المحاضرة الأولى:
خلود النهضة الحسينيّة
الهدف: الإطلالة على
موقف الحرّ بن يزيد الرّياحيّ في كربلاء وأبعاد كلمة
الإمام الحسين عليه السلام بحقّه, وأهمّ الدّروس والعبر
التي يمكن استخلاصها من مواقفه الخالدة عبر التّاريخ.
تصدير الموضوع
عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال:
"إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً"1.
المقدّمة:
تختصر هذه الرواية قصّة الإمام الحسين عليه السلام
ونهضته لتبيّن أنّها نهضة كُتِبَ لها البقاء
والدوام والخلود, فكثيرة هي الثورات التي لم يكتب
لها البقاء ولم يبق لها ذكر إلّا في مطاوي الكتب
وذاكرة التاريخ.
محاور الموضوع
ولعلّ أهمّ ما يمكن الإشارة إليه كسبب لبقاء وخلود
هذه النهضة هو عدّة أمور:
شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام
الاستثنائيّة:
حيث امتاز هذا الإمام العظيم- كبقيّة أئمّة أهل
البيت عليهم السلام- بصفات ومؤهّلات لا توجد في
بقيّة أفراد هذه الأمّة, ما جعله امتداداً لخطّ
النبوّة دون سواه, كيف؟ وقد قال فيه النبيّ صلى
الله عليه و آله وسلم: "حسين منّي وأنا من
حسين"2,
وفيما قاله الإمام الحسين عليه السلام للوليد بن
عتبة: "أيّها الأمير إنّا أهل بيت النبوّة
ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة, بنا فتح الله وبنا
ختم الله.. "3.
ومن هنا خوطب عليه السلام بأنّه وارث أنبياء الله
تعالى: آدم ونوح
وإبراهيم وموسى وعيسى
ومحمد صلوات الله عليهم,
وأنّه وارث أمير المؤمنين
والسيّدة الزهراء
عليهما السلام
.
أهل بيته وأنصاره:
فإنّ ما اجتمع له من أهل
بيت وأنصار وأصحاب كانوا
أيضاً استثنائيّين, وهذا
ما جاء في وصفهم على لسان
الإمام الحسين عليه
السلام نفسه: "فإنّي
لا أعلم أصحاباً أولى ولا
خيراً من أصحابي ولا أهل
بيت أبرّ ولا أوصل من أهل
بيتي, فجزاكم الله عنّي
جميعاً خيراً"4.
وروي عن أمير المؤمنين
عليه السلام أيضاً فيما
قاله فيهم حين مرّ
بكربلاء: ".. ومصارع
عشّاق شهداء، لا يسبقهم
من كان قبلهم, ولا يلحقهم
من بعدهم"5.
الشعارات الخالدة التي
تظهر الدوافع والأهداف
لهذه النهضة:
والتي لا ترتبط بظرفٍ خاصّ
ولا بحالة خاصّة, وإنّما
تنصبّ على حركة المجتمع
وإصلاحه وهدايته نحو
السعادة الحقيقيّة, ويمكن
أن نلاحظ ذلك بوضوح إذا
نظرنا إلى كلمات الإمام
الحسين عليه السلام,
أمثال قوله:
1. "إنّي لم أخرج أشراً
ولا بطراً ولا مفسداً ولا
ظالماً وإنّما خرجت
لطلب الإصلاح في أمّة
جدّي صلى الله عليه و آله وسلم أريد أن آمر بالمعروف وأنهى
عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ ابن أبي طالب عليه
السلام فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ.. "6.
2. وقوله عليه السلام: "ألّلهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن
ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول
الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في
بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك.."7.
3. وقوله عليه السلام: "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد
ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة
يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون.. "8,
إلى غير ذلك من نصوص وكلمات.
ما أفرزته هذه الثورة والنهضة من تصنيف على مستوى النتائج:
فقد وضعت حركة الإمام عليه السلام هذه الأمّة أمام امتحانٍ
عظيم, اختصره عليه السلام بسطرين لمّا فصل متوجّهاً إلى
العراق ودعا بقرطاس وكتب فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم،
من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم، أمّا بعد، فإنّه من لحق
بي استشهد، ومن تخلّف عنّي لم يبلغ الفتح والسلام"9,
ففاز بنصرته فريق
وتخلّف آخرون..
