المحاضرة الأولى: مسلم بن عقيل سفير الحسين عليه السلام

الهدف:
التعرّف على شخصيّة مسلم بن عقيل, وأهمّ ما تمتاز به هذه الشخصيّة الفذّة من صفات قياديّة رائدة.

تصدير الموضوع:

زيارته رضوان الله عليه: "سلام الله وسلام ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين وجميع الشهداء والصدّيقين، والزاكيات الطيّبات فيما تغتدي وتروح عليك يا مسلم بن عقيل"1.


135


المقدّمة:
من الشخصيّات البارزة في النهضة الحسينيّة والتي احتلّت مكانة خاصّة عند الإمام الحسين عليه السلام مبعوثه وسفيره لأهل الكوفة مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه. وإنّ التعرّف على جوانب من حياة هذه الشخصيّة وأهمّ ما كانت تمتاز به من صفات وخصائص له الدور الكبير في استفادة الدروس والعبر سواء على مستوى الفرد, أو على مستوى الأمّة ومستقبلها.

محاور الموضوع
1- نشأة مسلم:

نشأ مسلم في بيت والده عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه, ذلك الرجل الذي كان يحبّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وقاتل معه وشاركه في حروبه ضدّ المشركين جنباً إلى جنب أخيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وبعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان قد كُفَّ بصره ومع ذلك كان صلباً في مواجهة الأعداء فأرسل إلى أخيه الإمام عليّ عليه السلام يخبره باستعداده لتوجيهاته في مواجهة الأمويّين, فأجابه الإمام عليه السلام برسالة يعذره فيها ويطيّب خاطره.

وكان عقيل عالماً بأنساب قريش وأيّامها, ومن الطبيعيّ أن


136


يكون عالماً حينئذٍ بصاحب النسب الصحيح من غيره, ومحاسن القوم ومساوئهم, لذا كان بعضهم يبغضه لأنّه كان يعدّ مساوئَهم.

وفي هذا البيت المحاط بالمجد من جنباته: جدّ كأبي طالب المدافع الأوّل عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, وعمٌّ كأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام, وأب صلب وحازم وشجاع كعقيل بن أبي طالب, نشأ مسلم نشأة الرجل الواعي, والعالم الخبير بأيّام العرب, والحروب والأجواء المحيطة في عصره.

2- مسلم وأسرته:

اقترن مسلم برقيّة بنت الإمام عليّ عليه السلام وغيرها, وكان لديه أربعة أبناء أو خمسة على اختلاف بين المؤرّخين, قضى منهم اثنان بين يدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام في كربلاء, كما قضى ثلاثة من إخوته وآخرين من بني عقيل.

وعندما أعذرهم الإمام الحسين عليه السلام وأحلَّهم من بيعته بعد شهادة مسلم فقال لهم: "حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا فقد أذنت لكم". أبوا ذلك قالوا له: إذاً ما يقول الناس وما نقول لهم؟ إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن برمح ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا, نقاتل معك حتّى نرد موردك, فقبّح الله العيش بعدك!!


137


وكانت رقيّة زوجة مسلم مع أخيها الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وقد شاهدت ما جرى على أخيها وأهل بيته وأصحابه وشاركتهم في تقديم التضحيات وسبيت فيمن سبي مع النساء.

ولوفاء هؤلاء فقد حفظ الإمام زين العابدين عليه السلام لهم ذلك, فكان يوليهم عناية خاصّة, ففي بعض الروايات أنّه عليه السلام كان يميل إلى ولد عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقال: "إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام فأرقّ لهم"2.

3- مسلم في حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:

رُوي عن ابن عبّاس أنّه قال: قال عليّ عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا رسول الله، إنّك لتحبّ عقيلاً؟ قال: إي والله إنّي لأحبّه حبّين: حبّاً له، وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإنّ وَلَدَه لمقتول في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون. ثمّ بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي"3.

4- مع عمّه أمير المؤمنين عليه السلام:

في الفتوح لابن أعثم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام جعل على ميمنته في


138


صفّين الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل, وعلى الميسرة محمّد بن الحنفيّة ومحمّد بن أبيّ وهاشم بن عتبة المرقال4.

قال العلّامة السيّد عبد الرزّاق المقرّم رحمه الله:

إنّ رجلاً يراه عمّه أمير المؤمنين عليه السلام جديراً بقيادة الجيش يوم صفّين فيجعله على الميمنة في صفّ ولديه الإمامين السبطين عليهما السلام وابن أخيه عبد الله بن جعفر, ويجده سيّد الشهداء عليه السلام قابلاً لأهليّة الولاية على أعظم حاضرة في العراق "الكوفة" فيحبوه بالنيابة الخاصّة في الدينيّات والمدنيّات, لا بدّ وأن يكون أعظم رجل في العقل والدّين والأخلاق حتّى لا يقع الغمز والطعن فيمن يمثّل موقف الإمامة5.

5- مع سيّد الشهداء عليه السلام:

قال الشيخ المفيد في معرض ذكره لرسائل أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه السلام: وتلاقت الرسل كلّها عنده، فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس، ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله وكانا آخر الرسل: "بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين. أمّا بعد: فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم: أنّه ليس


139


علينا إمام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ. وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، فإنّ كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله. فلعمري ما الإمام إلّا الحكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام "6.

بهذه الكلمات الصغيرة في حجمها, الكبيرة في معناها, أوضح الإمام الحسين عليه السلام مكانة مسلم عنده, فهو أخوه وابن عمّه وثقته من أهل بيته..
6- من أهمّ مميّزات شخصيّته وموقفه:
أ- الجانب المعنويّ: جاء في زيارته: "السلام عليك أيها العبد الصالح".
ب- الطاعة لله ورسوله والأئمّة عليهم السلام: في زيارته أيضاً: "المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام".
ج- الشجاعة وتنفيذ المهمّة مع بقائه وحيداً: وهذه صفة اكتسبها من عمّه أمير المؤمنين عليه السلام الذي روي عنه قوله: "والله لو لقيتهم فرداً وهم ملأ الأرض ما باليت ولا استوحشت وإنّي من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لعلى


140


ثقة وبيّنة ويقين وبصيرة وإنّي إلى لقاء ربّي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر"7.

د- الصبر والثبات والتحمّل: حتّى النهاية والشهادة.
هـ- محبّته وعشقه ومواساته لسيّد الشهداء عليه السلام: وهذا ما أشارت إليه الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً لعقيل: "وإنّ ولده لمقتول في محبّة ولدك". وقد تجسّد هذا العشق والحبّ عندما دمعت عيناه وقد أخذ أسيراً: فقيل له: إنّ من يطلب مثل الذي تطلب، إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك. قال: إنّي والله ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحبّ لها طرفة عين تلفاً، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ، أبكي للحسين عليه السلام وآل الحسين8. وكذلك مواساته للحسين عليه السلام في القتل عطشاً, وحمل رأسه إلى يزيد في الشام.

بكتك دماً يا بن عمّ الحسين              مدامع شيعتك السافحه
ولا برِحت هاطلات العيون               تُحييِّك غاديةً رائحه
لأنّك لم تُروَ من شَربةٍ                   ثناياك فيها غدت طائحه


141


هوامش

1- المزار ص 177.
2- كامل الزيارات ص 214.
3- أمالي الشيخ الصدوق ص 191.
4- الفتوح ج 3 ص 29.
5- الشهيد مسلم بن عقيل للمقرّم ص 41.
6- الإرشاد ج 2 ص 38- 39.
7- بحار الأنوار ج 33 ص 572.
8- المفيد: الإرشاد ج 2 ص 59.