المحاضرة الأولى:
فضل زيارة الحسين عليه
السلام
v
تصدير الموضوع
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه
السلام قَالَ:
"مُرُوا شِيعَتَنَا
بِزِيَارَةِ قَبْرِ
الْحُسَيْنِ عليه السلام
فَإِنَّ إِتْيَانَهُ
يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ
وَيَمُدُّ فِي الْعُمُرِ
وَيَدْفَعُ مَدَافِعَ
السُّوءِ، وَإِتْيَانَهُ
مُفْتَرَضٌ عَلَى كُلِّ
مُؤْمِنٍ يُقِرُّ لَهُ
بِالإمَامَةِ مِنَ
اللهِ"1.
المقدّمة
إنّ من أهمّ خصائص زيارة
الحسين عليه السلام
التشديد الذي تؤكّده
الروايات على الإتيان
بهذه الزيارة على كلّ حال
سواء في الصحّة والمرض أو
في الغنى والفقر أو حالة
الخوف من الحاكم أو حتّى
في حال التضحية إذا اقتضى
الأمر.
v
محاور الموضوع
النبيّ يعين زوّار
الإمام الحسين
فقد جاء في الروايات أنّه
صلى الله عليه وآله وسلم
يزور زائر ا?مام الحسين
عليه السلام ويكرمه.
"فعَنِ الْمُعَلَّى أَبِي
شِهَابٍ قَالَ: قَالَ
الْحُسَيْنُ عليه السلام
لِرَسُولِ اللهِ صلى الله
عليه وآله وسلم: يَا
أَبَتَاهْ مَا لِمَنْ
زَارَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وآله
وسلم: يَابُنَيَّ مَنْ
زَارَنِي حَيّاً أَوْ
مَيِّتاً أَوْ زَارَ
أَبَاكَ أَوْ زَارَ
أَخَاكَ أَوْ زَارَكَ
كَانَ حَقّاً عليّ أَنْ
أَزُورَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
وَأُخَلِّصَهُ مِنْ
ذُنُوبِهِ"
2
استغفار الزهراء
لزوّار الإمام الحسين
إنّ مولاتنا الزهراء
عليها السلام تحضر في
كربلاء وتطلب من الله
تعالى أن يغفر ذنوب زوّار
ا?مام الحسين عليه السلام .
"عن داود بن كثير عن
أبي عبد الله عليه السلام
قال: إنّ فاطمة
بنت محمّد صلى
الله عليه وآله وسلمتحضر
لزوّار قبر ابنها الحسين
عليه السلام فتستغفر لهم
ذنوبهم"3.
أدنى ما لزائر الإمام
الحسين: إنّ الله تعالى
يحفظ زائر الحسين عليه
السلام ويرعاه، كما في
الرواية:
"عن عبد الله بن هلال
عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: قلت له: جعلت
فداك ما أدنى ما لزائر
قبر الحسين عليه السلام ؟
فقال لي: يا عبد الله إنّ
أدنى ما يكون له أنّ الله
يحفظه في نفسه وأهله حتّى
يردّه إلى أهله فإذا كان
يوم القيامة كان الله
الحافظ له"4.
كرامة الله لزوّار الحسين
عليه السلام : وهناك رواية
أخرى تشير إلى ذلك ولكن
من زاوية أخرى، وهي:
"عن عبد الله الطحان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته وهو
يقول: ما من أحد يوم
القيامة إلّا وهو يتمنّى
أنّه من زوّار الحسين،
لما يرى ممّا يُصنع
بزوّار الحسين عليه
السلام من كرامتهم على
الله تعالى"5.