طبيعة العدوّ الذي قام الإمام الحسين عليه السلام في
مواجهته:
وما كان يحمله من غايات تستهدف أصل الدّين وأسسه, وهذا ما
أوضحته بعض الزيارات الواردة عنهم عليهم السلام كزيارته
عليه السلام في يوم عرفة التي جاء فيها: "السلام عليك
يا صريع العبرة الساكبة, وقرين المصيبة الراتبة, لعن الله
أمةً استحلّت منك المحارم وانتهكت فيك حرمة الإسلام, فقتلت
صلّى الله عليك مقهوراً, وأصبح رسول الله صلى الله عليه و
آله وسلم بك موتوراً, وأصبح كتاب الله بفقدك مهجوراً"10.
وعن النضر بن مالك، قال: قلت للحسين بن عليّ
عليهما السلام: يا أبا عبد الله! حدّثني عن قول
الله عزَّ وجلّ:
﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ
﴾11،
قال: "نحن وبنو أميّة اختصمنا في الله عزَّ وجلّ، قلنا:
صدق الله، وقالوا: كذب الله، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم
القيامة"12.
فظاعة الخطب وعظم الجريمة:
إنّ الطريقة التي قتل فيها الإمام الحسين عليه السلام وأهل
بيته
وأصحابه أوجبت بقاء حرارة
مقتله في قلوب المؤمنين إلى يوم القيامة, وعظمت لذلك
مصيبته في السموات والأرض.
فعن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام:
"أنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام دخل يوماً
إلى الحسن عليه السلام، فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما
يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يصنع بك. فقال له
الحسن عليه السلام: إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يدسّ إليّ
فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك
ثلاثون ألف رجل، يدعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد صلى الله
عليه و آله وسلم، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على
قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك،
وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة، وتمطر
السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في
الفلوات، والحيتان في البحار"13.
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام- في حديث له-: "ولا
يوم كيوم الحسين عليه السلام ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل،
يزعمون أنّهم من هذه الأمّة كلّ يتقرّب إلى الله عزَّ وجلّ
بدمه، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون، حتّى قتلوه بغياً
وظلماً وعدواناً"14.
وعن إمامنا الرضا عليه السلام- في حديث له-: "إنّ يوم
الحسين
أقرح جفوننا، وأسبل
دموعنا، وأذلّ عزيزنا،
بأرض كربٍ وبلاء، أورثتنا
الكرب والبلاء، إلى يوم
الانقضاء، فعلى مثل
الحسين فليبك الباكون،
فإنّ البكاء (عليه) يحطّ
الذنوب العظام"15.
ويمكن لنا أن نتلمّس عظم
هذه الجريمة وفظاعة الخطب
وحجم الرزيّة من الروايات
التي تتحدّث عن الحزن
الذي أثّر في سائر
الموجودات, حتّى بكاه كلّ
شيء ممّا خلق ربنا وما
يُرى وما لا يُرى.
المحاضرة الثانية:
سوء الظنّ بالخلق
الهدف: بيان ما
لآفّة سوء الظنّ بين
المؤمنين وترتيب الأثر
عليه، من آثار مدمّرة على
مجتمع المؤمنين وعلى
حقيقة معنى الدّين
والإيمان.
تصدير الموضوع
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ
إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ
﴾16.
عن رسول الله صلى الله
عليه و آله وسلم: "من
أساء الظنّ بأخيه، فقد
أساء الظنّ برّبه، إنّ
الله تعالى يقول:
﴿
اجْتَنِبُوا كَثِيرًا
مِّنَ الظَّنِّ
﴾17.
المقدّمة:
لا شكّ أن سوء الظن كخصلة
سيئة له أسبابه التي ينشأ
منها, وهو يستدعي منّا
الوقوف عندها ومعالجتها,
كما إنّ له آثاره التي
ينبغي التعرّف عليها لما
في ذلك من باعث على تركها
واجتنابها.
محاور الموضوع
ما هو الظنّ المنهي
عنه؟:
"المراد بالظنّ
المأمور بالاجتناب عنه هو
ظنّ السوء، والمراد
بالاجتناب عن الظنّ
الاجتناب عن ترتيب الأثر
عليه، كأنْ يظنّ بأخيه
المؤمن سوءاً فيرميه به
ويذكره لغيره، ويرتّب
عليه سائر آثاره.
