3- روايات
أخرى في تربته عليه السلام:
اهتمام النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم بتربته قبل
شهادته:
عن أمّ سلمة - رضي الله عنها - أنّها قالت: خرج رسول الله
صلى الله عليه و آله وسلم من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا
طويلاً، ثمّ جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت: يا
رسول الله، ما لي أراك شعثاً مغبراً؟! فقال: "أسري بي
في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلاء، فأريت
فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل
ألقط دماءهم فها هي في يدي" وبسطها إليّ, فقال:
"خذيها واحتفظي بها", فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر،
فوضعته في قارورة وسددت رأسها واحتفظت به، فلمّا خرج
الحسين عليه السلام من مكّة متوجّهاً نحو العراق، كنت أخرج
تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فأشمّها وأنظر إليها ثمّ
أبكي لمصابه، فلمّا كان في اليوم العاشر من المحرّم- وهو
اليوم الذي قتل فيه عليه السلام- أخرجتها في أوّل النهار
وهي بحالها، ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط،
فصحت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم
بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت حتّى جاء
الناعي ينعاه فحقّق ما رأيت13.
أمير المؤمنين
عليه السلام وتراب كربلاء:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "خرج أمير المؤمنين
عليه السلام يسير بالناس حتّى إذا كان من كربلا على مسيرة
ميل أو ميلين فتقدّم بين أيديهم حتّى إذا صار بمصارع
الشهداء قال: قبض فيها مائتا نبيّ ومائتا وصيّ ومائتا سبط
شهداء بأتباعهم. فطاف بها على بغلته خارجاً رجليه من
الركاب وأنشأ يقول: مناخ ركاب ومصارع شهداء لا يسبقهم من
كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم"14.
المحاضرة
الثانية:
الحياءُ من الدّين
الهدف: بيان منزلة الحياء من الإنسانيّة والدّين،
وبيان ثماره ومصادره وممّن يكون، ومنزلته من المكارم.
تصدير الموضوع
عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال: "
استحيوا من الله حقّ الحياء فقيل: يا رسول الله وكيف
نستحيي من الله حقّ الحياء؟ قال: من حفظ الرأس وما حوى،
والبطن وما وعى، وترك زينة الحياة الدنيا، وذكر الموت
والبلى، فقد استحيى من الله حقّ الحياء "15.
المقدّمة:
الحياء خُلقٌ إنسانيّ يدخل في صلب الجبلَّة، وهو ممّا
يختلف به الناس عن البهائم والحيوانات، إذ إنَّ الحياء
مكوَّن ملازم للعقل وللدّين وللإيمان، وهو من شرائع
الإسلام.
محاور الموضوع
أ - ما هو الحياء؟
عن أبي عبد الله الصادقعليه السلام: "الحياء نورٌ جوهره
صدر الإيمان، وتفسيره التثبّت عند كلّ شيء ينكره التوحيد
والمعرفة"16.
وقد عرّفه الشريف المرتضى بالامتناع من الفعل مخافة أن
يعاب عليه مع الفكر في وجدان ما لا يسلم به من العيب فلا
يجده17.
إنّ المرء الذي يكثر من الاشتغال في تحصيل ما يريد المحبوب
وما يكره ويجدّ في استقصاء ما يرضيه وما يسخطه، يؤرق جفنيه
في التزام طاعته واجتناب معصيته، ولا يقدم على أمر إلّا
بعد استبيان حاله ومعرفة مآله.
ب - منبع
الحياء:
إنَّ للحياء أصولاً ومصدراً، فمن حرص على تثبيتها في نفسه،
فقد حقّ له الطمع بوجود الحياء باعتباره تجلّياً إنسانيّاً
صرفاً، رأس هذه الأصول هو الإيمان.
عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: "الحياء من
الإيمان"18، وفي مقابل
ذلك، فإنّ من ضعف عنده الحياء، فإنَّ ذلك دليل على قلّة
الإيمان.
عنه صلى الله عليه و آله وسلم: "قلّة الحياء الكفر"19.
ولأنّ الحياء من الإيمان، فإنَّ كلّ أنواع السلوك المعبّرة
عن الإيمان وأصناف الخُلق الإيمانيّة - إنَّ هذه كلّها -
إذا التزمها الإنسان، فذلك دليل على وجود الحياء، بمقدار
الالتزام، ويضعف الحياء بمقدار تنكّره لذلك السلوك وذلك
الخُلق الإيمانيّين، لأنَّ الحياء من شرائع الإسلام.
عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم: "إنَّ الحياء من
شرائع الإسلام"20.
وعنه صلى الله عليه و آله وسلم: "الحياء من الإيمان فمن
لا حياء له لا خير فيه ولا إيمان له"21.