الزيارة وطول العمر:"عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
جَعْفَرٍ وَجَعْفَرَ بْنَ
مُحَمَّدٍ؛ يَقُولانِ:
إِنَّ اللهَ عَوَّضَ
الْحُسَيْنَ عليه السلام
مِنْ قَتْلِهِ: أَنَّ
الإمَامَةَ مِنْ
ذُرِّيَّتِهِ،
وَالشِّفَاءَ فِي
تُرْبَتِهِ، وَإِجَابَةَ
الدُّعَاءِ عِنْدَ
قَبْرِهِ، وَلا تُعَدُّ
أَيَّامُ زَائِرِيهِ
جَائِياً وَرَاجِعاً مِنْ
عُمُرِهِ"6.
حساب الزائر يوم القيامة:
"عن أبي بصير قال: سمعت
أبا عبد الله أو أبا جعفر؛
يقول: من أحبّ أن يكون
مسكنه الجنّة ومأواه
الجنّة فلا يدع زيارة
المظلوم. قلت: من هو؟
قال: "الحسين بن عليّ
صاحب كربلاء. من أتاه
شوقاً إليه وحبّاً لرسول
الله وحبّاً لفاطمة وحبّاً
لأمير المؤمنين عليه
السلام أقعده الله على
موائد الجنّة يأكل معهم
والناس في الحساب"7.
مقام زائر الإمام
الحسين في الآخرة
في أعلى عليّين: أَبِي
عَبْدِ اللهِ عليه السلام
قَالَ: "مَنْ أَتَى
قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه
السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ،
كَتَبَهُ اللهُ فِي
أَعْلَى عِلِّيِّينَ"8.
وفي روايةٍ أخرى: عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
جَرِيرٍ الْقُمِّيِّ قَالَ:
"سَمِعْتُ أَبَا
الْحَسَنِ الرِّضَا عليه
السلام
يَقُولُ لأبِي:
مَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ
بْنَ عَلِيٍّ; عَارِفاً
بِحَقِّهِ كَانَ مِنْ
مُحَدِّثِي اللهِ
تَعَالَى فَوْقَ عَرْشِهِ،
ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي
جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي
مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ
مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ"9.
زائر الإمام الحسين منتخب
من الله: "عَنْ
فُضَيْلِ بْنِ عُثْمَانَ
عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ
أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه
السلام
قَالَ: مَنْ
أَرَادَ اللَّهُ بِهِ
الْخَيْرَ قَذَفَ فِي
قَلْبِهِ حُبَّ
الْحُسَيْنِعليه السلام ،
وَحُبَّ زِيَارَتِهِ،
وَمَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ
السُّوءَ قَذَفَ فِي
قَلْبِهِ بُغْضَ
الْحُسَيْنِ عليه السلام
وَبُغْضَ
زِيَارَتِهِ"10.
غفران الذنوب: عن الحسن
بن موسى الخشّاب عن بعض
رجاله عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: "مَنْ
زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ
عليه السلام جُعِلَ
ذُنُوبُهُ جِسْراً عَلَى
بَابِ دَارِهِ، ثُمَّ
عَبَرَهَا كَمَا يُخَلِّفُ
أَحَدُكُمُ الْجِسْرَ
وَرَاءَهُ إِذَا
عَبَرَهُ"11.
تحت لواء الإمام الحسين:
عن أبي أسامة زيد الشحّام
قال: "سمعت أبا عبد
الله عليه السلام يقول: من
أتى قبر الحسين عليه
السلام تشوّقاً إليه كتبه
الله من الآمنين يوم
القيامة، وأُعطي كتابه
بيمينه، وكان تحت لواء
الحسين عليه السلام حتّى
يدخل الجنّة فيسكنه في
درجته، إنّ الله عزيز
حكيم"12.
زائره دوماً في رحمة الله:
"عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي
عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ:
مَا لِمَنْ زَارَ قَبْرَ
الْحُسَيْنِ عليه السلام عَارِفاً بِحَقِّهِ
غَيْرَ مُسْتَكْبِرٍ وَلا
مُسْتَنْكِفٍ"؟
قَالَ:
"
يُكْتَبُ لَهُ
أَلْفُ حَجَّةٍ
مَقْبُولَةٍ، وَأَلْفُ
عُمْرَةٍ مَقْبُولَةٍ،
وَإِنْ كَانَ شَقِيّاً
كُتِبَ سَعِيداً، وَلَمْ
يَزَلْ يَخُوضُ فِي
رَحْمَةِ اللهِ"13.