وعليه، فكون بعض الظنّ
إثماً، من حيث كون ما
يترتّب عليه من الأثر
إثماً، كإهانة المؤمن
المظنون به وقذفه وغير
ذلك من الآثار السيّئة
المحرّمة"18.
- ظنّ السوء بالأخ سوء
ظنّ بالله:
إنّ في العواقب المذكورة
في الروايات على سوء الظنّ
دليلاً كافياً على وخامة
هذا الأمر. وإنّ لسان
الروايات والموقع الذي
تجعل فيه سوء الظنّ دليلٌ
آخر على ذلك.
فعن رسول اللهصلى الله
عليه و آله وسلم: "إيّاكم
والظنّ، فإنّ الظنّ أكذب
الكذب"
19ومعلوم
ما للكذب من مكانة سيّئة،
فكيف بأسوأ الكذب.
وعن أمير المؤمنين عليه
السلام: "إيّاك أنّ
تغلبك نفسك على ما تظنّ
ولا تغلبها على ما تستيقن،
فإنّ ذلك من أعظم الشرّ"20.
إنّ الإنسان يدرك أنّ
النفس أمّارة بالسوء
إدراكاً لا شكّ فيه ولا
ريب، وهذا مؤيَّد بقول
الله تعالى:
﴿
إِنَّ النَّفْسَ
لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ
﴾21,
وقد وصفه الإمام عليه
السلامبأعظم الشرور.
وقد ورد عن عيسى عليه
السلامقوله: "يا عبيد
السَّوء، تلومون الناس
على الظنّ ولا تلومون
أنفسكم على اليقين"22.
ولكن أعظم منزلة سوء
تذكرها الأحاديث ما ورد
عن رسول الله صلى الله
عليه و آله وسلم وضع سوء
الظنّ بالأخ المؤمن سوء
ظنٍّ بالله تعالى.
فعنه صلى الله عليه و آله
وسلم: "من أساء بأخيه
الظنّ، فقد أساء الظنّ
برّبه، إنّ الله تعالى
يقول:
﴿
اجْتَنِبُوا كَثِيرًا
مِّنَ الظَّنِّ
﴾23.
أسباب سوء الظنّ:
1- خصال أخلاقيّة تولد
سوء الظنّ
عن رسول الله صلى الله
عليه و آله وسلم: "إنّ
الجبن والبخل والحرص
غريزة واحدة، يجمعها سوء
الظنّ"24.
وقد أضاف إليها أمير
المؤمنين عليه السلام
الجور، فقال في عهده
لمالك الأشتر لمّا ولاّه
على مصر:
"إنّ البخل والجور
والحرص غرائز شتّى،
يجمعها سوء الظنّ بالله"25.
2- كلّ إناء ينضح بما
فيه:
فعن أمير المؤمنين عليه
السلام: "الرجل السوء
لا يظنّ بأحد خيراً،
لأنّه لا يراه إلّا بوصف
نفسه"26.
وفي حديث آخر لأمير
المؤمنين عليه السلام:
"الشرّير لا يظنّ بأحدٍ
خيراً، لأنّه لا يراه
إلّا بطبع نفسه"27.
إنّ سوء الطّويّة في نفس
الظانّ هي ما يحكم على
سلوك المؤمن، فتجعله
يتعجّل إبرام الأحكام
المبنيّة على الظنون
والأوهام.
من آثار سوء الظنّ:
إنّ لسوء الظنّ آثاراً
مدمرّة لا تسلم معها
النفس من المُرديات، ومن
أهمّ هذه الآثار:
1 ـ عدم ثقة الناس به:
عن أمير المؤمنين عليه
السلام: "أسوأ الناس
حالًا من لم يثق بأحد
لسوء ظنّه، ولم يثق به
أحد لسوء فعله"28.
2 ـ انفضاض الناس من
حوله:
عن أمير المؤمنين عليه
السلام: "من غلب عليه
سوء الظنّ، لم يترك بينه
وبين خليل صلحاً"29.
3 ـ يهون على الناس:
عن أمير المؤمنين عليه
السلام: "من كَثُرَت
ريبته، كَثُرَت غيبته"30.
4 ـ ليس له صاحب:
عن أمير المؤمنين عليه
السلام: "من لم يحسُن
ظنّه، استوحش من كلّ أحد"31.
