّة ابتلاه بعدوٍّ قويّ وإن أراد أن يجعل منه حكيماً ابتلاه بفتنةٍ عمياء, وإن أراد أن يكون مشهوراً حبّب إليه الفقراء والمساكين, وإن أراد أن يخفّف عنه حسابه ابتلاه بالفقر والعوز، وهكذا فإن كلّ ابتلاء من الله له هدفه الذي يريده الله للإنسان في الدنيا وله مقامه الذي يريد الله أن يرفعه إليه في الآخرة.

v محاور الموضوع

أنواع الابتلاء

عن الإمام الصادق  عليه السلام: ما من قبض ولا بسط إلّا ولله فيه المنّ والابتلاء34. وقد ذكرت النصوص بعض عناوين هذه الابتلاءات:

الخوف والجوع: قال تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ35.


156


الخير والشرّ: قال تعالى:﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة36.

المال والولد: عن أمير المؤمنين  عليه السلام- في قوله تعالى:
﴿ِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ37: ومعنى ذلك أنّه سبحانه يختبر عباده بالأموال والأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه والراضي بقسمه، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحقّ الثواب والعقاب.

الفاقة والمرض: عن الإمام عليّ عليه  السلام: إنّ من البلاء الفاقة، وأشدّ من ذلك مرض البدن، وأشدّ من ذلك مرض القلب38.

ولعلّ ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبيّن أنّ كلّ ما يحيط بالمرء يستبطن نوع ابتلاء إذ قال: المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، ونفس تنازعه، وشيطان يضلّه39.

علّة الابتلاء

اختيار العمل الأحسن: عن الإمام الرض عليه السلام في قوله تعالى:
﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا: إنّه عزَّ وجلَّ خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته، لا على سبيل الامتحان والتجربة، لأنّه لم يزل عليماً بكلّ شيء40.


157


تصحيح الإيمان: وفي روايةٍ عن الإمام الصادق عليه السلام يبيّن فيها أنّ البلاء له علاقة بتصحيح مسار الإيمان عند الإنسان فيقول: البلاء زين المؤمن، وكرامة لمن عقل، لأنّ في مباشرته والصبر عليه والثبات عنده تصحيح نسبة الإيمان41.

التذكير: والتذكير يكون للمؤمن والكافر على حدٍّ سواء، أمّا الكافر فلردعه عن كفره وأمّا المؤمن لتذكيره بعبوديّته لله، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 42.

وقال تعالى:
﴿ أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ43.

وعن الإمام الصادق  عليه السلام: المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلّا عرض له أمر يحزنه يذكر به44.

عنه عليه السلام: ما من مؤمن إلّا وهو يذكر في كلّ أربعين يوماً ببلاء، إمّا في ماله أو في ولده أو في نفسه فيؤجر عليه...45

الخضوع لله: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لولا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شيء: المرض، والموت، والفقر....46 .


158


دور الأعمال السيّئة في وقوع البلاء

قال تعالى:
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ47.

ومعنى أنّ الله يبتلي الإنسان بما كسبت يديه لا ينافي كون البلاء نعمة له وذلك لأنّ الله يريد للإنسان أن يرى أثر الأفعال السيّئة عليه فيعمل على التخلّص منها.

قال تعالى:
﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 48.

قال تعالى:
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 49. وفي قوله:﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إشارة واضحة إلى النعمة المحيطة بالبلاء.

وعن الإمام عليّ عليه  السلام - وقد خرج للاستسقاء-: إنّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيّئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكّر متذكّر ويزدجر مزدجر50.

نعمة البلاء

إنّ القاعدة الواردة عن الإمام العسكري  عليه السلام: ما من بليّة


159


 إلّا ولله فيها نعمة تحيط بها 51، تكشف أنّ الإنسان المؤمن ينبغي أن ينظر إلى أيّ ابتلاء على أنّه نعمة.

بل عدّ الإمام الكاظم  عليه السلام ذلك شرطاً من شرائط الإيمان فقال: لن تكونوا مؤمنين حتّى تعدّوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة، وذلك أنّ الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء52.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تكون مؤمناً حتّى تعدّ البلاء نعمة والرخاء محنة، لأنّ بلاء الدنيا نعمة في الآخرة، ورخاء الدنيا محنة في الآخرة53 .

عن الإمام عليّ عليه  السلام: إذا رأيت ربّك يوالي عليك البلاء فاشكره، إذا رأيت ربّك يتابع عليك النعم فاحذره54. ومقتضى الشكر أنّ المؤمن ينظر إلى البلاء كنعمة من الله.