الزائر يستجاب دعاؤه:
"عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ
مَنْصُورٍ قَالَ: قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه
السلام : مَنْ زَارَ قَبْرَ
الْحُسَيْنِ عليه السلام
لِلَّهِ وَفِي اللهِ
أَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ،
وَآمَنَهُ يَوْمَ
الْفَزَعِ الأكْبَرِ،
وَلَمْ يَسْأَلِ اللهَ
حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
إِلاّ أَعْطَاهُ"14.
مواصلة الزيارة: "عن
محمّد بن مروان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال:
سمعته يقول: زوروا الحسين
عليه السلام ولو كلّ سنة،
فإنّ كلّ من أتاه عارفاً
بحقّه غير جاحد لم يكن له
عوض غير الجنّة، ورُزق
رزقاً واسعاً، وآتاه الله
من قبله بفرح [بفرج] عاجل
ـ وذكر الحديث"15.
المحاضرة الثانية:
أهميّة الابتلاء في حياة
المؤمن
v
الهدف
محاولة إبراز الجانب
المشرق والنافع للابتلاء
ودعوة الناس لا سيّما أهل
الإيمان للنظر إلى
الابتلاءات من خلاله.
v
تصدير الموضوع
قال تعالى:
﴿أَمْ
حَسِبْتُمْ أَن
تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ
وَلَمَّا يَأْتِكُم
مَّثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم
مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء
وَالضَّرَّاء
وَزُلْزِلُواْ حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ
مَعَهُ مَتَى نَصْرُ
اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ
اللّهِ قَرِيبٌ ﴾16.
مقدّمة
إنّ المتأمّل في النصوص
الواردة عن أهل بيت
العصمة عليهم السلام يرى
اقتران الابتلاء بمحبّة
الله واقتران محبّته
بتكريمه لعباده واقتران
تكريمهم بإفاضته عليهم من
نعمه الواسعة ليثبّت
إيمانهم ويزيدهم من فضله،
ومعنى ذلك أنّ الله أخفى
نعمه في ابتلاءاته وغيّب
إفاضاته في ثنايا
امتحاناته، فلا يرى جمال
ابتلاءاته إلّا من أخلص
له ولا يدرك حلاوة
امتحاناته إلّا من ارتبط
قلبه به لا شريك له،
ولذلك فإنّ المؤمن يرى
الوجه المشرق للبلاء
فيقدم عليه، فحاله في
البلاء والرخاء على حدٍّ
سواء.
v
محاور الموضوع
شدّة ابتلاء المؤمن
ومن الواضح في الآية أنّ
المؤمن إذا اشتدّ عليه
الابتلاء استعجل النصر
الإلهيّ ولم يزحزحه ذلك
عن موقفه، بل لعلّ سؤالهم
عن النصر إيماناً منهم أنّ
البلاء كلّما اشتدّ اقترب
من الفرج وأنّ الفرج يكون
عند تناهي البلاء كما ورد
عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: أضيق
الأمر أدناه من الفرج17.
وعن الإمام الصادق عليه
السلام : إذا أضيف البلاء
إلى البلاء كان من البلاء
عافية18.
وعنه عليه السلام يبيّن
مراتب أهل البلاء: إنّ
أشدّ الناس بلاء الأنبياء،
ثمّ الذين يلونهم، ثمّ
الأمثل فالأمثل19.
وعن الإمام عليّ عليه
السلام : إنّ البلاء أسرع
إلى المؤمن التقيّ من
المطر إلى قرار الأرض20.