وعنه عليه السلام: "مَنْ
ساءت ظنونه اعتقد الخيانة
بمن لا يخونه"32.
5 ـ ضياع الدّين:
عن أمير المؤمنين عليه
السلام: "إيّاك أن
تُسيء الظنَ، فإنّ سوء
الظنّ يفسد العبادة"33.
وعنه عليه السلام: "لا
دين لمسيء الظنّ"34.
وعنه عليه السلام: "لا
إيمان مع سوء الظنّ"35.
المحاضرة الثالثة:
قيمة العمل في
الشريعة الإسلاميّة
الهدف: نشر وتكريس
ثقافة السعي والجدّ في
تحصيل الرزق الحلال من
خلال الحرص على العمل وفق
الأصول والقوانين ومراعاة
الضوابط الشرعيّة.
تصدير الموضوع
قيل لأبي عبد الله عليه
السلام: رجل قال لأقعدنّ
في بيتي ولأصلينّ ولأصومنّ
ولأعبدنّ ربّي، فأمّا
رزقي فسيأتيني، فقال أبو
عبد الله عليه السلام:
"هذا أحد الثلاثة الذين
لا يستجاب لهم"36.
وعن الشيباني قال: رأيت
أبا عبد الله عليه السلام
وبيده مسحاة، وعليه إزار
غليظ، يعمل في حائط له،
والعرق يتصابّ عن ظهره،
فقلت: جعلت فداك، أعطني
أكفك، فقال لي: "إنّي
أحبّ أنْ يتأذّى الرجل
بحرِّ الشمس في طلب
المعيشة"37.
المقدّمة:
للعامل أهميّة خاصّة في
الشريعة الإسلاميّة، فقد
ندب الإسلام إلى طلب
الرزق بالعمل، وجعل له
أجراً كبيراً، وقرّر له
حقوقاً وواجبات، وإذا لم
يكفه ما حصّل، وجب على
الوالي إعطاؤه كفايته من
مسكن ومأكل وسائر الحوائج،
حتّى يغنيه الله من فضله،
وهذا ما يستفاد من النصوص
الكثيرة في هذا المجال:
قال تعالى:
﴿
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
لِّلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ
﴾38.
محاور الموضوع
مفهوم العمل في
الشريعة:
لا يقتصر العمل في
الشريعة الإسلاميّة على
النظرة الشائعة التي تنظر
إلى العمل على أنّه مجرّد
تقديم كدّ بدني مقابل
أجرة زهيدة.
بل الشريعة تنظر إلى
مفهوم العمل وتربطه بعمل
الدنيا
والدّين
معاً. أي العمل الدنيويّ
بشتّى أشكاله وأنواعه من
جهد بدنيّ وفكريّ
واستثمار الأموال لتنمية
وتشغيل البطّالين وسدّ
حاجة المحتاجين. وقد ورد
تعبير العمل ومعناه في
حوالي 360 آية قرآنيّة.
1 - اقتران العمل
بالإيمان والإتقان:
في مجال الربط بين العمل
والإيمان، يقول الله عزَّ
وجلَّ:
﴿
وَقُلِ اعْمَلُواْ
فَسَيَرَى اللّهُ
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ...﴾39،
وفي آية أخرى:
﴿
فَإِذَا قُضِيَتِ
الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا
فِي الْأَرْضِ
وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ
اللَّهِ
﴾40.
وأمّا السنّة النبويّة
فقد أشادت هي الأخرى قولاً
وعملاً بالعمل حاثّة عليه
وعلى إتقانه. قال صلى
الله عليه و آله وسلم:
"ما أكل أحد طعاماً قطّ
خيراً من أن يأكل من عمل
يده"41.
وفي مجال ربط العمل
بالإتقان جاء عنهصلى الله
عليه و آله وسلم أنّه قال:
"إنّ الله يحبّ إذا
عمل أحدكم عملاً فليتقنه"42.
لأنّ إتقان الأعمال
والإخلاص فيها من أهمّ
عوامل التطوّر والرقيّ
والازدهار والتقدّم.
وكما حثّ الإسلام العمّال
على الكدّ والجدّ حثّ
أيضاً أصحاب العمل على
إنصاف العمّال وإعطائهم
حقوقهم كاملة غير منقوصة
فقد جاء عنه صلى الله
عليه و آله وسلم أنّه قال:
"أعطوا الأجير أجره
قبل أن يجفّ عرقه"43.