تمحيص البلاء للذنوب

عن الإمام عليّ عليه  السلام: الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم لتسلم بها طاعاتهم ويستحقّوا عليها ثوابها55.

ومعنى ذلك أنّ الله يكفّر ذنوب عباده بهذه الإبتلاءات


160


 فيقتصر عقابه لهم في الدنيا بما ينفعهم على تصويب إيمانهم، فعن عليّ عليه  السلام: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عزَّ وجلَّ؟ حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: }وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم{, والله عزَّ وجلَّ أكرم من أن يثنّي عليه العقوبة في الآخرة، وما عفا عنه في الدنيا فالله تبارك وتعالى أحلم من أن يعود في عفوه56.

وعنه عليه السلام: ما عاقب الله عبداً مؤمناً في هذه الدنيا إلّا كان الله أحلم وأمجد وأجود وأكرم من أن يعود في عقابه يوم القيامة57.

ضرورة الابتلاء

وضرورته قائمة على كونه العلّة الأساسيّة في تصنيف الناس من خلال كيفيّة انفعالهم مع هذه الإبتلاءات قال تعالى:
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 58.

قال تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ 59.

بل أكثر من ذلك فإنّ عدم الابتلاء يعني عدم اكتراث الله بهذا الإنسان وعدم رهانه عليه في أيّ أمرٍ من أمور الدين، فعن


161


 الإمام عليّ عليه  السلام: لا حاجة لله فيمن ليس لله في نفسه وماله نصيب60.

عن الإمام زين العابدين  عليه السلام: إنّي لأكره أن يعافى الرجل في الدنيا ولا يصيبه شيء من المصائب61.

وهذا ما رمى إليه الإمام الحسين عليه السلام بقوله: إنّ الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون62. فالتمحيص بالبلاء وحده يميّز الديّانين من غيرهم.


162


هوامش


1- مثير الأحزان ص 22.

2- نفس المهموم:135، معاني الأخبار:288

3- المناقب لابن شهراشوب 68:4

4- اللهوف:53

5- بحار الأنوار 334:44

6- بحار الأنوار:366، أعيان الشيعة 539:1

7- موسوعة كلمات الإمام الحسين :382

8- مناقب ابن شهراشوب68:1

9- بحار الأنوار 192:44

10- تحف العقول، ص 212.

11- نهج البلاغة، ج4، ص4.

12- ميزان الحكمة، ج3، ص1976.

13- ميزان الحكمة، ج3، ص1978.

14- نهج البلاغة، ج3، ص45.

15- ميزان الحكمة، ج3، ص1978

16- ميزان الحكمة، ج3، ص1977.

17- شرح أصول الكافي، ج9، ص 200.

18- الخصال، ص 15.

19- الامالي،الشيخ الصدوق، ص 269.

20- الكافي، ج2، ص637.

21- ميزان الحكمة، ج3، ص1980.

22- ميزان الحكمة، ج3، ص1980

23- ميزان الحكمة، ج3، ص1980

24- ميزان الحكمة، ج3، ص1981.

25- ميزان الحكمة، ج3، ص1980

26- ميزان الحكمة، ج3، ص1980

27- ميزان الحكمة، ج3، ص1980

28- نهج البلاغة، ج4، ص64.

29 -عيون الحكم والمواعظ، ص 133.

30- استنام إليه: سكن.

31- ميزان الحكمة، ج3، ص1980

32- الكليني: الكافي ج 2 ص 107.

33- آل عمران 189.

34- ميزان الحكمة، ج3، ص 2364.

35- البقرة 155.

36- الأنبياء 35.

37- الأنفال 28.

38- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص146.

39- كنز العمّال، ج1، ص161.

40- ميزان الحكمة، ج1، ص301.

41- ميزان الحكمة، ج1، ص305.

42- الأعراف 130.

43- التوبة 126.

44- الكافي، ج2، ص254.

45- ميزان الحكمة، ج1، ص305

46- ميزان الحكمة، ج1، ص306.

47- الشورى 30.

48- آل عمران 165.

49- الروم 41.

50- ميزان الحكمة، ج1، ص306.

51- تحف العقول، ص 489.

52- تحف العقول، ص 377.

53- ميزان الحكمة، ج1، ص304.

54- عيون الحكم والمواعظ، ص136.

55- ميزان الحكمة، ج1، ص306.

56- الشورى 30.

57- ميزان الحكمة، ج1، ص306.

58- التوبة 16.

59- محّمد 31.

60- مشكاة الانوار، الطبرسي، ص 505.

61- ميزان الحكمة، ج1، ص304.

62- موسوعة كلمات الامام الحسين عليهم السلام، ص432.