تكريم المؤمن بالبلاء
وإذا كان البلاء في جوهره
نعمةً خاصّة يختصّ الله
بها من يشاء من عباده
الذين أراد بهم خيراً
وأراد لهم حسن الثواب
فيتّضح معنى الروايات
التي اعتبرت أنّ البلاء
تكريمٌ للمؤمن وفضلٌ من
الله عليه.
عن الإمام الباقر عليه
السلام : إنّ الله عزَّ
وجلَّ ليتعاهد المؤمن
بالبلاء كما يتعاهد الرجل
أهله بالهديّة من الغيبة،
ويحميه الدنيا كما يحمي
الطبيب المريض21.
وما أدلّ قول رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم:
إنّ الله ليغذي عبده
المؤمن بالبلاء كما تغذي
الوالدة ولدها باللبن22.
عنه صلى الله عليه وآله
وسلم: إذا أراد الله بقوم
خيراً ابتلاهم
23.
عن الإمام الصادق عليه
السلام : إنّ لله عزَّ وجلَّ
عباداً في الأرض من خالص
عباده، ما ينزل من السماء
تحفة إلى الأرض إلّا
صرفها عنهم إلى غيرهم،
ولا بليّة إلّا صرفها
إليهم24.
وهذا يوّضح لنا معنى كون
البلاء مقترناً بمحبّة
الله لعباده كما ورد عن
الإمام الصادق عليه
السلام : إذا أحبّ الله
قوماً أو أحبّ عبداً صبّ
عليه البلاء صبّاً فلا
يخرج من غمٍّ إلّا وقع في
غمّ25.
عن الإمام الباقر عليه
السلام : يبتلى المرء على
قدر حبّه26.
البلاء على قدر الإيمان
وتماماً كما أنّ الأعمال
السيّئة سبباً في بلاء
المرء لتذكيره وردعه
فكذلك الأعمال الحسنة
وإيمان المرء سبباً في
ابتلاء المرء لكن لتقوية
إيمانه وإرادته فإنّ من
الدرجات ما لا يبلغه
العبد إلّا بالبلاء، فعن
الإمام الصادق عليه
السلام : إنّه ليكون للعبد
منزلة عند الله فما
ينالها إلّا بإحدى خصلتين:
إمّا بذهاب ماله أو
ببليّة في جسده27.
وقد ورد في كتاب عليّ
عليه السلام
-: إنّما يبتلى
المؤمن على قدر أعماله
الحسنة، فمن صحّ دينه
وحسن عمله أشتدّ بلاؤه،
وذلك أنّ الله عزَّ وجلَّ
لم يجعل الدنيا ثواباً
لمؤمن، ولا عقوبة لكافر،
ومن سخف دينه وضعف عمله
قلّ بلاؤه28.
عنه عليه السلام : كلّما
ازداد العبد إيماناً
ازداد ضيقاً في معيشته29.
عن الإمام الكاظم عليه
السلام : مثل المؤمن مثل
كفّتي الميزان، كلّما زيد
في إيمانه زيد في بلائه،
ليلقى الله عزَّ وجلَّ
ولا خطيئة له30.
وفي روايةٍ أنّه لمّا حمل
عليّ بن الحسين عليه
السلام إلى يزيد بن
معاوية فأوقف بين يديه،
قال يزيد لعنه الله:
﴿وَمَا
أَصَابَكُم مِّن
مُّصِيبَةٍ فَبِمَا
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
﴾
فقال عليّ بن
الحسين عليه السلام : ليست
هذه الآية فينا، إنّ فينا
قول الله عزَّ وجلَّ:
﴿
مَا أَصَابَ مِن
مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ
وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن
قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا
﴾31.
فكأنّ يزيد أراد أن يستدلّ
على إيمانه بما به من
نعمة وعلى ضلالة أهل بيت
العصمة بما جرى عليهم من
كربلاء، وقد قال تعالى:
﴿
وَلَوْلَا أَن يَكُونَ
النَّاسُ أُمَّةً
وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا
لِمَن يَكْفُرُ
بِالرَّحْمَنِ
لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا
مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ
عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ *
وَلِبُيُوتِهِمْ
أَبْوَابًا وَسُرُرًا
عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ
﴾32.