2 - العمل عبادة
وفريضة:
يعتبر الإسلام العمل
عبادة، بشرط أن تكون
النيّة لله تعالى،
فالعامل في أيّ حقل يعمل،
سواء كان معلّماً أو
أستاذاً أو مهندساً أو
طبيباً أو مزارعاً أو
تاجراً أو... له أجر
العمل وثوابه، فقد روي عن
الرسول صلى الله عليه و
آله وسلم قوله: "العبادة
عشرة أجزاء تسعة أجزاء في
طلب الحلال"44،
وعنه صلى الله عليه و آله
وسلم قال: "الكادّ على
عياله كالمجاهد في سبيل
الله"45.
وطلب الرزق الحلال فريضة
وجهاد، فقد روي عن الرسول
صلى الله عليه و آله وسلم
قوله: "طلب الحلال
فريضة على كلّ مسلم
ومسلمة"46،
وعنه صلى الله عليه و
آله وسلم قال: "طلب
الحلال فريضة بعد
الفريضة"47،
وقوله صلى الله عليه و
آله وسلم: "طلب الحلال
جهاد"48.
3 - التأكيد على تعلّم
الحرفة:
كان رسول الله صلى الله
عليه و آله وسلم إذا نظر
إلى الرجل فأعجبه، قال
لأصحابه: هل له حرفة؟ فإن
قالوا: لا، قال: "سقط
من عيني"، قيل: وكيف
ذاك يا رسول الله؟! قال:
"لأنّ المؤمن إذا لم
تكن له حرفة يعيش بدينه"49،
وقال صلى الله عليه و
آله وسلم: "إنّ الله
تعالى يحبّ العبد المؤمن
المحترف"50،
ونقل عن الإمام عليّ عليه
السلام قوله: "إنّ
الله يحبّ المحترف
الأمين"51.
4- مكانة العمل
والعامل في الإسلام:
عن أبي جعفر عليه السلام
قال: "من طلب الدنيا
استعفافاً عن الناس وسعياً
على أهله وتعطّفاً على
جاره، لقي الله عزَّ وجلَّ
يوم القيامة ووجهه مثل
القمر ليلة البدر"52.
وعن أيّوب قال: كنّا
جلوساً عند أبي عبد الله
عليه السلام إذ أقبل علاء
بن كامل، فجلس قدّام أبي
عبد الله عليه السلام
فقال: ادع الله أنْ
يرزقني في دعة، قال عليه
السلام: "لا أدعو لك،
اطلب كما أمرك الله عزَّ
وجلَّ"53.
وعن موسى بن بكير قال:
قال لي أبو الحسن موسى
عليه السلام:
"من طلب هذا الرزق من
حله ليعود به على نفسه
وعياله، كان كالمجاهد في
سبيل الله"54.
وعن خالد قال: قال أبو
عبد الله عليه السلام:
"اقرؤوا من لقيكم من
أصحابكم السلام، وقولوا
لهم إنّ فلان بن فلان
يقرئكم السلام وقولوا لهم:
عليكم بتقوى الله، وما
ينال به ما عند الله،
إنّي والله، ما آمركم
إلّا بما نأمر به أنفسنا،
فعليكم بالجدّ والاجتهاد،
وإذا صلّيتم الصبح
فانصرفتم فبكِّروا في طلب
الرزق واطلبوا الحلال،
فإنَّ الله سيرزقكم
ويعينكم عليه"55.
وعن العلاء قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام
يقول: "أيعجز أحدكم أنْ
يكون مثل النملة، فإنّ
النملة تجرّ إلى حجرها"56.
وعن الصدوق قال: كان أمير
المؤمنين عليه السلام
يخرج في الهاجرة في
الحاجة قد كفيها، يريد أنْ
يراه الله يتعب نفسه في
طلب الحلال57.
وعن أبي حمزة قال: رأيت
أبا الحسن عليه السلام
يعمل في أرض له قد
استنقعت قدماه في العرق،
فقلت: جعلت فداك، أين
الرجال؟ فقال: "يا عليّ،
قد عمل باليد من هو خير
منّي ومن أبي في أرضه"،
فقلت: ومن هو؟ فقال: "رسول
اللهصلى الله عليه و آله
وسلم، وأمير
المؤمنين عليه السلام،
وآبائي كلّهم كانوا قد
عملوا بأيديهم، وهو من
عمل النبيّين والمرسلين
والأوصياء والصالحين"58.