وعن الباقر أو الصادق عليهما السلام: "الحياء والإيمان
مقرونان في قرن، فإن ذهب أحدهما تبعه صاحبه"22.
ج - الحياء
ستر الإيمان:
عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:
"الإيمان عريان ولباسه الحياء"23.
فالإيمان يحتاج إلى ما يقيه عوامل الفساد من جهة وإلى ما
يجمّله ويزيّنه ويظهر حسنه, وهذان الأمران يؤدّيهما الحياء
للإيمان, فهو وقاية للإيمان حتّى لا يتهتّك ويتعرّض للتلف
وهو مظهر لجماله ومحا سنه.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أحسن ملابس الدّين
الحياء"24.
وعنهعليه السلام : "منْ كساه الحياء ثوبه خفي على الناس
عيبه"25.
د - الحياء رأس المكارم وأصل الخير:
إنَّ الحياء مكرمة تستولد منها المكارم كلّها، وهي رأسها.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ خصال المكارم
بعضها مقيَّد ببعض يقسِّمها الله حيث يشاء... ورأسهنَّ
الحياء"26.
وعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: "الحياء لا
يأتي إلّا بخير"27.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "الحياء مفتاح كلّ
الخير"28.
بل الحياء سبب
كلّ جميل.
فعن علي ّعليه السلام : "الحياء سبب إلى كلّ جميل"29.
هـ - أفضل الحياء:
وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام:
"رحم الله من استحيى من الله حقِّ الحياء، فحفظ الرأس
وما حوى، والبطن وما وعى وذكر الموت والبلى، وعلم أنَّ
الجنّة محفوفة بالمكاره والنّار محفوفة بالشهوات"30.
و - الحياء المذموم:
كما أنَّ الحياء مكرمةٌ إيمانيّة كبرى عندما يكون تجلّياً
إنسانيّاً وتعبيراً عن التصاق صاحبه برضا المحبوب، فإنَّ
الحياء من تحصيل المكارم وإدراك الغايات والقيام بالواجب،
ممقوت ومذموم. فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من
استحيى من قول الحقّ فهو أحمق"31.
كذلك من استحيى عن طلب العلم والسؤال عمّا لا يعلم، حُرم
المعرفة والعلم. فعن أمير المؤمنينعليه السلام: "قُرِنَ
الحياء بالحرمان"32.
ومن استحيى من
السعي في طلب الرزق حُرم الرزق، فعنه عليه السلام:
"الحياء يمنع الرزق"33.
ز - ممّن يكون الحياء؟
1 - الاستحياء من الملائكة الكتبة:
عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: "ليستحي أحدكم
من ملكيه اللذين معه، كما يستحي من رجلين صالحين من
جيرانه، وهما معه بالليل والنهار"34.
وهذا يدلّ على وجوب الاستحياء من الصالحين، لا سيّما الذين
هم على صلة أو معرفة به، بل هذا من مقتضيات طبع الإنسان.
2 - الاستحياء من الله تعالى:
أمير المؤمنينعليه السلام: "أفضل الحياء استحياؤك من
الله"35.
وعنهعليه السلام: "الحياء من الله يمحو كثيراً من
الخطايا"36.
وعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: "استحيى من
الله استحياءك من صالحي جيرانك، فإنَّ فيها زيادة اليقين"37.
المحاضرة الثالثة:
الوقاية من الفتنة خير من
علاجها
الهدف:
فهم نظرة الإسلام إلى
الفتنة، وكيفيّة مواجهتها
واجتثاثها من واقع
المجتمع والأمّة.
تصدير الموضوع
قال الله تعالى:
﴿
أَحَسِبَ النَّاسُ أَن
يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ
فَتَنَّا الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ
الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ
﴾38.
عن رسول
اللهصلى الله عليه و آله وسلم: " ليغشين من بعدي فتن
كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً،
ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع أقوام دينهم بعرض من
الدنيا قليل"39.
المقدّمة:
الفتنة مفهوم من المفاهيم القرآنيّة التي تعرّضت لها
الآيات والروايات, وتحدّثت عنها إلى جانب العديد من
المفاهيم الأخرى, كما تحدّثت إلى منشئها وتأثيرها على
الفرد والمجتمع, وأرشدتنا إلى واجبنا تجاهها وسبل الوقاية
منها.
محاور الموضوع
1 – معنى الفتنة:
الفتنة في كلام العرب: الابتلاء، والامتحان وأصلها مأخوذ
من قولك: فتنتُ الفضّة والذهب، أذبتهما بالنّار ليتميّز
الرديء من الجيّد، ومن هذا قول الله عزَّ وجلّ:
﴿
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ
﴾40 أي يحرقون
بالنّار41.