وعن الإمام الصادق عليه
السلام : قال الله عزَّ
وجلَّ: لولا أن يجد عبدي
المؤمن في قلبه لعصبت رأس
الكافر بعصابة حديد لا
يصدع رأسه أبدا33.
ذمّ حبّ البلاء
يروي عن أبي ذرّ رحمه
الله أنًه قال: ثلاثة
يبغضها الناس وأنا أحبّها:
أحبّ الموت، وأحبّ الفقر،
وأحبّ البلاء -: هذا ليس
على ما يروون، إنّما عنى:
الموت في طاعة الله أحبّ
إليَّ من الحياة في معصية
الله، والفقر في طاعة
الله أحبّ إليَّ من الغنى
في معصية الله، والبلاء
في طاعة الله أحبّ إليَّ
من الصحّة في معصية
الله34.
حال المؤمن في البلاء
وإذا أيقن المؤمن بحقيقة
الابتلاء وما أضمره الله
له من الخير سكنت نفسه
وارتاح قلبه ولم يخرجه
ذلك عن مسار الإيمان،
ولذلك نقرأ عن الإمام عليّ
عليه السلام - في وصف
المؤمنين -: نزلت
أنفسهم منهم في البلاء
كما نزلت في الرخاء35.
وعن الإمام الصادق عليه
السلام - فيما أوحى الله
تعالى إلى موسى عليه
السلام -: ما خلقت خلقاً
أحبّ إليَّ من عبدي
المؤمن، فإنّي إنّما
ابتليته لما هو خير له،
وأعافيه لما هو خير له،
وأزوي عنه لما هو خير له،
وأنا أعلم بما يصلح عليه
عبدي، فليصبر على بلائي،
وليشكر نعمائي، وليرض
بقضائي، أكتبه في
الصدِّيقين عندي36.
فالمؤمن عند البلاء صابراً
محتسباً كما قال تعالى:
﴿الذين
إذا أصابتهم مصيبة قالوا
إنّا لله وإنّا إليه
راجعون
﴾37.
ويعلّمنا الإمام عليّ
عليه السلام الدعاء حين
نزول البلاء فقد ورد عنه:
قل عند كلّ شدّة: "لا
حول ولا قوّة إلّا بالله
العليّ العظيم تكفها"38.
لذلك كان الإمام الحسين
عليه السلام يكثر من قول:
لا حول ولا قوّة إلّا
بالله.. ويسترجع كثيراً.
المحاضرة الثالثة:
المسؤوليّة
v
الهدف
تعزيز روحيّة العمل
وتحمّل المسؤوليّة
ومواجهة التحدّيات عند
الإنسان ومحاولة الحدّ من
تصرّفاته اللاهية وغير
المسؤولة.
v
تصدير الموضوع
"ولا تقف ما ليس لك به
علم إنّ السمع والبصر
والفؤاد كلّ أولئك كان
عنه مسؤولا"39.
المقدّمة
حذّر السلام من العبثيّة
واللهو أو أي لون من
ألوان عدم تحمّل
المسؤوليّة في هذه الحياة
الدنيا معتبراً أنّ ذلك
يتنافى مع مبدأ وجود
الإنسان فيها المعتمد على
السعي والعمل والالتزام
بالتكاليف السماويّة
والقيام بأعظم دور أناطه
الله به وهو كونه خليفة
الله في أرضه والمسؤول عن
إقامة حكم الله على الأرض
وأنّ أي سلوك يصدر عنه
ينبغي أن يكون الإنسان
مسؤولاً عنه وذلك من خلال
أن يلحظ الرقابة الإلهيّة
الدائمة وأن يستشعر مفهوم
الرجوع إلى الله والسؤال
عن كلّ ما صدر عنه.
v
محاور الموضوع
حتميّة السؤال يوم
القيامة
قال تعالى:
﴿
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ
أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ
وَلَنَسْأَلَنَّ
الْمُرْسَلِينَ﴾40 .