5 - حق العامل وواجبه:
"العمل" شعار رفعه
الإسلام لمجتمعه وحدّد
حقوق العامل وواجباته:
أ - حقّ العامل:
• أن يوفّى أجره المكافى
لجهده دون حيف عليه أو
مماطلة له، "اعطوا
الأجير أجره قبل أن يجفَّ
عرقه".
• أن توفَّر له حياة
كريمة تتناسب مع ما يبذله
من جهد وعرق، قال سبحانه:
﴿
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ
مِّمَّا عَمِلُواْ
﴾59.
• أن يُمنح ما هو جدير به
من تكريم المجتمع كلّه له،
قال سبحانه:
﴿
وَقُلِ اعْمَلُواْ
فَسَيَرَى اللّهُ
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ
﴾60.
• أن يجد الحماية التي
تحول دون غبنه واستغلال
ظروفه، قال سبحانه في
الحديث القدسيّ الجليل:
"ثلاثة أنا خصمهم يوم
القيامة: رجل أعطى بي ثمّ
غدر، ورجل باع حرّاً فأكل
ثمنه، ورجل استأجر أجيراً
فاستوفى منه ولم يعطه
أجره"61.
ب- واجبات العامل:
• أن يؤدّي عمله على
الوجه الأكمل، وهو ما
عُبِّر عنه في الروايات
بالإتقان.
• أن يتّبع توجيهات إدارة
العمل.
• أن يحافظ على أسرار
المهنة والعمل.
• أن يأخذ في اعتباره
مصلحة صاحب العمل.
• أن لا يتعاون بأيّ بشكل
مع المؤسّسة المنافسة
للمؤسّسة التي يعمل بها
بما يخالف أنظمة عمله.
6- مبدأ تحصيل الرزق
والتعامل معه:
لقد وضعت الشريعة ضوابط
دينيّة وأخلاقيّة في
كيفيّة تحصيل الرزق،
والتعامل معه، أهمّها:
أ- ألاَّ يكتسب المال من
غير حلّه، كالخمر والقمار
والأشياء الضارّة.
ب- ألاَّ ينفق المال في
غير حلّه، كالمحرّمات،
ومنه الإسراف والتبذير.
ج - أنْ يعطي المال لأجل
الضروريّات الإسلاميّة،
إذا توقّف عليه بأنْ لم
يكن للدولة مورد آخر، ومن
ذلك شؤون الدفاع والجهاد،
قال سبحانه:
﴿ وَجَاهِدُواْ
بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنفُسِكُمْ
﴾62.
د - ندب الإسلام إلى
الصدقات والخيرات
والمبرّات، كما ندب ألاَّ
يربح المؤمن من المؤمن
إلاّ بقدر، وأن يوسّع على
عياله، وأن تظهر النعمة
عليه، دون تبذير أو إسراف.
7 - الفوائد والآثار
الفرديّة والاجتماعيّة
للعمل:
أ - إشباع الحاجات
النفسيّة:
يساهم العمل في إشباع
الحاجات النفسيّة للإنسان
كالحاجة إلى الاحترام
والتقدير، والحاجة إلى
إثبات الذات. والعمل
يقوّي كيان الإنسان
المعنويّ وينمّي الروح
الاجتماعيّة، ويصنع
الإرادة القويّة.
ب- توفير المتطلّبات
الماديّة:
العمل هو الذي يجعل
الإنسان قادراً على توفير
حاجاته الماديّة.
ج - تنشيط الاقتصاد:
إنّ توظيف الشباب يحقّق
تنشيطاً للاقتصاد، إذ إنّ
الاقتصاد عبارة عن دورة
ماليّة متكاملة.
د - الحفاظ على الأمن
الاجتماعيّ:
يؤدّي توفير فرص وظيفيّة
للشباب إلى خلق حالة من
الأمن الاجتماعيّ، في حين
أنّ البطالة وعدم قدرة
الشباب في الحصول على
الوظائف والأعمال
المناسبة يساهم في انتشار
الجرائم، وكثرة السرقات،
ممّا يؤدّي إلى الإخلال
بالأمن الاجتماعيّ العامّ.
[1] وسائل الشيعة ج12
ص4.
|