2 – معاني
الفتنة في القرآن:
مفهوم الفتنة في القرآن مفهوم واسع ومتعدّد المعاني، ومن
هذه المعاني التي تندرج تحت هذا المفهوم السعي في الأرض
فساداً
﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا
﴾42وعمليّات
محاولة إيقاع الفتنة بين الناس وتخريب أمنهم وسلامهم
ودفعهم إلى الصراع والعنف والاقتتال فهو من قبيل السعي في
الأرض فساداً، هذا إلى جانب عدّة معان للفتنة ذكرت في آيات
عدّة منها:
أ- الابتلاء والاختبار:
كما في قوله تعالى:
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن
يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
﴾43. أي وهم لا
يبتلون.
ب - الوقوع في المعاصي والنفاق:
كما في قوله تعالى في حقّ المنافقين
﴿ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ
وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ
الْأَمَانِيُّ
﴾44, أي
أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال المعاصي
والشهوات.
ج – اشتباه الحقّ بالباطل:
كما في قوله تعالى:
﴿ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء
بَعْضٍ إِلاَّ
تَفْعَلُوهُ
تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ
﴾45, وتعني:
"أنّ الولاية ممّا لا غنى عنها في مجتمع من المجتمعات
البشريّة سيّما المجتمع الإسلاميّ الذي أسس على اتباع
الحقّ وبسط العدل الإلهيّ كما أنّ تولّي الكفّار وهم أعداء
هذا المجتمع يوجب الاختلاط بينهم فيسري فيه عقائدهم
وأخلاقهم، وتفسد سيرة الإسلام المبنيّة على الحقّ بسيرهم
المبنيّة على اتباع الهوى وعبادة الشيطان، وقد صدق جريان
الحوادث في هذه الآونة ما أشارت إليه هذه الآية"46.
3 - كيف تنشأ الفتنة:
لقد عبّر الإمام علي عليه السلام عن الفتنة كيف تنشأ فقال:
"إنّما بدء وقوع الفتن، أهواء تُتَّبع وأحكام تُبتدع،
يُخالَفُ فيها كتاب الله، ويتولّى عليها رجال على غير دين
الله. فلو أنّ الباطل خلُص من مزاج الحقّ لم يخف على
المرتادين، ولو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل لانقطعت عنه
ألسن المعاندين, ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث
فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين
سبقت لهم من الله الحسنى"47.
4 – تأثير
الفتنة على الناس:
في يوم الفتنة تتمكن الفتنة من عقول الناس، وتغلب على
نفوسهم وأفكارهم وتسلب منهم الرؤية والبصيرة فيلتبس عليهم
الحق بالباطل، ويلتبس عليهم أهل الحق بأهل الباطل، فلا
يميّزون هؤلاء عن أولئك، ولا هذا عن ذاك، ولكن الفتنة تفرز
قلّة يعصمهم الله تعالى عنها ويرزقهم بصيرة نافذة، فيقفون
إلى جانب الحقّ وإن قلّ أهله وروّاده، ويقارعون الباطل وإن
كثر أهله.
والفتن على مرّ التاريخ لها أوجه كثيرة فقد كانت أيّام
"الجمل" و"صفّين" و"النهروان" و"الطفّ"
أيّام فتن في تاريخ الإسلام.
وكان أبلغ هذه الفتن وأقواها يوم الطفّ, حيث وقف الحسين
عليه السلام ومعه كوكبة محدودة من أهل بيته وأصحابه في
مقابل سلطان بني أميّة وملكهم الواسع ووقف معهم جماهير
الناس يومئذ. ويَعجَب الإنسان أن تنفذ الفتن هذا النفوذ
العميق في قلوب الناس. فلا يستجيب لدعوة الإمام الحسينعليه
السلام إلى الخروج على سلطان بني أمية وغيّهم يومئذ غير
اثنين وسبعين نفراً من المسلمين رغم حرص الحسين عليه
السلام وإصراره على دعوة المسلمين إلى الخروج على يزيد
وإنهاء هذه الفتنة التي عمّت العالم الإسلاميّ وأفسدت على
الناس دينهم وأخلاقهم.
فعند وقوع
الفتن يختلط الحقّ بالباطل في نفس الإنسان، وهي تصيب
مجتمعاً، وتخطئ آخر كما يقول أمير المؤمنين في الفتنة:
"إنّ الفتن تحوم كالرياح، يصبن بلداً ويخطئن أخرى"48.
وهذه الإصابة والعدول تتبع سنناً إلهيّة دقيقة وثابتة، فقد
يعصم الله تعالى مجتمعاً عن الفتنة.