قال تعالى:
﴿وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ
﴾41.
قال تعالى:﴿فَوَرَبِّكَ
لَنَسْأَلَنَّهُمْ
أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا
كَانُوا يَعْمَلُونَ
﴾42.
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: إنّي مسؤول
وإنّكم مسؤولون43.
الإمام عليّ عليه السلام :
أوصيكم بتقوى الله فيما
أنتم عنه مسؤولون وإليه
تصيرون، فإنّ الله تعالى
يقول:
﴿
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
﴾
ويقول:
﴿وَيُحَذِّرُكُمُ
اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى
اللّهِ الْمَصِيرُ
﴾
ويقول: ﴿فَوَرَبِّكَ
لَنَسْأَلَنَّهُمْ
أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا
كَانُوا يَعْمَلُونَ
﴾44.
دائرة المسؤوليّة
عنه عليه السلام : اتقوا
الله في عباده وبلاده
فإنّكم مسؤولون حتّى عن
البقاع والبهائم أطيعوا
الله ولا تعصوه45.
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: يا معاشر
قرّاء القرآن اتقوا الله
عزَّ وجلَّ فيما حملكم من
كتابه فإنّي مسؤول وإنّكم
مسؤولون، إنّي مسؤول عن
تبليغ الرسالة، وأمّا
أنتم فتسألون عمّا حملتم
من كتاب الله وسنّتي46.
الإمام الصادق عليه
السلام - في الدعاء بعد
صلاة يوم الغدير -: يا
صادق الوعد، يا من لا
يخلف الميعاد، يا من هو
كلّ يوم في شأن، أن أنعمت
علينا بموالاة أوليائك
المسؤول عنها عبادك،
فإنّك قلت وقولك الحقّ:
﴿
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ
يَوْمَئِذٍ عَنِ
النَّعِيمِ
﴾, وقلت:
﴿وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ
﴾47.
إناطة المسؤوليّة
بالجميع
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: ألا كلكم راع
وكلّكم مسؤول عن رعيّته،
فالأمير الذي على الناس
راع وهو مسؤول عن رعيته،
والرجل راع على أهل بيته
وهو مسؤول عنهم، والمرأة
راعية على بيت بعلها
وولده وهي مسؤولة عنهم48.
عنه صلى الله عليه وآله
وسلم: إنّ الله تعالى
سائل كلّ راع عمّا
استرعاه أحفظ ذلك أم
ضيّعه حتّى يسأل الرجل عن
أهل بيته49.
الإمام عليّ عليه السلام :
كلّ امرئ مسؤول عمّا ملكت
يمينه وعياله50.
مسؤوليّة السمع والبصر
والفؤاد
﴿وَلاَ
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْؤُولاً
﴾51.
الإمام الصادق عليه
السلام - في قوله تعالى:﴿إِنَّ
السَّمْعَ... ﴾
-: يسأل السمع
عمّا سمع، والبصر عمّا
نظر إليه، والفؤاد عمّا
عقد عليه52.
وقد جاء عن النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم في
قوله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ
﴾
أنّه لا يجاوز قدما
عبد حتّى يسئل عن أربع:
عن شبابه فيما أبلاه, وعن
عمره فيما أفناه, وعن
ماله من أين جمعه وفيما
أنفقه, وعن حبّنا أهل
البيت"53.
فمن النعم الإلهيّة على
الموالي والمحبّ
والمسؤوليّة في آن معاً
هو هذه المحبّة لأهل
البيت عليهم السلام , وقد
جاء عن الإمام الصادق
عليه السلام أنّه قال:
"من أراد الله به خيراً
قذف في قلبه حبّ الحسين
عليه السلام وحبّ زيارته"54
|