فإذا حلّت الفتنة بقوم سلبتهم بصائرهم إلّا مَن عصم الله
تعالى عن رسول اللهصلى الله عليه و آله وسلم: "ستكون
فتن يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسى كافراً إلّا من أحياه
الله تعالى بالعلم"49.
6 – ما هو واجبنا عند وقوع الفتن:
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "كن في الفتنة كابن
اللبون لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب"50.
وابن اللبون عبارة عن جمل ذو سنتين، هذا الجمل لا يقوم
بخدمة وليست له قوّة حمل الإنسان من بلدة إلى بلد، وليس له
ضرع فيحلب، إنّما الإنسان يستبقي عنده ابن اللبون ليكبر
يوماً من الأيّام ويصبح ظهراً أو يصبح ذا ضرع يحلب منه.
وليس معنى ذلك أن يعتزل الإنسان الساحة في الفتنة،
وليس السلامة
من الفتنة بالانسحاب عن الساحة والعمل، وإنّما معنى ذلك أن
لا يعطي الإنسان من نفسه شيئاً للفتنة.
وهذا أحد وجهي القضيّة، والوجه الآخر العمل لمكافحة الفتنة
ومقارعتها، والوقوف إلى جنب أولئك الذين يقفون في وجه
الفتنة, ومن لا يكافح الفتنة يؤيّدها ويسندها لا محالة،
وليس للإنسان بدّ من واحد من هذين: إمّا مكافحة الفتنة أو
الاستسلام لها. ولا يصح ما كان يرى بعض الضعفاء من
المسلمين عندما اندلعت الفتنة أنّ: "المضطجع فيها خير
من الجالس, والجالس خير من القائم..."51
فإنّ هؤلاء الجالسين لا محالة يقعون في شرك الفتنة عن علم
أو عن غير علم.
وإذا أقبلت الفتن انقلبت البصائر فلم يعد يبصر الانسان من
حوله شيئاً من الحقّ والباطل إلّا من عصم الله، ويفقد
الإنسان الرؤية.
يقول أمير المؤمنينعليه السلام وهو الخبير بالفتنة:
"أيّها الناس، أمّا بعد, أنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن أحد
ليجترئ عليها غيري".
فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين حدّثنا عن الفتن
فقال: "إنّ الفتن إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت،
يشبهن مقبلات، ويعرفن مدبرات"52.
وهذه أهمّ خصوصيّة في الفتنة. إذا أقبلت
يفقد الإنسان
الرؤية، ويلتبس عليه الحقّ والباطل (شبهت)، فلا يميز
أيّهما الحقّ وأيّهما الباطل، وإذا أدبرت انتبه الإنسان،
وعاد إليه ما فقده من رشده ووعيه (نبهت).
7 – الوقاية من الفتنة خير من علاجها:
وللسلامة من مضلّات الفتن جعل الله تعالى للإنسان معاذاً
يلوذ به من الفتنة، ويمكنه من التفريق بين الحقّ والباطل.
الله تعالى: فإنّ الله عزَّ وجلّ يعيذ عبده إذا استعاذ به
من مضلّات الفتن. وقد ورد في الدعاء: "وأعوذ بك من
مضلّات الفتن"53.
فإذا استعاذ العبد بربّه، واعتصم به، هداه الله الصراط
المستقيم قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ
مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا
* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ
وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ
مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا
مُّسْتَقِيمًا
﴾54.
وقد أمرنا الله تعالى أن نعوذ به، ونلجأ اليه كلّما
داهمتنا ظلمات الضلال والفتن.
يقول تعالى:
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن
شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا
وَقَبَ
﴾55.
ب- التقوى:
والتقوى معاذ وفرقان لمن يتحصّن به، فإذا حصّن الإنسان
نفسه في حدود الله تعالى ولم يتجاوز حدود الله تعالى في
قول أو فعل عصمته التقوى من الضلال والفتنة وطردت عنه
الشيطان، وبصّره الله تعالى بكيد الشيطان ومكره فلا يتمكّن
منه الشيطان ولا يستطيع أن يكيد به، أو أن يمكر به
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا
مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ
فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ
﴾56.
ويرزقهم الله تعالى بالتقوى نوراً يهتدون به في حياتهم
وسعيهم، نوراً يمشون به في الناس، فيميّزون به الصادق عن
الكاذب والمؤمن عن المنافق:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا
تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ
﴾57.
والتقوى في نفس الانسان فرقان بين الحقّ والباطل والهدى
والضلال:
﴿ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن
تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
﴾58.
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: "اعلموا أنّه من يتق
الله يجعل له مخرجاً من الفتن ونوراً من الظلم"59.